في اللحظة التي أدركت فيها زين (37 عامًا) أن وزنها بلغ 90 كيلوغرامًا قررت فورًا الحصول على موعد مع طبيب. عانت زين لمدة خمسة شهور من أعراض إرهاق شديد رافقه تقلب حاد في المزاج، لكنها تجاهلت الأعراض لظنها أن السبب هو عملها كمعلمة تقضي ما يصل إلى 12 ساعة أحيانًا في الوقوف والعمل. في العيادة وبعد أن أنهت الطبيبة الفحص قالت لزين: «احمدي ربك إنك مخلفة، لأنه المبيض عندك منتهي، والتكيس عندك كتير عالي». ترك هذا زين في حالة من الصدمة، لم تكن تتوقع أبدًا أن يكون التشخيص هو تكيس المبايض. تقول: «كان عمري 31 سنة ومن دون أي مشاكل بالدورة، وفعلًا حمدت الله إني مخلفة وعندي ثلاثة أولاد».
تُعرّف منظمة الصحة العالمية متلازمة تكيس المبايض بأنها حالة شائعة تصيب النساء في سن الإنجاب بنسبة تتراوح بين 8% و13%. وهي عبارة عن اختلالات هرمونية وزيادة في مستوى هرمون الذكورة (الأندروجين) تؤدي إلى ظهور أكياس في المبايض. أهم أعراضها اضطرابات في الدورة الشهرية، وحب الشباب والبشرة الدهنية، وزيادة غير مفسرة بالوزن، وظهور شعر خشن غير مألوف في مناطق مختلفة من الجسم. وتتفاوت الأعراض في شدتها وتوقيت ظهورها.
يزيد تكيس المبايض من احتمالية ظهور حالات مرضية أخرى، كمقاومة الأنسولين والسكري من النوع الثاني وارتفاع الكوليسترول في الدم. وتعتبر المتلازمة سببًا بارزًا لانقطاع الإباضة، وهي مشكلة شائعة عند النساء، مسؤولة عما يقرب من 40% من حالات العقم. في الوقت نفسه فإن العقم الناتج عن انقطاع الإباضة هو نتيجة شائعة لمتلازمة تكيس المبايض، وحدوث المتلازمة لدى النساء المصابات بالعقم الناتج عن غياب الإباضة أعلى بنسبة 70% إلى 80%.[1] ورغم ارتفاع النسبة إلا أن العقم ليس حتميًا مع المتلازمة، فيمكن للمصابة الإنجاب وعيش حياة طبيعية من خلال التعامل مع الأعراض وتخفيفها، على اعتبارها حالة مزمنة لا يمكن الشفاء منها وإنما التكيف معها. علمًا بأن الأعراض تخف مع تجاوز النساء سن الإنجاب نظرًا لتغير طبيعة هرمونات الجسم.
تعتبر الأدوية جزءًا مهمًا من الخطة العلاجية لمتلازمة تكيس المبايض وتختلف باختلاف الحالة. تستخدم عادةً أدوية السكري والمُكملات الغذائية التي تساعد في ضبط مستوى السكر في الدم أو السيطرة على الوزن، إلا أن حبوب منع الحمل هي أكثر الأدوية شيوعًا في التعامل مع متلازمة تكيس المبايض، بحسب أزهار النادي، أخصائية أمراض النسائية والتوليد والعقم. تقلل حبوب منع الحمل هرمون الأندروجين، مما يؤدي إلى انتظام الدورة الشهرية وتقليل احتمال الإصابة بسرطانات الرحم والمبيض. لكن محاذير كثيرة يجب أخذها بعين الاعتبار عند وصف كل نوع من الأدوية بحسب النادي، فمن الخطر وصف حبوب منع الحمل لمريضة لديها استعداد وراثي لسرطان الثدي أو معرضة لتجلطات في عمر مُبكر. ولا يمكن وصف مساعد السكري (الكلوكوفاج) لمصابة تعاني من نقص فيتامين B12، أو وصف مكملات غذائية لمن تعاني من نحافة شديدة، وبالتأكيد يُفضل تجنبها في حالات المراهقات، لتقوم الخطة العلاجية أولًا على تنظيم حياتهن وأنماطهن الغذائية، كتقليل الاعتماد على النشويات والدهون، وتقليل السهر الذي يؤثر على عمليات حيوية لا تتم إلا بالنوم العميق.
معدل انتشار المتلازمة في الأردن يبلغ حوالي ألفي حالة من كل مئة ألف نسمة. تُشخص معظم الحالات بين سن العشرين والثلاثين، ويكون الأثر الأكبر على المصابة في العقدين الثالث والرابع من عمرها.
وصفت الطبيبة لزين الجلوكوفاج، وهو عقار مضاد لارتفاع السكر في الدم، ليساعدها على خسارة الوزن. ونصحتها أن تزور أخصائي غدد صماء، ليتبين بعد زيارته أنها تعاني من كسل في الغدة الدرقية وارتفاع في هرمون الحليب ومقاومة الأنسولين، وجميعها أمراض ترتبط بمتلازمة تكيس المبايض. وصف لها طبيب الغدد علاجًا للغدة وأعاد تنظيم جرعات مضاد السكري وتوقيته بما يتناسب مع العلاج، كما وجهها لاتباع نظام حياة صحي، ساعدها كثيرًا في نزول وزنها واستعادة طاقتها وحيويتها، تمثل في تقليل الكربوهيدرات في وجباتها وتجنب الجلوتين، الذي يلعب دورًا في تقليل نشاط الغدة الدرقية.
تتجاوز المشكلة صعوبة إيجاد طريقة للتكيف الجسدي، وقد تتخطاها في بعض الحالات لتعقيدات نفسية إضافية، حيث ترتبط متلازمة تكيس المبايض بزيادة خطر الاكتئاب والقلق والاضطراب ثنائي القطب واضطراب الوسواس القهري لدى النساء. كما أظهرت دراسة أخيرة أن معدل انتشار القلق والاكتئاب بين الإناث المصابات بالمتلازمة مرتفع في دول كالأردن وسوريا، ويتطلب اهتمامًا خاصًا من قبل المتخصصين في الرعاية الصحية، كتوفير مواد تثقيفية عن طبيعة المتلازمة وارتباط أسلوب الحياة بالأعراض الجسدية والنفسية. تصف زين أول ثلاث سنوات عاشتها بعد التشخيص بأنها الأصعب في حياتها. «تعليقات الناس ما بترحم، أوقات تعليق غير مقصود على وزني بخليني أنام بالليل أبكي، والمشكلة مع الأدوية الهرمونية بتصيري حساسة أكثر». اختارت زين اعتزال الناس، وقللت مشاركاتها في المناسبات الاجتماعية لتجنب التوتر والصداع الشديد الذي تبين لاحقًا أن أساسه نفسي: «فكرت في إشي براسي وعملت صورة رنين مغناطيسي، ولما ما طلع في إشي دكتور الدماغ حكالي أحسّن من حالتي النفسية لأنه هيك رح أدمر حالي».
بعد مرور السنوات الثلاث الأولى من التشخيص تخطت زين أزمتها النفسية. فمعرفتها بأساس المشكلة والطريقة المناسبة للتكيف معها ساعدها على تقبل حالتها وزاد ثقتها بنفسها. كما أن علاقاتها بزميلاتها في العمل، في ظل غياب الأم والأخوات، ساعدتها كذلك: «غرفة المعلمات فيها 20 معلمة، براهنك إنه فينا 15 بعانوا من التكيس أو أمراض الغدة، فنبلاقي وَنس. بنحكي بالموضوع بننصح بعض. بحس إني مش لحالي. بنتسلى وبنضحك أحيانًا على الموضوع».
تدرك زين أن أفضل طريقة للعيش مع المتلازمة هي الاستمرار في الروتين الصحي واعتماده كأسلوب حياة. وتؤكد أنها مرتاحة بعد أن اشترت جهازًا منزليًا للمشي، واستعانت بتطبيق يساعدها في تنظيم روتينها الغذائي وحساب ساعات الصيام المتقطع. لا تأخذ الكثير من الأدوية الآن، وإنما تكتفي ببعض المكملات الغذائية، والتي يحتاجها جسمها لعدم قدرته على امتصاص الحديد بالصورة المطلوبة حسب طبيبها. حالتها استقرت أكثر عندما عالجت مشكلة الغدة، لتتحسن معها باقي الأعراض، وتخلصها من مشاكل لم تكن تعلم أنها مرتبط بالغدة، كالثعلبة مثلًا.
تقول زين إنها تابعت حالتها مع طبيب الغدد لست سنوات: «التزمت ونزلت 15 كيلو. حملت بعمر 37، واللي هو عكس اللي قالتلي إياه الدكتورة لما شخصتني أول مرة». لم تكن زين تسعى للحمل والإنجاب في ذلك الوقت، لكنها اعتبرت حملها مؤشرًا على تحسن حالتها، وهي حامل الآن للمرة الثانية بعد التشخيص.
بحسب بحث -صدر عام 2019- حول عبء المتلازمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإن معدل انتشار المتلازمة في الأردن يبلغ حوالي ألفي حالة من كل مئة ألف نسمة. تُشخص معظم الحالات بين سن العشرين والثلاثين، ويكون الأثر الأكبر على المصابة في العقدين الثالث والرابع من عمرها. تتزايد الحالات في الأردن والمنطقة باستمرار، ومن المحتمل أن الطبيعة المتوارثة للمرض هي سبب الزيادة. ورغم الزيادة الإحصائية إلا أن نحو 70% من الحالات في العالم لا تشخص. وترتبط هذه النسبة المرتفعة بقلة الموارد في بعض البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في المنطقة. بالمقابل يزيد معدل التشخيص مع زيادة دخل الأفراد وارتفاع تحصيلهم العلمي، وبسبب هذه الفجوة في التشخيص فإن الأعباء العلاجية ترتفع في الدول ذات الأنظمة الصحية الأكثر تقدمًا بسبب ارتفاع معدلات الكشف. علمًا أن الأعباء العلاجية في الأردن أقل من متوسط نظيراتها في دول المنطقة، ما يؤشر إلى انخفاض معدل تشخيص المتلازمة نسبيًا بالمقارنة مع دول المنطقة.
اليوم، تتابع زين ابنتها بشكل مستمر من عمر 12 عامًا، وستبدأ بإجراء فحوصات دورية للغدة والرحم من عمر 16 عامًا، وتهدف من خلالها لتجنب أي تأخير في تشخيص محتمل لابنتها: «حكيت لبنتي إذا بتحسي بخربطة أو نفسيتك مش منيحة فورًا احكيلي. لأنه لو أنا كان عندي معرفة كافية بالموضوع ما كان وصلت لهون».
مراهقة غير مستقرة
بدأت تجربة رزان (24 عامًا) مع المتلازمة حين اصطحبتها والدتها للطبيبة في سنّ الثانية عشرة، عندما أدركت وجود أعراض لا تفهمها على ابنتها، «ماما ما كانت تعرف شو هو التكيس ولا شو لازم تعمل (..) هاد الإشي أثر عليّ لأنه صرت بعرف في إشي غلط بس ما بعرف شو هو». تصف رزان الأعراض بأنها حساسة جدا لفتاة في مرحلة المراهقة، فبالإضافة لانقطاع دورتها الشهرية لشهور، عانت من زيادة كبيرة في الوزن وشعر خشن في منطقة الذقن وحبوب في منطقة الرقبة والكتف كانت تؤلمها في كل مرة تحمل حقيبتها المدرسية. جعلتها الأعراض تفقد ثقتها بنفسها وتكره النظر لنفسها في المرآة حسب وصفها: «ما كنت أحب حالي لا بمريول المدرسة ولا باللبس العادي، وما بتأثر بمجاملات وانتقادات أمي وخواتي، فأنا بكره حالي لو شو ما حكوا».
أكثر ما يثير استغراب رزان عندما تتذكر تلك المرحلة أنها كانت تشعر بخوف شديد من دورتها الشهرية لا تعرف إن مرت به غيرها من المصابات، تصفه بأنه خوف كبير وغير مفهوم: «كانت نادرًا ما تيجيني الدورة، وكنت أخاف آكل أو أشرب مشان ما أفوت ع الحمام، وخوفي كان أكتر بكتير من اللي بعلن عنه».
لا تختلف الأعراض لدى المراهقات كثيرًا عنها لدى أي فئة عمرية أخرى بحسب النادي، إلا أن الاهتمام بالأعراض يختلف باختلاف العمر، فتهتم المراهقات والشابات أكثر بالأعراض الظاهرية كالشعر الزائد والسمنة وحب الشباب. بينما يشغل بال المُراجعات في الثلاثينات والأربعينات انقطاع الدورة الشهرية أو غيابها لفترة أكثر من المتوقعة، والتي يتجاوز غيابها مشاكل الحمل والإباضة إلى تأثيرات كبيرة على العظام والشعر واستعداد الجسم للسكري والضغط في عمر مبكر.
الاهتمام بأعراض المتلازمة يختلف باختلاف العمر، فتهتم المراهقات والشابات أكثر بالأعراض الظاهرية كالشعر الزائد والسمنة وحب الشباب. بينما يشغل بال المُراجعات في الثلاثينات والأربعينات انقطاع الدورة الشهرية أو غيابها.
وصفت الطبيبة لرزان مُكملات غذائية وطلبت منها مراجعتها كل ثلاثة شهور. ساهمت هذه المكملات بتقدم بسيط في انتظام الدورة الشهرية لديها، واستمرت على هذا الحال طوال فترة مراهقتها. ساءت الأمور حين دخلت رزان مرحلة التوجيهي في العام 2017، حينها زاد وزنها 10 كيلوغرامات تقريبًا، ودخلت بدوامة من قلق التوجيهي وانخفاض في المزاج تبعه كسل عام. لتأتي بعدها مرحلة الدراسة الجامعية والتي شعرت خلالها بمسؤولية أكبر تجاه صحتها وسيطرة أكبر على أسلوب حياتها، فتابعت مع أخصائية تغذية والتزمت بالنادي الرياضي. لم يعد مساعد السكري (الجلوكوفاج) الذي كانت تتناوله سابقا فعّالًا بالدرجة الكافية، فأضافت لها الطبيبة حبوب القرفة كمكمل غذائي يساعد في تحفيز هرمون الأستروجين، الذي يعتبر واحدًا من هرمونات الأنوثة ويؤثر على الجهاز التناسلي والخصائص الأنثوية في الجسم. لم يستمر هذا الاستقرار طويلًا، فقد أعاد الحجر المنزلي إثر جائحة كورونا في العام 2020 عادات صحية سيئة للظهور، كالأكل غير المنظم وقلة الحركة. كما عانت من تقلب المزاج. تقول رزان إنها وصلت لأماكن مظلمة جدًا في هذه المرحلة، حتى إنها زارت طبيبًا لإجراء عملية قص للمعدة، إلا أنه رفض لأن وزنها أقل من الوزن المسموح به لإجراء العملية. «كنت بدي أعمل أي إشي مشان أضعف (..) دخلت بحالات شره عصبي، وكنت آكل كأني بعاقب حالي».
خلال الفترة نفسها التي أخذت فيها حبوب منع الحمل كعلاج للتكيس، خضعت رزان لعلاج دوائي للتخلص من مشاكل البشرة يُعتبر الاكتئاب من أعراضه الجانبية، مما وضعها في حالة نفسية مضطربة. «عشت بدوامة، بطلت عارفة أي دوا اللي عاملي اكتئاب، والا أنا مكتئبة لحالي من دون دوا؟ ولحد هلأ ما بعرف، لأنه تركتهم مع بعض ووقفت كل الأدوية».
في العام 2022 قررت رزان فهم جسمها والتعلم عن المتلازمة من جديد. نقلها هذا الفهم لاتباع نظام غذائي صحي تتناول فيه ما يحلو لها باعتدال، مع تجنب الغلوتين الموجود بكثرة في المخبوزات والطحين الأبيض. كما تمارس الرياضة في البيت حسبما يناسب طاقتها ووقتها. وتستمر على نمط الحياة هذا لضبط الأعراض، والذي تبين من خلال مراجعاتها الأخيرة للطبيبة النسائية أنه يجدي نفعًا، وهو ما كانت تعرفه رزان مسبقًا حيث لاحظت انخفاض حدة الأعراض لديها: «صارت الدورة تيجيني بانتظام، وكل الأعراض خفت مع بعض، وزني، والمشاكل الجلدية، وحالتي النفسية، كله أحسن».
هذا التقرير جزء من زمالة حبر للصحافة الصحية، الممتدة من أيلول 2023 حتى آب 2024، وفيها تنخرط سبع زميلات من خلفيات معرفية متنوعة في إنتاج تقارير صحفية بقوالب مختلفة حول قضايا صحية تتقاطع مع الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
-
الهوامش
[1] 25% من حالات العقم لدى النساء تعود لاضطرابات الإباضة (أو التبويض) التي تعزى إلى عوامل الشيخوخة وانخفاض احتياطي البويضات واضطرابات الغدد الصماء، ومتلازمة تكيس المبايض، وغيرها. لكن، من بين هذه العوامل، تعد متلازمة تكيس المبايض السبب الأكثر شيوعًا حيث تتسبب بـ70% من حالات العقم المتربطة بالإباضة، أي أنها السبب في 28% تقريبًا من مجموع حالات العقم لدى النساء.