أصيبت منال (32 عامًا) بانزلاق غضروفي (ديسك)، قبل أربع سنوات، بعد أن حاولت حمل شوال زيتون يزن 50 كيلوغرامًا في مزرعة عمها، حيث كانت تساعد في القطاف. أخطأت وقتها في تقدير ثقل الكيس، فحاولت رفعه عن الأرض بحركة واحدة قوية، عندما انبثق أسفل ظهرها ألم حارق. وأخبرها الطبيب أنه «الديسك».
كانت وقتها في سنتها الجامعية الأخيرة. وابتداءً من ذلك اليوم، تقول إن حياتها فقدت السلاسة التي كانت عليها، إذ صار عليها أن تنتبه مسبقًا لكل الأفعال التي كانت في السابق تقوم بها بتلقائية؛ مثل الجلوس، والنهوض، والاستلقاء على السرير، والمشي والوقوف، والانحناء، وحمل الأشياء أو تحريكها. كل هذا، صار عليها أن تفعله بطريقة لا تثير الألم. الألم الذي هو في الحقيقة، حاضر طوال اليوم رغم المسكنات، لكن المقصود هو تجنّب «نوبة ديسك» شديدة، تقعدها في السرير ليومين على الأقل. إلا أن كل هذا الحذر لا يجدي كثيرًا، لأن منال تعمل في مركز أبحاث، وتعتمد وظيفتها على الجلوس ساعات طويلة أمام اللابتوب أو لإجراء مقابلات. وهذا أمر يزيد حالتها سوءًا.
تنفصل فقرات العمود الفقري عن بعضها بوسائد على شكل أقراص (discs) مكونة من مادة غضروفية، بداخلها مادة هلامية، هي ما يمكّن الظهر من الحركة، فينحني ويستدير بمرونة. والانزلاق الغضروفي، كما يشرح مستشار جراحة الدماغ والأعصاب، الدكتور عامر الشربجي، هو أن تخرج هذه المادة الهلامية من القرص الغضروفي، بفعل تآكله أو تمزقه، وتبدأ بالضغط على الأعصاب في النخاع الشوكي، مسببة الألم، وخدر الساق، وصعوبة الحركة. ويحدث هذا خصوصًا في منطقتين؛ القطنية، أي أسفل الظهر، ومنطقة العنق. وفي حين هناك أسباب كثيرة لآلام الظهر، فإن الديسك بالتحديد، يقول الشربجي، يترافق مع خدر في الأطراف السفلية، أو اليدين، في حالة ديسك الرقبة. ويجب هنا مراجعة الطبيب، الذي يؤكد تشخيصه بصورة رنين مغناطيسي.
علميًا فإن الفئة العمرية الأكثر إصابة بالديسك تقع بين 30 و50 عامًا. لكن الشربجي يقول إن مراجعيه تقع أعمارهم غالبًا بين 20 و50 عامًا.
الإصابة، كما في حالة منال، هي أحد مسببات الديسك. وهناك عوامل أخرى، هي الاستعداد الوراثي للإصابة، والتقدم في العمر الذي يُفقد الأقراص الغضروفية مرونتها، فتصبح أكثر قابليةً للتهتك. وهناك الوظائف التي تتطلب حمل أشياء ثقيلة، والسمنة التي تزيد الضغط على الأقراص، خصوصًا أسفل الظهر، وأنماط الوظائف التي تتطلب الجلوس لساعات طويلة خلال اليوم، ونمط الحياة الخامل الخالي من الحركة، والتدخين، إضافة إلى قيادة السيارات لفترات طويلة. وهذه الأخيرة هي سبب إصابة ياسين.
يعمل ياسين (57 عامًا) سائق تاكسي منذ 32 عامًا، عندما جاء في العام 1989 إلى عمان من قريته في الكرك باحثا عن فرصة عمل. وكان «ضمان» سيارة تاكسي، هي الفرصة الوحيدة المتاحة لشاب لم يكمل تعليمه المدرسي، وكل خبراته العملية كانت في العمل في الزراعة والحلال مع عائلته، إضافة إلى العمل بضع سنوات سائقًا لجرار زراعي.
ياسين، الذي تزوج في عمان، وأنجب خمس بنات وولد، شخص بالديسك في عام 2006، أي بعد 17 سنة من عمله في المهنة. كان خلالها يجلس خلف المقود ما لا يقل عن 14 ساعة يوميًا، يقطعها فقط نزوله بضع مرات ليحرك رجليه، أو ليتناول «سندويشة أو كاسة مي على الماشي».
يقول إن الإصابة حدثت فجأة؛ إذ عاد في أحد الأيام إلى المنزل، وشعر فجأة بتصلّب شديد في ظهره، وفقد قدرته على الحركة، لدرجة أن عائلته نقلته إلى الطبيب محمولًا على بطانية، حيث شخص بالديسك.
رغم أن أكثر الإصابات تبدأ بعد الثلاثين، لكن هذا لا يمنع إمكانية حدوثها في سن مبكرة جدًا، كما حدث مع رنا (22 عامًا)، التي شخصت في سن الرابعة عشرة بالديسك. كانت في المنزل عندما فجأة «حسّيت كإنه ظهري طقّ، وبطّلت قادرة أتحرك». وكان هناك ألم على امتداد ساقها اليسرى، كما لو أنه «سيخ» حارق. كانت رنا وقتها تمارس في المدرسة عدة رياضات. لكن الأطباء لم يربطوا بين إصابتها والرياضة، وأخبروها أن السبب، على الأرجح، هو استعداد جسدها جينيًا لتكوين «ديسك».
لقد قلبت الإصابة، في هذه السن، حياة رنا. أوقفت كل الرياضات، باستثناء السباحة التي داومت عليها يوميًا، بتوصية من الأطباء الذين قالوا إنها تساعد على تقوية عضلات الظهر. وبدأت رحلة اعتماد على المسكنات لتستطيع مواصلة حياتها اليومية بسلام. ولتستطيع الصمود في نشاطات، تقول إنها في منتهى البساطة لمن كانوا في عمرها، منها مثلًا الخروج مع الأصدقاء، والجلوس في مقهى.
الآن، وبعد ثماني سنوات من تشخيصها، اكتشف الأطباء إصابتها بديسك ثان. وحدث هذا بعد أشهر قليلة من عودتها من الخارج بعد أن أنهت دراستها في علم النفس. لقد كان الديسك الثاني أشد من الأول، لدرجة أنه أقعدها عن العمل. فقد اضطرت لترك وظيفتها في مركز خاص لأطفال مصابين بالتوحد، بعد شهرين فقط من العمل. لأن التعامل مع هذه الفئة من الأطفال كان يتطلب منها جهدًا جسديًا لم تقدر عليه.
الديسك غيّر حياتي
تقول منال إن الديسك غير الكثير في نظام حياتها الشخصية والمهنية. فهي فعليًا لا تستطيع الجلوس لأكثر من نصف ساعة متواصلة. وعليها بعدها أن تقوم لتمشي لبضع دقائق. وهذا متاح في المنزل، لكن ليس أثناء مقابلة مهنية، عندما يبدأ عدم الارتياح يظهر على وجهها رغمًا عنها، ما يوقعها في الحرج لأن «اللي قدامي ممكن يفسرها إنه أنا متضايقة منه». وليس حلًّا أن تقول للشخص إنها مصابة بالديسك، وبحاجة لأن تتمشى قليلا، لأن هذا سيقطع حبل أفكاره.
أيضًا هناك مشكلة عدم مناسبة المقاعد للجلوس في الأماكن التي تضطر لأن تكون فيها. بعد إصابتها بالديسك، فإن أول ما صار يلفت انتباهها عند الدخول إلى أي مكان، هو المقاعد. الكنب يجب أن يكون من النوع الصلب، والكراسي، يجب أن يكون ظهرها مسنودًا بمخدة. «وطبعًا إذا القعدة أرضي، قمة الإحراج، لأنك إذا قعدت بتبطل تعرف تقوم (..) والناس لما يعرفوا عندك ديسك، بصير بده يجيبلك كرسي، فأنت بتصير قاعد فوق، وكل الناس قاعدين تحت».
لم تعد تستطيع حمل حتى ما يعد خفيفًا نسبيًا. «يعني أنا حرفيا صينية عليها إبريق شاي وكاسات، ما بقدر أحملها». حتى اللابتوب صار يشكل عبئًا عليها، لهذا هي تحتفظ بجهاز في العمل وآخر في منزلها.
انتقلت منال مؤخرًا لعمل بعيد عن أسرتها، وهي عندما تطبخ، فإنها لا تستطيع مثلًا حمل الطنجرة وهي مليئة بالماء من الحوض إلى الغاز، بل تضعها فارغة على الغاز، وتنقل إليها الماء بكوب حتى تمتلئ. ولأنها لا تستطيع الانحناء، فإنها تضع كل ما تحتاجه في الرفوف العلوية، سواء كان هذا في المطبخ، أو خزانة الملابس، أو المكتبة.
علميًا فإن الفئة العمرية الأكثر إصابة بالديسك تقع بين 30 و50 عامًا. لكن الشربجي يقول إن مراجعيه تقع أعمارهم غالبًا بين 20 و50 عامًا.
تستخدم منال للتنقل سيارات الأجرة، التي يجعل انخفاض مقاعدها جسدها أكثر حساسية لحركة المركبة وارتطامها بحفر ومطبات الشوارع. «بحس العظمتين بصيروا يحكوا ببعض». لهذا يجب أن تنزل من السيارة ببطء، وعلى مراحل. وهذا يضطرها دائمًا للاعتذار كثيرًا من السائق، وإعطائه زيادة على أجرته.
لا يخطر لمنال بالطبع أن يكون سائق التاكسي نفسه مصابًا بالديسك. يقول ياسين إنه يواجه مواقف محرجة كثيرة، بالتحديد من الراكبات اللواتي معهن حقائب، ويتوقعن منه أن ينزل لوضعها في صندوق السيارة، غير مدركات للمشقة الهائلة التي يتكبدها، ليس من حمل الأثقال فقط، بل من مجرد النزول. في السنوات الأخيرة، ساء الوضع، بحيث إنه عند محاولته النزول من السيارة «بتحس إشي مسك بظهرك، كربج هيك، لا بتروح شمال ولا بتروح يمين (..) لا تقدر تنزل، ولا تقدر ترجع على السيارة».
لقد تزوج أربعة من أولاد ياسين، وظلت معه وزوجته في المنزل صبيتان، يقول إنه ما زال مضطرًا للعمل من أجل الإنفاق عليهما، ودفع أجرة الشقة. ولهذا ما زال يخرج كل يوم من السادسة صباحًا، ويبدأ معركة تأمين مبلغ «ضمان» السيارة البالغ 22 دينارًا، وكلفة البنزين، ليبدأ بعدها كسب النقود التي تمكنه من تأمين معيشة عائلته.
يقول ياسين إنه لا يستطيع حمل أحفاده، وفعل أشياء بسيطة مثل الانحناء لالتقاط شيء أو لبس الجوارب. «شايف تكون قاعد على الكنباية الصبح، وبدك تلبس جرابات؟ (..) هاي بتطلع عيون الواحد». كما أن صعوده إلى شقته في الطابق الرابع، حيث لا مصعد في العمارة، معركة يومية. «مرة أضرب بالدربزين، ومرة أضرب بالحيط». لهذا لا يستطيع العودة خلال النهار إلى منزله ليرتاح ويكمل العمل بعدها، لأنه غير مستعد لصعود الدرج مرتين خلال يوم واحد.
حتى العلاقات الاجتماعية تأثرت، يقول ياسين، فقد انقطع عن كل الناس الذين تتطلب زيارتهم صعود سلالم. وهو أمر تؤكده رنا، التي تقول إن الديسك أجرى بالفعل عملية غربلة لعلاقاتها. فما يحدث مع مريض الديسك هو أنه يحتاج إلى مساعدة من حوله، ويحتاج أيضًا إلى تفهمهم لحقيقة أنها، عندما ترافقهم مثلًا في نشاطات ترفيهية خارج المنزل، فإنها لا تستطيع مجاراتهم، وهذا يمكن أن يعيق حركتهم. إذ ستكون بحاجة لأن ترتاح خلال المشوار، أو حتى تقطعه لتعود إلى المنزل. وهذا وضع لا يفضل كثيرون التعامل معه «في ناس بخلص صبرها معك».
خيارات العلاج
يقول الشربجي إن العلاج يبدأ في العادة بعلاج طبيعي، ومسكنات. وهناك حالات توصف لها إبرة لتخفيف الألم، تعطى في الظهر. لكن الاستجابة لهذه الإبرة تختلف من شخص لآخر؛ فهناك من يتحسن وضعه. وهناك من لا يستفيد منها. يعتمد هذا على طبيعة الجسد، ونوع الديسك.
ينصح الشربجي بشدة بممارسة السباحة التي تساهم في تقوية عضلات الظهر، ما يساعد، ليس فقط على حماية الفقرة المصابة، بل وعلى حماية باقي الفقرات. لكن هناك علامات خطر، يقول إنها تستدعي تدخلًا جراحيًا، هي عندما يكون هناك ضعف شديد في الحركة، أو خدر الشديد، أو ألم قوي لا يستجيب للمسكنات، أو اضطراب في وظيفتي التبول والتبرز.
لكن الوصول إلى خدمة صحية نوعية تحددها الإمكانيات المادية للمريض، ونوع تأمينه الصحي. إلى ما قبل أربع سنوات، كان تأمين ياسين هو تأمين وزارة الصحة للمقتدرين «الكرت الأبيض»، ثم حصل من خلال «واسطة» على تأمين الأسر محدودة الدخل. ورغم توفر خدمة العلاج الطبيعي في وزارة الصحة، يقول ياسين إنه لا طبيب، خلال السنوات الـ16 الماضية ذكر له أي شيء عن علاج طبيعي أو سباحة. ورغم ذلك، يقول إنه لا يلومهم؛ فالطبيب الذي يضطر لرؤية عشرات المرضى، خلال ساعات محدودة، هي فترة العيادة، سيحتاج، في الحقيقة، إلى وقت أطول في حال «لو بده بس يسلم على كل واحد سلام».
بالنسبة لمنال، لا يوفر عملها تأمينًا صحيًا. ورغم ارتفاع راتبها نسبيًا، فإن التزاماتها المادية الثقيلة تجاه عائلتها لا تترك لها مجالًا للحصول على خدمة نوعية. فلم تخضع لأي علاج طبيعي بسبب ارتفاع كلفته.
النشاط الذي تقول إنه يمكن أن يعوّض نوعًا ما عن العلاج الطبيعي، بالنسبة إليها هو السباحة. وهذه أيضًا مكلفة. أقل مسبح وجدته كان يكلف 15 دينارًا في اليوم. وهذا مسبح، تقول إنه بمستوى أقل من المتوسط من ناحية التأهيل والنظافة. المسابح الأفضل أعلى من ذلك بكثير. وهي لا تفهم لماذا لا توفر الحكومة نوعًا من الاستثناء لمرضى الديسك. «أنا جاي أتعالج مع نفسي. معيش أدفع علاج طبيعي (..) صفّيت في الآخر مفيش علاج طبيعي، ومفيش علاج ممكن تعمله مع نفسك».
حتى مع تأمين صحي جيد، كالذي تتمتع به رنا، بفضل والدتها المحامية، كان هناك سقف لجلسات العلاج الطبيعي التي وافق التأمين على تغطيتها، وهي عشر جلسات. لكنها إلى ما قبل إصابتها بالديسك الأخير، كانت تسبح باستمرار. وهو أمر لم يمنع أنها رغم ذلك كانت مضطرة لتعاطي كميات كبيرة من المسكنات يوميًا «من كثر ما أخذت مسكنات، نسيت أسماءها».
خلال دراستها الجامعية في الخارج، جرّبت رنا اليوغا، التي ثبت أن لها تأثيرًا إيجابيًا فيما يتعلق بتقوية العضلات، والتخفيف بالتالي من الألم. مع مراعاة أن هذا علميًا لا يناسب جميع الأعمار والأجساد. لكنه ناسبها. وخفّضت أربع سنوات من ممارسة اليوغا، اعتمادها على المسكنات.
ينصح الشربجي بشدة بممارسة السباحة التي تساهم في تقوية عضلات الظهر، ما يساعد، ليس فقط على حماية الفقرة المصابة، بل وعلى حماية باقي الفقرات. لكن مع الانتباه إلى علامات الخطر التي تستدعي تدخلًا جراحيًا.
لكن وضع رنا انتكس بعد عودتها من الخارج؛ فقد اضطرت للتوقف عن ممارسة اليوغا بسبب إجرائها عملية جراحية لا علاقة لها بالديسك. وخلال فترة التوقف، أصيبت بآلام شديدة في ظهرها أقعدتها في السرير. وكان هذا عندما شخصت بديسك ثان. وقبل شهر تقريبًا، أخذت إبرة الظهر، التي خفّفت ألمها إلى حدّ مكّنها من العودة تدريجيا للسباحة، التي تراهن على أنها ستقوي عضلاتها بما يسمح لها للعودة إلى ممارسة اليوغا.
ياسين أخذ الإبرة ذاتها قبل أربع سنوات. وتكفل صديق له بدفع 140 دينارًا ثمنها. يقول إن الألم خف لثلاثة أيام فقط. ثم عاد الوضع إلى ما هو عليه. بعدها وجد إعلانًا على فيسبوك عن شخص يعالج الديسك بالطب العربي. كواه الرجل في ثلاثة أماكن؛ مشط القدم، تحت الركبة، وأعلى الفخذ. وقال إن مكان الكي في منطقة القدم التهب لدرجة تآكل فيها اللحم، واستغرقه سنة كاملة من العلاج حتى شفيت قدمه. «رحت ما أخسر رجلي من وراها».
يرفض ياسين الخضوع لعملية بسبب خوفه من تبعاتها، فهو مقتنع أن إجراءها في منطقة حساسة قريبة من النخاع الشوكي يمكن أن يتسبب له بالشلل. وهنا يلفت الشربجي إلى أن التخوف الشائع من العواقب الخطرة لعمليات الديسك ينتمي لمرحلة سابقة، كانت فيها هذه العمليات تجرى بطريقة تقليدية. حاليًا، تطورت تقنيات إجرائها، فصارت أكثر بساطة، وارتفعت بشكل كبير نسب نجاحها.
ومع ذلك، يقول ياسين إنه مستعد لتحمل الألم مهما بلغت شدته. ويستعين على ذلك بالمسكنات، التي يقول إنه من أربع سنوات بدأ بشرائها على حسابه الخاص، لأن الأنواع التي تصرف في مراكز وزارة الصحة أتعبت جسده. يشتري ياسين نوعًا تباع العلبة منه بستة دنانير، وتكفيه أسبوعًا تقريبًا. وقد اضطر مع الوقت لتجاوز الجرعة المدونة على نشرة الإرشادات، حتى يستطيع مواصلة حياته ووظيفته.
تحتفظ منال بالمسكنات، في كل ركن في المنزل، تحسبا من مداهمة الألم لها في أي وقت. «شريط البنادول هذا موجود على الثلاجة، جنب السرير، على الكنباية على المكتب، بشنطتي طبعًا دايمًا».
تقول منال إن مشكلتها مع المسكنات هي أنها تخدر الآلام التي من المفترض أن تعمل كإشارات تحذيرية لما يحدث في الجسد. وهذا ما يرعبها، أن يكون هناك ما يجري في جسدها ولا تكون منتبهة له كي تتداركه في الوقت المناسب. الأمر الآخر أن فعالية المسكنات تتناقص، ويضطر من يتعاطاها إلى زيادة جرعتها مع الوقت، للحصول على المفعول نفسه. وبذلك هي تخاف أن تصل إلى مرحلة لا تعود فيه المسكنات قادرة على تسكين ألمها.
تأمل رنا أن تعود بجسدها إلى مرحلة ما قبل عودتها إلى الأردن. وفي الأثناء، لا تستطيع منع نفسها من الشعور بالأسى، وهي تشاهد كيف تتقدم حياة من هم في مثل عمرها «وأنا في التخت». تشعر بالأسى لأنها من أجل ممارسة نشاطات عادية، عليها أن تجري الكثير من الحسابات. «ما حدا بعمري بفكر هيك». وهذا ما يؤرق منال أيضًا، هذا الإحساس بالهرم الذي تقول إنها صارت تختبره منذ إصابتها. ولا يتعلق الأمر هنا فقط بالقيود على الحركة، هناك «ضيق الخلق» الذي طوّرته بعد فترة من إصابتها، وذلك بسبب الألم المستمر طوال اليوم. فالمسكنات لا تزيله نهائيًا، إنها فقط تخففه، ويظلّ موجودًا في الخلفية طوال اليوم. وهي في خضم الحياة اليومية تنساه «زي ما يكون جسمي طبّع معه»، لكنه يعبّر عن نفسه على شكل توتر وعصبية لم يكونا من سمات شخصيتها قبل الإصابة.
بالنسبة لياسين، هو يشعر بالحزن لأن حياته أخذت هذا المسار الذي قاده إلى مهنة سببت له هذا الضرر. وما زال رغم تردي حالته الصحية، مضطرًا لمواصلة العمل فيها. قبل الإصابة، يقول إنه كان حيويًا مثل «طير برّ»، والآن «ولا بقلي بيضة».
* كل أسماء المرضى في التقرير مستعارة، حفاظًا على خصوصية أصحابها.