«تعلّمتُ المشي من جديد كأني طفلة»، هكذا تمكنت هنادي* (65 عامًا) من العودة إلى الحركة باستخدام آلة المساعدة على المشي «الووكر» (Walker)، وممارسة أنشطتها اليومية المعتادة باستقلاليةٍ بعدما ظلت لأشهرٍ طريحة الفراش غير قادرة على تحريك رجلها اليسرى إثر كسرٍ تسبب به سقوطها أواخر كانون الأول الماضي.
هنادي ربة منزل عزباء تعيش مع شقيقها الخمسينيّ. وكانت في أحد الأيام تقف على كرسي يساعدها على نشر الملابس على حبل الغسيل، لكن «رجلي ما حملتني، فوقعت، وحسيت بألم كتير وما قدرت أقوم، فاتصلت على الإسعاف على طول»، تقول هنادي. نُقلت فورًا إلى مستشفى حكومي، ليُظهر تصوير الأشعة إصابتها بكسرٍ في مفصل الورك الأيسر؛ المفصل الذي يربط عظمة الفخذ بعظمة الحوض، لتكون بذلك واحدة من ملايين كبار السن حول العالم ممن يعانون من كسور العظام.
فضلًا عن الآلام المرافقة لها، تكمن خطورة الكسور لدى المسنّين بإعاقة المصابين بها عن النشاط اليومي المعتاد لهم وحاجة الكسر إلى وقت أطول للالتئام. وبالنسبة لكسر الورك فتتمثل خطورته -على خلاف معظم الكسور الأخرى- بعدم إمكانية علاجه إلا بالتدخل الجراحي.
عمومًا، تضمّ العظام داخلها النخاع العظمي الذي يحتوي بدوره على خلايا الدم حيث تُخزن المعادن وأهمها الكالسيوم، وتُطلِق خلايا تسمى «هادمات العظام» هذه المعادن إلى الجسم باستمرار، عبر تحليل وهدم النسيج العظمي. ولتعويض هذا الهدم، يستبدل الجسم طوال حياة الإنسان العظام القديمة بأخرى جديدة، وبشكل تدريجي يُستبدل ما معدله 5-10% من مجمل النسيج العظمي سنويًا، أي أن الجسم يستغرق 10 سنوات لاستبدال العظام كاملة.
في سن الشباب، يتجاوز معدل بناء العظام معدل الهدم، فتزداد كتلة العظام وقوتها حتى تصل الذروة في منتصف العشرينيات، ثم في الثلاثينيات من عمره يبدأ الإنسان ببطءٍ بخسارة قوة عضلاته وعظامه إذ يتجاوز معدلُ الهدم معدلَ البناء، ومع سن الستين تصير عملية الخسارة هذه سريعة ومنهكة، ما يؤثر عمومًا على صحة العظام وكثافتها وكذلك كتلة العضلات، ما يجعل كبار السن الأكثر عرضة للإصابة بالكسور.
وإن كان كسر الحوض والرسغ والجزء العلوي من عظمة الذراع والفقرات في العمود الفقري كسورًا شائعة عند كبار السن، إلا أن كسر الورك هو الأكثر شيوعًا، بل إنه أحد الأسباب الرئيسية لدخول كبار السن إلى المستشفى، ما يمثل مشكلة اجتماعية واقتصادية متزايدة خصوصًا مع التغيرات الديموغرافية وزيادة عدد كبار السن في العالم. ومن المتوقع أن يصل معدل الإصابة بكسور الورك إلى 6.26 مليون في العالم بحلول العام 2050، ما قد يشكل تحديًا لأنظمة الرعاية الصحية. يُذكر أن دراسة -منشورة عام 2022- قدّرت أن المعدل السنوي للإصابة بكسور الورك لدى المسنين ممن متوسط أعمارهم 75 عامًا في الأردن يبلغ 96 لكل 100 ألف فرد، وهو معدل مقارب لمعدلات كسور الورك في الدول المجاورة.[1]
عظام هشّة
يحدث الكسر عندما تكون القوة المطبقة على العظام أكبر من قدرتها على التحمل، وبعد أن تفقد العظام كثافتها في حالة كبار السن فإن قوة غير كبيرة بالضرورة قد تسبب كسرًا في العظم، حيث إن هشاشة العظام تعد العامل الأساسي في تعرضهم للكسر. علمًا بأن النساء أكثر عرضة للإصابة بهشاشة العظام إذ تبدأ كثافة العظام لديهن بالانخفاض بوتيرة سريعة بعد انقطاع الطمث، بسبب انخفاض هرمون الأستروجين وهو هرمون مرتبط بعملية إعادة تشكيل العظام.
بعد سقوطها، وتعرض مفصل الورك للكسر، اكتشفت هنادي بعد الفحص إصابتها بهشاشة العظام، ورغم شعورها سابقًا بألم خفيف في الظهر، وعدم قدرتها على الوقوف لفترات طويلة، إلا أنها لم تعِر الأمر اهتمامًا معتقدة أنها أعراض تعب عادي: «ما عمري جربت أفحص وأشوف شو مالي».
نظرًا لانتشار كسور الهشاشة بشكل واسع بين كبار السن، فإنه من المهم إجراء فحص هشاشة العظام بعد عمر الستين، خصوصًا للنساء المعرضات أكثر من غيرهن للإصابة بها كأن يوجد تاريخ إصابة لدى عائلتهن. وإذا أثبت الفحص ذلك، فإن إجراءات العلاج تعتمد على درجة الإصابة، فقد يمكن السيطرة عليها إذا كان فقدان العظام خفيفًا من خلال التمارين الرياضية وتناول غذاء صحي يحتوي الكثير من الحبوب الكاملة والخضروات والفواكه والأطعمة الغنية بالكالسيوم. في حين قد يتطلب العلاج أدوية[2] تعمل على تخفيض معدل هدم العظام في حال كان فقدان العظام شديدًا.
فضلًا عن الآلام المرافقة لها، تكمن خطورة الكسور لدى المسنّين بإعاقة المصابين بها عن النشاط اليومي المعتاد لهم وحاجة الكسر إلى وقت أطول للالتئام. وخطورة كسر الورك تتمثل بعدم إمكانية علاجه إلا بالتدخل الجراحي.
كانت إصابة هنادي متوسطة، فلم تحتج أدوية الهشاشة، إنما كتب لها الطبيب فيتامين (د) ونصحها بإدراج طعام صحي في برنامجها الغذائي، ولم تكن هنادي تكترث كثيرًا لنوعية طعامها إلا بعدما أصيبت بالسكري في منتصف الخمسينات من عمرها حين اضطرت إلى تخفيف السكريات في غذائها.
بعد تشخيصها بالكسر والهشاشة، ولأنها مصابة بالسكري والضغط، ظلت هنادي في المستشفى تحت المراقبة عشرة أيام قبل خضوعها لعملية استبدال المفصل. يقول أخصائي جراحة العظام والمفاصل، مظفر الجلامدة، إن كسور الورك تتطلب عملية جراحية بأسرع وقت ممكن، وهو ما يعتمد على التاريخ المرضي للمصاب، فيؤخذ بالحسبان مثلًا إمكانية الإسراع في تخدير المريض، وتقييم كفاءة أداء القلب، وتعديل مستويات الضغط والسكري، وتناول المريض لأدوية مميعة من عدمه، كما يلعب سن المريض دورًا، إن كان في الستين أو السبعين أو الثمانين من عمره، إذ من الضروري السيطرة على الوضع الصحي العام للمريض قبل إجراء العملية من أجل تقليل المضاعفات المحتملة أثناء العملية وبعدها.
أجرت هنادي العملية، وبعد أسبوعين ظل الألم يرافقها كلما حاولت تحريك رجلها حتى إنها لم تتمكن من المشي، علمًا بأن التوصيات الطبية تنصح بضرورة العودة للمشي والحركة في اليوم التالي للعملية، حيث إن تحريك موقع الجراحة يعزز الدورة الدموية، ويمنع تشنجات العضلات وتصلبها، كما يساعد في تحريك الأمعاء ومنع احتباس البول، ويمنع -على المدى الطويل- ضعف الوظائف الجسدية. لذا يجب أن يخضع المريض لعلاج طبيعي ووظيفي يتضمن تمارين المشي، مع تدريبه على استخدام الووكر، ليتمكن من استرجاع حركته بشكل تدريجي.
مع استمرار الألم، عادت هنادي إلى المستشفى برفقة أختيْها اللتين تتناوبان على العناية بها بعد إصابتها بالكسر. واتضح بعد الأشعة وجود برغي منفلت من مكانه، وقد حدد لها موعد العملية الثانية لتثبيت البرغي بعد أسبوعين من مراجعتها، وهي فترة قضتها طريحة الفراش لا تنهض عنه إلى كرسيها المتحرك إلا بمساعدة.
ماذا بعد الكسر؟
قبل الكسر، كانت حركة هنادي تقتصر على الأعمال المنزلية أو المشاوير قصيرة المسافة: «كنت أعتبر التنظيف رياضة، ما حدا وعّاني إنه لازم أهتم بحركتي أكتر». يُذكر أن قلة النشاط الحركي وسوء التغذية هي أسباب غير مباشرة للكسور، وأن التمارين الرياضية تقلل بشكل كبير من مخاطر السقوط عند المسنين، بما في ذلك مثلًا تمارين القوة، والمشي، والتوازن، والمرونة.
وهو ما نصح الأطباء به هنادي بعد تثبيت البرغي، وإن كانت حينها لا تزال تحاول الاعتياد على المشي باستخدام الووكر، كما صرفوا لها دواء مميعًا (أسبرين) تجنبًا لأية جلطات محتملة. حاولت هنادي خلال فترة التأقلم مع المفصل الجديد النهوض عن الفراش بمساعدة إحدى أخواتها، وهو ما يعتبر أساسيًا في حالتها خاصةً مع إصابتها بالسكري وزيادة احتمالية إصابتها بالتقرحات لو ظلت على الفراش. بالمقابل، لم تخضع لجلسات علاج طبيعي بعد عمليتها الثانية، إذ لم يصفه لها الأطباء، ولا يمكنها تحمل تكلفته في القطاع الخاص. في كل الأحوال، ولأنها مضطرة للعودة إلى سابق حركتها للاعتناء بالمنزل وتحضير الطعام، أجبرت هنادي نفسها على التأقلم مع الووكر: «ببين إنه سهل المشي فيه، بس بدك وقت لتتعود عليه».
غالبًا ما تحدث الكسور لدى كبار السن بسبب السقوط، حيث تزيد عرضتهم لذلك نتيجة عوامل مرتبطة بالتقدم بالسن كانخفاض الاستجابة في «مستقبلات الضغط» التي تحافظ على ثبات ضغط الدم، أو زيادة الحساسية تجاه التأثيرات الجانبية للأدوية خاصة الدّوار، أو الإصابة بأمراض الضعف الإدراكي -كالخرف مثلًا- التي من شأنها تقليل الوعي بالسلامة، بالإضافة إلى اضطرابات المشي أو التوازن، وضعف البصر، وقد يحدث السقوط بفعل عوامل خارجية مرتبطة بالبيئة المحيطة بكبار السن كسجادة غير آمنة أو وجود الكثير من الأثاث حوله.
صباح أحد أيام حزيران 2023 استيقظت العاملة في منزل سناء* (85 عامًا) على صوتها وهي تصرخ: «رجلي، رجلي»، فهرعت إليها لتجدها نصف جالسة على الأرض غير قادرة على النهوض أو وصف الألم، نادت العاملة ابن سناء الذي يعيش في العمارة نفسها، وتواصلوا فورًا مع الإسعاف. قبل فترة قصيرة من تعرضها للسقوط، بدأت تظهر على سناء أعراض النسيان، لذا لا تذكر حتى الآن ما تسبب بسقوطها، «افترضنا يا كانت رايحة على الحمام أو راجعة ومو كتير مصحصحة فوقعت»، تقول ابنتها.
في المستشفى الخاص تبيّن أن كسرًا أصاب سناء في منطقة الورك، تحديدًا في الجزء العلوي من عظمة الفخذ. وكان أبناؤها يتخوفون من أن يكون الكسر في المفصل نفسه، خصوصًا أنها خضعت سابقًا لعمليتي استبدال مفصل وهي في أواخر الستينيات من عمرها إثر تآكل المفاصل عندها.
غالبًا ما تحدث الكسور لدى كبار السن بسبب السقوط، حيث تزيد عرضتهم لذلك نتيجة عوامل مرتبطة بالتقدم بالسن أو عوامل خارجية مرتبطة بالبيئة المحيطة بكبار السن كسجادة غير آمنة أو وجود الكثير من الأثاث حوله.
ظلت سناء تحت المراقبة لمدة 24 ساعة قبل العملية، من أجل مراقبة وضعها الصحي إذ تعاني من أمراض في القلب، ثم ركّب الأطباء لها سيخًا في عظمة الفخذ، قبل أن تخضع للمراقبة مجددًا في العناية المركزة للتأكد من وضعها الصحي قبل مغادرة المستشفى. وكانت ابنتها متخوفة آنذاك من مضاعفات ما بعد العملية، خصوصًا أن والد صديقتها سبقَ ومرّ بتجربة مماثلة لكنه لم ينجُ منها.
يقول الطبيب الجلامدة إن العمليات الجراحية في حال كسر الورك تعتمد على نوع الكسر وموقعه، فيحتاج بعضها لتثبيت المفصل باستخدام البراغي أو الصفائح أو السيخ النخاعي، فيما يحتاج بعضها لاستبدال المفصل جزئيًا أو كليًا، وفي كل الحالات يستطيع المريض أن يعود للحركة في اليوم التالي من العملية.
على عكس هنادي، واظبت سناء على الحركة والمشي مباشرة، وهو كذلك ما فعلته سابقًا عند استبدال المفاصل، إذ حافظت على معدل حركتها قبل الإصابة، ومارست تمارين مائية بإشراف ابنتها المدربة الرياضية. وبعد الكسر الأخير خضعت لعدد من جلسات العلاج الطبيعي تتضمن تمارين المشي والإطالة، لكنها أوقفتها بعد شعورها بالتعب، وصارت عوض ذلك تمارس تمارين خفيفة، بمساعدة ابنتها أو بالاستعانة ببرامج تلفزيونية، تجنبًا لضمور العضلات.
ثمة خطر آخر مرتبط بكسور الورك هو احتمالية جعل كبير السن طريح الفراش مدة طويلة ما من شأنه خلق مضاعفات كضعف العضلات جراء قلة حركتها، والجلطات القلبية والرئوية لعدم تحريك الأطراف السفلية، والتقرحات بسبب ضغط الفراش على الجسم خاصة للمصابين بالسكري. لذا يؤكد الجلامدة على أهمية إجراء العملية سريعًا كي لا يرقد المريض فترة طويلة بالسرير دون مشي، لأن ضعف العضلات يحدث بوتيرة سريعة عند التوقف عن الحركة، إذ يفقد الإنسان تدريجيًا قوته العضلية كلما تقدم بالعمر، خصوصًا من كانت قبل الكسر حركتهم قليلة أو كانوا يستعينون بعكازٍ للمشي ما يتطلب من المريض المشي مباشرة في اليوم التالي للعملية. علمًا بأن نسبة الفقد في القوة العضلية تتراوح بين 12-15% بعد عمر الخمسين.
ويذكر أنه من المهم الانتباه إلى تجهيز المنزل بما يناسب كبار السن لمنع تعرضهم للسقوط، مثل أن تكون الإضاءة عالية، وأن يثبت السجاد بلاصق، وألا يكون الأثاث بألوان داكنة، مع إزالة أية أسلاك يمكن التعثر بها، ووضع سجاد مقاوم للانزلاق على جانب حوض الاستحمام، وتركيب قضبان على الجدران في الحمام وفي حوض الاستحمام، والحفاظ على مساحات واسعة ومسارات واضحة في المنزل، وترتيب الأثاث على هذا الأساس. بالإضافة إلى إجراءات بسيطة أخرى كتغيير الأدوية ذات التأثيرات الجانبية كالدوار، وفحص العيون باستمرار، واستخدام العكاز في حالة عدم الشعور بالثبات.
اتخذ أبناء سناء بعض الإجراءات التي من شأنها تقليل تعرضها للسقوط مرة أخرى، كتغيير حوض الاستحمام إلى صندوق استحمام (شاور بوكس)، وإزالة العتبات من المنزل، وإحضار كرسي مريح ومناسب لها، كما أقنعوها باستخدام الحفاظات لتجنب دخول الحمام، مع الحرص على عدم بقائها ممددة بالفراش.
أما هنادي فتتبع الآن حمية غذائية غنية بالفيتامينات تحديدًا فيتامين (د) والكالسيوم، حيث إن نقصهما يعد أهم عامل في ضعف النسيج العظمي، كما تسعى للتخفيف من وزنها (80 كغ) لتخفيف الكتلة المطبقة على عظامها الضعيفة.
سقوط محفوف بخطر الوفاة
كانت خديجة (90 عامًا) تستيقظ فجرًا لتبدأ روتينها اليومي بتأدية كافة أعمال منزل ابنها حيث تقيم، ثم تتناول فطورها التي اعتادت عليه منذ صغرها؛ بيضة وكوب حليب بلدي، ثم تزور الأقارب والجيران وتشتري احتياجات طبخة اليوم. يقول حفيدها سامي، الذي يعيش في العمارة نفسها، إن خديجة وصلت التسعين من عمرها وهي بكامل صحتها، ولا تعاني من أمراض تُذكر، لكن في أواخر عام 2019 سقطت على الأرض أثناء تنظيفها للمطبخ جراء انزلاقها بصابون التنظيف، فأخذها سامي وإخوته إلى المركز الصحي في منطقتهم، وبعد تصويرها بالأشعة أخبرهم الطبيب أنها مصابة ببعض الرضوض، لكنها بخير ويمكنها المشي: «روحنا على هاد الأساس، وظلينا نعطيها دوا مسكن، وإذا اشتد الألم عليها زيادة نعطيها إبرة مسكن»، يقول سامي.
ظلت خديجة تشعر بألم شديد وتواجه صعوبة بالمشي رغم محاولة أبنائها وأحفادها حثّها على المشي، ثم قالت لهم: «حاسة في إشي فالت عندي». ليأخذوها بعد شهر من شعورها بالألم إلى مستشفى جامعي، تبين فيه إصابتها بكسر في مفصل الورك، لتُجرى لها عملية تبديل مفصل، يقول سامي: «يعني عمرها بالتسعين وقدرت تتحمل العملية. صحتها كانت ما شاء الله عنها».
تعتمد العمليات الجراحية في حال كسر الورك على نوع الكسر وموقعه، فيحتاج بعضها لتثبيت المفصل باستخدام البراغي أو الصفائح أو السيخ النخاعي، فيما يحتاج بعضها لاستبدال المفصل جزئيًا أو كليًا، وفي كل الحالات يستطيع المريض أن يعود للحركة في اليوم التالي من العملية.
لم تكن هذه التجربة الأولى لخديجة مع الكسر، إذ سبق أن سقطت أواخر السبعين من عمرها عن الدرج أثناء نقلها سجادة بين طوابق العمارة، وكسرت على إثر ذلك ذراعها اليسرى. يقول سامي إن ذلك الكسر «ما أثر كتير فيها». وإن كانت ذراعها قد استغرقت وقتًا أطول من المعتاد في التعافي: «ركبولها جبيرة لشهرين يمكن، بس أخذت وقت أطول لتتعافى كليًا، يمكن أربع أشهر»، يقول أحد الأحفاد.
كانت خديجة قادرة على المشي باستخدام الووكر بعد أسبوع من عملية استبدال المفصل، لكنها مع ذلك لازمت الفراش، ولم تمارس أي نوع من الحركة إلا الضروريات كالذهاب إلى الحمام نهارًا برفقة شخص آخر، أما ليلًا فكانت ترتدي الحفاظات، وكان يرافقها دومًا أحد أبنائها أو أحفادها للعناية بها وإطعامها. يقول سامي إن نشاط خديجة «اختلف كليًا بس رجعت، ونفسيتها كلها تغيرت، بلشت تنسى وتظل حزينة». وبعد أقل من ثلاثة أشهر على إصابتها توفيت جراء جلطة دماغية.
عمومًا، بعد كسر الورك يزداد خطر الوفاة لدى كبار السن، حيث يتراوح معدل الوفاة خلال عام واحد من الكسر بين 18%-31%، متأثرًا بعدة عوامل من بينها الجنس والتاريخ المرضي للمصاب والسن حيث يعد تجاوز سن 85 عامًا أحد العوامل التي تزيد من خطر الوفاة. أما محليًا، فتشير تقديرات بحثية إلى أن معدل الوفيات خلال سنة واحدة بسبب كسور الورك هو 12.8%، وهو معدل منخفض مقارنة مع الدول العربية المجاورة.
وقد أظهرت نتائج دراسة -نُشرت عام 2016- تتبعت مئات الأشخاص بمتوسط عمر 84 عامًا بعد تعرضهم لكسر في الورك أن 31% فقط منهم تمكنوا من استعادة قدرتهم على ممارسة أنشطتهم اليومية، علمًا بأن التعافي يكون أصعب كلما تقدّم عمر المريض. وتبين الدراسة أن احتمال استعادة النشاط البدني إلى مستوى ما قبل الكسر تقل عن 50% بغض النظر عن مستوى الحركة قبل الكسر، وتنخفض هذه الاحتمالية إذا زاد عمر المريض عن 85 عامًا، أو كان لديه أمراض مزمنة أخرى، وتنخفض كذلك لدى مصابي الخرف.
بعد ما يقارب ستة أشهر على سقوطها استعادت هنادي قدرتها على المشي بمفردها بمساعدة الووكر، وعادت لممارسة نشاطاتها اليومية باستقلالية ولكن بجهد ووقت أطول، تقول: «أنا فخورة بنفسي، وبعتبره إنجاز، مع إنه حركتي مش بجودة قبل».
أما سناء فعادت للمشي بعد العملية بأسابيع باستخدام ووكر أو عكازة بمساعدة شخص ما، ويعتني بها حالًا ابنها الذي يعيش في العمارة نفسها، وكذلك بناتها اللواتي يتناوبن على زيارتها يوميًا، بالإضافة إلى عاملة المنزل. لكنها ما زالت غير قادرة على القيام بما اعتادت عليه سابقًا من مهامها اليومية كالطبخ مثلًا، لكن الكسر ليس هو السبب الوحيد في هذا، بل تدهور حالتها الذهنية بسبب الخرف. وقد بدت عليها موخرًا أثار التعب النفسي بحسب ابنتها فتردد جمل مثل: «أنا خلص اكتفيت» أو «زهقانة الحياة»، فيما يحاول الأبناء التخفيف من حالتها النفسية قدر المستطاع.
هذا التقرير جزء من زمالة حبر للصحافة الصحية، الممتدة من أيلول 2023 حتى آب 2024، وفيها تنخرط سبع زميلات من خلفيات معرفية متنوعة في إنتاج تقارير صحفية بقوالب مختلفة حول قضايا صحية تتقاطع مع الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
-
الهوامش
* أسماء مستعارة حفاظًا على الخصوصية.
[1] تقدم الدراسة تقديرًا تقريبيًا لانتشار كسور الورك في الأردن، حيث لا توجد قاعدة بيانات وطنية لمعرفة نسبة الإصابة بكسور الورك الحقيقية في الأردن، وما زالت الحاجة إلى أبحاث أكثر في هذا المجال.
[2] مثل البايفوسفونيت (Bisphosphonates).