بعد غروب الشمس بقليل، بدأت قوارب الصيادين بالتوافد إلى مرفأ المينا هاوس على شاطئ العقبة لتفريغ حصيلة يومهم من السمك. كان الجمهور المنتظر على الشط خليطًا من أصدقاء وأقارب جاؤوا ليساعدوا في تحميل السمك من القوارب إلى حيث يقف باعة متجولون، جهزوا موازينهم، وحملوا في خلفية سياراتهم البك أب دلاء بلاستيك مملوءة بالثلج. كان هناك أيضًا عائلات، بعضها من سكان العقبة، جاؤوا لشراء السمك بأقل من سعره في المسامك، وآخرون زائرون للمدينة، رأوا المشهد من حيث يجلسون في المقاهي الشعبية الملاصقة للمرفأ، فجاؤوا يحملون هواتفهم لتصوير الحدث.
من بين هؤلاء الصيادين، كان عادل نجم (39 سنة)، الذي عاد ذلك اليوم بما يقارب المئتي كيلو من أسماك السردين، وبدأ بمجرد وصوله بـ«تسليكها» من الشبكة، إلى أرضية القارب، ثم بمساعدة الشباب في تعبئتها في صناديق بلاستيكية إلى حيث موازين الباعة الذين كانوا يفرغونها مباشرة في الثلج.
ذلك اليوم، بيعت «السردينة»، كما تسمى في المدينة، بدينار للكيلو على الشط. وكانت قبلها بأسبوعين، عندما بدأ موسمها الذي يقع في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، قد وصلت إلى دينارين ونصف. وبعد أسبوع من هبوطها إلى دينار، عادت وارتفعت إلى دينار ونصف.
كان الجميع في سباق مع الزمن، ففي درجة حرارة اقتربت رغم حلول الظلام من الأربعين مئوية، يجب إنهاء الأمر قبل تلف الأسماك. لهذا فإن الباعة بمجرد انتهائهم من تحميل الأسماك، انطلقوا في رحلتهم الليلية لبيعه في أحياء المدينة. رحلة عليهم خلالها أن يكونوا حذرين من تعرضهم للضبط ومصادرة حمولتهم من قبل مراقبي الصحة التابعين لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، إذ يمنع بيع السمك خارج المسامك.
حاول عادل أن يبيع أكبر قدر من الكمية على الشط، لأن هذا هو أعلى سعر يمكنه الحصول عليه. فما يتبقى سيحمله ليعرضه على المسامك، التي قد تأخذه بخمسة وسبعين قرشًا للكيلو أو أقل. يقول الصيادون إن المسامك، في العادة، تضع هامش ربح يتراوح بين 50-100% على السمك الذي تشتريه من الصيادين. اعتمادًا على حجم المعروض، وعلى نوع السمك وحجم الطلب على كل نوع.
الصياد عادل نجم بعد أن أنهى تسليك السمك من الشبكة في نهاية يوم الصيد.
التقينا عادل منتصف شهر تموز. وإضافة إلى السردين، كان موسم عدة أنواع أخرى مهاجرة، منها أنواع السمك «الغاطس» وهو الذي يعيش على مقربة من القاع مثل الشعور والحريد والسيجان والغُبّان. وهناك النوع «الطافح» الذي يوجد على مقربة من السطح وهو أبو شراع. بعدها، يقول الصيادون، سيأتي موسم التونة بأنواعها. وهكذا تمضي سنة الصيادين في الانتقال من موسم إلى آخر.
ولكل نوع تقنية صيد خاصة به، يقول عادل الذي احترف الصيد منذ الطفولة، إنه يستخدمها كلها. فيستخدم الشبكة للسردينة، والسنارة للفرسان الطافحة. ويستخدم أيضًا الشبكة لجمع أسماك الوزك والبخة الصغيرة، التي تستخدم طعمًا للأسماك الكبيرة. فيرمي شبكته على سطح الماء، ثم يربط قدمه بقاربه حتى يظل قريبًا منه، وينزل في البحر ممسكًا بأطراف الشبكة، وعندما يرى تجمعات الأسماك قريبة من السطح يسبح إليها، ومن خلفه القارب، ليحيطها بشبكته. كما يستخدم لأسماك القاع «السّخوَة»، وهي قفص من الشبك الحديدي، يُنزل إلى القاع بحبل، ويربط طرفه من جهة الصياد بعبوة بلاستيكية فارغة تضمن أن يظل الحبل طافيًا على سطح الماء. وينزل الصياد في المرة الواحدة عدة سخاوٍ تُبيّت في البحر لليلة. ويشكو عادل هنا من أن السخاوي بالتحديد «مشاكلها كثيرة»، فهي تتعرض للسرقات قبل أن يعود إليها الصياد. وقد سرقت منه قبل فترة سبع سخاوٍ كلفته وقتها 50 دينارًا. كما يحدث كثيرًا أن يلجأ هواة الغوص ممن يمارسون هذه الرياضة في الخليج إلى إتلاف هذه السخوات بعد تحرير السمك منها. لكنه يلفت إلى أن تدخّل الغواصين، يحدث غالبًا إذا كانت السخوات قريبة من التجمعات المرجانية، وذلك كفعل احتجاجي على الضرر البيئي الذي تسببه هذه الفخاخ لتجمعات المرجان. ينحدر عادل من عائلة صيادين. وكان قد بدأ مرافقة والده إلى الصيد منذ عمر السادسة، ثم تفرّغ لمساعدته بدوام كامل ابتداءً من الثانية عشرة، لأن ظرف العائلة لم يسمح له بإتمام تعليمه المدرسي. ومنذ 27 عامًا، ودورة أيامه مربوطة بنظام السمك. وقت الفجر، تظهر أسماك الطعم التي تبقى ساعة أو أكثر. تظهر بعدها الأسماك «الطافحة»، التي تختفي وقت العصر. أما السردينة، فإنها تظهر قبل الغروب بقليل، وتستمر بعده لساعتين أو أكثر.
سمك السردين في صناديق أحد الصيادين في نهاية يوم الصيد.
لهذا فإن يوم عادل يبدأ في الخامسة فجرًا، بتجهيز عدّة الصيد، الطعام، وبنزين القارب، ثم ينزل إلى الشط، حيث «المفرزة»، وهي النقطة الأمنية ليسجل اسمه في كشف النازلين إلى البحر. ثم ينتظر مع بقية الصيادين على الشط، إشارة الجنود لهم بالانطلاق، ويكون هذا في تمام السادسة. تنتهي جولة الصيد الأولى منتصف النهار، فيعود ليصرّف ما صاد من سمك، ويرتاح بضع ساعات في بيته، ثم يرجع بعد العصر لجولة الصيد الثانية، التي تستمر إلى الغروب، عندما يمرّ على المفرزة ليشطب اسمه من الكشف. ثم يبدأ رحلة تسويق سمكه، ليعود إلى منزله في العاشرة ليلًا. يُلزَم الصيادون، يقول عادل، بالعودة بحد أقصاه الثامنة وعشر دقائق. ومن يتأخر، حتى ولو لدقائق، يعاقب بمنعه من النزول للصيد في اليوم التالي، ليوم أو أكثر. أو قد يُكتفى بتأخير نزوله في اليوم التالي للبحر. ليس هناك عقاب موحّد، إذ يتشدد البعض في تطبيق التعليمات، وهناك من يكون أكثر مرونة.
يحدد السمك أيضًا لعادل أيام إجازاته، ففي المواسم المزدهرة، كما هي الحال الآن، قد يعمل لشهرين أو ثلاثة من دون يوم عطلة واحد. لأنه يعرف أنه ستأتي عليه أسابيع، سيقلّ فيها الصيد كثيرًا. في العادة يخف العمل في الفترة بين أيلول وتشرين الثاني.
لدى عادل ولد وبنت، محمود 13، وريماس 12. وهو لا يريد هذه المهنة لابنه. ليس فقط لأنها مهنة تتطلب جهدًا عضليًا شاقًا، والبقاء لساعات طويلة تحت شمس العقبة الحارقة، من دون استقرار ولا ضمانات. هناك فوق كل هذا حقيقة أن المهنة تضيق سنة بعد سنة على أصحابها، بحيث أنه لا يرى في المستقبل القريب أفقًا لابنه فيها. لقد تحرك جده في مساحات أوسع بكثير من تلك التي سُمح لوالده بها. والآن على زمنه، فإنه فوق تآكل مساحة الصيد التي كانت للصيادين على زمن والده، فقد ازدادت الإجراءات المنظمة للمهنة تشددًا، بالتوازي مع التوسع الصناعي والسياحي على الساحل، والمحاذير الأمنية في الإقليم.
عادل نجم يضع سمكه على الميزان على الشاطئ، وصيادون آخرون يبيعون لبائع متجول.
يذكر أنه لا يسمح بالصيد إلا بعد استصدار تصريح، من أحد شروطه أن يكون الصياد عضوًا في إحدى الجمعيتين التعاونيتين اللتين تمثلان صيادي العقبة، وهما «صيادي الأسماك التعاونية»، التي تأسست العام 1975، وعدد أعضائها، بحسب موقع المؤسسة التعاونية الأردنية 67 عضوًا، و«صيادي ثغر الأردن الزراعية التعاونية» التي تأسست 2011، وعدد أعضائها 121 عضوًا. ويصبح الصياد عضوًا بعد دفع 500 دينار لمرة واحدة.
من البحر الواسع إلى الخليج شبه المغلق
إلى العام 1982، كان الصيادون الأردنيون يخرجون للصيد في المياه السعودية. لكنهم مُنِعوا بعد هذا التاريخ.[1] جاء هذا المنع في أعقاب إعلان ما يعرف باتفاقية جدة، وهي الاتفاقية الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، ووقّعت في شباط (فبراير) 1982. الاتفاقية التي وقعها الأردن، تمحورت حول حماية البيئة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن من الأذى الناجم عن الأنشطة البشرية.
هذا الإغلاق للمياه الإقليمية في وجه الصيادين أثّر بشدة عليهم، لأنه حصرهم في بحر العقبة، الذي يقول الخبير في البيئة البحرية، الدكتور محمد الزبدة إنه رغم اتسامه بتنوع الحياة البحرية، إلا أنه قليل الإنتاجية، مقارنة بالمسطحات المائية المجاورة. وهذا ما جعل مهنة الصيد في العقبة، ورغم وجودها منذ القدم، ما زالت تعتمد أساليب صيد تقليدية وبسيطة.
وسبب شح المخزون السمكي، بحسب الزبدة الذي يعمل أستاذًا في كلية العلوم الأساسية والبحرية في الجامعة الأردنية، فرع العقبة، وهو باحث منذ العام 1979 في محطة العلوم البحرية في العقبة، هو قلة «المغذيات» في الخليج الذي هو «جسم مائي شبه مغلق». المغذيات التي يقول إنها العامل الأساسي في ازدهار الثروة السمكية، تتكون في العادة في حال وجود مصبات أنهار وانجرافات تأتي إلى البحر بالمواد العضوية اللازمة لتكثير «العوالق الحيوانية» اللازمة لتغذية الأسماك.
يذكر أن خليج العقبة الذي لا يتجاوز طول ساحله 27 كم، يتّسم بأعماقه الكبيرة التي يبلغ معدلها 800 متر، وتصل في بعض المواضع إلى 1800 متر. وهناك فرق كبير في العمق بينه ومضائق تيران التي تربطه بالبحر الأحمر، والتي يبلغ معدل عمق مياهها 250 مترا.[2]
والعمق، يقول الزبدة هو عامل آخر مسؤول عن شح الثروة السمكية. إذ لا يتوفر في خليج العقبة ما يسمى بـ«الحافة القارية» (continental Shelf)، وهي مساحات شاسعة تكون ضحلة نسبيًّا، ما يسمح بنمو حياة من أعشاب وشعاب مرجانية، توفر للأسماك بيئة جيدة للتكاثر. ما يؤثر بشكل أساسي على وجود أسماك مستوطنة، لكنه لا يؤثر في المقابل على الأسماك المهاجرة التي تأتي إلى خليج العقبة وهي المكون الأساسي للصيد فيه، فهي تحتاج فقط إلى مياه مفتوحة، وتأتي ساعية إلى الأسماك الصغيرة الموجودة في الخليج.
وحديثًا، أضيف إلى ما سبق، يقول الزبدة، التطوير الحضري، فالمنشآت على الشاطئ، وحركة القوارب والسفن، والضوضاء التي تصدرها، كلها «تغيير في البيئة الطبيعية»، يعمّق أكثر فأكثر مشكلة شحّ المخزون السمكي.
لقد انخفضت بعد إغلاق المياه الإقليمية كمية ما يحصله الصيادون إلى درجة أن وزارة الزراعة التي كانت، قبل قيام «سلطة العقبة» العام 2001، مسؤولة عن قطاع مصايد الأسماك، ودأبت منذ الستينات على إحصاء كميات السمك المصادة، توقفت ابتداء من العام 1985 عن ذلك بسبب قلة تلك الكميات، إلى أن عادت دائرة الإحصاءات العامة إلى هذا الرصد في السنوات الأخيرة.[3]
صيادون وسط البحر.
وفق أرقام دائرة الإحصاءات العامة،[4] بلغ حجم الصيد البحري 265 طنًّا عام 2018، وهو أقل من حجم الصيد النهري وفي السدود وبرك الري، والذي بلغ في السنة نفسها 400 طنّ، في حين أنتجت مزارع الأسماك 1330 طنًّا. وهذا كله وفّر اكتفاءً ذاتيًّا من الأسماك في المملكة نسبته 3%. يذكر أن مسح العام 2017، الذي أصدرته «الإحصاءات»، رصد 16 نوع سمك صيد بكميات تجارية في العقبة، كان أكثرها التونا والسردين، في حين كانت أسماك الهامور والعقاق في ذيل القائمة.[5]
يتذكر ناصر الخضري، 58 سنة، من طفولته خروج الصيادين في رحلات الصيد الطويلة في مياه الدول المجاورة، وكانت تسمى«سرحات»، وتستمر أحيانًا لأسبوعين. ويقول إن هذا كان يتم في مراكب خشبية كبيرة، يسمى الواحد منها «قَطيرة». كانت مجهزة بثلاجات، وأماكن للنوم والطبخ. لقد انقرضت هذه المراكب بعد منع الصيد في المياه الإقليمية، لأنه لم يعد مجديًا للصيادين تحمل أثمانها العالية، وكلفتها التشغيلية المرتفعة مقارنة بمراكب الفايبر جلاس الصغيرة التي حلّت مكانها.
ناصر الذي ينتمي في الأصل لعائلة من الجزارين، كان أول احتكاكه بمهنة صيد السمك خلال عمله في طفولته في محل والده، وكان يرى الصيادين يأتون إلى محلهم ليشتروا شحم الغنم، كي يدهنوا به الجزء الأسفل من القطاير، فيضعونه في الشقوق ما بين الألواح لعزل الخشب عن الماء.
لقد عمل في الجزارة بداية شبابه، لكنه كان يذهب، أيام عطل الجزارين، مع أخوانه للتخييم على الشاطئ، ومن هناك انطلق إلى عالم الصيد، الذي أخذه وأخوانه من مهنة العائلة. وخلال الأربعين سنة الماضية، حدث أن ترك المهنة لنشاطات أخرى مثل التجارة، ومن بينها تجارة السمك المستورد من مصر. لكنه كان يعود دائمًا. الآن هو يعمل في مجال القوارب السريعة، لكنه يقول إن كونه صيادًا هو ما يشكل هويته الأساسية.
عندما بدأ هو نفسه احتراف الصيد في الثمانينات، كانت المياه الإقليمية قد أغلقت في وجه الصيادين. لكن المياه المحلية كانت مع ذلك مفتوحة بكاملها. «كان البحر كل مجالاته فاتحة، كان معانا من نادي اليخوت لحد ما نصل حدود الدرة [السعودية]». ولم تكن وقتها التشديدات في ما يتعلق بأوقات الصيد. «كنا ننزل قبل ما يفج النهار. ونطلع ما طول ما في شغل، في الليل يسمحولنا».
ما قاله ناصر عن المرونة في الدخول والخروج من البحر في تلك المرحلة، أجمع عليه جميع من قابلناهم من الصيادين القدامى، لكن وثيقة صدرت العام 1979 تشير إلى وجود تعليمات تمنع قوارب الصيد من الخروج إلى البحر أو العودة إليه بعد غروب الشمس. ويفهم من الوثيقة[6] أن الإجراء كان ينص على بقاء الصيادين في أماكنهم في البحر إذا لم يتمكنوا من الوصول إلى الشاطئ قبل غروب الشمس. كما يمنع عليهم الاقتراب من الساحل ليلًا أقل من 5 كيلومترات.[7] في حين أن التعليمات الحالية، يقول الصيادون، تلزمهم بالعودة مع الغروب.
صيادون في طريقهم للنزول للبحر في ساعات الصباح.
ومع ذلك، فقد صدرت في نيسان (أبريل) الماضي تعليمات جديدة لتنظيم صيد السمك في العقبة، أكثر تفصيلًا من سابقتها التي صدرت العام 2006. ومن بين البنود الجديدة السماح بالصيد الليلي مقابل تصريح خاص يُمنح لمن استوفت قواربهم شروط الإبحار الليلي. لكن جميع الصيادين الذين قابلناهم قالوا إنهم لا يعرفون شيئًا عن التعليمات الجديدة.
إضافة إلى تحديد مواعيد صارمة للنزول إلى البحر والخروج منه، فإن قسمًا كبيرًا من المياه المحلية بات ممنوعًا على الصيادين. إذ مُنِعوا من منطقة متنزه العقبة البحري الذي تأسس العام 1997، وخصص له سبعة كيلومترات من البحر. كما منعوا لأسباب أمنية من الاقتراب، كما يقول ناصر، أكثر من 500 متر من كل من الحدود، ومناطق رسو البواخر، والأرصفة [والقصور الملكية]. أمّا الخسارة العظمى فكانت في منعهم من الصيد في منطقة «الشريف» جنوب الساحل. المنطقة التي أخذت اسمها من نقطة القوة البحرية في المنطقة والتي سميت على اسم الشريف ناصر بن علي، وكانت واحدة من نقطتي انطلاق للصيادين، حيث تقع الثانية التي يتركز فيها الصيادون حاليًا والمعروفة بالمفرزة أو المينا هاوس، في الجزء الشمالي من الساحل. المنع تم قبل حوالي عشرين سنة لأسباب عسكرية، ويقول ناصر إن الصيادين وقتها أُبلغوا بأنه سيكون مؤقتًا، لكن هذا استمر إلى الآن.
ويبرر عضو مجلس المحافظة، محمد المغربي المنع بوجود العديد من المشاريع «الحساسة» في تلك المنطقة مثل الغاز والنفط. ويقول إن مشاريع بهذه الحساسية تحتاج إلى احتياطات أمنية، ومعايير سلامة عالية جدًا.
منظر عام لمرفأ الصيادين في العقبة.
ينحدر المغربي من عائلة صيادين، وكان والده من مؤسسي «صيادي الأسماك»؛ الجمعية الأم. ورغم أنه اتخذ مسارًا مهنيًا مغايرًا، عندما درس إدارة الأعمال، وعمل في مؤسسة الموانئ التي تقاعد منها العام 2014. إلا أن الصيد، كما يقول، جزء أساسي من حياته. فقد عمل لفترة في المهنة مع عائلته. وفي العام 1980 ترأس، بتكليف من الحكومة، جمعية «صيادي الأسماك» لعامين.
إن ضيق المسافة التي يتحرك فيها الصيادون، يقول المغربي، هي أحد أبرز شكاواهم. فالمسافة هي 4 كم للعرض، وتقريبا 19 كم طولًا. لكن هذه المسافة الطولية تقطعها العديد من المواضع الممنوع التحرك بالقرب منها، مثل الموانئ. لكنه يلفت إلى أن ضبط حركة الصيادين هو أيضًا ضرورة. ليس فقط مراعاة للاعتبارات الأمنية، هناك أيضًا البعد البيئي المتمثل في حماية البيئة البحرية بالتحديد في مناطق التجمعات المرجانية، وهناك أيضًا البعد السياحي، ففي ظل تزايد أعداد القوارب السريعة، هناك أيضًا ضرورة لحماية الصيادين أنفسهم. وأيضًا حماية من يمارسون السباحة.
«ما أمنّاش طعم، مفيش رزقة»
إحدى أكبر مشاكل الصيادين، يقول عامر النتشة، هي المعركة التي يخوضونها يوميًا من أجل الحصول على أسماك الطعم التي يجمعونها في الصباح الباكر، عندما تبدأ بالظهور على وجه الماء، وتختفي بعد ارتفاع الشمس. فلاعتبارات أمنية، ممنوع على الصيادين الاقتراب من الأرصفة والبواخر، في حين أن هذه هي بالضبط الأماكن التي تتواجد فيها أسماك الطعم بكثافة، لأنها الأماكن التي تحتمي بها عند فرارها من الأسماك الكبيرة.
وكما أشار عادل، فإن ردّة فعل من يتولون المراقبة، على اقتراب الصيادين من الأماكن المحظورة تتفاوت، بين المنع والتغاضي. يقول عامر إن الصيادين يواصلون الاقتراب لأنه يستحيل أن ينجح يوم الصيد من دون طعم «إذا ما أمنّاش الطعم، ما فيش رزقة».
عندما يجمع الصيادون أسماك الطعم يكون عليهم بعدها أن يبقوها حية، لأن أنواعًا كثيرة من السمك الكبير لا تأتي إلّا للسمك الحي. لهذا يضعون أسماك الطعم في «المحيا» وهو القسم الأوسط من القارب، والمصمم على شكل حوض مستطيل، مزود بآلية تعمل على إدخال وإخراج مياه البحر إليه ومنه بشكل مستمر، لضمان تجديد المياه للسمك كي يبقى على قيد الحياة. ويستخدم المحيا أيضًا للحفاظ على بعض الأسماك التي يتم صيدها ويخشى الصياد تلفها قبل الوصول إلى الشاطئ.
أسماك داخل «محيا» أحد القوارب.
هذه الآلية في تجديد المياه للسمك، يقول عامر، حديثة نسبيًا، وسهلت كثيرًا على الصيادين؛ ففي الماضي كانوا يستخدمون لهذه الغاية برميل بلاستيك يوضع على ظهر القارب، ويظل يفرغ ويعاد ملؤه طوال ساعات الرحلة. وفي العادة تولى هذه المهمة لأحد أطفال العائلة الذي يكون في مرحلة التدريب على المهنة.
يقول عامر، إن الفكرة من الطعم الحي هو حركة السمكة التي تجتذب أنواعًا معينة من السمك الكبير. وهذا ما يجعل الصيادين يلجؤون إلى نوع من الطعم هو «السردينة العميا». وهي طريقة طبقها أثناء مرافقتنا له في رحلة صيد. فشبك سمكة في السنارة وألقاها في الماء، ثم أتى بسردينة، واقتلع إحدى عينيها بمطواة، ورماها في الماء قرب السنارة. بدأت السمكة المصدومة بخبط الماء، والدوران حول نفسها بعنف. أشار عامر إلى حركتها العنيفة، وقال إن هذا بالضبط ما يجتذب السمك الكبير؛ الحركة. لهذا يحدث أن يلقي الصيادون بأكثر من «سردينة عميا» في المرة الواحدة. وهم يقتلعون أعينها لضمان ألا تهرب، وتبقى إلى جانب السنارة التي تحمل الطعم وتدلى للسمكة الكبيرة عندما تأتي.
إضافة إلى كونه صيادًا، تعلم عامر صناعة قوارب الفايبر جلاس. والقارب الذي كنا على متنه، هو أحد القوارب التي صنعها. صناعة وصيانة القوارب في العقبة تتم في مشغل خاص تابع لجمعية «صيادي الأسماك». وتتم أيضًا بواسطة أفراد مثل عامر، تعلموا المهارة ويمارسونها بشكل حر. العملية ليست معقدة كثيرًا يقول؛ فمادة الفايبر جلاس تأتي بشكلها الخام شبه سائلة في براميل. وتجف لتصبح بالغة الصلابة عند تعرضها للهواء. ويصنع القارب بأن يؤتى بقارب مطلوب صنع قارب على غراره، ويغلف بهذه المادة، بعد دهنه بالشحم الذي يعمل عازلا بينه ومادة الفايبر جلاس. وفي اليوم التالي ينزع القارب الجديد، ويصنفر، ويركب له محرك. وتستغرق هذه العملية في العادة يومين. أمّا من أين يأتي القارب المستخدم كـ«قالب»، فيقول عامر إن الأمر يحدث وفق التالي، ينزل هو والزبون إلى الشط، ويشير له الأخير إلى القارب الذي يريد مثله. وبعدها يستعار القارب المقصود بعد الاتفاق مع صاحبه، بدفع مبلغ معين عن أيام تعطله.
عامر النتشة في قاربه. يلبس الصيادون أصبعي السبابة بقطعتي مطاط يقصونه من الإطار الداخلي لعجلات الدراجات الهوائية، وذلك لحماية أصابعهم من الخيط أثناء الحركة. (تصوير دلال سلامة)
الصياد «كرت أبيض»
يستخرج الصيادون تصاريح تجدد سنويًا. ووفق باسم الأقرع (53 سنة) فإن الاحترازات الأمنية التي تحيط بعملية استصدار هذه التصاريح، كافية لأن تخف القبضة الأمنية على حركة الصيادين، فالتصريح الذي تستغرق معاملة إصداره وتجديده شهورًا، يمر على كل الجهات الامنية في المملكة. ولا يجدد في حال ارتكب الصياد أي تجاوز على القانون. أن يكون معك تصريح صيد، يقول باسم، يعني أنت «كرت أبيض».
يرافق باسم في رحلات الصيد ابنه محمد (13 سنة)، الذي تعلم الآن الأساسيات لما يقول والده إنها ستكون مهنته المستقبلية. فباسم مصرّ على أن يمشي ابنه الطريق التي مشاها هو، سيتعلم صنعة تطعمه عندما يكبر. ويقول إنه لن يكرر مع ابنه خطأ العديدين من حوله، ممن تخرج أبناؤهم وبناتهم من الجامعات، ويجلسون منذ سنوات في بيوت أهاليهم الذين ما زالوا يسددون للبنوك أقساط قروض دراستهم. وبالنسبة للمدرسة، فقد أخذ محمد، كما يقول باسم، ما يحتاجه منها «تعلم يقرا ويكتب».
باسم الأقرع بعد عودته من الصيد.
كان والد باسم حدادًا، علمه المهنة وعمل فيها بالفعل فترة، لكن الذي شدّه أكثر هو الصيد الذي بدأ يرافق أخواله إليه عندما كان في الثانية عشرة من عمره. واختار أن يكمل فيه لأن عائده المادي أفضل. ومع ذلك يعرف أن عليه أن يقدم لابنه في هذه السن أكثر من العمل، لهذا ألحقه قبل أربع سنوات بأكاديمية لتعليم كرة القدم، وهو لا يأخذه للصيد في الأيام التي يكون لديه فيها تدريب، «شارع ما عندي. يا أكاديمية، يا بحر».
يختلف باسم عن كثير من الصيادين في أنه يعمل إلى الساعة الثانية أو الثالثة فقط، فهو متخصص في نوع شديد المشقة هو الصيد في «الغزير»، وهو الاسم الذي يطلق على المنطقة الأكثر عمقًا في البحر، والتي لا تقل عن 500 متر. ويستخدم لذلك تقنية صيد تسمى العمرة، وتكون بخيط طوله مئات الأمتار، تثبت على طوله السنانير، وثقل يضمن نزوله. يتم سحب العمرة كل نصف ساعة، وتخليص الأسماك العالقة به. وهذا يقول باسم، يحتاج جهدًا عضليًا هائلًا، لأن سحب الحبل يجب أن يتم بقوة، وسرعة، ومن دون توقف حتى لا تفلت الأسماك.
الميزة في صيد الغزير، يقول باسم أن الصياد يعود بأنواع سمك غير موجود في المياه الأقل عمقًا، وهي أنواع غير موجودة بكثرة، وعليها طلب كبير. وبذلك فإن التجار لا يستطيعون «اللعب بسعرها». بعض هذه الأنواع، مثل الفرّيدي، يقول إنه يبيعه للمسمكة بعشرة دنانير للكيلو. لكن الصيادين مجبرون، بحسب باسم، لمنح التجار ما يسمى «الطّبشة»، وهو كيلو مجاني على كل عشرة كيلو يشتريها التاجر. والفكرة هنا هي أن يدفع التاجر مقابل اللحم الصافي، و«الطبشة» هي تعويض عن الأجزاء التي لا تؤكل مثل الرأس والأحشاء وغيرها.
يقول باسم إنه «رابط» مع مسمكة محددة. وهذا نوع من العلاقات التعاقدية، يتعهد بموجبه الصياد ألا يبيع سمكه لغير هذا التاجر، ويتعهد التاجر أن يأخذ كل السمك الذي يأتي به الصياد، مهما كانت كميته، وحتى لو كانت ثلاجاته ممتلئة. السعر الذي يحكم هذه العملية هو بالطبع سعر السوق، يقول باسم، لكن هناك فائدة يجنيها الطرفان؛ سيضمن التاجر ألا ينقطع، خصوصًا من أنواع السمك التي عليها طلب، ولها زبائن «على الدور». وفي المقابل، يرتاح الصياد من هم تصريف سمكه. خصوصًا في المواسم التي يفيض فيها المعروض. ويبدأ بعض التجار استغلال حاجة الصياد «هم عارفين إنه الصياد مالوش إلّا المسمكة. فبتفقوا على السعر. بتروح عليه بقولك أنا عندي، بس عشانك بوخذه بليرتين الكيلو. وأنت طالع تعبان قرفان بدك تخلص».
باسم الأقرع وابنه محمد ينقلان صيدهما إلى المسمكة.
ما يجعل الصيادين أسرى للتجار، يقول باسم هو أولًا عدم وجود أماكن لحفظ السمك، تمنح الصياد مهلة لبيع سمكه، والثاني هو الكميات الكبيرة من السمك المستورد، بشكل أساسي من مصر. والذي يقول إن العديد من المسامك والمطاعم يبيعونه على أنه سمك عقباوي.
بالنسبة لأماكن حفظ السمك، فهناك بالفعل ثلاجات كبيرة تابعة لجمعية صيادي الأسماك التعاونية، موّلت شراءها العام 2012 وكالة الإنماء الأميركية، ضمن مشروع «أرزاق البحر». وساهمت «سلطة العقبة» بتقديم قطعة أرض معفاة من الإيجارات لثلاث سنوات. لكن المشروع الذي يقدمه تقرير اليو أس ايد 2012،[8] بوصفه قصة نجاح خدمت مجتمع صيادي العقبة، لم يعمل، يقول الصيادون، إلا لفترة وجيزة. وهو متوقف منذ سنوات. حاولنا أثناء العمل على هذا التقرير البحث في الأسباب، واتضح أن ملابسات هذا المشروع من التعقيد والتشابك بحيث أنها تحتاج إلى تقرير منفصل.
حتى من دون ثلاجات، إلى ما قبل 20 سنة تقريبًا، كان هناك منفذ لتسويق السمك العقباوي، هو المحافظات، إذ كانت تأتي السيارات المجهزة لحفظ السمك من عمّان وجرش والزرقاء، وتشتريه بكميات كبيرة بمجرد وصوله إلى الشط. لكن هذا تغير بعد قيام «سلطة العقبة».عندما أصبح خروج السلع من العقبة يخضع لاشتراطات وضعت بين الصياد وتجار المحافظات وسيطًا. يقول المغربي، إنه إضافة إلى إجراءات الفحص الصحي، هناك أيضًا وجوب أن «يكون السمك باسم مسمكة مرخصة تطلع الفاتورة باسمها باتجاه عمان. وتطلع الفاتورة بموجب بيان جمركي».
مطاعم ومسامك في أحد شوارع العقبة.
الصياد الموظف
كما أن هناك علاقات تعاقدية بين الصيادين والتجار، هناك أيضًا، كما يقول بلال الخضري (35 سنة)، علاقات تعاقدية بين الصيادين الذين يخرجون للصيد على متن قارب واحد.
ليس في هذه المهنة نظام رواتب. ففي مهنة تعتمد على المواسم، وعلى العائد الذي يأتي كل يوم بيومه، وأحيانًا لا يأتي، الرواتب ليست نظامًا عادلًا، لا لمالك القارب ولا للصياد الذي يعمل معه. لهذا فإن النظام السائد هو أنه في نهاية كل يوم، تخصم المصروفات من بنزين وغيره، ويقسم الربح بالتساوي بين الذين كانوا في القارب، ويُعامَل القارب هنا، كما يقول بلال كشخص، وتخصص له حصة مساوية للبقية، تذهب إلى مالكه. وهذا ما يجعل المهنة بشكل عام عائلية، فمن يكونون على القارب هم في الغالب أخوة، وآباء مع أبنائهم.
عندما التقينا بلال، كان مع ابنه سند (10 سنوات)، والذي بدأ النزول مع والده منذ سنتين. كان بلال عائدًا من رحلة أفرغ فيها السخاوي من الأسماك، وأعادها إلى البحر. السخاوي كما تقدم أفخاخ من الشبك، يصنعها الصيادون بأنفسهم، ولها أحجام مختلفة، لكنها في المتوسط ما بين متر ونصف عرضًا، ومتر ارتفاعًا. وتنزل على قاع البحر، حيث تبيت لليلة. و«يطبّ» بلال في العادة 10-15 سخوة. لا يشترط الطعم الحيّ في السخوات، فما يجتذب السمك «الغاطس» هو رائحة «الزفر»، كما يقول بلال، وهي تأتي إليه أيًّا كان مصدره، لهذا ابتكر الصيادون لها أنواعًا من الطعوم أثبتت عبر السنوات نجاعتها. مثلًا يذهب بلال وغيره من الصيادين إلى لواء القويرة المجاورة، ويشتري كميات كبيرة من مصارين الدجاج ومخلفاته من جلود ورؤوس، ويطبخها في براميل كبيرة خلف منزله. ويضعها في السخوة. القويرة بالتحديد، لأنه منذ قيام «سلطة العقبة» منعت محلات الدجاج التي تذبحه أمام زبائنها داخل المدينة.
بلال الخضري وابنه سند أثناء جولة صيد في قاربهم المسمى «دلال».
طعم آخر، يصنعه بلال وغيره من الصيادين، بأن يشتري بقايا أرز المناسف والزرب المتبقي في المطاعم، أو الأعراس ويعجنه مع الطحين والماء. وهناك نوع ثالث، هو أن يذهب في الليل إلى مطاعم دجاج البروستيد قبل إغلاقها، ويشتري من العمال بقايا وجبات الزبائن. في العادة يحصل على كيس فيه 7 أو 8 كيلو بأربعة دنانير. ويشير هنا إلى نكتة بين الصيادين تقول إن السمك يأكل كي إف سي الذي لا يأكله الصيادون أنفسهم.
إضافة إلى عمله في الصيد، يعمل بلال منذ 17 سنة فني شبكات ومضخات في «سلطة العقبة». وليس وحده الصياد الموظف. معظم الصيادين، كما أخبرنا الصيادون، موظفون غالبًا في واحدة من المؤسسات الحكومية في المدينة، في «المفوضية» أو ميناء الحاويات وغيرها. حيث يتيح العمل ضمن نظام المناوبات المزاوجة بين الدوامين. وإن أشار كثيرون أثناء المقابلات إلى أن القدرة على المزاوجة بين الصيد والوظيفة، يعود للتساهل في ضبط دوام الموظفين.
خلال المقابلات مع الصيادين، كان من الواضح أن أحد أسباب الشقاق الأساسية بينهم يتعلق بكون الأغلبية الساحقة منهم موظفين حكوميين. ووفق عادل، فإن عدد من يمثل الصيد مصدر دخلهم الوحيد لا يتعدى 35 صيادًا. المشكلة مع الموظفين، بحسبه، تكمن في أن لهم مورد دخل ثابت غير الصيد، وهذا يجعلهم لا يأبهون كثيرًا للأسعار. «إنت رابط مع تاجر بتبيع السمك بليرتين، بيجي هو [الموظف] مستعجل بده يلحق دوامه، لو بدفعله فيه دينار ببيعه ما بسأل».
زوار لشاطئ العقبة يتجمعون حول السمك الذي صاده بلال الخضري.
هذا الشقاق بين الصيادين، والصيادين الموظفين سببه التنافس على المخزون السمكي الشحيح في الخليج. وهو تنافس يقول الزبدة قاد لممارسات تعمّق مشكلة قلة الثروة السمكية، ومنها مثلا الصيد الجائر، باستخدام شباك صيد صغيرة الثقوب،تعلق فيها كميات كبيرة من الأسماك الصغيرة التي ليس لها في الحقيقة قيمة تجارية. تضاف إلى ذلك ممارسة مؤذية أخرى هي الصيد أثناء مواسم تكاثر الأسماك.
يقول ناصر إن المشكلة هي أنه «لما يقف البحر، ما بتأذى إلا صاحب مهنته». لهذا يشعر الصيادون المتفرغون بالمرارة عندما يرون أن المنح وأنواع الدعم الأخرى التي تأتي للجمعيتين توزع دونما اعتبار لهذه الحقيقة.
في الوقت الحالي، يمثلُ الصيادين كما سبق القول جمعيتان تعاونيتان. لقد تأسست الجمعية الثانية بعد 36 عامًا من تأسيس الأولى، بعد انشقاق الصيادين على خلفية توزيع إيرادات الجمعية الأولى. الجمعية الأولى تمتلك حاليًا استثمارات تقدر بملايين الدنانير. وبدأ الخلاف عندما قررت هيئتها الإدارية أن الإيرادات ستكون حصرًا على الأعضاء المؤسسين وورثتهم من بعدهم، ولن تشمل الأعضاء الجدد، الذين سيكون انتفاعهم من الجمعية مقتصرًا على تسهيل إصدار ترخيص الصيد. وبناء على ذلك بدأ تصنيف الأعضاء إلى فئتين: (أ) و(ب). هذا، كما يقول المغربي، كان حقًا للمؤسسين الذين كانت هذه الاستثمارات نتيجة جهدهم. «كيف أدخّل اللي ما بملك على اللي بملك».
كانت هذه هي الملابسات، يقول ناصر هي التي حفزته العام 2011، على تأسيس «ثغر الأردن» التي تضم حاليا معظم الصيادين، والآن يقول إنه وآخرين يتهيأون لتأسيس جمعية ثالثة، لن تقبل في عضويتها إلا غير الموظفين.
في المقابل، يتساءل بلال؛ إن كان هناك أي وظيفة حكومية يستطيع راتبها توفير حياة كريمة. خصوصًا في العقبة، حيث الأرقام الفلكية لإيجارات المنازل وفواتير الكهرباء. لهذا هو لا يرى وجاهة للاعتراضات، فهذا البحر في النهاية يجب أن يكون مفتوحًا للجميع.
منظر عام لمرفأ الصيادين في العقبة.
-
الهوامش
[1] State of the coast environment, report for Aqaba, UNDP, 2015.
[2] State of the coast environment, report for Aqaba, UNDP, 2015.
[3] State of the coast environment, report for Aqaba, UNDP, 2015.[4] زوّدت «الإحصاءات» حبر بهذه الأرقام بواسطة الإيميل.
[5] نشرة الإحصاءات الزراعية، مسوح الاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية، 2017، موقع دائرة الإحصاءات العامة.
[6] مشروع تنمية مصايد البحر الأحمر وخليج عدن، أحمد عبد الوهاب برانيه، 1979
[7] مشروع تنمية مصايد البحر الأحمر وخليج عدن، أحمد عبد الوهاب برانيه، 1979[8] Jordan – Aqaba Community and Economic Development (ACED). 2012.