الشتاء على الأبواب في لبنان، والأزمة على ما يبدو طويلة، حتى لو انتهت الحرب الإسرائيلية على لبنان. فحتى الآن، ووفق أحدث تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة تنسيق الشؤون الإنسانية، بلغ عدد النازحين المسجلين لدى منظمة الهجرة الدولية منذ تشرين الأول من العام الماضي 878,497 نازحًا لبنانيًا، 52% منهم إناث. وكل هؤلاء يحتاجون إلى رعاية ومستلزمات العيش، على اعتبار أن أغلبهم فقد مصدر دخله. ووفق تقرير المنظمة، بلغ عدد مراكز الإيواء الرسمية، حتى صدور التقرير في الحادي عشر من الشهر الجاري 1,163 مركزًا، من بينها 991 استنفدت طاقتها الاستيعابية. فيما تستمر عملية تسجيل النازحين، الذين بلغ عدد المسجلين منهم قرابة 192 ألف شخص من النازحين داخليًا، بحسب منصة وحدة إدارة مخاطر الكوارث في لبنان.
على أن فصل الشتاء وتلبية احتياجات النازحين فيه يشكل أكبر تحدٍ في الوقت الحالي بالنسبة إلى الدولة اللبنانية والجمعيات العاملة على الأرض على اختلافها، وهو الأمر الذي وصفه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بـ«الضروري وشديد الأهمية». في هذا الصدد، أتى تحرك الدولة اللبنانية في «مؤتمر باريس»، الذي عُقد في أواخر شهر تشرين الأول الماضي، وهدف إلى دعم جهود التهدئة في لبنان، إضافة إلى جمع مساعدات دولية استجابة للأزمة الراهنة في بيروت، وبلغ حجم المساعدات المجموعة نحو مليار دولار. فيما طلب لبنان مبلغ 425.7 مليون دولار لأعمال الإغاثة التي تقوم بها المنظمات الدولية، فيما يُعرف بطلب الاستجابة المباشرة، إضافة إلى مبلغ 59 مليون دولار، لتغطية احتياجات الشتاء.
ووفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، صادر في 24 من تشرين الأول الماضي، فقد كانت الأولوية للمساعدات الرئيسية لفصل الشتاء، حيث خُصص لها من مبلغ الـ59 مليون دولار حوالي 27 مليونًا تتضمن المستلزمات الأساسية، مثل ثياب الشتاء لمختلف أفراد العائلة، والبطانيات، إضافة إلى تأمين وسائل تدفئة في مراكز الإيواء. على أنّ المادة الأساسية للتدفئة، وهي المازوت، تعتبر من اختصاص الدولة لا المنظمة. فيما تعمل المنظمة في هذا الصدد بمساعدة الدولة لتأمين هذه المادة، بحسب ما تقول خلود مهدي، المسؤولة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في حديثٍ مع «حبر».
«نحن نعمل بتنسيق كامل مع الدولة اللبنانية في فهم كافة احتياجات النازحين في الشتاء، وبالتالي وضع خطة استجابة لتأمين هذه الحاجات»، تقول مهدي، لافتةً إلى أن المنظمة تعمل في كل المناطق اللبنانية، داخل مراكز الإيواء وخارجها، غير أن الأولوية «ستكون لمراكز الإيواء». على صعيد مستلزمات التدفئة، تؤكد مهدي أنه إلى جانب مساعدة الحكومة اللبنانية في توفير المازوت، تعمل المنظّمة على توفير سخانات للمياه، وألواح طاقة شمسية، وعوازل للهواء في الأماكن المفتوحة (شبابيك، طاقات في الأسقف.. إلخ) أي إعادة تأهيل لهذه المراكز، مشددة على أنّ مستلزمات التدفئة «ستكون مخصصة فقط لمراكز الإيواء على علو 300 متر [فوق سطح البحر] وما فوق. أما المراكز ما دون الـ300 متر فتخصص لها حصص احتياجات الشتاء من ملبس وبطانيات وغيرها». وقد خُصص لهذه الحزمة مبلغ 3.9 ملايين دولار. كذلك، سيخصص مبلغ 15 مليون دولار لصرفها على الدعم النفسي والاجتماعي لأسر النازحين، و1.7 مليون دولار خصصت لمصاريف تأمين المياه لمراكز الإيواء ومعالجتها، فضلًا عن 3 ملايين دولار للمصاريف الإدارية والتنسيقية.
اللافت أن كُل ما تقدّم يشمل مراكز الإيواء حصرًا، فيما تغيب الأعمال الإغاثية بشكل شبه تام عن تأمين احتياجات النازحين الذين استأجروا بيوتًا، وهم جزء لا يستهان به. والأغلبية من هؤلاء يعتبرون عاطلين عن العمل، ويدفعون بدلات الإيجار من مدخراتهم القابلة للاستنزاف مع إطالة الحرب. ووفق رئيس لجنة الطوارئ الحكومية الوزير ناصر ياسين، فإن «50 ألفًا من الأسر المقيمة في المنازل بحاجة إلى المساعدة، وخاصةً على أبواب فصل الشتاء».
هذا عدا عن المشكلة الكبرى التي تتمثل بمن يفترشون الطرقات في واجهة بيروت البحرية ووسط المدينة في الساحات العامّة، والذين يقدّر عددهم بالآلاف. وكانت غرفة إدارة الكوارث والأزمات في محافظة بيروت قد أعلنت أواخر شهر تشرين الأول الماضي عن نقل النازحين المتواجدين في الخيم في ساحة الشهداء الى مركز الإيواء «فلورا بيت الضيافة» في منطقة الكرنتينا، وعددهم حوالي 25 شخصًا، بينهم أطفال، فيما «يجري العمل على تأمين مركز إيواء لنقل ما تبقى من النازحين الراغبين بذلك، غير أنّه حتى اللحظة لا يزال الكثيرون من هؤلاء متواجدين في الطرقات». يقول وليد حمدان النازح من قرية شبعا في جنوب لبنان: «نحن بانتظار دورنا وقمنا بتسجيل أسمائنا لننتقل إلى الكرنتينا، غير أن المركز غير مجهز بشكل كامل حتى اليوم… إلى أين نذهب؟». حتى الآن، يبقى «الڤان» الذي يملكه وليد ملجأه من الشتاء والبرد، فيما يقول إنه لم يصله أي مساعدات.
في الأثناء، يبرز على الأرض دور بالغ الأهمية تقوم به الجمعيات اللبنانية والأفراد في مساعدة النازحين. يعمل هؤلاء بكل طاقاتهم، فتجدهم في الطرقات ومراكز الإيواء من أجل تأمين المأكل والمشرب والملبس لكل من يحتاجه، في مشهد يظهر التكافل الاجتماعي بين الأهالي في لبنان. في هذا الصدد، تقول مسؤولة في جمعية «كرامة»، التي أطلقت «مبادرة أرض»، إن الجمعية غطت حتى الآن «550 عائلة، أي ما يعادل 5000 شخصًا في عدة مناطق وعدة مدارس»، مشددة على أن عمل الجمعية يتركز في بيروت وجبل لبنان بالدرجة الأولى. أما عن التواصل مع الدولة، فتؤكد المسؤولة في حديثها مع «حبر» أنّ الدولة «لم تتواصل معنا، ولم نتلقَ أي مساعدات عينية». وبخصوص تأمين مستلزمات فصل الشتاء، تقول إن الجمعية وضعت خطة عمل لاستجلاب عروض لوسائل التدفئة وخاصة للعائلات التي نزحت إلى الجبل، وإنها وزعت حتى الآن أكثر من ألف بطانية. وتشدد على أن المستلزمات المنوي توزيعها تتضمن «حرامات، ومناشف، ومواد غذائية، ومواد تنظيف، وعباءات، وحجابات، شامبو للكبار وللصغار، وفوط صحية، وحليب للأطفال، وحفاضات، وثياب».
كذلك الحال بالنسبة جمعية «وتعاونوا»، التي بدأت كمبادرة فردية خلال الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019، وتحولت إلى جمعية مرخصة. إذ يقول أحد أعضائها لـ«حبر»: «بدأنا العمل منذ اليوم الأول لمساعدة النازحين في مختلف المناطق اللبنانية من بيروت إلى الجنوب إلى الشمال والبقاع، ونركز على منطقة عكار والشمال لاحتوائها أعداد كبيرة من النازحين المُهملين من قبل الدولة والجمعيات الباقية». ويضيف أنه حتى الآن تمكنت الجمعية «من مساعدة حوالي 80 ألف عائلة من خلال تأمين كافة المستلزمات لها، بما فيها الحصص الغذائية والملابس، وحتى بعض الأدوات الكهربائية الضرورية مثل غاز وبراد صغير وغسالة». وعن مصادر التبرعات، يؤكد العضو في الجمعية أنّ «المتبرعين للجمعية من كافة المحافظات اللبنانية، والمغتربين اللبنانيين، وحتى من بعض السفارات الصديقة للبنان، إضافة إلى بعض الأفراد في الدول العربية خصوصًا من الكويت والعراق وقطر». أما بخصوص المساعدات الشتوية، فيشير إلى أن «وتعاونوا» وضعت خطة تأمين 120 ألف بطانية شتوية سميكة للمناطق الجبلية التي تتكفل بها الجمعية، وأنها حتى الآن قد أمنت أكثر من نصف هذا العدد ومن المفترض خلال الأسبوع القادم أن يكون العدد والتوزيع قد اكتمل.