لا تكاد عائلة في الأردن تخلو من مريض يعاني من شكل من أشكال الألم المزمن، إن كان ألمًا في أسفل الظهر أو الرقبة، أو صداعًا نصفيًا أو أي شكل آخر. تتشابه قصص المرضى بالمجمل، وعند الحديث عن تجاربهم مع القطاع الطبي، تتكرر نفس السمات: مراجعات متكررة عند أطباء مختلفين في نفس التخصص أو من تخصصات مختلفة، تشخيصات مختلفة من كل طبيب يقيم الحالة، وأحكام متسرعة دون استقصاء دقيق للسيرة المرضية، بالإضافة إلى ذمّ للطبيب السابق في بعض الأحيان، وفحوصات مخبرية عديدة وغير متعلقة بالألم أو مصدره في بعض الأحيان، وصور أشعة مكررة بنتائج مختلفة، وردود فعل سلبية وهجومية من الطبيب عند عدم استجابة المريض للعلاج الموصوف. ما إن تنتهي أول جولة من هذه الزيارات، يكون المريض عادة قد وصل إلى حالة من الإحباط وانعدام الثقة في القطاع الطبي. ولأن الألم مستمر، لا يملك المريض خيارًا إلا بالعودة إلى عيادة الطبيب. فإما أن تكرر الفحوص المخبرية وصور الأشعة والتشخيصات المختلفة أو أن يوسم المريض بأنه يعاني من «حالة نفسية وتوتر». ولربما يكون هذا الوسم صحيحًا في بعض الأحيان، لكنه لا يعني بالضرورة أن معاناة المريض غير حقيقية أو متخيلة.
في عام 2015، انتقلتُ للعمل في الولايات المتحدة الأمريكية لبدء مرحلة الاختصاص في الأمراض الباطنية في أحد المستشفيات في ولاية ميشيغان الأمريكية وفي مدينة «ديترويت» بالتحديد. تزامنت بداية فترة الاختصاص مع انتشار كبير جدًا للمواد الأفيونية في المدينة، والتي كان يمكن الحصول عليها بسهولة بوصفة طبية من أي طبيب بعد مراجعة شكلية. كان القطاع الصحي الأمريكي حينها في بداية مرحلة الإدراك لحجم المأساة التي نتجت عن سيطرة شركات الأدوية على طريقة التعامل مع الألم وصرف المسكنات الأفيونية. في ذلك الوقت كان التقييم السريري الروتيني عند زيارة أي عيادة يشمل سؤالًا عن وجود أي نوع من الألم، ثم يطلب من المريض أن يقيم ألمه على مقياس من 1 إلى 10 (حيث يعبر الرقم 1 عن ألم خفيف ويعبر الرقم 10 عن ألم شديد جدًا)، ومن ثم يصرف مسكن للألم حسب الحاجة، عادة ما يكون مسكنًا أفيونيًا لفترة قصيرة، يطلب المريض بعدها وصفة أخرى ثم تتحول إلى وصفة دورية يمكن للمريض الحصول عليها بمجرد الاتصال الهاتفي بالصيدلية.
ولكن هل من المنطقي أن يتم تحجيم الألم إلى ثنائية نعم أم لا، أو إلى رقم على مقياس بهذا الشكل؟ هذا تمامًا ما يحاول حيدر واريش، الطبيب والأستاذ في كلية الطب في جامعة هارفرد، في كتابه «أغنية ندوبنا: القصة غير المروية للألم»، الإجابة عنه. يقول واريش إن الطب الحديث طلب من الناس أخذ أحد أعقد التجارب التي من الممكن أن يخوضوها على الإطلاق، تجربة تتحدى بنية الإنسان الجسدية والعقلية، تجربة بأبعاد حسية وعاطفية وروحية، وبخلفية وراثية وجينية وتطورية وعرقية ونفسية، وتقزيمها إلى رقم واحد على مقياس من 10 نقاط.
عملية الإحساس بالألم هي نتاج تفاعلات كيماوية في النهايات العصبية وما يتبعها من إشارات تنقل إلى الدماغ لتحديد نوع وموقع ودرجة الألم. في حين أن المعاناة الناتجة عنه أكثر تعقيدًا من هذه العملية البيولوجية.
يقارب واريش هذا الموضوع من تجربة شخصية مع الألم. حينما كان طالبًا في كلية الطب في باكستان، كان واريش يرفع الأثقال في صالة الألعاب الرياضية عندما أحس بألم شديد في ظهره، لم يستطع بعدها أن ينهض وسقطت الأوزان التي كان يحملها على صدره. وجد واريش نفسه غارقًا أولًا في ألم حاد في الظهر، ثم، ما لبث أن تحوّل مع مرور السنين إلى شكل جديد من الألم المزمن. أدت به هذه الحالة إلى الانكفاء على نفسه وانتهت به بالعزلة التامة عن محيطه، تشوهت كنتيجة لهذه الحالة النفسية نظرته لنفسه وفقد احترامه لذاته «لم أعد أعرف نفسي، كل شيء عن حياتي الماضية يبدو بعيدًا الآن، أشعر أن شخصًا آخر كان يعيشها».
بهذه الخلفية، شرع واريش، والذي يعمل حاليًا كطبيب للقلب في أحد مستشفيات بوسطن، في تفكيك الأبعاد العلمية والتاريخية والنفسية والاجتماعية للألم. بعكس معظم حواسنا الأخرى، كالنظر والشم والذوق، والتي بقي فهمنا وإدراكنا لها ثابتًا نوعًا ما، فقد تغيرت نظرتنا للألم بشكل كبير عبر العصور. في عصور ما قبل الحداثة، كان الألم يعتبر تجربة روحانية، لا تنفصل عن الشعور بالنشوة. كانت محاولات تخفيف ألم الولادة في أوروبا تقابل بعقوبات شديدة تصل للإعدام نظرًا للاعتقاد السائد والتعاليم الدينية أن ألم الولادة هو محاولة الرب تذكير المرأة الحامل بخطايا حواء.[1] ولكن مع بداية عصر التنوير جاءت أفكار جديدة غيرت هذه النظرة للألم. اهتم العديد من المفكرين، وأبرزهم ديكارت، بترسيم الحدود بين العقل والجسد، مفترضين أن الألم يكمن في الجسد بينما تعيش المعاناة في القلب والروح. أدت هذه الأفكار الى استفراد الطب الغربي الصاعد حينها بمشاكل الجسد، فيما ترك الجانب الروحي تحت سطوة الكنيسة بشكل مطلق. كانت هذه الثنائية الزائفة أحد خطايا الطب الحديث الأولى، وتلاها سعي دؤوب لفصل المعاناة عن الألم العضوي. أصبح التعليم الطبي يدمغ هذه الثنائية في عقول الأطباء بشكل مستمر: إما أن تكون المشكلة عضوية، كالتهاب في الزائدة أو خثرة في شرايين القلب أو كسر في العظم، وبالتالي حقيقية ويمكن إصلاحها بالجراحة أو العقاقير، وإما أن تكون من نسج الخيال في عقل المريض أو زائفة. يبرع الطب الحديث اليوم بتشخيص وعلاج الأمور المحسوسة، ويقف عاجزًا أمام أي عرض لا يوازيه خلل في الفحوصات المخبرية أو صور الأشعة. تزداد المشكلة تعقيدًا كلما تطور الطب الحديث أكثر، أو نجح تطور علمي جديد بإطالة معدل عمر الإنسان، أو عاش الإنسان فترة أطول مع هذه الآلام المزمنة وازداد اعتماد الأطباء على التكنولوجيا الحديثة في التشخيص والعلاج.
لكن هذا الفهم للألم خاطئ تمامًا، فعملية الإحساس بالألم هي نتاج تفاعلات كيماوية في النهايات العصبية وما يتبعها من إشارات تنقل إلى الدماغ لتحديد نوع وموقع ودرجة الألم. في حين أن المعاناة الناتجة عنه أكثر تعقيدًا من هذه العملية البيولوجية. يستشهد واريش بأمثلة لجنود مصابين بجروح مروعة لم يطلبوا أي مسكنات ولم يبلغوا حتى عن أي نوع من الألم، ومجرد إدراكهم أنهم لن يعودوا إلى أرض المعركة نظرًا لإصاباتهم كان كافيًا لصد الألم الشديد الناتج عن الإصابة. على الجانب الآخر، تعد متلازمة الطرف الوهمي (Phantom Limb Syndrome)[2] مثالًا على كيف يمكن للألم المبرح أن يربك المريض في غياب أي سبب محسوس، بل حتى في غياب العضو المتألم. الألم، إذن، ليس مجرد عملية بيولوجية وهو بنفس الوقت ليس منفصلًا تمامًا عن المعاناة النفسية، بل نتاج تداخل وتفاعل معقد للمؤثرات الخارجية والمستقبلات الداخلية والعواطف والتجارب السابقة، والظروف المجتمعية والسياق الذي تحدث فيه الإصابة.
يرتبط الإحساس بالألم بالسياق بطريقة لا يرتبط بها أي إحساس بشري آخر. يتغير معنى الأوجاع التي تثقل جسد عداء الماراثون بمجرد أن يعبر خط النهاية، كما يختلف ألم الجوع عند الصائم عن الألم الذي يشعر به شخص يتضور جوعًا لأنه لا يملك مالًا لشراء الطعام. لا شك أن جزءًا من إحساسنا بالألم يعود إلى نوع من التباين في قدراتنا الفردية على التحمل بسبب الاختلافات البيولوجية، لكن هذه الاستجابة تعتمد أيضًا على الظروف المحيطة بنا إلى حد كبير. في الواقع، حتى الجينات المسؤولة عن عملية الشعور بالألم تتأثر بمحيطنا بشكل كبير.
الألم الحاد والألم المزمن
تستطيع أعصابنا الإحساس بأربعة أنواع من المحفزات: الحرارة والبرودة والقوة الميكانيكية والتحفيز الكيميائي. باستخدام مستقبلات محددة، يمكن لنظامنا العصبي تحويل هذه المحفزات إلى إشارات كهربائية مختلفة يتم نقلها إلى مراكز الألم المختلفة في الدماغ عبر أنواع مختلفة من الألياف العصبية. يرد الدماغ بدوره على هذه الإشارات العصبية بإشارات مشابهة بالاتجاه المعاكس، تشكل أساس تصرفاتنا اتجاه المحفزات المختلفة. تختلف هذه الاستجابة من محفز لآخر. فعندما تلمس مقلاة ساخنة، تنتقل الإشارة العصبية إلى مراكز الألم في الجهاز العصبي وبدوره يصدر إشارة مرتدة لأعصابك الطرفية لرفع يدك عن المقلاة، وكلما ازدادت حرارة المقلاة كانت ردة فعلك أسرع. تختلف هذه الاستجابة أيضًا لنفس المحفز من مرة لأخرى، فالتوابل الحارة، على سبيل المثال، هي طعم مكتسب، حيث لا يمكنك إيجاد أي طفل يحب الطعام الحار منذ الولادة، وعندما نتكيف مع الطعم الحار مع تكرار تجربته، فإننا نكون قد كوّنا قدرة لتحمّل الألم لا للنكهة، والأدق، قدرة على الاستمتاع بهذا النوع من الألم.
لطالما اعتبر الألم المزمن امتدادًا للألم الحاد، أو ألمًا حادًا يمتد الإحساس به لفترة طويلة. لكنه في الحقيقة تجربة مختلفة تمامًا. يشكل الألم الحاد الآني جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، ويشكل في الكثير من الأحيان إشارةً تحذيرية لحمايتنا من إصابة أخطر، كأن ينسد أحد الشرايين التاجية التي تغذي عضلة القلب، فتحس الأعصاب المغذية لها بحمض اللاكتيك الذي ينتج عن موت بعض خلاياها وتترجمه كألم وثقل في الصدر لإنذار المريض، في محاولة لإنقاذ ما تبقى من ألياف عضلية قلبية. يلعب الألم الحاد أيضًا دورًا أساسيًا في تكوين ذكرياتنا، فرغم أننا نمر بعدد كبير من التجارب والمواقف اليومية، لا يعلق في ذهننا أي منها كما تعلق تجربة مصحوبة بالألم أو الخوف. يستطيع دماغك محو ذكرى تجربة وجبة طعام غير مبهرة ولا طعم لها خلال دقائق من انتهائك منها، في حين يبقى طعم الفلفل الحار عالقًا وحيًّا في ذاكرتك كلما لمحته على طاولة الطعام. في الجهة المقابلة، لا يخدم الألم المزمن أي غاية تذكر، ويصبح قوة هادمة عبر أثره الجسدي والنفسي على المريض.
لكن، إذا لم يكن الألم المزمن رقمًا على مقياس من 10 نقاط، أو امتدادًا للألم الحاد، فما هو؟ يعرف جون بونيكا، وهو طبيب أمريكي من أصول إيطالية، ويعد مؤسس علم علاج الألم الحديث، الألم المزمن كألم يمتد إلى ما بعد فترة الشفاء المتوقعة للإصابة أو المرض. يصفه واريش بأنه أقرب ما يكون لحصيلة تجاربنا وخيبات آمالنا ومخاوفنا وندمنا وآلام ماضينا. «ماذا لو لم يكن الألم المزمن إحساسًا جسديًا ولا حالة عاطفية؟ ماذا لو كان الألم المزمن شيئًا آخر تمامًا؟ ماذا لو كان ذكرى مترددة للإصابة؟». يستشهد واريش بالعديد من الدراسات التي تستنتج أنه وبعكس الألم الحاد، والذي يبدأ عادةً بإشارة عصبية طرفية تصعد عبر النخاع الشوكي إلى الدماغ، يبدأ الألم المزمن من الدماغ دون الحاجة إلى إشارة طرفية مستمرة.
إذا كانت خطيئة الطب الحديث الأولى هي فصل الجسد عن العقل، فإن خطيئته الثانية كانت أن يعد البشر بحياة خالية من الألم تمامًا دون أن يمتلك الأدوات أو الفهم اللازم لتحقيق هذه الغاية.
الاختلاف بين نوعي الألم (الحاد والمزمن) كبير إلى الحد الذي يجعل علاج هذين النوعين من الألم بنفس الطريقة أمرًا غير مبرر وغير مبني على أسس علمية. ولعل أكثر التجارب فشلًا هي محاولات علاج الألم المزمن بالمسكنات الأفيونية لفترات طويلة. بدأت هذه المحاولات بفرض شركات الأدوية «مقياس الألم» على القطاع الصحي الأمريكي وتحويل الألم إلى «العلامة الحيوية الخامسة» التي يُسأل عنها المريض بعد قياس ضغط الدم، ودقات القلب ودرجة الحرارة وتركيز الأكسجين في الدم. للوهلة الأولى. تبدو هذه الطريقة من التعامل مع الألم جيدة، ونابعة من رغبة صادقة في المساعدة وتخفيف معاناة المريض، لكنها حولت علاج الألم من تقييم سريري ونفسي متكامل إلى ردة فعل ميكانيكية. كلما كان الرقم الذي يختاره المريض أعلى، بغض النظر عن نوع وماهية الإصابة وطبيعة الألم، كانت احتمالية حصوله على وصفة لمسكن أفيوني أعلى. على العكس من ذلك، يستشهد واريش بالدراسات التي تشير إلى أن استخدام المسكنات الأفيونية يعيق قدرة المريض على توليد استجابته الخاصة للألم وقدرته على التعايش معه، لا بل إن استعمالها على المدى الطويل يفاقم المشكلة.[3]
يخصص واريش جزءًا كبيرًا من النصف الثاني من كتابه لنقد نظام الرعاية الصحية الأمريكي الذي زعم أنه يعالج وباء الألم المزمن، ولكنه بدلًا من ذلك فقد أثقل كاهل ملايين الأمريكيين بوباء آخر: وباء المواد الأفيونية. يتتبع تاريخ الأفيون والهيروين والمورفين، من حروب الأفيون إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية وما تبعها من ارتفاع للنزعة الاستهلاكية وتغير النظرة العالمية للرعاية الصحية من حق إلى سلعة.[4] ثم يتطرق لقصة عائلة ساكلر وعقار الأوكسيكودون دون أن يكتفي بلوم الشركة بل ينتقل إلى تبيان تقصير النظام الطبي بأكمله، متمثلًا بمؤسسة الغذاء والدواء، والمؤسسات الطبية والباحثين الأكاديميين والمسؤولين الحكوميين الذين أعطوا الشركة ومساعيها الربحية الضوء الأخضر والشرعية للاستمرار رغم المعاناة التي كانت تسببها. يقول واريش: «لقد وجدت المنظومة الصحية طريقة لتحقيق أرباح خيالية من أفقر الناس وأكثرهم تألمًا في الولايات المتحدة الأمريكية».[5] اليوم، يموت أكثر من 100 ألف أمريكي سنويًا نتيجة جرعات زائدة من المواد المخدرة، معظمها مواد أفيونية.[6] يشكل هذا الرقم ضعف نظيره في عام 2015، العام الذي اعتبر ذروة الوباء. الفرق أن أولئك الذين لم يستطيعوا الحصول على أدويتهم من عيادة الطبيب نظرًا للضبط التشريعي والقانوني لعملية صرف المواد الأفيونية، اتجهوا إلى تجار وموزعي المخدرات للحصول على «وصفتهم الدورية». فمهما بلغت حنكة وصلابة وقوة إرادة الإنسان، فإنها تقف عاجزة مرارًا وتكرارًا أمام شعور الحاجة الشديدة لجرعة إضافية.
تقدر الدراسات أن واحدًا من كل خمسة أمريكيين يعاني من الألم المزمن[7] ويتركز التشخيص بشكل أساسي في المجموعات المهمشة والمضطهدة: الفقراء والملونون والمصابون بأمراض مزمنة أخرى والنساء.[8] وتقدر دراسات شبيهة أن الألم المزمن يصيب نسبة مشابهة -إن لم تكن أعلى- في العديد من دول العالم،[9] ويعد ألم أسفل الظهر الأكثر شيوعًا. كما يشكل ألم أسفل الظهر سببًا رئيسيًا من أسباب العجز والمطالبة بالتعويضات من أنظمة الضمان الاجتماعي والتأمينات المختلفة حول العالم. يليه أشكال الصداع المختلفة وأهمها الصداع النصفي، وآلام الرقبة والمفاصل الطرفية والروماتيزم.[10] عادة ما يتم جمع هذه الآلام تحت مظلة واحدة: آلام العضلات والمفاصل. بالإضافة لكل ما تسببه من معاناة، فقد تجاوزت كلفة علاجها في الولايات المتحدة الأمريكية كلفة علاج السرطان وأمراض القلب مجتمعين في عام 2016.[11]
اقرأ/ي أيضا:
نظرًا لطبيعته المزمنة، على عكس الألم الحاد الآني، يغير الألم المزمن من نظرة المريض لنفسه وقدراته ومحيطه والحدود التي يرسمها لذاته. ولعل هذه الخاصية من أخطر خواصه، نظرًا لأثرها المدمر على صحة المريض الجسدية والنفسية. عادة ما يكون إحساسنا بأجسادنا في حدوده الدنيا عندما نكون أصحاء، لا بل إننا لا ندرك وجودها في معظم الأحيان ولا ننتبه لها إلا في وقت المرض. في المقابل، يحس مريض الألم المزمن بثقل جسده بشكل مستمر، إلى أن تصل به الحالة إلى أن ينظر لجسده كخصم. يستطيع المريض الذي يعاني من الألم الحاد تخيل وقت ينتهي فيه الألم وتعود الأمور لمجراها مهما كان الألم شديدًا ومهما كان مصدره، إن كان ألم الولادة أو حصوة في الكلى، في حين يتخذ الألم المزمن بعدًا وجوديًا دون نهاية واضحة في الأفق، بل عادة ما يكون مصحوبًا بالخوف والقلق من ازدياد حدته. وصل بعض الباحثين إلى استنتاجات تفيد أن تجربة مريض الألم المزمن تقارب إلى حد كبير تجربة السجين: كلاهما مقيد الحركة، محصور داخل منزله أو زنزانته، في عزلة دائمة حتى حين يكون محاطًا بالآخرين، يحس بالضعف وقلة الحيلة في وجه سجانه، ويفقد تدريجيًا الإحساس بالوقت حيث يتمحور كل شيء حول الألم. تتفاقم هذه المشاعر والأحاسيس حين يحس المريض أنه عالق في نظام صحي يجرد عنه إنسانيته، وتزداد تجربته قربًا لتجربة السجين.[12]
كالسجن تمامًا، يسرق الألم المزمن المريض من مجتمعه، ويحاول الكثير من المرضى استرداد ما سرق منهم من المكان الذي يضطرون إلى الذهاب إليه بشكل مستمر رغم خيبات الأمل المتكررة: عيادة الطبيب. يصارع المريض أيضًا لإيجاد تشخيص يفسر ألمه على أمل أن يجد حلًا: فلا شيء يؤجج حالة التوتر عند مريض الألم المزمن كأن تكون صورة الأشعة والفحوصات المخبرية «طبيعية»، لا لأنه يريد أن يكون مريضًا، بل لأنه يعرف أن عدم وجود تفسير واضح وصريح وملموس سيدخله في دوامة من التشكيك ومحاولة تبرير أعراضه للعاملين في القطاع الصحي. يضفي إيجاد خلل في صور الأشعة أو الفحوصات المخبرية أو الحصول على تشخيص ما شرعية على أعراض المريض، ويريحه من عناء «المفاصلة» الحتمي مع الممرض والطبيب والمعالج الطبيعي والجراح ومعظم من سيتعامل معهم خلال رحلته. يدرك مريض الألم المزمن مع الوقت أنه ليس كافيًا أن يكون متألمًا، بل يجب أن يتصرف كمريض يحس بالألم (يتغير انطباع العاملين في القطاع الصحي في معظم الأحيان إذا دخلوا غرفة مريض متألم وكان يبتسم مع مرافقه)، لكن عليه أيضًا أن يحافظ على توازن هش جدًا ليتجنب المبالغة بإظهار الألم لكيلا يظهر كمن يسعى للحصول على المسكنات المخدرة وينفر مقدمي الرعاية الصحية. يفاقم هذا التصنع في إظهار الأعراض المناسبة لجذب اهتمام العاملين في القطاع الصحي اغتراب المريض وعزلته، ويؤدي إلى آثار نفسية مدمرة أحيانًا.
الوجه العنصري والجندري للألم
لكن إن كان من يعانون من الألم المزمن عمومًا في صراع دائم مع القطاع الصحي، فإن صراع بعض الفئات أشد حدة. لطالما ساد بين الأطباء في الولايات المتحدة الأمريكية اعتقاد أن المرضى السود لا يحسون بالألم بنفس الدرجة التي يحس به نظراؤهم البيض، هذا الاعتقاد ليس قديمًا ولم يتوقف عند النظرة للسود أيام العبودية ككائنات دونية لا تحس بالألم، بل ما زال موجودًا حتى يومنا هذا، ففي دراسة حديثة نظرت إلى أنماط وصف المواد المسكنة الأفيونية، وجدت أن معدل الجرعات التي يتلقاها السود أقل بـ 36% من الجرعات التي يتلقاها البيض.[13] يمتد هذا التمييز إلى الأطفال، ففي دراسة نظرت إلى نمط علاج الألم الناتج عن التهاب الزائدة الدودية في غرف الطوارئ في الولايات المتحدة الأمريكية، كان احتمال حصول الأطفال السود على مسكن أفيوني أقل بخمس مرات من نظرائهم البيض فيما لم تختلف معدلات صرف المسكنات الأخرى بين الأطفال من العرقين.[14] وذات التمييز يلاحظ بين الحوامل واحتمال صرف مسكنات الألم والحقن فوق الجافية في الظهر أثناء الولادة حسب لون البشرة.[15]
هذا التباين في صرف المسكنات الأفيونية كان بشكل أساسي نتيجة لاعتقاد الأطباء أن السود يتظاهرون بالألم أو أنهم سيسيئون استعمال المسكن. وصل التباين في صرف المسكنات الأفيونية إلى وصف وباء المواد الأفيونية بـ«الوباء الأبيض» نظرًا لأن الغالبية العظمى ممن كانوا يحصلون على هذه الوصفات ومن يموتون بالجرع الزائدة من البيض.[16]
View this post on Instagram
من جهة أخرى، تعيش النساء حول العالم اليوم، بالمعدل، أكثر بخمس سنوات من الرجال، والنساء أيضًا أكثر عرضة للعيش مع آلام مزمنة لفترة أطول، نظرًا لارتفاع احتمال اصابتهنّ بأمراض كالصداع النصفي، والألم العضلي الليفي، ومتلازمة القولون العصبي، والروماتيزم والتهاب المفاصل مقارنةً بالرجال. وهي أمراض عادة ما تشخص سريريًا دون وجود دليل واضح مخبريًا أو على صور الأشعة، مما يدخلهنّ في دوامة من الشك وعدم التصديق من قبل مقدمي الرعاية الصحية وحتى من عائلاتهنّ في بعض الأحيان. يصل التشاحن في كثير من الأحيان إلى وصفهنّ بالمخادعات، واتهامهنّ بإضاعة الوقت وتحميلهنّ مسؤولية المعاناة من هذه الأعراض.
تتفاقم هذه المشكلة نظرًا إلى قلة الطبيبات في التخصصات المعنية بعلاج الآلام المختلفة (من جراحة الأعصاب إلى التخصصات التداخلية والعناية التلطيفية)، فالطبيبات عادةً ما يقضين وقتًا أطول مع المرضى، وعادة ما يستطيعن تكوين شراكات أقوى معهم، خصوصًا مع النساء منهم. هنّ أيضًا أكثر احتمالًا أن يصرفن مضادات الاكتئاب عند الحاجة لها، وهذا بحد ذاته مهم نظرًا لانتشار الاكتئاب بشكل كبير وارتفاع احتمالية التشخيص بالألم المزمن عند المرضى الذين يعانون من الاكتئاب.
تعاني مريضات الألم المزمن من معضلة أخرى، ألا وهي أنهنّ أكثر عرضة لتجاهل أعراضهنّ ونسبها للتوتر والقلق، وبالتالي تلقي وصفة لمادة مهدئة أو مخدرة عند مراجعة عيادات علاج الألم المختلفة، فقبل المسكنات الأفيونية كان هناك الـ«فاليوم»، وهو مرخٍ عصبيّ ومضاد للتوتر من عائلة البينزوديازيبينيات. كان الفاليوم يسوق بشكل مباشر للأطباء في المجلات الطبية العلمية، وكان يسوق بشكل أساسي للنساء «العازبات، اللواتي فاتتهنّ الفرصة وأصابهنّ التوتر الشديد لأن فرصتهنّ في الحصول على زوج بدأت بالتلاشي» و«لأمهات الطبقة الوسطى، وسيدات الأعمال المنهكات، وأعراض انقطاع الطمث». كانت حملة الترويج هذه ناجحة جدّا، وقد جعلت الفاليوم من أوائل العقارات التي تجاوزت مبيعاتها المليار دولار في العالم.[17]
واقع علاج الألم في الأردن
بمحض الصدفة، تواصلت معي مريضة[18] خلال كتابتي لهذا المقال، لتستشيرني حول ألم شديد يصيبها. تقول وداد* إن تجربتها مع الألم بدأت منذ عدة سنوات، حيث بدأ الألم في أسفل الظهر والخاصرة ثم أخذ يمتد تدريجيًا لساقها اليسرى. في أول زيارة للطبيب، شخصت وداد بـ«عرق النسا» وهو مصطلح يعبر عن الألم الناتج عن ضغط على العصب الوركي نتيجة قرص منفتق أو نتوءات عظمية في العمود الفقري، ثم وصف لها دواء مضاد للاكتئاب دون شرح ماهية الدواء أو فعاليته في هذه الحالات. بعد صعوبة كبيرة في الحصول على الدواء نظرًا لعدم توفره إلا في صيدليات محدودة، قررت وداد ألا تأخذ الدواء بعد محادثة مع الصيدلاني عن استعمالاته. اشتد الألم بعد أسبوعين واضطرت أن تعود لنفس الطبيب، الذي طلب حينها صورة رنين مغناطيسي وبعض فحوصات الدم، ثم أخبرها أن أعراضها هي نتيجة قرص منفتق ونقص في فيتامين دال وأوصاها بالتمارين الرياضية. في محاولة لإيجاد حل للقرص المنفتق، راجعت وداد أخصائي جراحة عمود فقري وأعصاب، والذي قال لها بدوره إن الصور لا تظهر أي أقراص منفتقة وإن تشخيص «عرق النسا» خاطئ وإن أعراضها هي نتيجة «شد» في العضلة الكمثرية، وإنها تحتاج إلى عدة جلسات من العلاج الطبيعي.
بدأت وداد رحلتها مع العلاج الطبيعي دون أن تحس بأي تحسن، ثم قررت إيقاف العلاج الطبيعي بعد أن وصفت لها المعالجة جرعة كبيرة من المرخيات العضلية أدت إلى ضيق في التنفس واستدعت زيارة لغرفة الطوارئ. استمرت أعراض وداد وراجعت عدة أطباء أعصاب مما أدخلها دوامة جديدة من الفحوصات والعلاجات غير الفعالة، كان آخرها طبيب أعصاب آخر قال لها إن أعراضها غير ناتجة عن «عرق النسا» ولا عن «شد في العضلة الكمثرية»، بل نتيجة ضغط على العصب في الساق اليسرى، ووصف لها «مقوي أعصاب» ومجموعة مهدئات رفضت وداد أن تأخذها. بعد عدة زيارات للطبيب الأخير، عبر عن استيائه وغضبه منها لرفضها أخذ المهدئات لأن أعراضها ناتجة عن «قلق وتوتر» رغم انكارها لأي سبب للتوتر أو القلق في حياتها. في آخر زيارة لها لمنشأة صحية لذات المشكلة، ذهبت وداد إلى غرفة طوارئ في شهر رمضان، حيث قيل لها إن ألمها ناتج عن «جفاف نتيجة الصيام». وصلت وداد لمرحلة من اليأس دفعت بها إلى التعايش مع الألم ورفضت الذهاب إلى أي طبيب رغم استمرار معاناتها: «صرت متعايشة مع المرض وصرنا فاهمين على بعض. صرت دكتورة والله». إضافة إلى المعاناة الجسدية، كان لهذه التجربة أثر مادي ونفسي كبير عليها، فقد اضطرت لدفع مبالغ كبيرة للمراجعات وصور الأشعة والفحوصات دون أي حل لمشكلتها.
ظهرت مؤخرًا عدة مراكز متخصصة بعلاج الألم في الأردن، كما توجد جمعية تابعة لنقابة الأطباء الأردنية لأطباء علاج الألم. تضم الجمعية العديد من الأطباء المختصين بعلاج الألم التداخلي والطبي والعلاج الطبيعي والتأهيل وجراحة العظام والعمود الفقري. رغم نشاط الجمعية، يبقى واقع علاج الألم في الأردن محبطًا للغاية. يعود أحد أصول المشكلة إلى التعليم الطبي في الأردن، فلا المنهاج ولا التدريب السريري يغطي طرق التعامل مع الألم، فلا مادة تعطى في الجامعة عن هذا الموضوع ولا الطبيب الممارس المشرف على تعليم الطلاب يمتلك هذه الخبرة، وينحصر صرف المواد المسكنة المختلفة عادة بأطباء التخدير أو أخصائيي علاج الألم، رغم عدم توافرهم في العديد من المستشفيات. لربما تتشابه طريقة التعامل مع مرضى الألم المزمن في الأردن مع البلاد الأخرى، لكن انعدام الثقة في القطاع الطبي وتضارب النصائح والعلاجات الموصوفة وانعدام التواصل وتحديد الهدف المرجو من العلاج مسبقًا يضفي عامل الشك والريبة على كل خطوة في مرحلة التشخيص والعلاج، مما يعقد رحلة مريض الألم المزمن أكثر. إضافةً إلى كل ما سبق، هناك صعوبة غير مبررة في العثور على هذه الأدوية في الأردن، تجعل الحصول عليها، لمن يحتاجها ولاستخداماتها الصحيحة أمرًا شاقًا جدًا، فضبط صرف هذه الأدوية يكون بضبط الممارسات الطبية لا بحصر وجودها وتعقيد عملية صرف الدواء بشكل كبير على المرضى.
لا شك أن للمسكنات الأفيونية مكانها في علاج الألم، فهي في النهاية مواد طبيعية يفرز الجسم شكلًا منها في كثير من الأحيان لتخفيف الألم. وقد أظهرت العديد من الدراسات أن استعمالها بعد العمليات الجراحية، وفي حالات من الألم الحاد، وعند مرضى السرطان، أو بجرعات مخففة ولفترات قصيرة في بعض حالات الألم المزمن، يقي المريض من آلام شديدة ويضفي وجهًا إنسانيًا على الرعاية الصحية، ويشكل مهربًا للمرضى من عذابهم اليومي. لربما يأخذ واريش موقفًا متزمتًا من استعمالها نتيجة تجارب شخصية في حياته أو في عمله في بلد أسيء استعمال هذه المسكنات فيه بشكل كبير جدًا، لكن الحقيقة أن استعمالها المضبوط للدواعي الطبية الصحيحة يجعلها أداة قوية وفعالة لتخفيف معاناة المرضى.
في حديث مع صديق، قال لي إن أكثر ما يكره سماعه من طبيبه هو أن «في الطب، واحد زائد واحد لا يساوي اثنين»، في إشارة إلى أن الأمور ليست بالبساطة المتوقعة، وأن الإجابة لمعظم الأسئلة في هذا المجال ليست مباشرة وتنطوي على العديد من الاحتمالات والتخمينات. لربما يكون علاج الألم المزمن مثالًا جيدًا على هذه المقولة، فنحن لم نبدأ إلا مؤخرًا بفهم حقيقة الألم المزمن وطريقة حدوثه وتأثيره على حياة المريض. لا يوجد اليوم فحص مخبري أو شعاعي يقيس لنا الألم ومكانه وحدته بشكل موضوعي، وما زال قياسه يعتمد على السيرة المرضية وفهم الطبيب وتقييمه لذا فهو معرض للتحيز واللاموضوعية والآراء المسبقة عند الطرفين أكثر من أي عرض طبي آخر. يأخذنا هذا الفهم إلى التساؤل حول جدوى تقييم الألم المزمن على مقياس رقمي من 1 إلى 10، ولربما يدفعنا إلى أن نتجه بتقييمنا إلى أسلوب لا يعد باحتمال غير واقعي بالوصول إلى «صفر» في المستقبل، إلى سؤال يهيئ المريض للتأقلم مع هذا النوع من الألم: «هل ألمك اليوم محتمل؟ وهل تستطيع المضي في يومك مع وجوده؟».
إذا كانت خطيئة الطب الحديث الأولى هي فصل الجسد عن العقل، فإن خطيئته الثانية كانت أن يعد البشر بحياة خالية من الألم تمامًا دون أن يمتلك الأدوات أو الفهم اللازم لتحقيق هذه الغاية، فما زال الطب اليوم بعيدًا عن إيجاد طريقة جيدة لعلاج الألم المزمن وإدخالها إلى ممارسات الأطباء اليومية. إلى ذلك الحين، وبعد تصحيح أي خلل عضوي واضح جراحيًا أو طبيًا، لربما تكون الطريقة المثلى للتعامل مع الألم المزمن هي مزيج من كل ما سبق، من مسكنات غير أفيونية وأفيونية مخففة ومهدئات عصبية ومضادات للاكتئاب وعلاج طبيعي، لكن الأهم من ذلك كله هو أن تجد طبيبًا جيدًا يستمع لشكواك ويود مساعدتك بصدق، ولا يعدك بحلول سحرية، وأن تحاول قدر الإمكان التعايش والتأقلم مع الألم في حدود المستطاع.
-
الهوامش
* اسم مستعار حفاظًا على خصوصية صاحبته.
[1] Helmuth L. The disturbing, shameful history of childbirth deaths. Slate. September 10, 2013. https://slate.com/technology/2013/09/death-in-childbirth-doctorsincreased-maternal-mortality-in-the-20th-century-are-midwivesbetter.html . Accessed Dec 19, 2022.
[2] عندما يعاني شخص ما من إحساس في ذراع أو ساق تم بترها.
[3] Krebs EE, et al. Effect of opioid vs nonopioid medications on pain-related function in patients with chronic back pain or hip or knee osteoarthritis pain: the SPACE Randomized Clinical Trial. JAMA. 2018;319(9):872–882.
[4] خلال الحرب العالمية الثانية، كلفت الحكومة الأمريكية 15 شركة أدوية بإنتاج البنسيلين (المكتشف حديثا حينها) لتزويد الجنود الأمريكيين المشاركين في الحرب. غنمت هذه الشركات أرباحًا خيالية غيرت وجه صناعة الأدوية في العالم من شركات صغيرة ومتفرقة لمجموعة محدودة من شركات عملاقة تنتج معظم الأدوية التي نعرفها اليوم.
[5] كيف ساهمت شركات الأدوية في نشر وباء المواد الأفيونية حول العالم؟ زيد عبد الرحمن – موقع حبر
[6] Garrison G. Senator Claire McCaskill cites disproven figure on opioid use. Politifact. May 10, 2017. Accessed Nov 27, 2022
[7] Zelaya CE, Dahlhamer JM, Lucas JW, Connor EM. Chronic pain and high-impact chronic pain among U.S.
adults, 2019. NCHS Data Brief. 2020;390:1–8; Institute of Medicine.
[8] Mills SEE, Nicolson KP, Smith BH. Chronic pain: a review of its epidemiology and associated factors in population-based studies. Brit J Anaesth. 2019;123:e273–e283
[9] Moreira L, Baptista AF, et al. Prevalence of chronic pain in developing countries: systematic review and meta-analysis. Pain Rep. 2019;4:e779.
[10] James SL, Abate D, Abate KH, et al. Global, regional, and national incidence, prevalence, and years lived with disability for 354 diseases and injuries for 195 countries and territories, 1990– 2017: a systematic analysis for the Global Burden of Disease Study 2017. Lancet. 2018;392:1789–1858.
[11] Dieleman JL, Cao J, Chapin A, et al. US health care spending by payer and health condition, 1996–2016. JAMA. 2020;323:863–884
[12] Leder D. Coping with chronic pain, illness and incarceration: what patients and prisoners have to teach each other (and all of us). Med Humanit. 2018 Jun;44(2):113-119. doi: 10.1136/medhum-2017-011426. Epub 2018 Jun 1. PMID: 29858241.
[13] Morden NE, Chyn D, Wood A, Meara E. Racial Inequality in Prescription Opioid Receipt – Role of Individual Health Systems. N Engl J Med. 2021 Jul 22;385(4):342-351
[14] Goyal MK et al, Racial disparities in pain management of children with appendicitis in emergency departments. JAMA Pediatr. 2015;169(11):996–1002
[15] Glance LG, Wissler R, Glantz C, Osler TM, Mukamel DB, Dick AW. Racial differences in the use of epidural analgesia for labor. Anesthesiology. 2007 Jan;106(1):19-25; discussion 6-8.
[17] «The Pill You Love Can Turn on You»: Feminism, Tranquilizers, and the Valium Panic of the 1970s By: David Herzberg. American Quarterly, Vol. 58, No. 1 (Mar., 2006), pp. 79-103
[18] تم نشر القصة بعد الحصول على موافقة المريضة.