«شخّصتني باي بولار.. قالت لي إنتِ واصلة لمراحل كتير كبيرة إنه تساعدي حالك.. فإنتِ بحاجة لتدخل دوائي»، هذا ما قالته الطبيبة النفسية في مستشفى الجامعة الأردنية لملاك[1] (26 عامًا) بعد إصابتها بنوبة هلع حادة في طوارئ مستشفى الجامعة قبل يوم من حضور موعدها مع الطبيبة النفسية.
كانت تلك المرة الخامسة التي يوصف فيها لملاك الدواء النفسي من أجل علاجها، منذ بدء رحلتها في عالم الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين قبل حوالي أربع سنوات. قُدمت لملاك في هذا العالم تشخيصات مرضية نفسية متعددة، بدءًا من الاكتئاب الشديد، ودَورَويّة المزاج، واضطرابات الشخصية المتعددة، وأخيرًا اضطراب ثنائي القطب قبل بضعة أشهر. ومنذ الجلسات الأولى، وصف لها الأطباء والأخصائيون النفسيون الذين توجهت لهم للعلاج إلكترونيًا أو وجاهيًا إما مضادات الاكتئاب أو مثبتات المزاج. كانت ملاك تخشى من استخدام الأدوية في كل مرة توصف لها، وتتوجس من فكرة اعتماد جسدها وعقلها على الأدوية، دون أن يشرح لها أحد أسباب تناول الدواء، أو الآثار الجانبية التي قد تؤثر عليها. ولكنها في كل مرة ترى فيها الأطباء النفسيين، تكون يائسة وعاجزة عن مساعدة نفسها إلا بتناول الأدوية.
لا شك أن العديد من الاضطرابات والأمراض النفسية تحتاج إلى تدخل دوائي من أجل تعديل ما يسمى بكيميائية الدماغ، لكن أغلب العاملين في مجال الصحة النفسية في الأردن يجمعون على أن العلاج الدوائي يتسيد قائمة طرق علاج الاضطرابات والأمراض النفسية، سواء في القطاع العام أو الخاص.
ورغم أن الكثير من الاضطرابات والأمراض النفسية لها أسباب بيولوجية ووراثية، إلا أنها كثيرًا ما تنتج بسبب ضغوطات اجتماعية واقتصادية، وهي توصف بأمراض حداثية ذات منشأ رأسمالي، يرتبط بتعريف قاصر للصحة بوصفها القدرة على العمل والإنجاز. ومع ذلك يفتقد العديد من المرضى في الأردن، وفي القطاع العام خصوصًا، لتكامل الأدوار العلاجية فيما يتعلق بالصحة النفسية، ليكون التركيز على صرف الدواء هو السائد في علاج المرضى.
أدوار غائبة
يعتمد الطب النفسي في الأردن في تصنيف الأمراض والاضطرابات النفسية على الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية، الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي، حيث تم تصنيف 22 اضطراب نفسي في الدليل. ولكن بشكل عام، يمكن تقسيم الأمراض والاضطرابات النفسية إلى نوعين، الأول ذُهاني، وفيها يفقد الشخص قدرته على التمييز والتبصر وينفصل عن الواقع وتتولد لديه الهلاوس والأوهام، ومسبباته جينية أو كيميائية حيوية أو بيئية. والآخر عصابي وفيها لا ينفصل الشخص عن الواقع ولكن تكون لديه إشكالات نفسية كالتوتر والقلق والاكتئاب. بينما تصنف منظمة الصحة العالمية الاضطراب النفسي على أنه اختلال ظاهر في إدراك الشخص وعواطفه وسلوكه، عادة ما يرتبط بتدهور أو اعتلال في تأدية الوظائف اليومية.
قبل خمسينيات القرن الماضي، كانت مقاربات العلاج النفسي -كالتحليل النفسي- مهيمنة في العلاج النفسي أكثر من الدوائي في الغرب، كما يتحدث استشاري الطب النفسي في مستشفى الجامعة الأردنية، رضوان بني مصطفى. أما بعدها، فأصبح العلاج الدوائي هو المهيمن. فكان علاج الأمراض الذهانية يعتمد بشكل كبير على المهدئات والمنومات منذ القرن التاسع عشر وحتى بداية الخمسينيات حين اخترعت أدوية الذهان، ومن ثم أصبحت الاكتشافات الدوائية للأمراض والاضطرابات النفسية تظهر وتعمم.[2]
في الأردن، لا توجد إحصائيات ولا تصنيفات دقيقة عن عدد المصابين بالأمراض والاضطرابات النفسية، ولكن بحسب مدير المركز الوطني للصحة النفسية السابق، خالد الحديدي، يُقدر أن 20% من الأردنيين يعانون من حالات اكتئاب وقلق. بينما تقول أخصائية علم النفس السريري أمل نشوان إن هذه الاضطرابات قد تكون أعراض لاضطرابات نفسية أخرى أكبر.
تحتاج العديد من الاضطرابات النفسية إلى تدخل دوائي من أجل تعديل ما يسمى بكيميائية الدماغ، لكن أغلب العاملين في مجال الصحة النفسية في الأردن يجمعون على أن العلاج الدوائي يتسيد طرق علاج الاضطرابات والأمراض النفسية.
يشير أخصائيون إلى أن النسبة العالمية للأمراض والاضطرابات النفسية في أي مجتمع هي 25%، وأنها تنطبق على الأردن أيضًا. في عام 2019 قالت منظمة الصحة العالمية إن واحدًا من كل ثمانية أشخاص يعيش في اضطراب نفسي، وإن اضطرابات القلق والاكتئاب هي الغالبة. وأشارت التقديرات إلى ازدياد نسبة الإصابة بالقلق والاضطرابات الاكتئابية الكبرى بـ26% و28% على التوالي خلال سنة واحدة بعد جائحة كوفيد.
بحسب أغلب العاملين في الصحة النفسية ممن تمت مقابلتهم، تُحدد المقاربة العلاجية الفضلى، أي في الوضع المثالي، حسب خصوصية كل مرض وشخصية المريض نفسه، وبوجود فريق متخصص يدعم العملية العلاجية النفسية ككل، كالطبيب النفسي والأخصائي النفسي والممرض النفسي والباحث الاجتماعي والمعالج الوظيفي، بالإضافة إلى وجود أقسام إعادة التأهيل.
في القطاع العام، تنتشر خدمات الطب النفسي في المستشفيات الحكومية والجامعية والعسكرية، بالإضافة إلى وجود 53 عيادة نفسية موزعة في مراكز الرعاية الأولية، وفي مراكز الإصلاح والتأهيل، وخدمات حماية الأسرة، ومراكز رعاية المسنين. ويتم تقديم خدمات الصحة النفسية في هذه العيادات مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، كما يقول نائل العدوان، مدير التأمين الصحي في وزارة الصحة، والمدير السابق للمركز الوطني للصحة النفسية (الفحيص)، إلّا أنه في غالبية هذه العيادات يتواجد طبيب نفسي وممرض فقط.
في المقابل، تتوافر خدمات العلاج النفسي المتكاملة، من حيث وجود الطبيب النفسي والممرض النفسي والباحث الاجتماعي والباحث النفسي، في العيادات المتخصصة التابعة لوزارة الصحة، كمركز صحي الهاشمي الشمالي، والعيادة الاستشارية النفسية بالقرب من منطقة دوار المدينة الرياضية، ومركز الإدمان التابع لوزارة الصحة.
تقول نشوان إن وجود الطبيب النفسي والأخصائي النفسي السريري من أجل التباحث في وضعية المريض يجعل العملية التشخيصية والعلاجية أسلس، والنتائج العلاجية أفضل بالنسبة للمرضى. فقد يقرر الطبيب، وباستشارة الأخصائي النفسي، إن كان المريض يحتاج إلى الدواء أم إلى مقاربات علاجية نفسية أخرى، كالعلاج المعرفي السلوكي أو العلاج الجدلي أو العلاج السردي أو مقاربات التحليل النفسي.[3] فبحسبها، هنالك على سبيل المثال مرضى اكتئاب قد يحتاجون إلى العلاج الدوائي بينما غيرهم قد يحتاج إلى العلاج المعرفي السلوكي فقط.
رغم أهمية العلاج الدوائي، تحتاج بعض الحالات مثل اضطرابات القلق والوسواس القهري والمشاكل الأسرية والضغوطات النفسية إلى مقاربات العلاج النفسي الأخرى، بحسب أخصائي علم النفس السريري تيسير شواش. وهذه المقاربات في العلاج النفسي ليست متوافرة دائمًا في القطاع العام. وتواجدها في القطاع الخاص مكلف لأن المريض قد يحتاج ثماني إلى 16 جلسة علاج نفسي، ولا توجد حتى الآن سقوف سعرية تحددها وزارة الصحة لهذه الجلسات بحكم أن هذه التخصصات جديدة نسبيًا في الأردن، وقد يصل سعر جلسة العلاج النفسي ما بين 50 و70 دينار أردني، كما يقول شواش.
يضيف سليم،[4] وهو ممرض نفسي في القطاع العام لأكثر من 14 عامًا، إن الممرض النفسي ضروري لأنه حلقة الوصل بين المريض ومختلف التخصصات الطبية في العملية الرعائية، حيث يعمل على مراقبة وتقييم المرضى وتقديم الرعاية النفسية من خلال المداخلات التمريضية بحسب كل حالة، ويحدد خطة الرعاية ويعمل على تقييمها وتقويمها، ورقابة ما تم تنفيذه من الخطة العلاجية والرقابة المستمرة على المرضى، بالإضافة إلى إعطاء الدواء والإشراف على المرضى، وإعداد ملفاتهم ومراقبة تطور الأعراض، والتواصل مع الطبيب بخصوصها.
أما الأخصائي الاجتماعي، فيبحث حالة المريض اجتماعيًا لمعرفة الظروف الاجتماعية والشخصية المحيطة به، فيما يعمل الأخصائي الوظيفي على بناء قدرات المريض وزيادة اعتماده على ذاته في حياته اليومية، بينما يتولى أخصائي إعادة التأهيل تعليم المرضى حرفًا يستطيعون عبرها كسب المال ليشعروا بأنهم منتجون وليسوا عبئًا على ذويهم أو المجتمع.
نقص الكوادر والاختصاص
بحسب العاملين في القطاع النفسي، يهيمن العلاج الدوائي على علاج الاضطرابات والأمراض النفسية في الأردن لأسباب بنيوية عدة، تتعلق بنقص الكادر الطبي المتخصص في الصحة النفسية، ونقص التمويل من وزارة الصحة الأردنية، والانهماك في العمليات الإدارية والبيروقراطية بدلًا من التركيز على العملية العلاجية في رعاية المرضى النفسيين، وعدم اهتمام الحكومة في الجانب النفسي من الصحة العامة. وبحسب جواب حصلت عليه حبر من وزارة الصحة، فإن نقص الكادر الطبي النفسي وقلة التمويل وهجرة الكوادر المتخصصة خارج الأردن يشكل عائقًا في تطوير مجال الصحة النفسية في القطاع العام، حيث يقتصر العلاج النفسي في العديد من منشآت القطاع العام على العلاج الدوائي.
بحسب خطة العمل الوطنية للصحة النفسية والإدمان لعام 2022-2026، يقدّر عدد العاملين في قطاع الصحة النفسية في الأردن بأكثر من 200 طبيب نفسي، و220 ممرض نفسي، و130 صيدلانيًا، حيث يوجد أقل من طبيب نفسي واحد لكل مائة ألف من السكان، و0.13 ممرض نفسي لكل مائة ألف من السكان.[5] وبحسب تقرير حالة البلاد لعام 2018، الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فإن الحد الأدنى لعدد الأطباء في المعايير العالمية هو 20 – 30 طبيب نفسي لكل مائة ألف من السكان. وبحسب أستاذ التمريض النفسي في الجامعة الأردنية، أيمن منصور، فإن مستوى الرفاهية للصحة النفسية يتمثل بوجود 40 طبيبًا نفسيًا لكل مائة ألف من السكان.
ووفق خطة العمل الوطنية، فإن أقل من نصف الأطباء يعملون في وزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية والجامعات، بينما الأغلب يعملون في القطاع الخاص والمنظمات الدولية والمحلية. فيما لا تتوافر أعداد العاملين في قطاع علم النفس وعلم النفس السريري في المراكز الوطنية للصحة النفسية في الأردن.
رغم أن الكثير من الاضطرابات والأمراض النفسية لها أسباب بيولوجية ووراثية، إلا أنها كثيرًا ما تنتج بسبب ضغوطات اجتماعية واقتصادية، وتوصف بأنها أمراض حداثية ذات منشأ رأسمالي، يرتبط بتعريف قاصر للصحة بوصفها القدرة على العمل والإنجاز.
لا يوجد مسمى وظيفي لخريجي علم النفس من مرحلة البكالوريوس في القطاع العام إلا «باحث اجتماعي»، بحسب رد وزارة الصحة. أما عدد العاملين في علم النفس السريري في القطاع العام ممن اجتازوا مرحلة الماجستير وتحصّلوا على مزاولة مهنة من وزارة الصحة فلا يتجاوز الخمسة، كما يقدر مدير الجمعية الأردنية لعلم النفس العيادي، محمد الشقيرات.
يجعل نقص الكوادر في القطاع العام عملية تقديم خدمات الصحة النفسية تحديًا كبيرًا. وبحسب منصور، ينبع ذلك من إشكالية إدارية في المقام الأول، وعدم اهتمام بالصحة النفسية من جانب الحكومة. ففيما يتعلق بالممرضين المختصين في الصحة النفسية على سبيل المثال، لا توجد امتيازات للممرض، ولا يوجد مسمى وظيفي لممرض الصحة النفسية ممن أكمل برامج الاختصاص في ماجستير الصحة النفسية في الجامعات أو برامج الاختصاص في المجلس التمريضي الأردني، أو من كان له خبرة طويلة في مجال الصحة النفسية، حيث يبقى المسمى الوظيفي للممرض في الصحة النفسية هو «ممرض قانوني».
إضافة لذلك، لا توجد خصوصية في نظام الخدمة المدنية، ما يجعل عملية نقل الممرضين بين الأقسام وأماكن العمل المختلفة كأنها انتقال من دائرة إلى دائرة دون مراعاة الخبرة والاختصاص. «عمرك شفتي طبيب كلى بنقلوه لقسم القلب؟»، يقول الممرض سليم، مشيرًا إلى إشكالية سهولة نقل الكوادر التمريضية، دون مراعاة الخبرة المكتسبة سواء في العمل أو الاختصاص، مضيفًا أن وزارة الصحة لا تعترف ببرنامج الاختصاص في الصحة النفسية، ولا تعطي حوافز وامتيازات بناء على الاختصاص كما حصل معه.
من أجل تقديم خدمات الرعاية التمريضية الفضلى للمرضى النفسيين، يجب أن يكون هنالك ممرض واحد لكل خمسة مرضى نفسيين، بحسب توصيات المجلس التمريضي الأردني، كما يقول سليم. ولكن في بعض منشآت الصحة النفسية في القطاع العام، يكون هناك ممرض واحد لكل 15 مريضًا في بعضها أو 50 مريضًا نفسيًا في أخرى. فيقتصر تقديم الرعاية التمريضية في الوردية الواحدة على توزيع الأدوية في بعض الأحيان.
لا وقت للمرضى
شُخص سفيان[6] (51 عامًا) بالفصام العقلي قبل نحو 30 سنة، عندما كان في عمر العشرين تقريبًا. يقول شقيقه مجاهد[7] إنه يعي أن العلاج الدوائي كان أساسيًا في حالة شقيقه، خاصة مع توارث المرض النفسي عائليًا، وإصابة شقيقهم الأكبر بنفس المرض. ففي حالة مرضى الأمراض الذهانية كالفصام، تقول نشوان إنهم يحتاجون بالفعل إلى التدخل الدوائي، لأن بصيرتهم تكون معدومة وأي تدخل علاجي نفسي عن طريق الكلام لن يكون ذا فائدة ترجى خاصة في المرحلة الحادة من المرض.
لكن مجاهد كان يأمل أن تكون هنالك جلسات من العلاج النفسي لأخيه في المركز الوطني للصحة النفسية – الفحيص عندما كان يحتاج إدخاله إلى المستشفى في النوبات الحادة من المرض، أو جلسات لإعادة تأهيله في حرفة أو عمل يقوم به، أو الاعتماد على نفسه في تدبير شؤون حياته بعدما أصبح مرضه مزمنًا. فلا يذكر مجاهد ولا سفيان أنه تم تقديم أي علاجات أو مقاربات علاجية نفسية في ذلك الوقت في المركز الوطني للصحة النفسية (الفحيص)، إلا الدواء.
يفتقد العديد من المرضى في الأردن، وفي القطاع العام خصوصًا، لتكامل الأدوار العلاجية فيما يتعلق بالصحة النفسية، ليكون التركيز على صرف الدواء هو السائد في علاج المرضى.
يشير استشاري الطب النفسي لؤي صقر إلى الضغط الكبير على الأطباء في المراكز الصحية التي تقدم خدمات الطب النفسي، في ظل عدم توافر كوادر العلاج الوظيفي والعلاج السلوكي، حيث يقول إن عيادة الطب النفسي في مركز صحي الهاشمي الشمالي، على سبيل المثال، تقدم خدمات الطب النفسي للمرضى المراجعين لأربعة أيام في الأسبوع. وفي أحسن الأحوال يراجع 40 مريضًا نفسيًا في اليوم، وفي بعض الحالات يكون هنالك 100 مريض في اليوم. ورغم وجود باحثة نفسية وباحثة اجتماعية، لا يتم تقديم الخدمات الطبية إلا فيما يتعلق بالمعاينة السريعة لحالة المرضى وصرف الدواء لهم، في ظل ضغط المراجعين. ويضيف أنه لو أراد أن يجري جلسات للعلاج النفسي فكل مراجع يحتاج لـ45 دقيقة على الأقل، مما يؤثر على منح الوقت لمعاينة المرضى الآخرين وتشخيصهم.
يقول الطبيب النفسي نجيب فنونة، الذي تقاعد من مركز الكرامة للإيواء النفسي منذ سنة تقريبًا، إن الأطباء العاملين في المركز يحاولون ما بوسعهم من أجل تقديم خدمات الطب النفسي للمرضى رغم قلة الكادر الطبي والتمريضي، في ظل وجود باحث اجتماعي واحد يتواصل مع أهل المرضى إن وجدوا. ومع عدم تواجد العاملين من قطاع علم النفس أو علم النفس السريري، تصبح وظيفة الطبيب مضاعفة في إجراء جلسات علاج نفسية للمرضى. عدا عن أن العمليات الإدارية والبيروقراطية التي يقوم بها الكادر الطبي تعيق تقديم خدمات الطب النفسي المتكاملة. إذ يقول فنونة إن العمليات البيروقراطية والإدارية قد تأخذ ما نسبته 50% من مجمل العمل الطبي في المركز، وهو ما يؤثر على تقديم الخدمات للمرضى النفسيين بالإضافة إلى إشكالية نقص الكادر.
وبسبب نقص التمويلات من وزارة الصحة ومن المجتمع المدني، انقطعت منذ عام 2008 خدمات إعادة تأهيل المرضى في الحالات المزمنة في مركز الكرامة والفحيص. حيث كان هناك قسم لصناعة الخزف والرسم على الزجاج وغيرها من خدمات إعادة التأهيل للمرضى المزمنين من حالات الفصام العقلي. وكان يجري بيع هذه المنتجات والتي تعود أرباحها للمرضى، وبالتالي يشعر المرضى بأنهم منتجون وقادرون على الانخراط من خلال أعمالهم في المجتمع.
في ظل هذه الظروف، لا تفكر ملاك بأخذ أية جلسات علاج نفسي في مستشفى الجامعة وتكتفي بشبكات الدعم من الأهل والأصدقاء. «أنا تجاوزت مرحلة إنه بدي أحكي.. وإذا بدي أحكي عن أي إشي، الأصدقاء ونظام الدعم موجود».
هذا التقرير هو جزء من ملف مشترك حول الصحة النفسية في العالم العربي، ضمن تعاون ما بين مجموعة مواقع عربية ومعنية بالعالم العربي هي حبر، السفير العربي، نواة، مدى مصر، ماشالله نيوز، أوريان 21، وبابلميد.
-
الهوامش
[1] اسم مستعار بناء على طلبها وحفاظًا على خصوصيتها.
[2] History of Psychopharmacology, Annual review of clinical Psychology, Joel T. Barslow, and Stephan R. Marder, February 12, 2019. P.3.
[3] تعتبر مقاربة العلاج المعرفي السلوكي المقاربة الأكثر استخدامًا في العلاج النفسي لدى الأخصائيين النفسيين في الأردن بحسب الأخصائية أمل نشوان، فهي الأسهل في التطبيق وتعتبر من أكثر المقاربات التي تمت دراستها نجاحًا في علاج الكثير من الاضطرابات النفسية، وتعتمد هذه المقاربة على استهداف أفكار الشخص والتشوهات المعرفية لديه، والعمل على السلوكيات التي تزيد من أعراض الشخص النفسية وهو غير واع عليها. بينما مقاربة العلاج الجدلي قد تستخدم لعلاج اضطرابات الشخصية، أما التحليل النفسي فهي تحتاج إلى جلسات طويلة ومستمرة وهي مكلفة.
[4] اسم مستعار حفاظًا على خصوصيته.
[5] بحسب الخطة الوطنية للصحة النفسية لعام 2022 – 2026 فإن مصدر هذه الأرقام يعود لعام 2019 بناء على تقييم الصحة النفسية في الأردن بمبادرة منظمة الصحة العالمية الخاصة بالصحة النفسية. أما في عام 2022، فقد كان عدد الأطباء النفسيين 135 طبيبًا، وفي عام 2023، فكان هنالك 110 أطباء، إلى جانب 40 منهم يعمل في القطاع العام. وتعتبر أعداد الأطباء في هذه السنوات قليلة، وهي أقل من طبيب نفسي لكل مائة ألف من السكان.
[6] اسم مستعار.
[7] اسم مستعار بناء على طلبه، وحفاظًا على خصوصيته.