انطلاقًا من اليوم الأربعاء، تعود سيارات التاكسي للعمل في محافظات المملكة بعد حوالي أربعين يومًا من التوقف شبه الكامل عن العمل، بسبب حظر التجول الذي فُرِض للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. خلال ساعات نهار اليوم المسموح بحركة السيارات خلالها سيعاود قطاع النقل العام العمل، لكن وفقًا لنظام الزوجي/الفردي، وهو نظام يسمح للسيارات الخصوصية والعمومية بالحركة وفقًا لنظام من المداورة اليومية اعتمادًا على الرقم الأول في لوحة السيارة. يأتي هذا الإجراء «لمواكبة إعادة تشغيل القطاعين الصناعي والتجاري، ولخدمة العاملين فيه»، بحسب تصريح سابق لوزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة.
يُصنّف العاملون على سيارات الأجرة ضمن القطاع غير المنظم، ويُقدّر عددهم بنحو 30 ألف سائق تاكسي في المملكة. وبحسب نقيب أصحاب السيارات العمومية والسفريات الداخلية والخارجية ومراكز السواقة أحمد أبو حيدر، يقدّر عدد المركبات العاملة بنحو 27 ألف مركبة، مُقسّمة بين 17 ألف تاكسي أصفر، وخمسة آلاف سرفيس، ثلاثة آلاف سيارة تدريب سواقة، وألفا سيارة سفريات داخلية وخارجية.
نحاول في هذا التقرير التعرّف على أوضاع سائقي التاكسي الأصفر، بعد مرور حوالي أربعين يومًا على توقفهم عن العمل، خاصة في ظل غياب تمثيلهم نقابيًا، وسط خسائر يتكبّدها القطاع تُقدّر، وفق أبو حيدر، بحوالي نصف مليون دينار يوميًا.
يعمل أبو بهاء (48 عامًا) سائق تاكسي منذ حوالي 22 عامًا. قبل الأزمة كان ينفق على بيته من الدخل الذي يوفره له العمل: «كنت أروّح بست سبع ليرات والحمدلله كانت مستورة». لكن مع الأزمة الحالية وجد أبو بهاء نفسه عاجزًا عن توفير الغذاء لأولاده الخمسة لأوّل مرّة في حياته، ليضطّر إلى الاستدانة أحيانًا، والحصول على المساعدة من أهله وجيرانه أحيانًا أخرى. «أنا من أول أسبوع بعت جرّة الغاز من الطفر، والله بعتها بـ22 [دينار]».[1] تدبير الوضع من خلال الاستدانة هو الحل الذي لجأ إليه كذلك أبو محمود (38 عامًا)، والذي يعمل سائق تاكسي منذ سبعة أعوام. «المشكلة إنت مش عارف متى رح ترجّع أو متى رح تسدّ، واللي كان يداينك بطّل يعطيك»، يقول أبو محمود.
إضافة إلى مشكلة صعوبة الإنفاق على البيت، رتّب استمرار الأزمة لأكثر من شهر مصاعب إضافية على السائقين، بينها توفير إيجارات البيوت التي طالب بها أصحابها، يقول أبو محمود والذي يسكن بيتًا بالإيجار في جبل النصر إنه، وللشهر الثاني على التوالي، لا يستطيع دفع مبلغ الإيجار الشهري 150 دينارًا، وكذلك الحال مع أبو بهاء. «ما معي. مكسور عليّ، هي دخلنا الشهر الثالث ومش عارف وين أروح من صاحب البيت»، يقول أبو بهاء.
تستعدّ واحدة من بنات أبو بهاء للتقدم لامتحان الثانوية العامة، ولأن التعليم أصبح عن بعد، عبر الإنترنت والتلفزيون، فقد اضطّر لطلب إيصال الإنترنت لبيته من الجيران. وبعد بيعه لجرّة الغاز للإنفاق على بيته، لجأت العائلة لطهي طعامها على الصوبة، لتصاب ابنته الكبرى بحروق خلال تسخينها للماء، «ولما بنتي راحت عالمستشفى واحد من أهل الخير دبّر لنا الأدوية».
تعدّدت أشكال استجابة سائقي التاكسي للأزمة، فبالإضافة إلى الاستدانة، حاول بعضهم الاستفادة من الصناديق التي وفرتها الحكومة لدعم عمّال المياومة، إذ كان رئيس الوزراء قد أعلن عن أمر الدفاع رقم (6)، في الثامن من نيسان، وقد جاء في أحد بنوده: «تسعى الحكومة وعلى ضوء إمكاناتها بتقديم الدعم اللازم لتأمين احتياجات الحياة الأساسيّة لعمال المياومة الأردنيين (..)». يقول أبو محمود إنه تقدّم لصندوق دعم عمّال المياومة منذ أكثر من عشرة أيّام، «وين هو الدعم؟ من أسبوع عامل المحفظة الإلكترونية اللي بقولوا عنها ولسه ما حد حكى معنا».
أمّا أحمد (33 عامًا)، الذي يتقاسم مع شقيقه العمل على سيارة منذ ثلاثة أعوام، أحدهما يعمل في النهار والآخر يعمل ليلًا، فقد لجأ وبعد عجزه عن استصدار تصريح للعمل على التاكسي، إلى حرفة قديمة وهي صناعة حلويات الكنافة والقطايف: «ببيعلي أربعة خمسة كيلو باليوم (..) قعدت شهر بدون شغل وكانت أموري على الله. حتى راس المال اللي بلشت فيه للكنافة والقطايف أخذتهم دين، وما سديتهم لسه، المهم إني دبرت حالي».
حلول جزئية
خلال فترة الحظر الماضية، شهدت مناطق مختلفة في المملكة نشاطًا ملحوظًا للسيارات الخصوصية في مجاليْ النقل والتوصيل، لتشكّل بديلًا عن النقل العمومي المنظّم. وهو ما دفع نائب نقيب أصحاب سيارات العمومي محمد الحديد لمطالبة وزارة النقل باتخاذ إجراء مناسب. يرى أبو محمود أن المستفيد الأكبر من هذا التعطّل هم سائقو الخصوصي على حساب سائقي التاكسي الذين كانوا ممنوعين من العمل: «ع باب المولات التاكسي ممنوع يحمّل ركاب، بس الخصوصي بشتغل وبحمّل، وين أروح أنا، شو الحل؟».
لا يتفق أبو حمزة مع الكلام عن استبدال السيارات الخاصة بسيارات التاكسي، وهو الذي عمل لواحد وعشرين عامًا سائق تاكسي، قبل أن يقرّر العام الماضي شراء حافلة نقل صغيرة والعمل عليها في النقل وتوصيل الطلبات. يرى أبو حمزة أنه ورغم عمل بعض السيارات الخاصة في نقل الأشخاص وتوصيل الطلبات إلّا أن العدد قليل جدًا، لأكثر من سبب بينها أن الناس، وخلال فترة الحظر، كانوا يستسهلون الشراء من بقالات الأحياء عوضًا عن الذهاب إلى المولات. إضافة إلى مخاطرة سائق الخصوصي باحتجاز الأمن لمركبته، وهو ما يقلل من عدد سيارات الخصوصي العاملة في النقل والتوصيل.
في العاشر من نيسان، أعلنت الحكومة عن إتاحة المجال أمام الشركات العاملة بإضافة خدمة الإيصال البريدي أو فتح شركات التوصيل بشروط، لتفتح بذلك الباب أمام سائقي التاكسي للتقدم بطلب تصريح للعمل بخدمة توصيل المواد الغذائية، من خلال إحدى الشركات العاملة في التوصيل.
لكن رئيس لجنة فرسان الأردن[2] معاذ الساريسي يرى أن هناك خللًا اعترى العملية بسبب ضعف خبرة بعض الشركات، «الشركات اللي إجت هاي جديدة (..) ما كان منسق مع مولات، بعطيك تصريح وبقلك دبر حالك». ويتابع: «ومن أصل قرابة 14850 طلب، صدرت الموافقة على قرابة 3130 تصريح».
«الشوفيرية من الصبح للمغرب ما طلعوش ثلاث ليرات إلهم»، يقول أبو بهاء منتقدًا الإجراء الحكومي. أمّا أبو محمود فيقول إنه ورغم امتلاكه تصريح عمل إلّا أنه لم يخرج من بيته بسبب عدم امتلاكه سيولة لشراء حاجيات الناس قبل العمل، «أنا مطلعتش (..) لا معاي أحط بنزين، ولا معي أجيب أغراض، ولا معاي أدفع الضمان».
أمّا الثلاثيني رامي، الذي يعمل سائق تاكسي منذ عشر سنوات، فقد استصدر تصريحًا، لكنه اكتشف أن الموضوع غير مجدٍ، «بنوقف ساعتين على دور التعقيم وبأماكن محددة، كانوا محددين 45 قرش رسوم التعقيم والشركة أخذت دينار، بالآخر بقلّك دبّر حالك». وإضافة لهذا يرى رامي أن ساعات العمل كانت غير كافية «بنشتغل من العشرة للثلاثة على ثلاث وأربع ليرات. (..) لما التاكسي يشتغل بصير بده ضمان، السائق وقع بين نارين، صاحب السيارة بقلك سيارتي شغالة بدي ضمان، وبنفس الوقت ما في شغل».
أزمة تمثيل
رغم توقفه عن العمل التزامًا بحظر التجوّل المفروض حاليًا، إلّا أن أبو حمزة لا يندم على تركه العمل على التاكسي، إذ -بحسبه- كان يضطّر للعمل حوالي 12 ساعة يوميًا لتحصيل يوميته، منذ دخول تطبيقات النقل الذكية، بالإضافة إلى غياب جهة تمثيل تدافع عن السائقين.
فتحت الأزمة الحالية الأنظار على أزمة قديمة يعانيها سائقو التاكسي، وتتمثّل بعدم وجود جهة نقابية أو عمّالية تتحدث باسمهم.
فتحت الأزمة الحالية الأنظار على أزمة قديمة يعانيها سائقو التاكسي، وتتمثّل بعدم وجود جهة نقابية أو عمّالية تتحدث باسمهم، رغم دفع السائقين لرسوم سنوية ضمن الترخيص، تحت مُسمّى لوحة معلومات السائق، يذهب جزء منها لنقابة العاملين في النقل البري والميكانيك. «إحنا ندفعلها رسوم مع الترخيص خمس دنانير، وينهم هذول ليش ما يساعدوا الناس؟» يقول أبو راشد الذي يعمل هو وابنه سائقيْ تاكسي.
لا تعترف نقابة العاملين في النقل البري والميكانيك إلّا بالعاملين ذوي الدخل الشهري، يقول الساريسي. أمّا نقابة أصحاب السيارات العمومية والسفريات الداخلية والخارجية ومراكز السواقة فتمثّل مكاتب التاكسي وأصحاب السيارات، لا السائقين.
مشكلة لجنة فرسان الأردن مع التمثيل بدأت بحسب الساريسي مع نهايات عام 2016 حينما رفعت الحكومة أسعار البنزين وقللت من تسعيرة عداد التاكسي ليعترض سائقو التاكسي دون أن تكون لهم صفة رسمية. لتتشكل اللجنة ثم تتوسع لاحقًا إلى باقي المحافظات مع دخول تطبيقات النقل وتزايد رقعة الاعتراض. وقد نفذت اللجنة حوالي أربعين اعتصامًا على مدار الأعوام الأربعة السابقة مطالبة بتحسين شروط عمل السائقين. وتقدر اللجنة أعداد من تمثلهم بنحو سبعة آلاف سائق في محافظات المملكة. «الوزارة بتقعد معنا بصفتنا إحنا اللي بنحرك شارع التاكسي»، يقول الساريسي.
يقول سليمان السرياني، رئيس النقابة المستقلة لسائقي العمومي، إنهم حاولوا منذ العام 2010 فهم موقفهم القانوني كسائقين، وسعوا لتأسيس نقابة مستقلة لكون النقابات الحالية لا تضمهم بحسب قانون العمل، لأنهم لا يتلقون دخلًا شهريًا من صاحب العمل. وتضم الهيئة العامة للنقابة المستقلة قرابة خمسة آلاف عضو بحسب السرياني.
مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض يرى أن تعدد الأجسام هذا مردّه لقصورٍ في قانون العمل، «هاي اللجان طبيعية، في ظل عدم السماح بتشكيل نقابات وفق قانون العمل. أصحاب المصالح في أي قطاع عمالي بنزعوا باتجاه إنهم ينظموا حالهم، مش مسموح نقابة بعملوا جمعية مش مسموح بعملوا تجمع ولجنة وغيره»، وهو ما استمر بسبب عدم اعتراف الجهات الرسمية بالسائقين كجزء من نقابة عمّالية، ولاحقًا بعدم الاعتراف بالنقابة المستقلة.
يتوقع عوض نشوءَ تحرّك فعلي من العاملين في قطاع التكاسي بعد الأزمة إذا ما استمرّت الأوضاع الاجتماعية بصورتها الحالية، وسيتجاوز التحرّك الحاجة الاقتصادية إلى مطالب قانونية وعمّالية. لكن يُشترط، بحسب عوض، لحصول التغيير أن يسبقه تعديل أساسي في قانون العمل الموجود حاليًا أمام مجلس النواب، وقانون الضمان الاجتماعي وتحسين الحمايات الاجتماعية. كما لا بدّ أن تعي الحكومة، بحسبه، أهمية وجود جهات ممثلة تستطيع الحوار معها، قادرة على إيجاد توازنات في سوق العمل.
«لو في نقابة كان ما صار بالعالم هيك، كان العالم لقت ناس تصرف عليها وتدافع عنها»، يقول أبو راشد، الذي يرى ضرورة العثور على حل لمشكلة عدم التمثيل بعد انتهاء الأزمة الحالية. أمّا لجنة فرسان الأردن، فأعلنت عن تحرّك جاد لإنشاء نقابة لسائقي التاكسي. «هسه بعد الكورونا رح نقدم لنقابة، الناس ما بتحس بحاجتهم لنقابة إلا لما تتضايق. هسه بعد القعدة بحسوا بأهمية هذا الأمر»، يقول الساريسي.
ورغم إعلان الحكومة قبل أيّام حزمة إجراءات تخفف من الحظر، شملت قطاع النقل العام، سامحةً للمركبات بالعمل بنصف طاقتها، وبشروط وقائية ملزمة للسائقين والمركبات، إلّا أن السائقين الذين قابلناهم يروْن ضرورة شمولهم ببرامج الدعم الحكومية لعمّال المياومة لتخفيف آثار الإغلاقات عليهم، «إحنا بالأصل أول أسبوعين رمضان ما في شغل، فما بالك هسه؟ لسه مش مبين كيف الحركة» يقول أبو بهاء. كما ينتقد سائقون غياب التعليمات المنظِمة لإعادة العمل خصوصًا بين السائقين وأصحاب العمل، خاصة في ظل عدم وضوح حجم الحركة مع عودة النقل العام اليوم إلى العمل، «لسه والله ما حكينا قديش رح يكون الضمان أو حتى نسبة صاحب السيارة من الشغل»، يضيف متابعًا.
[1] يبلغ سعر جرّة الغاز وهي فارغة في الأردن 35 دينارًا، وهذا يعني أن أبو بهاء باع الجرّة بأقل من سعرها في السوق.
[2] لجنة من سائقي التاكسي شُكّلت لتمثيل مطالب السائقين حين رفع أسعار البترول وظهور التطبيقات الذكية قبل أعوام، وكان اسمها وقتها فرسان العاصمة قبل أن تتوسع وتمثّل مطالب سائقين من خارج عمّان.
تم إنتاج هذا التقرير ضمن مشروع «عيون» للصحافة المحلية.