من يلزم أطباء القطاع الخاص بأسعار الكشفيات؟

الأحد 26 أيلول 2021
رسم عبير عنبتاوي.

في ظلّ شجرةٍ في شارع ابن خلدون، المعروف بشارع «الخالدي»، تجلس سيدة ووالدها بانتظار موعد زيارتها الأولى لأحد أطباء الدماغ والأعصاب، وفي جيبها 50 دينارًا استدانتها لدفع الكشفية. «سمعت إنه شاطر ومنيح، حكيت بدي آجي عليه»، تقول السيدة، دون أن تجيب عن مزيدٍ من الأسئلة حول تاريخ مراجعاتها الطبية.

هذه السيدة واحدة من المرضى الذين يقصدون مئات العيادات الخاصة، من مختلف التخصصات، الموزّعة على جانبي شارع «الخالدي» الواصل بين الدوّارين الثالث والرابع. يؤشّر التحدّث مع العديد من هؤلاء المرضى حول أسعار الكشفيّات التي دفعوها إلى تفاوتٍ فيما بينها، فمن بين الأطباء من التزم بأسعار الكشفية في لائحة الأجور المعتمدة، والتي تتراوح بين 20 و25 دينارًا، بينما خالف آخرون اللائحة متقاضين مبالغ تصل إلى 40 و50 دينارًا لقاء الكشفية فقط، وزاد المبلغ عن ذلك في حال القيام بإجراءات أخرى كتخطيط القلب أو التصوير ببعض التقنيات أو وضع الجبائر أو الفحوصات التي يمكن إجراؤها داخل العيادات.

معظم زوّار هذه العيادات إما من المؤمّنين صحيًا في القطاع الخاص، أو من غير المؤمّنين على الإطلاق. يضاف إليهم بعض المرضى ممن راجعوا القطاع العام ولم يحصلوا فيه على العلاج المأمول، فتوجهوا إلى القطاع الخاص للعلاج على نفقتهم.

يركّز هذا التقرير على المرضى غير المؤمنين صحيًا في القطاع الخاص، أي الذين يدفعون كشفيات الأطباء في العيادات الخاصة من جيوبهم. يعبّر بعضهم عن استغرابه من أسعار الكشفيات المرتفعة رغم عدم قضاء أكثر من دقائق معدودة عند الطبيب، ودون معرفة تفاصيل الإجراء الطبي الذي أُجري لهم، وما إذا كان مبلغ الكشفية مخالفًا للائحة الأجور أو خاضعًا لها.

بالمقابل، يقول العديد من الأطباء إن لائحة الأجور التي تضبط التسعيرة باتت قديمة، ولا تتوافق مع ارتفاع الأسعار ومصاريف العيادات عمومًا، وهو ما يجعل بعضهم يزيد أسعاره متجاوزًا اللائحة، فيما يرى أطباء آخرون ضرورة الالتزام بأسعارٍ تناسب القدرات الاقتصادية للمجتمع.

أطباء يرفضون لوائح الأجور

عام 2007، حين كان براء على مقاعد الصفوف الإعدادية، أصيبت والدته بمرضٍ مناعيّ، وبدأت رحلةً علاجية جرّبت فيها عددًا من أخصائيي الأمراض الروماتيزمية، لكن حالتها الصحية طوال عشر سنوات من العلاج لم تتحسن. وفي عام 2018 بدأت العائلة علاج الوالدة عند طبيب جديد بدّل لها أنواع الأدوية التي كانت تأخذها، وتقاضى 40 دينارًا عن الكشفية خلافًا للائحة الأجور المعتمدة، وهو ضعف المبلغ الذي كانوا يدفعونه عادةً خلال السنوات السابقة لكشفيّات الأطباء الملتزمين باللائحة.

واصلت والدة براء مراجعة الطبيب نفسه، وظلّ يتقاضى 40 دينارًا عن كل كشفية، لكن صحّتها تحسّنت ما جعل أبناءها يتغاضون عن التجاوز في السعر. «لو يطلب 100 [دينار] بروحله» يقول براء، الذي تحظى والدته بتأمين لدى مستشفيات القطاع الحكومي، حيث تجاوزت الستين من عمرها، لكن المواعيد البعيدة للأطباء، وعدم توفر الأدوية في كثيرٍ من الأحيان، دفع العائلة لعلاجها في القطاع الخاص على نفقتهم الخاصة، وصاروا يتقاسمون تكلفة أدويتها وتحاليلها ومراجعاتها الطبية التي تصل إلى 400 دينارٍ شهريًا.

لا تتضح أعداد المرضى الذين يتعالجون على نفقتهم في القطاع الخاص فيما هم مؤمّنون حكوميًا، لكن نسبة أفراد الأسرة الذين ليس لديهم أي تأمين صحيّ في الأردن وصلت في عام 2017 إلى 33%، بحسب دائرة الإحصاءات العامة، ويعيش أكثرهم في عمّان، حيث بلغت نسبة غير المؤمّنين من سكانها للعام نفسه حوالي 48%، وفيها أيضًا النسبة الأكبر من العيادات الخاصة بواقع 4500 عيادة، بحسب الضمان الاجتماعي.

فضلًا عن ذلك، فإن إنفاق الناس في الأردن من أموالهم الخاصة على الصحّة «موزّع بشكل غير منصف عبر السكان»، بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي عام 2016، حيث تنفق الأُسر الأكثر فقرًا أموالًا أكثر على الرعاية الصحية مقارنة بالأسر الأكثر ثراءً؛ مثلًا تُنفق الأسر الأكثر فقرًا 9% من دخلها على العيادات الخارجية مقابل 7% للأكثر ثراءً.

مثلما تقاسم براء وإخوته تكاليف علاج والدتهم، تلقّى محمد* مساعدةً مالية من والده لتغطية نفقات المراجعات الطبية لزوجته لدى طبيب نسائية وتوليد عندما حملت بطفلهما الأول. ليس لمحمد تأمينٌ صحيّ، وهو يعمل سائقًا على إحدى تطبيقات التوصيل، ويبلغ دخله حوالي 400 دينارٍ شهريًا، بحسب شقيقته التي كانت ترافق الزوجة إلى الطبيب. 

نسبة الذين ليس لديهم أي تأمين صحيّ في الأردن وصلت عام 2017 إلى 33% يعيش أكثرهم في عمّان.

تقول شقيقة محمد إن تكلفة أول كشفية لطبيب النسائية بلغت 50 دينارًا شاملة فحص الألتراساوند، فيما بلغت تكلفة المراجعات الشهرية اللاحقة 35 دينارًا لكل مراجعة. وهي مبالغ تفوق المعمول به من قبل أطباء النسائية والتوليد، بحسب محمد المدني رئيس جمعية أطباء النسائية والتوليد في نقابة الأطباء، موضحًا أن المتعارف عليه هو تقاضي طبيب النسائية مبلغًا يتراوح بين 20 و25 دينارًا شاملًا الكشفية وفحص الألتراساوند.

يرى هشام الفتياني، عضو نقابة الأطباء السابق، أن الكشفيات التي تصل إلى 40 أو 50 دينارًا دون إجراءاتٍ طبية داخل العيادات تشكّل تجاوزًا على لائحة الأجور المعتمدة منذ عام 2008 والتي يبلغ سقفها 24 دينارًا للطبيب الذي تزيد خبرته عن 20 عامًا. لكنه أيضًا يعتبر أسعار اللائحة غير عادلة، ما يمنح الأطباء مجالًا لرفع أجورهم خلافًا للائحة بحُجّة قِدَمِ اللائحة وعدم إنصافها لهم، وهو ما أحدث فوضى في التسعير.

لا توجد دراسة ترصد حجم تجاوز أطباء القطاع الخاص في عياداتهم على أسعار الكشفيات في لوائح الأجور المقررة من نقابة الأطباء، وبالتالي تخضع المسألة لتقديرات مختلفة. تعتقد ميسم عكروش، المسؤولة عن لجنة التسعيرة في اللجنة المشكّلة لممارسة مهام مجلس نقابة الأطباء بعد حلّه، إن نسبة التجاوزات لا تتعدى 1% من أصل حوالي سبعة آلاف طبيب خاص مسجل في النقابة، عازيةً التجاوزات إلى عدم تعديل لائحة الأجور منذ 13 عامًا، في حين ارتفعت الأسعار واستُحدثت تخصصات جديدة وتطوّرت بعض الإجراءات الطبية.

بالمقابل، يرى عضو النقابة السابق موسى العزب أن هذه التجاوزات أصبحت ظاهرةً مرئية بعدما كانت تقتصر على حالات فردية، وأن أكثر المتأثرين بها هم غير المؤمّنين صحيًا، ومن توجّهوا للعلاج في القطاع الخاص بعد النتائج غير المرضية للعلاج في القطاع الحكومي.

تحدّد لائحة الأجور المعتمدة عام 2008 أسعار الكشفيات في العيادات، وأسعار الإجراءات الطبية التي يمكن القيام بها داخل العيادة؛ كتخطيط القلب، وفحوصات «السونار» عند أطباء النسائية والتوليد، ووضع الجبائر عند أطباء العظام، وغيرها، بحيث تضاف تكلفة هذه الإجراءات إلى سعر الكشفية. وتختلف الأجور بحسب عدد سنوات خبرة الطبيب، ومكان الكشف على المريض إن كان في العيادة الخاصة أو المستشفى أو منزل المريض. وباستثناء الأطباء النفسيين، فإن اللائحة لا تأخذ بعين الاعتبار المدة الزمنية المستغرقة في الكشف على المريض.

في عام 2018، راجعت نقابة الأطباء لائحة الأجور، وأضافت إليها تخصصات وفحوصات وإجراءات طبية جديدة، وارتفعت كشفيات الأطباء من 24 دينارًا كسقفٍ أعلى لمن تزيد خبرته عن عشرين عامًا إلى 29 دينارًا. نُشرت اللائحة في الجريدة الرسمية، لكن دون موافقة نقيب الأطباء السابق علي العبوس ووزير الصحة حينها محمود الشيّاب، بحسب ما أوضحا لـ«حبر».

يقول العبوس إن أسعار بعض الإجراءات الطبية ارتفعت في اللائحة الجديدة بنسبة 300% مقارنةً مع سابقتها، وهي نسبٌ «غير مقنعة» كما يرى. وبحسبه فإن النقابة لم تكن قد توصلت لاتفاق مع شركات التأمين حول الأسعار الجديدة، كما أن اللائحة وصلت إلى رئاسة الوزراء قبل أن تنهي النقابة التباحث حولها.

ونُشرت اللائحة في الجريدة الرسمية دون أن يكون وزير الصحة الشيّاب قد اطلع عليها بحسب ما قاله لـ«حبر»، واصفًا ما حدث حينها بـ«سوء تفاهم». على إثر ذلك، رفع الوزير دعوى بعدم مشروعية اللائحة، ثم قررت المحكمة الإدارية العليا وقف تنفيذ أجور اللائحة الجديدة، وأُعيد العمل بلائحة أجور 2008. «لازم تكون الأسعار مدروسة وبالاتفاق معنا (..)  ونراعي فيها كل الظروف وشؤون الجهات المختلفة، سواء مرضى أو أطباء»، يقول الشيّاب. 

وبحسب الفتياني فإن اللائحة الجديدة واجهت رفضًا من قبل شركات التأمين، حيث لم توافق على رفع أسعار كشفيات الأطباء، ويعتقد أنها مارست ضغوطًا من أجل تعطيل اللائحة مستغلّةً الحالة الشعبية الغاضبة من رفع الأسعار، إذ انطلقت حينها احتجاجات ضد رفع الأسعار أفضت إلى إقالة رئيس الوزراء آنذاك هاني الملقي. وهو ما يشير إليه العبوس أيضًا، مضيفًا أن شركات التأمين ترغب ببقاء الأسعار على حالها وفقًا للائحة عام 2008 حتى لا تزيد مدفوعاتها للأطباء.

من جهته، يرى وزير الصحة السابق غازي الزبن أن أسعار لائحة الأجور المعتمدة عام 2008 معقولة نظرًا للأوضاع الاقتصادية الحالية، على أن ترتبط بنسب التضخم وتتناسب مع غلاء الأسعار تحقيقًا للعدالة، مع وجوب أن تكون متناسبة مع قدرات المجتمع. وهو ما يتفق معه العزب قائلًا: «الاستشاري اللي بوخذ 25 دينار، أكثر من هيك شو بده؟».

«لا بعترف ولا بطبّق تسعيرة النقابة، لا التسعيرة القديمة ولا الجديدة»، يقول أحد أطباء جراحة الأعصاب والدماغ والعمود الفقري. تبلغ كشفيّة هذا الطبيب 40 دينارًا، ويصف الأجور المحددة في اللائحة بـ«التافهة» إذا ما قيست بتفوقه الدراسي وعدد سنوات دراسته. «أنا الأول على المملكة، والأول في كلية الطب، والأول في بريطانيا (..)  أنا لازم أكون أغنى واحد في الأردن».

ورغم قناعته بأن الأسعار ليست منصفة للمرضى، لكنه يرى في الوقت نفسه أن من حقّ الأطباء عدم قبول الظلم الواقع عليهم في التسعيرات، «ما بصير الطبيب يقبل بظلمه مشان المريض، المريض يشتكي بظلمه للحكومة وللدولة. يعني إذا المريض مظلوم أنا بدي أعيش فقير كمان زيّه؟». ويعلق الفتياني على هذا الرأي بأنه لا يمثل جميع الأطباء.

طبيبٌ آخر، متخصص في الباطنية، يعزو ارتفاع سعر كشفيته البالغ 50 دينارًا إلى ارتفاع مصاريف العيادات وغلاء المعيشة خلال السنوات الماضية، دون أن يترافق ذلك مع تغيّر في تسعير الكشفية. يُذكر أن أطباء آخرين تجاوزت أسعار كشفياتهم اللائحة رفضوا الإجابة على الأسئلة المتعلقة بلائحة الأجور المعتمدة ومخالفتهم لها.

وبحسب رصدٍ أجرته «حبر»، عبر مقابلة عددٍ من المرضى والأطباء، والاتصال هاتفيًا بعددٍ من العيادات، ورصد بعض الأسعار في الشبكات الطبية الإلكترونية المتخصصة بحجز مواعيد للمرضى، فإن معظم العيادات التي رُصدت مخالفتها للائحة الأجور المعتمَدة عام 2008 قد تركّزت في التجمعات الطبية الواقعة في شارع الخالدي والدوار الخامس ومنطقتي العبدلي والشميساني، علمًا بأن العديد من العيادات في التجمعات نفسها قد التزمت باللائحة. بالمقابل، أظهرت العيادات الواقعة في مناطق شرق عمّان والمحافظات التزامًا أكبر بأسعار اللائحة. 

ولوحظ أثناء الرصد أن عددًا من الأطباء يعمل الواحد منهم في عيادتين تقعان في منطقتين مختلفتين، يتقاضون أجورًا مختلفة في كلّ منها بحسب مكان العيادة، فتكون أسعارهم في عيادة عمّان أعلى منها من عيادة المحافظة، أو أعلى في غرب عمّان مقارنة بشرقها.

يرى العزب أن أساس المشكلة هو «تخريب» القطاع العام، ما دفع المرضى نحو القطاع الخاص الذي «استشرس»، كما يقول، بسبب سياسات العرض والطلب في السوق، والتي دفعت العديد من الأطباء لرفع أسعار كشفيّاتهم دون انضباطٍ بالقوانين واللوائح.

مؤخرًا، رفعت اللجنة المشكلة لتسيير أعمال نقابة الأطباء لائحةَ أجورٍ جديدة إلى وزير الصحة، وفقًا لعكروش. وبحسب اللائحة الجديدة فإن سقف الكشفية يصل إلى 30 دينارًا للطبيب الذي تزيد خبرته عن عشرين عامًا، كما تقنن اللائحة بعض الإجراءات الطبية المتخذة داخل العيادات بحيث يمكن لنقابة الأطباء لاحقًا متابعة الأطباء الذين يبالغون في أسعار كشفياتهم.

إلى جانب ارتفاع أسعار الكشفيات، لا يعرف العديد من المرضى إن كانت أسعار الأجور مناسبة أم لا، مقابل إجراءات يقولون إنها لم تستغرق الكثير من الوقت.

أثناء مشاركته في لعبة كرة قدم، أصيب أحمد بكسرٍ في يده، وتوجّه إلى أحد أطباء العظام المدرَجين في شبكة أطباء تأمينه الصحي الخاص، فوضع له جبيرةً لم تكن مريحة، ما دفعه للبحث عن طبيب آخر، لكن هذا الطبيب رفض علاجه على حساب التأمين لأن سياسات شركة التأمين لا تُتيح علاج المرض ذاته مرتين بحسب ما قاله الطبيب لأحمد، فوافق الأخير على دفع تكلفة العلاج على نفقته.

خلال خمس دقائق تقريبًا، بحسب تقدير أحمد، كان الطبيب قد فكّ الجبيرة القديمة ووضع واحدة جديدة، ليتفاجأ أحمد بطلب 65 دينارًا مقابل ذلك، ولم يكن يعرف حينها إن كان هذا السعر عاديًا أم أغلى مما يجب. ولم تكن الجبيرة الجديدة هي الأخرى مريحة له، فلجأ إلى طبيبٍ ثالث يعرفه بشكل شخصيّ، حيث وضع له جبيرة جديدة دون أن يتلقى أي أجر عليها.

يقول عضو نقابة الأطباء السابق وطبيب العظام مظفر الجلامدة إن أسعار الجبائر تختلف بحسب موقع الكسر في الجسم والإجراءات التي يقوم بها الطبيب أثناء تركيب الجبيرة، ما يجعل الأسعار تتراوح بين 25 دينارًا وما يزيد عن مئة دينارٍ أحيانًا. لكن أحمد لا يعرف بدقةٍ الإجراءَ الذي اتخذه الطبيب، كما لا يعرف إن كان المبلغ الذي دفعه يتناسب مع هذا الإجراء.

من يراقب الأطباء؟

لم تقف التجاوزات عند مسألة أسعار الكشفيات، إذ إن بعض الأطباء يبيعون الأدوية والإبر لمرضاهم خلافًا لقانون الدواء والصيدلة الذي يحصر صرف الأدوية بالصيادلة. من بين هؤلاء أخصائي غدد صماء وسكري، يعالج ابن سحر، التي تصف معاملته معهم بـ«التجارة».

أظهرت فحوصاتٌ أجراها الطبيب نقصًا في فيتامين (د) عند الابن، فعرض على سحر أن تشتري منه خمس إبرٍ مقابل عشرة دنانير لكل إبرة. تردّدت سحر، لكن الطبيب قال لها إن الكمية محدودة وقد تنفد في أي وقت، فاشترت إبر الفيتامين، بالإضافة إلى  دواء آخر من عيادته سعره 50 دينارًا من أجل إجراء أحد فحوصات النموّ التي طلبها الطبيب. دفعت سحر في تلك الزيارة 130 دينارًا؛ 30 للكشفية ومئة للإبر والدواء. وحين قررت زيارة طبيب آخر تبلغ كشفيته 25 دينارًا، عرفت منه عن إمكانية استبدال إبر الفيتامينات بكبسولات، وأن بيع الطبيب السابق الأدوية في عيادته مخالفٌ للقانون.

بموجب قانونها، للنقابة حقّ استدعاء أي طبيب والاستفسار منه عن أي تجاوزات تناهى إليها أنه ارتكبها، ولها صلاحية حل الخلاف بالتفاهم مع الطبيب أو إحالته إلى اللجان التأديبية. لكن العديد من المرضى لا يلجأون إلى الشكوى أو إبلاغ النقابة بهذه التجاوزات أساسًا. لم يتقدّم أحمد بشكوى للنقابة، وبالمثل لا تنوي سحر التقدم بشكوى لنقابة الأطباء عن المبالغ التي دفعتها للطبيب، فهي كما تقول لا تثق بأن النقابة ستحاسبه. 

في عام 2019 وصل النقابة 69 شكوى على أجور الأطباء، ولم يُحوّل أيّ منها إلى اللجان التأديبية، بحسب عكروش. وفي عام 2020 وصل النقابة 77 شكوى، اتّخذت اللجان التأديبية عقوباتٍ في ثلاثةٍ منها، فيما حُلّت بقية الشكاوى بالتفاهم مع الطبيب، أو حُفِظت؛ أي تمت دراستها ولم يثبت وجود مشكلة.

العديد من المرضى لا يلجأون إلى تقديم الشكوى للنقابة حول تجاوزات الأطباء، لعدم ثقتهم بأن النقابة ستحاسبهم.

وبحسب الفتياني فإن الشكاوى بخصوص أجور الأطباء كانت تحلّ إما بإعادة المبلغ بالتفاهم مع الطبيب، أو باستخدام قانون التنفيذ في حال رفض الطبيب طلب النقابة، وهو ما يمكن أن يصل حدّ الحجز على ممتلكاته، لذا فإن معظم القضايا كانت تحلّ بالتفاهم.

تقول عكروش إن أغلب هذه الشكاوى تتعلّق بأجور الأطباء داخل المستشفيات، حيث تكون المبالغ المالية موضع خلافٍ أكبر مما هو عليه في العيادات؛ «مين بده ييجي يشكي عشان خمسة و 10 دنانير؟» تقول، معتبرةً أن عدد الشكاوى قليلٌ ولا يؤشر على وجود أعداد كبيرة من التجاوزات في الأجور.

أما العزب فيُرجع سبب وصول الشكاوى حول أجور الأطباء في المستشفيات لوجود فواتير ووصولات توضّح للمريض تفاصيل الإجراءات التي قام بها الطبيب، على عكس العيادات التي لا يحصل مرضاها غالبًا على فواتير أو وصولات رسمية توضح أسعار الكشفيات ووصف الإجراءات الطبية.

من بين جميع المرضى الذين تحدّثت إليهم «حبر»، لم يتلقّ أي منهم فاتورة عن المبلغ الذي دفعه للطبيب، باستثناء أحمد الذي أعطاه طبيب العظام ورقة عليها سعر الجبيرة بعدما طلب منه أي إثباتٍ لتكلفة العلاج كي يستردّ المبلغ من إدارته في العمل، وقد خلتْ الورقة من تفاصيل الإجراء الطبي، بحسب أحمد.

يمنح القانونُ المستهلكَ الحقّ في الحصول على ما يثبت شراءه للسلعة أو الخدمة والتفاصيل الأساسية الخاصة بعملية الشراء، وهو ما ينطبق على العيادات الطبية بحسب رئيس جمعية حماية المستهلك أحمد عبيدات، معتبرًا عدم إعطاء وصولات توضح المبالغ المدفوعة مخالفًا لقانون حماية المستهلك.

وينصّ قانون ضريبة الدخل على إعطاء فاتورة أصلية لكل متلقّ للخدمات، لكن نقابة الأطباء ودائرة ضريبة الدخل والمبيعات اتفقتا عام 2019، وبموجب نظام الفوترة، على إصدار فاتورة للمريض «في حال طلبها»، في حين يعدّ كل طبيب سجلًا يوميًا عن عدد المرضى الذين عالجهم والمبالغ التي تقاضاها منهم.

يعتقد العزب أن إلزام الأطباء بإصدار الفواتير والوصولات يساعد المرضى على تحديد التجاوزات في الأسعار، لكنه في الوقت نفسه يرى ضرورة أن يناط إصدار الوصولات بطلب المريض نظرًا لما تتطلبه كتابة وصولات تفصيلية لكل المرضى من جهد. بالمقابل، تُلقي عكروش باللوم على المرضى الذين لا يطلبون فواتير من الأطباء، فيما يرى العزب بدوره أن على النقابة أن تقوم بدورها التوعويّ تجاه المرضى في هذه المسألة.

وبصرف النظر عن مسألة تنظيم إصدار الفواتير والوصولات، لا يرى بعض المرضى -حسبما تبيّن سابقًا- جدوى من تقديم الشكاوى إلى نقابة الأطباء. ويعتقد الوزير السابق الزّبن إن رقابة مجالس النقابة على الأطباء مقيّدة، فهي مجالس انتخبها الأطباء أنفسهم، ويرى أن وزارة الصحة هي صاحبة الولاية العامة في الرقابة على الأطباء، وهي التي يجب أن تحسم في الشكاوى المتعلقة بالأجور.

يرفض الفتياني النقاش المتعلّق بتضارب المصالح بين الأطباء والنقابة، موضحًا أن لجانًا خاصة كانت تُشكّل للنظر في الشكاوى، وأن أعضاء هذه اللجان أطباء متخصصون ومستقلون عن المجلس، ينظرون في كل شكوى على حدة، ما ينفي إمكانية وجود مصالح انتخابية في التعامل مع الأطباء. ويعتبر أن نقل صلاحية متابعة الشكاوى للوزارة إفراغٌ للنقابة من أدوارها. فيما ترى عكروش أن النقابة تتولّى مهام ومسؤوليات كثيرة، ويجب برأيها أن تُمنح صلاحية الرقابة على الأجور ومتابعة شكاوى المرضى لجهةٍ مستقلة تتفرّغ لهذه المَهمّة.

من جهته، يقول مدير وحدة ترخيص المهن في وزارة الصحة أمين معايطة، إن دور الوزارة يتعلّق باستقبال الشكاوى بحقّ المستشفيات الخاصة وفواتير المستلزمات والأدوات المستخدمة فيها، بينما تتولّى النقابة الرقابةَ على أجور الأطباء، بموجب الصلاحيات الممنوحة لها بموجب القانون، ولكونها الجهة المختصة بخبرات وتخصّصات الأطباء، وبالتالي كشفيّاتهم.

* اسم مستعار.

هذا التقرير جزء من مشروع «عيون» للصحافة المحلية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية