«كتيبة الفنادق»: أطباء أسنان يتطوعون لمواجهة كورونا المستجد

طبيبا أسنان متطوعان في أحد الفنادق التي يقام فيها الحجر الصحي.

«كتيبة الفنادق»: أطباء أسنان يتطوعون لمواجهة كورونا المستجد

الجمعة 20 آذار 2020

مع ساعات مساء الأربعاء المتأخرة وأولى ساعات فجر الخميس، كانت العاصمة عمّان شبه خاليةٍ ولم يكن ليلفت نظر من يمر عرضًا في الشوارع غير نقاط الجيش الأردني أمام الفنادق التي ينزل فيها المحجور عليهم، القادمون من خارج المملكة، بالإضافة إلى سيّارة تقلّ طبيبين تتجوّل في الشوارع.

كانت مهمّة الطبيبين أيهم المومني ومحمد أبو عرقوب تفقد المتطوعين من أطباء الأسنان في الفنادق الـ23 التي ينزل فيها المحجور عليهم في عمان، وتأمينهم بما يحتاجونه من مستلزمات الوقاية التي يحملانها في صندوق السيّارة، والتأكد من التزامهم بالتعليمات. إذ بدأت أولى هذه المجموعات بالتطوّع مع ساعات مساء الأربعاء بالتنسيق مع وزارة الصحة، وكان أحد المتطوعين يطلق عليها لقب «كتيبة الفنادق».

نهارٌ واحدٌ

الساعة الثالثة تقريبًا من عصر يوم الأربعاء، أعلنت نقابة أطباء الأسنان نيّتها «تجهيز فرق متطوعين من أطباء الأسنان العاملين في القطاع الخاص» لغايات مشاركة كوادر وزارة الصحة في مواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، كما فعلت نقابة الأطباء أيضًا. بعد أربع ساعات تقريبًا، كان نحو 150 طبيب أسنان مسجلًا على لوائح النقابة كمتطوعين وينتظرون الموافقات الأمنيّة من الجهات المعنيّة للالتحاق بالمواقع. وقد بلغ عدد المحجور عليهم إلزاميًا 4892 شخصًا في 23 فندقًا في العاصمة، و11 في منطقة البحر الميت، بحسب وزارة الصحة.

على الجهة الأخرى، دخل المشرفون على حملة التطوّع هذه في سباق مع الزمن لإنجاز مُهمتيْن؛ عقد دورة مكثفة في مبنى النقابات المهنيّة للمتطوعين المختارين، تتناول كيفية التعامل مع المحجور عليهم، ووقاية أنفسهم والآخرين من خطر العدوى، وكانت المهمّة الثانية التي قام بها عضو مجلس النقابة الدكتور محمد أبو عرقوب وزميله الدكتور أيهم المومني أثناء انعقاد الدورة هي شراء معدّات الوقاية اللازمة للمتطوعين من كمّامات وأغطية للرأس وللأحذية، ومراييل، ودروع للوجه، وقفازات، ومعقمّات.

مع ساعات المساء كانت معدّات الوقاية جاهزةً للدفعة الأولى من المتطوعين البالغ عددهم 25 طبيب أسنان، والذين توزعوا على فنادق الحجر الـ23؛ لكلّ فندقٍ طبيب أو طبيبان، أرسلوا الساعة الثامنة مساءً، يقول أبو عرقوب. 

وصلت مجموعة المتطوعين إلى الفنادق، وكانت المهمّات لديهم واضحة بحسب المحاضرة التي تلقوها في النقابة: قياس درجة الحرارة للمحجور عليهم، وكتابة تقارير بحالتهم الصحيّة، ورفعها للأطباء المناوبين «إذا اشتبهنا بحالة، بنتواصل معهم [أطباء وزارة الصحة] وبييجوا فورًا»، يقول أبو عرقوب.

خارج الفنادق، بدأ عمل المومني وأبو عرقوب للإشراف على وصول والتزام زملائهم. يحمل الطبيبان كشفًا بأسماء الأطباء ويدوران على الفنادق ومعهما في صندوق السيّارة معدّات الوقاية الإضافيّة، يصلان الفندق، وقبل أن ينزلا من السيّارة يكونان قد تجهزّا بجميع وسائل الوقاية ويلبسان مراييل وغطاء الرأس، والقفازات الطبية والأقنعة. يمرّان عن نقطة الجيش على باب كل فندق، يُظهران التصريح الأمنيّ، ويدخلان الفندق ويطلبان الطبيب المتطوّع المناوب، ويستفسران عن الوضع، من توفر المعدات وأي طارئ يستعدي استبداله.

المومني ينتظر في بهو الفندق.

ظلّا طوال الطريق وهما يدوران على الفنادق يتلقيان الاتصالات. «في [أطباء] من برّة عمّان عم بنرتبّلهم التصاريح تا يقدروا يدخلوا على عمّان الخميس»، يقول المومني.

وكان الجيش قد أعلن الأربعاء «غلق العاصمة عمان من جميع المنافذ اعتبارًا من الساعة السابعة صباحًا يوم غد الخميس ولإشعار آخر، باستثناء الأشخاص المصرح لهم من الجهات المعنية».

لا يغادر أبو عرقوب والمومني أي فندق قبل أن الانتباه إلى أفراد الجيش على أبواب الفنادق، نظرة سريعة عليهم، إذا لحظا خطأ ما في أساليب الوقاية يتدخلان بتقديم نصيحة صغيرة للجنديّ في كيفية وضع الكمامة أو الحذر من لمس مقابض الأبواب والحرص على ارتداء القفازات.

يعمل الطبيبان في القطاع الخاص، إذ تخرّج المومني من أوكرانيا في طبّ الأسنان في العام 2006، فيما تخرّج أبو عرقوب سنة 2001. وهما متزوجان ولهما أطفال أعمارهم بين 7 سنوات و16 سنة. لم يعتد الاثنان التأخر عن البيت لهذه الساعة في الأيّام العاديّة، لكن «عنّا واجب وطني بدنا نأديه»، كما يقول المومني، الذي يتلقّى الأسئلة من ابنه سند ذي السنوات الستّ حول ما يجري. «بتستغرب حتى الجيل الجديد بيحكي بالكورونا»، يقول أبو عرقوب.

داخل الفندق

الممرات مطفأةٌ، والبهو خالٍ من أي أحد، شابٌ من المحجورٍ عليهم يتجوّل بلا كمّامةٍ أو أي وسيلة سلامةٍ ثم يختفي في الظلام، لحظات وجاء من بعيد في وسط الظلام شابٌ يلبس الأزرق من رأسهِ حتّى قدميه؛ قفازات، غطاء رأس، ومريول، وهو طبيب الأسنان المتطوّع أحمد العشّا خريج إحدى جامعات السودان.

ترك العشّا تجهيز عيادته التي سيفتحها قريبًا في البيادر ليتطوّع مع زملائه من أطباء الأسنان. أفاق الساعة العاشرة صباح الأربعاء، وبعد الظهر وجد نفسه داخل جروب «واتس أب» جديد للذين اختيروا للدفعة الأولى من الذين تقدموا بطلب تطوّع. طُلب منهم التواجد في مبنى مجمع النقابات المهنيّة خلال ساعة، «في ناس بالمحافظات، وفي ناس شغالين في عياداتهم، صعب ييجوا خلال ساعة»، ورغم ذلك تواجد العشّا الساعة الرابعة في مجمع النقابات مع ما بين 30-40 طبيب أسنان ليتلقوا الإرشادات.

بعد المحاضرة، وزعت المعدّات على من اختير من المجموعة، وهم 25 متطوعًا، وانتظرت المجموعة لما بين ساعة إلى ساعة ونصف «ع بين ما طلعت التصريحات الأمنية». وبحلول الساعة الثامنة كان أفراد الدفعة الأولى يتجهون إلى الفنادق المعيّنة لهم.

دخل العشّا مع أبو عرقوب والمومني في حديث قصير عن المحجور عليهم، وفيما إذا اكتشفت حالات مصابة بفيروس كورونا هنا، وتأتي الإجابة المعتادة، لا حالات إصابة، الأمور على خير ما يُرام، لكن الاحتياط واجب. «[شغلنا] تطمين الناس، ومساعدة الكادر الطبي، لو حالات فيها حالات أسنان ممكن ندخل، بس تدخلنا طفيف، لإنه ما معنا أجهزة»، يقول العشّا الذي بدأت مناوبته قبل ساعات فقط ويتوقع أن تستمر حتّى العاشرة من صباح اليوم التالي.

أبو عرقوب يطلب الطبيب المتطوع.

بعد دقيقةٍ انضمّ ياسين*، وهو طبيب شابٌ ما زال يختّص في وزارة الصحة، التحق بالخدمة في الفنادق يوم الأربعاء مع طبيبيْن آخرين من كوادر الوزارة. يلبس ياسين كل أدوات الوقاية من رأسهِ وحتّى قدميه بلونها الأبيض. «أوّل ما دخلت هون، لقيت ناس داخلة على اللوبي وكله بيدخن، إشي أجنبي، إشي عربي».

خلال الحوار كان طبيب وزارة الصحة ياسين يتحدث بصوت منخفضٍ، وعلامات التعب بادية عليه «من الخمسة مساء للثمانية صباحًا [وزارة الصحّة] عاملين إلنا جدول»، يقول ياسين، الطبيب المقيم بوزارة الصحّة في اختصاص طب المجتمع والصحة العامة والوبائيّات. «إحنا وظيفتنا تتبع الحالات، وعمل دراسات عنها واكتشافها، إحنا بنتبّع المخالطين، والحالات المصابة».

قبل التحاقه بالفنادق، كان ياسين ضمن كوادر وزارة الصحة العاملة في مطار الملكة علياء، حيث كانت مدة المناوبة الواحدة 12 ساعة. وكان عمله في المطار يتلخص بفحص القادمين.

انتهى اللقاء الذي لم يستمر غير دقائق، فالمهمّة ما زالت في أولّها. «ظايل قدامنا 19 فندق»، يقول المومني الذي زوّد العشا بما ينقصه من قفازات، ليغادر مع أبو عرقوب ليستكملا الجولة.

* اسم مستعار.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية