لقاحات كورونا: أين وصلنا في تلقيح الفئات ذات الأولوية؟

رجل مسن يتلقى جرعة من لقاح سينوفارم الصيني، في أحد مراكز التلقيح في عمّان، في كانون الثاني 2021. تصوير خليل مزرعاوي. أ ف ب.

لقاحات كورونا: أين وصلنا في تلقيح الفئات ذات الأولوية؟

الخميس 08 نيسان 2021

«ها هي الأمنية تتحقق» قال نذير عبيدات وزير الصحة السابق، في مؤتمر صحفي عقده أوائل كانون الثاني الماضي، للإعلان عن بدء البرنامج الوطني للتلقيح ضد كوفيد-19، بعد أن وصلت أولى لقاحات كورونا إلى الأردن.

شرح عبيدات إلى جانب المسؤول السابق عن ملف كورونا، وائل هياجنة، أبرز ما يتضمنه البرنامج من حيث الآليات التي ستتبعها الحكومة في استقبال اللقاحات وتخزينها، وتحديد الفئات المستهدفة، والتي تضمنت الأشخاص ذوي الأولوية وعلى رأسهم الكوادر الصحية العاملة في القطاع الصحي، والذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، بالإضافة إلى الفئات الأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات كوفيد-19، كأصحاب الأمراض المزمنة، مع التأكيد على أن البرنامج سيكون «دقيق ومنظم وعادل»، حسبما قال عبيدات.

بعد قرابة ثلاثة أشهر على ذلك، وصل عدد المسجلين الكلي على المنصة الحكومية المستحدثة للتسجيل من أجل الحصول على لقاح كورونا، الثلاثاء الماضي قرابة مليون و44 ألف مسجل. وكان عدد المسجلين على المنصة قد تضاعف خلال آذار الماضي، وهو ما يعتبره المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات مؤشرًا على نجاح البرنامج، بينما يرى أطباء واختصاصيون أن أعداد الفئات ذات الأولوية من كبار السن والكوادر الصحية من مجمل المسجلين على المنصة ليست كافية، فيما يعتقد عضو مجلس نقابة الأطباء المستقيلة، حازم القرالة، أن البرنامج «فشل» في الوصول إلى هذه الفئات.

كبار السن: هل وصلنا الهدف؟

أواخر آذار الماضي، كانت خولة* (67 عامًا) تجلس في قاعة التلقيح في مستشفى الأمير حمزة بانتظار دورها للحصول على لقاح كورونا، تقول إنها ما زالت غير مقتنعة باللقاح إذ سمعت عن تسببه بأعراض جانبية ومضاعفات تخشى منها، لكنها وافقت على التلقيح من أجل ابنها العشريني الذي ألحّ عليها للتسجيل في المنصة بعدما توفي والد أحد أصدقائه نتيجة إصابته بالفيروس، وقد حصلت على اللقاح بعد يومٍ واحد من تسجيلها على المنصة.

وصل عدد المسجلين على المنصة ممن بلغوا 60 عامًا وأكثر حوالي 200 ألف شخص حتى مساء أمس الأربعاء، تلقى قرابة 80% منهم الجرعة الأولى من اللقاح، بحسب أحمد النعيمات، مدير وحدة الاستجابة الإعلامية في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات.

وترى نجوى خوري، عضو لجنة الأوبئة في وزارة الصحة، أن هذا العدد «كثير قليل» بالنظر إلى أن عدد المسجلين يشكّل حوالي 35% من مجمل عدد السكّان الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة في الأردن، والبالغ عددهم 574 ألف شخص لسنة 2019، بحسب دائرة الإحصاءات العامة، مضيفةً أن نسبة الحاصلين على اللقاح من هذه الفئة يجب أن تصل إلى 80% من أجل تخفيض نسب المرَاضة والوفيات بينهم، وللحد من انتقال العدوى بين أفراد المجتمع. 

ارتفع عدد المسجلين على المنصة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية -وحدها- بواقع 544 ألفًا، فيما بلغت الزيادة في عدد كبار السن المسجلين خلال الفترة ذاتها نحو 70 ألفًا فقط.

مع إطلاق برنامج التلقيح والمنصة الإلكترونية، قام مركز إدارة الأزمات بوضع إجراءات لتسهيل تسجيل كبار السن والوصول إليهم من أجل تلقي اللقاح، يقول النعيمات، منها تخصيص أرقام اتصالٍ مجانية واستقبال الرسائل عبر «الواتس آب» للمساعدة على التسجيل في حال عدم قدرة الشخص على استخدام المنصة.

وبحسب النعيمات، فقد خصصت فرقٌ متنقلة لإحضار المسجلين غير القادرين على الوصول إلى مراكز التلقيح، وارتفع عدد هذه الفرق من 13 إلى 29 فريقًا خلال الأشهر الماضية، ويقول النعيمات إن المركز دعا الأطباء الذين يتعاملون مع المرضى في المراكز الخاصة بالأمراض المزمنة للمساعدة على التسجيل والتشجيع عليه، إضافة الى إقامة لقاءات إعلامية لشرح ضرورة تلقي اللقاح.

إلّا أن هذه الجهود لا تبدو كافية للوصول إلى كبار السن بحسب خوري، وهي تدعو إلى إجراء دراسة لتحديد الأسباب التي تمنع كبار السن من التسجيل، سواء كانت أسبابًا لوجستية أو عدم اقتناع وثقة منهم في اللقاحات، والتعامل معهم وفقًا لهذه الأسباب.

تقول عبلة عماوي، مديرة المجلس الأعلى للسكان، إن واحدة من الإشكاليات التي واجهت تلقيح كبار السن هو التضارب في بعض الرسائل الإعلامية حول فعالية الفيروس وأعراضه الجانبية وأثره على بعض الأمراض المزمنة. مضيفةً أن هذا الحال حمّل أفراد الأسرة مسؤولية اتخاذ القرار حول تلقيح ذويهم، ما خلق انقسامات في الرأي داخل الأسرة الواحدة، وأثّر على قناعة كبار السن وزاد من تخوّفاتهم.

وترى عماوي أنه كان من الأجدى بثّ رسائل تتناول بشكل محدد كل حالة مرضية وصحية على حدة، وبلغة بسيطة لكسب ثقة الأهالي وتشجيعهم على اللقاح. لكنّ غياب هذه الرسائل جعل الإشاعات تنتشر بحسب منذر حوارات، نائب رئيس مستشفى الحسين للسرطان لشؤون المرضى. 

يقول حوارات إن حملة التلقيح افتقدت لمبدأ «الذهاب للناس»، فبدلًا من دعوة كبار السن للتسجيل على المنصة يمكن الذهاب إليهم عبر استغلال هياكل صحية أصغر في الأحياء والقرى؛ مثل المراكز الصحية، واستخدام بياناتها ومساحاتها من أجل الوصول للفئات المستهدفة ذات الأولوية وإقناعهم ومناقشتهم حول مخاوفهم.

تتفق خوري مع حوارات، وتصف حملات تلقيح سابقة شاركت فيها للتشجيع على لقاحات ضد الشلل والحصبة بين الأطفال، قائلة إن إقناع أولياء الأمور كان يتطلب جهدًا وتواصلًا مباشرًا في الميدان، حيث يجيب الأطباء على أسئلة الناس، «ما في حملة تلقيح بتصير على منصة»، تقول خوري.

خلال الشهر الماضي، أعلن المركز الوطني لإدارة الأزمات عن تعديل بعض الإجراءات لمن تخلّف من كبار السن عن مواعيد التلقيح، حيث أتيح لهم الحصول على اللقاح في أي يوم دون مواعيد مبرمجة، شرط تسجيلهم مسبقًا على المنصة، ويقول النعيمات إن الهدف من ذلك هو التسهيل على كبار السن وتشجيعهم للحصول على اللقاح. ويُذكر أن 367 مسنًّا في دور المسنين التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية حصلوا على الجرعة الأولى من اللقاح، وحصل بعضهم على الجرعتين.

وقد ارتفع عدد المسجلين على المنصة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة من آذار الماضي -وحدها- بواقع 544 ألفًا، فيما بلغت الزيادة في عدد كبار السن المسجلين خلال الفترة ذاتها نحو 70 ألفًا فقط. ويرى لؤي أبو قطّوسة، أخصائي الميكروبات الطبية والمناعة السريرية، أن حجم الزيادة في أعداد كبار السن المسجلين يؤشر على أن الإقبال كان من قِبَل الشباب، قائلًا إن كبار السن يحتاجون لتشجيع من شخصيات مؤثرة ضمن فئتهم العمرية.

يرفض سامر* (60 عامًا) الحصول على اللقاح، ويقول إن أولاده الأربعة، في العشرينات من أعمارهم، قرأوا الكثير عن اللقاحات، ويرون أن اللقاح غير فعال، ولا يزال قيد التجريب، وأنه لم يحصل على المدة الكافية للتأكد من مأمونيّته، لكنهم اتفقوا مع والدهم على الاستمرار في لبس الكمامة خلال عمله في محل الخضروات الذي يملكه.

يقول استشاري طب المجتمع في كلية الطب بجامعة البلقاء التطبيقية، حاتم جابر، إن الكثير من حكومات العالم تتعامل مع المخاوف ذاتها لدى شعوبها، وتحاول أن تواجه الأخبار المغلوطة حول اللقاحات، لكن الأردن لم يضع خططًا واضحة للتواصل بفعالية مع مختلف فئات المجتمع والتعامل مع مخاوفها، ما زاد من «العزوف» عن اللقاح خصوصًا في بداية حملة التلقيح.

حتى أمس الثلاثاء، بلغ عدد الوفيات لمن تزيد أعمارهم عن 55 عامًا 6,240 شخصًا، ما نسبته 84% تقريبا من مجمل الوفيات بكورونا في الأردن. يعتقد أبو قطّوسة أن وصول اللقاح بسرعة أكبر لكبار السن والحالات ذات الاختطار العالي كان سيقلل من نسب الوفيات لدى في هذه الفئة، وذلك بالنظر إلى الدراسات المعلنة عن الشركات المصنعة حول فعالية لقاحاتها، كما أن التوسع في التلقيح يقلل من إدخال المرضى إلى المستشفيات ويخفف بالتالي الضغط على القطاع الصحي.

الكوادر الصحية: في انتظار «اليوم المفتوح»

وقف عشرات الأطباء والممرضين والمشتغلين في القطاع الصحي في قاعة بالطابق الأرضي من مستشفى الأمير حمزة، يوم الثلاثاء، 20 آذار الماضي، بانتظار دورهم لتلقي اللقاح، بعد إعلان المركز الوطني لإدارة الأزمات ذلك اليوم يومًا مفتوحًا لتلقيح الكوادر الصحية في عدة مراكز تلقيح.

تلقى اللقاح من الكوادر يومها 8,332 شخصًا، في حين بلغ العدد الكلي للكوادر التي تلقت اللقاح منذ بدء برنامج التلقيح حتى اواخر آذار حوالي 37 ألف شخص، بحسب تصريح لوزير الدولة لشؤون الاعلام صخر دودين الأحد الماضي، ما نسبته حوالي 30% من مجمل الأطباء والممرضين والصيادلة والعاملين في المهن المساندة، في القطاعين العام والخاص، والذين يتجاوز عددهم 124 ألف عامل، بحسب تقرير صادر عن المجلس الصحي العالي عام 2018، دون أي زيادة ملحوظة خلال الأسبوع الماضي، حيث لم تخصص أيام مفتوحة لتلقيح الكوادر، بحسب النعيمات، وهو رقم «مش جيد» بحسب أبو قطّوسة.

مستشفى الجامعة في اليوم المفتوح لتلقيح الكوادر الصحية. تصوير دانة جبريل.

يقول كامل أبو سلّ مدير ملف التلقيح في وزارة الصحة، إن الآلية المتبعة في تلقيح الكوادر الصحية هو تسجيلهم على المنصة، ثم يتم اختيارهم للتلقيح وفقًا لأولويات السنّ والأمراض المزمنة، لكن من أجل تسريع تلقيحهم، أعلنت خلية عمليات إدارة الأزمة عن تخصيص يومين مفتوحين لتلقيح الكوادر الصحية، شرط التسجيل مسبقًا على المنصة، وإحضار ما يثبت أنه عامل في القطاع الصحي، ويتلقى الشخص اللقاح دون النظر إلى سنّه أو أي معايير أخرى.

كان اليوم المفتوح الأول في الثالث من آذار الماضي، وقد خُصص للكوادر العاملة في القطاع العام، لكنه لم يلقَ إقبالًا بسبب قلة التنسيق والترويج له حسبما يقول محمد رسول الطراونة، المكلف بالقيام بأعمال نقيب الأطباء، مضيفًا أن النقابة تبلغّت به قبل أقل من عشر ساعات على موعده، وهو ما لم يتح لهم وقتًا كافيًا للإعلان عن الموعد ومواقع التلقيح.

أما اليوم المفتوح الثاني، فكان للعاملين في القطاعين العام والخاص، وشهدت عدة مراكز إقبالًا كبيرًا، أدى إلى تمديد العمل في مركز التلقيح في مستشفى الجامعة الأردنية نصف ساعة إضافية، للتعامل مع إقبال الأطباء، حسبما تقول سناء الصمادي من قسم العلاقات العامة في المستشفى. 

في هذا اليوم، كانت روز ملّاح (25 عامًا)، طبيبة الامتياز في إحدى المستشفيات الخاصة، تجلس في مستشفى الأمير حمزة بانتظار دورها، وتقول إنها سجّلت على المنصة منذ كانون أول الماضي، ولم يصلها الدور بعد.

انتظرت روز ثلاث ساعات حتى وصل دورها، وقد دفعتها فترة الانتظار هذه إلى استبدال المغادرة التي طلبتها من عملها إلى يوم إجازة. أما الطبيب وائل* فقد اضطر بعد طول انتظار إلى مغادرة المستشفى دون الحصول على اللقاح، حيث لا يمكنه التغيب عن عمله لساعات.

مستشفى الأمير حمزة في اليوم المفتوح لتلقيح الكوادر الصحية. تصوير دانة جبريل.

حاولت روز سابقًا الحصول على اللقاح أكثر من مرة، خصوصًا أن تتعامل مع مرضى كوفيد-19، وتخشى أن تنقل العدوى إلى عائلتها، وكانت إحدى محاولاتها في اليوم المفتوح الأول، إلا أنها لم تتمكن من ذلك نظرًا لتخصيصه للقطاع العام فقط.

قبل يومين من اليوم المفتوح الثاني، توفيت الطبيبة الأردنية دعاء أبو جامع بعد إصابتها بفيروس كورونا، وكان لوفاتها أثرٌ على بعض الممرضات العاملات في القطاع الخاص، ممن تواجدن لتلقي اللقاح في مستشفى الأمير حمزة، وتحدث بعضهن عن مخاوف راودتهن من فعالية اللقاحات وأعراضها الجانبية، لكن وفاة أبو جامع دفعتهن للتسجيل وحضور اليوم المفتوح، خصوصًا أنهن يتعاملن مع مرضى كورونا.

يقول القرالة إن الآلية التي يسير فيها تلقيح الكوادر الصحية تنمّ عن التخبط وغياب الخطط لدى الجهات المعنية، في وقت كان يجب أن يحتلّ تلقيح الكوادر الصحية الأولوية القصوى في برنامج التلقيح. 

وبحسب الطراونة فإن النقابة تبحث الآن مع مركز إدارة الأزمات آليات مقترحة لاستكمال تلقيح الكوادر، ومن ذلك تلقيح الكوادر في المستشفيات ذاتها التي يعملون فيها، أو إقامة أيام مفتوحة أخرى. وهي مقترحات تتشابه مع تلك التي قدمتها نقابة الممرضين من أجل تلقيح الكوادر التمريضية في أماكن عملهم، وتنتظر النقابة قرارًا بشأن مقترحاتها، بحسب نقيب الممرضين خالد الربابعة، مضيفًا أن العديد من كوادر التمريض لم تتمكن من اللحاق بمواعيد اليوم المفتوح بسبب المناوبات الليلية المرهقة، فكان من الصعب عليهم التوجه صباحًا إلى مراكز التلقيح.

في اليوم ذاته، صرّح وزير الصحة المكلف -سابقًا- مازن الفراية إن هناك ترددًا لدى الكوادر الصحية في أخذ اللقاح. ويقول الطراونة إن عدد الأطباء غير الراغبين في أخذ اللقاح قليل، ويقلّ أكثر مع مرور الوقت.

وقد وصل عدد الوفيات بين الأطباء منذ بداية الجائحة حتى صباح الأحد الماضي 47 طبيبًا، ويقول الطراونة إن معدّل وفيات الأطباء جراء كورونا هذا العام أعلى من معدلها السنة الماضية. فيما وصل عدد الوفيات بين الطواقم التمريضية إلى ثمانية وفيات، ثلاثة منهم تحت سنّ 50 عامًا، ويقدر الربابعة إجمالي الإصابات بين الممرضين بما يزيد عن 3000 إصابة.

ويرى جابر أن برنامج التلقيح كان يجب أن يبدأ بهم وألا يكون الأمر اختياريًا، وذلك بموجب قانون الصحة العامة الذي يخوّل وزير الصحة اتخاذ أي قرارات تلزم للتعامل مع انتشار الأوبئة. مضيفًا أنه في حال لم ترغب الحكومة بإجبار الأطباء، فيجب على الأقل منع الأطباء الذين لم يحصلوا على اللقاح من العمل في الخطوط الأمامية مع مرضى كوفيد-19، وذلك حماية لهم وللمجتمع.

العدالة في توزيع اللقاحات

بعد نحو شهرين من التسجيل على منصة التلقيح، واختيار مركز التلقيح في عمّان، لاحظ محمد الزعبي (36 عامًا) أن عددًا من أصدقائه الشباب نقلوا تسجيلهم إلى محافظات أخرى وحصلوا على مواعيد قريبة لتلقي الجرعات الأولى، كما حصل لاحقًا ثلاثة من أشقائه، يسكنون في محافظة جرش، على اللقاح، أحدهم أصغر سنًّا منه.

يقول القرالة إن الآلية التي يسير فيها تلقيح الكوادر الصحية تنمّ عن التخبط وغياب الخطط لدى الجهات المعنية، في وقت كان يجب أن يحتلّ تلقيح الكوادر الصحية الأولوية القصوى في برنامج التلقيح. 

عرف الزعبي بعدها أن دوْر اللقاحات يسير بوتيرة أسرع في المراكز التي لا تحظى بإقبالٍ كبير، فنقل تسجيله على المنصة من عمّان إلى مستشفى جرش الحكومي، لكن لم تصله رسالة لتحديد موعد التلقيح الخاص به خلال أسبوعين من ذلك، فعدّل موعد التسجيل مجددًا إلى مركز صحي فرعي في إحدى بلدات محافظة جرش، ليحصل على دوره في اليوم التالي.

يقول الزعبي إن عائلته مرت خلال الأشهر الماضية بتجربة وصفها بالصعبة والمؤلمة، حيث توفي زوج خالته، وأدخل والده إلى المستشفى بعد إصابتهما بالفيروس، وعاشت العائلة خلال هذه الفترة قلقًا كبيرًا، دفعه للبحث عن طريقة سريعة للحصول على اللقاح، بعدما رأى أن «الشباب بتوخذ هون وهون»، وهو الذي كان يعتقد أن الدور سيصله أواخر عام 2021.

يرى أبو قطوسة أنه يجب الوصول إلى كبار السن وتقديم اللقاحات لهم في منازلهم، ويقول إنه في ظل عدم قدرة الجهات الرسمية على القيام بذلك، فإن آلية توزيع اللقاحات بين المحافظات تسببت بـ«ثغرة» في برنامج التلقيح، حيث يتجاوز التلقيحُ كبارَ السن غير المسجلين على المنصة في المحافظات التي لا تشهد زخمًا لصالح من هم أصغر سنًا من أبناء هذه المحافظات أو ممن نقلوا تسجيلهم إليها، فضلًا عن كبار السن ممن ينتظرون أدوارهم في المحافظات المزدحمة.

يقول جابر إن آلية توزيع اللقاح على المحافظات مسّت «العدالة»، إذ كان يجب مراعاة نسبة الأشخاص المسجلين من الفئات ذات الأولوية «الأكثر اختطارًا» في كل محافظة على حدة، أي أن يقتصر التلقيح في كل منها على الفئات ذات الأولوية في كل محافظة، وضمان تلقي أكبر عدد منهم اللقاح، قبل أن ينتقل لفئات عمرية أصغر.

لا يرى النعيمات بأن الآلية المتبعة تمسّ العدالة، إذ يقول إن «المطلب الاستراتيجي» هو تلقيح أكبر عدد من الأردنيين من الفئات عالية الاختطار، ومن مزودي الخدمات الصحية والإدارية، وصولًا إلى المناعة المجتمعية، مع مراعاة ضرورة السرعة في التلقيح، «ليش أحرم مواطن موجود في مادبا أو العقبة من التسجيل وأخذ اللقاح إذا كان مركزه فيه جرعات متاحة وما في ازدحام؟»، يقول النعيمات.

يشرح النعيمات أن زيادة عدد الجرعات في بعض المراكز التي تشهد إقبالًا عاليًا لتلقي اللقاح، بدلًا من توزيعها على تلك التي تنخفض فيها الأعداد، سيعني وجود اكتظاظٍ بداخلها، وأن فتح مراكز جديدة يرتبط بزيادة الكوادر والسعة الاستيعابية، وهي أمور قيد الدراسة حاليًا، بالإضافة إلى وجود معيقات تفرضها آلية إعطاء اللقاح وتخزينه وتفاوت المدد اللازمة لإعطائه بحسب نوع اللقاح، مع ضرورة عدم «تكديس» اللقاحات ومراعاة تواريخ الصلاحية، وهي أسباب يقول النعيمات إن إدارة الأزمات تأخذها في عين الاعتبار.

وقال رئيس قسم التطعيم في وزارة الصحة، كامل أبو سل، أمس لإذاعة «جيش أف أم» إنه سيتم تطعيم كافة المسجلين على المنصة خلال الأيام القليلة المقبلة، وأنه قد وصل إلى الأردن قبل أيام أكثر من ربع مليون جرعة من لقاح «سينوفارم» الصيني، وتم البدء بتطعيم أشخاص في الأربعينيات من أعمارهم في عمّان، وفي الثلاثينيات في بعض المحافظات. وسبق أن أعلن أبو سل مطلع الأسبوع الحالي عن البدء بإعطاء لقاح «سبوتنيك-في» الروسي بعدما وصلت الدفعة الأولى منه أواخر آذار الماضي.

أواخر العام الماضي، نشرت منظمة الصحة العالمية وثيقة تضمنت توصيات لتحديد أولوية استخدامات لقاحات كوفيد-19 في ظل الإمدادات المحدودة منها، وتقترح المنظمة ما أسمته «خريطة طريق» لاستهداف الفئات ذات الأولوية بما يتناسب مع الظروف الوبائية وتوافر اللقاحات في كل بلد.

وبحسب الوثيقة، فإن تقديم اللقاحات للفئات ذات الأولوية يتم عبر مراحل تتابعية، فعندما تكون اللقاحات محدودة للغاية فإن الأولوية القصوى تمنح لمجموعتين من الناس قبل الانتقال إلى مجموعات أخرى، وهما العاملون الصحيون المعرضون لمخاطر عالية إلى عالية جدًا في اكتساب العدوى ونقلها، يليهم فورًا كبار السن ممن يواجهون مخاطر عالية من العدوى، على أن تحدد هذه الفئة العمرية على المستوى الوطني (القُطريّ). ويمكن التوسع لاحقًا في الفئات ذات الأولوية كلما زادت اللقاحات المتوفرة. 

يقول يوسف زوانة، المتخصص في السياسات الصحية، إن تصنيف الفئات في التوصيات الدولية، مثل وثيقة منظمة الصحة العالمية، قد لا تكون واقعية التطبيق في كثير من دول العالم، لكنها بالمجمل تؤشر على ضرورة وجود خطة واضحة ومفصّلة للآلية التي يجب أن يسير بها البرنامج، لضمان تأمين الفئات ذات الأولوية، وهو ما يرى أنه غير متوفر في خطة التلقيح في الأردن.


* أسماء مستعارة بناء على طلب أصحابها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية