مؤسسة التسويق الزراعي: «من لما سكّرت، سكّر رزق المزارعين»

الأربعاء 27 كانون الثاني 2021
المصدر: دراسة «دور الشحنات التجريبية في ترويج صادرات الخضار والفواكه»، مؤسسة التسويق الزراعي، 1998.

في آذار عام 1965، أعلن رئيس الوزراء آنذاك وصفي التل في بيانه الوزاري لنيل الثقة أمام مجلس النواب، عن خطواتٍ وأهداف قال إن الحكومة ستبذل أقصى جهد ممكن في شتى الميادين الاقتصادية لتحقيقها، وكان من بين هذه الأهداف إنشاء مؤسسة تسويق زراعي يساهم فيها المزارعون والموزعون والدولة، «بحيث ينال المزارع ثمرة عرقه وجهده، وينظم التوزيع والتسويق». ويتم التعاون مع هذه المؤسسة على تنظيم العملية الزراعية المروية والبعلية من حيث تحديد الأنواع والكميات والمساحات حسب متطلبات التسويق المحلي والخارجي.

بعد عامٍ، تأسست «مؤسسة تسويق المنتوجات الزراعية»، بمقتضى قانون منحها استقلالًا ماليًا وإداريًا، وكان لها رأس مال قدره 600 ألف دينار، مقسّم إلى أسهم قيمة كل سهمٍ منها دينار واحد، وتساهم فيه الحكومة بمبلغ 100 ألف سهم، فيما يساهم تجار استيراد وتصدير الخضار والفواكه -بما في ذلك الوسطاء- بـ100 ألف أخرى، وخُصّص للمواطنين 50 ألف سهم. أما المزارعون؛ ملاكًا كانوا أو مستأجرين، فإن لهم الحصة الكبرى من الأسهم، بواقع 250 ألف سهم. وقد تولى إدارة شؤون المؤسسة مجلس إدارة مؤلف من تسعة أعضاء، ثلاثة منهم أعضاء حكوميون، وستة أعضاء يمثلون حمَلة الأسهم من القطاع الخاص، وكان توزيع هؤلاء كالتالي: ثلاثة يمثلون المزارعين، واثنان يمثلان التجار، وواحد يمثل المواطنين المساهمين.

وبحسب قانونها، فإن من أهداف المؤسسة تصدير المنتوجات الزراعية والاتجار بها، وتنشيط عمليات التسويق الخارجية، وتشجيع الصناعات المتعلقة بتحويل المنتوجات الزراعية، وتزويد المزارعين بالسلف التي تساعدهم في إنتاج محاصيلهم، والتعاون مع الجهات المختصة من أجل تشجيع إنتاج أصناف من الخضار والفواكه وفقًا لمتطلبات الأسواق.

استقبلت المؤسسة المحاصيل الزراعية من المزارعين وسوّقتها في الأسواق المحلية وورّدتها إلى المصانع الغذائية، وبحسب عاملين فيها فقد زاد نشاطها بشكل خاص في مجال تصنيع رب البندورة.

بعد حوالي ست سنوات من تأسيسها، ألغيت «مؤسسة تسويق المنتوجات الزراعية»، وحلّ محلها عام 1972 مؤسسة جديدة تدعى «المؤسسة الأردنية لتسويق المنتوجات الزراعية»، وتمتعت هي الأخرى باستقلال ماليّ وإداري، على أن تكون موجودات المؤسسة السابقة أحد مصادر رأسمال المؤسسة الجديدة، وتعيد الحكومة للقطاع الخاص من مساهمي المؤسسة السابقة المبالغ التي دفعوها. تغيرت إدارة شؤون المؤسسة بحيث يتولاها منذ عام 1974 مجلس إدارةٍ يرأسه وزير الزراعة، بالإضافة إلى 11 عضوًا، معظمهم حكوميون، باستثناء أربعة أعضاء من القطاع الخاص يعينهم مجلس الوزراء بتنسيب من وزير الزراعة.

كما تغيرت غايات المؤسسة، حيث عُهد إليها، بحسب قانونها، «مسؤولية رفع الكفاءة التسويقية للمنتوجات الزراعية الأردنية» وذلك من أجل زيادة الدخل القومي، وتطوير أساليب التسويق وتخفيض تكاليفها بحيث تؤدي إلى زيادة دخل المزارعين؛ ملاكًا أو مستأجرين، وتوفير المنتوجات الزراعية بأسعار معتدلة، وبما يتناسب مع الحاجيات الغذائية للمستهلكين.

مصدر الصورة: دراسة «دور الشحنات التجريبية في ترويج صادرات الخضار والفواكه»، مؤسسة التسويق الزراعي، 1998.

إلى جانب ذلك، توسعت الصلاحيات الممنوحة للمؤسسة الجديدة بموجب القانون، فصار لها أن توجّه الإنتاج الزراعي وتنظمه بالتعاون مع وزارة الزراعة، لتوفير حاجات الأسواق داخليًا وخارجيًا، وأن تجري التجارب والمشاهدات التسويقية بقصد تكثيف الإنتاج، وأن تضع سياسات تسويقية عامةً للاستيراد والتصدير، كما لها أن تضع المواصفات المناسبة للمنتجات الزراعية، وأن تقِيم أسواق الجملة المركزية ومراكز التصنيف والتعبئة والتخزين، وأن تنشئ مصانع للعبوات الفارغة أو تساهم بذلك من القطاعين العام والخاص لتوفير العبوات للمزارعين بأسعار معتدلة.

لكن المؤسسة عمليًّا، بحسب مازن نايف، نائب مديرها العام وعضو مجلس إدارتها أوائل الثمانينيات، لم تتوسع في تطوير العمل الزراعي وإجراء الدراسات العلمية وإرشاد المزارعين، بل اقتصر دورها على التسويق والتصنيع الزراعي.

مؤسسة التسويق الزراعي: «كانت عملية منظمة»

عملت «المؤسسة الأردنية لتسويق المنتوجات الزراعية» لحوالي 15 عامًا، ثم ألغيت عام 1987 وحلّت محلها «مؤسسة التسويق الزراعي»، وهي مستقلة إداريًا وتولّى إدارتها مجلس يرأسه وزير الزراعة إلى جانب 11 عضوًا معظمهم حكوميون باستثناء ثلاثة من ذوي الخبرة والاختصاص في الشؤون الزراعية والتسويقية، يعينهم مجلس الوزراء بتنسيب من الوزير.

شكلت المؤسسة حلقة وصل بين المزارع ووزارة الزراعة وممثلي القطاعات الزراعية في الدول الأخرى، وكانت -بحسب قانونها- تهدف إلى وضع السياسات التسويقية الخاصة بالمنتوجات الزراعية داخل المملكة وخارجها، وتنظيم التسويق وتطويره، وذلك من خلال إجراء الدراسات والأبحاث المتعلقة بالتسويق، ووضع الخطط الخاصة بتصدير واستيراد المنتوجات الزراعية ومراقبة تنفيذها، وتحديد الأصناف والكميات المسموح بتصديرها أو استيرادها ومواعيد ذلك، ووضع المواصفات الواجب توافرها في المنتوجات المصدرة أو المستوردة أو المعروضة للبيع محليًا، ومتابعة التقيد بتلك المواصفات، والمشاركة في إجراءات تحديد أسعار المنتوجات، وتشجيع إنشاء مجالس متخصصة بالتسويق والمساهمة بالدعاية والترويج لها، والإشراف على النشاطات التسويقية في أماكن تجميع وتخزين وبيع المنتوجات ومراقبتها وتنظيمها.

«كان في تواصل معنا واتفاق ويستشيرونا ونحدد السعر مع بعض، كانوا ياخدوا كله بالطن، كله حسب التعاقد. عمرنا ما سمعنا وقتها عن مزارع أتلف محصوله».

يروي المزارع الثمانيني، يوسف سليمان، أنه كان يخرج من قرية الكرَيْمة في الأغوار الشمالية، حيث أرضه ومكان سكنه، إلى مقر مؤسسة التسويق الزراعي بالشميساني في عمّان، تبعًا لمواعيد مسبقة يتفق عليها مع المهندسين الزراعيين العاملين في المؤسسة، للتعاقد حول كمّية وصنف وسعر المحصول قبل زراعته، ثم يوقع على تعهد بتوريد ما تم الاتفاق عليه في العقد، ويحصل على فاتورة بالسعر. «من لما سكّرَت سكّر رزق المزارعين، كان في تواصل معنا واتفاق ويستشيرونا ونحدد السعر مع بعض، كانوا ياخدوا كله بالطن، كله حسب التعاقد. عمرنا ما سمعنا وقتها عن مزارع أتلف محصوله»، يقول سليمان.

بعد إبرام العقد يعود المزارع لأرضه ويبدأ في زراعتها، ثم يجمع المحصول في موسم الحصاد، ويعدّه تبعًا للمواصفات المتفق عليها، وينقله إلى مركز تابع للمؤسسة في منطقة الأغوار الشمالية يسمى «مركز التدريج»، حيث تصنّف المنتوجات الزراعية وفقًا لجودتها، عندها يقوم المهندسون الزراعيون بتقييم المنتج ضمن ثلاث درجات، أولى وثانية وثالثة، وفي حال مطابقة المنتج للمواصفات، يقوم العاملون في مركز التدريج بتعبئته، وتحميله على سيارات النقل، وإرساله إلى مراكز توزيعه بهدف تصديره أو تسويقه محليًا. أمّا في حال وجود اختلاف في المواصفات المتفق عليها، فإن المهندس المشرف على عملية التسليم يعيد المنتج إلى المزارع ليقوم بتصفيته، «كانوا يحكولنا خد بضاعتك روح برّها [انتقِ الجيد منها] وجيبها، كانت عملية منظمة كثير والتعامل محترم»، يقول سليمان. وبعد تسليم المحصول، يذهب سليمان مرة أخرى إلى مقر المؤسسة لاستلام شيك بقيمة المحصول.

عملت مؤسسة التسويق الزراعي مع المزارعين وفق نظاميْ شراء، الأول هو التعاقد المسبق معهم، وفي هذه الحالة تخصص معظم المنتوجات الزراعية للتصدير، لأن المواصفات المطلوبة تكون قد حُدّدت مسبقًا بناءً على طلبات الشراء التي حصلت عليها المؤسسة من الدول والأسواق في الخارج.

أمّا النظام الثاني فهو الشراء من المزارعين دون تعاقد مسبق، وتخصص معظم المنتوجات في هذه الحالة للأسواق المحلية بعد معاينة المحصول والتأكد من جودته، حيث يأتي المزارع بمحصوله إلى أحد مراكز التدريج ويبيعها للمؤسسة بعد التفاوض على السعر. وبحسب مثقال الزيناتي، رئيس نقابة المزارعين المستقلة (غير المرخصة)، والمزارع منذ العام 1964، فإن المزارع غير المتعاقد مسبقًا مع المؤسسة كان يلجأ إليها أيضًا في حال لم ينجح في بيع محصوله في السوق المركزي أو لم تناسبه أسعار البيع فيه، حيث كانت تشتري محصوله بسعر جيد قابل للتفاوض، بما لا يضر المزارع ويؤمّن له على الأقل كلفة الإنتاج.

مصدر الصورة: دراسة «دور الشحنات التجريبية في ترويج صادرات الخضار والفواكه»، مؤسسة التسويق الزراعي، 1998.

بالإضافة إلى ذلك، كانت المؤسسة تتكفل بنقل المحصول الذي اشترته إلى مراكز التسويق الحدودية التابعة للمؤسسة في الكرامة، والعمري، والمدورة، والعقبة، ووادي عربة، وجسر الملك حسين، وجسر الأمير محمد، ومعبر وادي الأردن، والرمثا، وإلى مكاتبها للتسويق في أسواق الجملة في عمّان، والزرقاء، والسلط، وإربد، والعارضة، والكرك، كما تنقله أيضًا إلى مصانع الإنتاج الغذائي، ما يخفف من أعباء النقل والتغليف والتعبئة على المزارع. «كانت العلاقة أفضل بين المزارعين ووزارة الزراعة لإنه المؤسسة بتشكل ربط لعلاقة متينة وقوية جدًا مع وزارة الزراعة، المؤسسة كانت تحدد النمط الزراعي»، يقول الزيناتي.

لم يقتصر دور المؤسسة على التسويق المحلي، فأصدرت عدة دراسات بحثت في حاجة الأسواق التقليدية للمنتجات الزراعية؛ أي السوق المحلي بالإضافة إلى الأسواق الخارجية التي سبق التعامل معها، واختبرت أحيانًا أسواقًا خارجيةً جديدة كما فعلت عام 1998 عندما زادت كمية صادرات الخضار والفواكه بحوالي 13% بالمقارنة مع عام 1997، ما أوجد الحاجة للتفكير بالحفاظ على هذا النمو عبر إيجاد أسواق خارجية جديدة، فأرسلت المؤسسة شحنات تجريبية من الخضار والفواكه إلى ألمانيا وبلجيكا والإمارات ورومانيا، وذلك بهدف معرفة «إجراءات التصدير وعوائق الشحن ومواد التعبئة والتغليف والمراحل التي تمر بها الإرسالية من وقت مغادرتها بلد المنشأ حتى وصولها للمستهلك (..) لاختبار الأسواق أولًا، واختبار أساليب التداول وإجراءات الشحن من بلد المنشأ إلى المقصد النهائي».[1]

يضاف إلى ذلك، أن المؤسسة أعدّت ونشرت، بشكل سنوي منذ تأسيسها، إحصائيات شاملة لكميات الإنتاج من كل صنف من الخضار والفواكه، فضلًا عن حجم التصدير والاستيراد، ما سهل عليها رصد تغيرات السوق وتقلباته، وبالتالي تحديد أصناف وكميات المنتوجات المسموح بتصديرها أو استيرادها، حماية للمنتج المحلي، بحسب ما جاء في تقريرها السنوي عام 1998.

إلغاء المؤسسة: «ما شاوروا حدا»

يشير الكاتب فهمي الكتوت في كتابه «التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن» إلى أنه ومنذ ستينيات القرن الماضي حتى مطلع التسعينيات، كان للحكومة دور رئيسي في دعم وتنمية القطاع الزراعي، وتمثل ذلك بتقديم البذور والأسمدة والمبيدات للمزارعين، وتزويدهم بمياه مدعومة بإعفاءات ضريبية، وإعفاء المزارعين من الضرائب، وإقامة عدة مشاريع زراعية تنموية بالشراكة مع منظمات دولية، فضلًا عن تأسيس مؤسسات التسويق الزراعي منذ العام 1966.

لكن، بحلول أيّار 2002، ألغيت مؤسسة التسويق الزراعي، وتولّت وزارة الزراعة منذ ذلك ممارسة الصلاحيات المخولة للمؤسسة، ونُقل الموظفون والمستخدمون العاملون في المؤسسة إلى الوزارة. وبحسب مزارعين فإن المشاكل التسويقية بدأت بالتزايد بعد هذا العام، لتضاف إلى المشاكل الأخرى التي تواجه القطاع الزراعي، ومنها عدم توافر أدوات التكنولوجيا الزراعية، وشح المياه، وتقلبات المواسم في أغلب مناطق الأردن باستثناء منطقة وادي الأردن.

ترافق إلغاء مؤسسة التسويق الزراعي مع تحوّل في النهج الاقتصادي في الأردن نحو السوق المفتوح وتحرير الأسعار منذ تسعينيات القرن الماضي.

يقول الزيناتي إن المؤسسة كانت تحل مشكلة حقيقية، وإن الوضع تغير كثيرًا بعد إلغائها. ويتفق معه في ذلك مازن نايف، نائب مدير مؤسسة التسويق الزراعي سابقًا، الذي يقول إن الحكومة لم تستشر أحدًا لا في المؤسسة ولا في القطاع الزراعي عند اتخاذها قرار إغلاق المؤسسة. «هاي الحكومات لا تثق وما بتسمع حدا (..) لما أجوا سكروها ما شاوروا حدا، ولا حكوا إشي للمزارعين، (..) ولا درسوا إشي».

ترافق إلغاء المؤسسة مع تحوّل في النهج الاقتصادي في الأردن نحو السوق المفتوح وتحرير الأسعار منذ تسعينيات القرن الماضي، وكان رئيس الوزراء السابق علي أبو الراغب قد عبّر عن هذا التحول في البيان الوزاري لحكومته الأولى أمام مجلس النواب عام 2000. مع هذا التحول في النهج الاقتصادي، وقّعت الحكومات اتفاقيات مع كل من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، وبدأ ما سمّي بـ«الإصلاح الاقتصادي» و«إعادة الهيكلة». وقد أصابت هذه التغيرات قطاع الزراعة، فتراجع دور الدولة في دعمه، خصوصًا مع النصف الثاني من التسعينيات، عندما رفعت رسوم المياه، وألغت جزئيًا دعم البذور وأعلاف المواشي، وقد اعتبر صندوق النقد هذا الدعم تبذيرًا في الميزانية العامة،[2] كما اعتبر مؤسسة التسويق الزراعي «تشوهًا اقتصاديًا».[3]

يرى رئيس اتحاد المزارعين، محمود العوران، أن الدخول في اتفاقية الشراكة الأردنية-الأوروبية، التي وقعها الأردن عام 1997، وبدأ العمل بها عام 2002، كان له دور أيضًا في إلغاء المؤسسة، إذ يتعارض دورها في تحديد الكميات الصادرة والمستوردة، ومشاركتها في تحديد الأسعار، مع ما ورد في الاتفاقية التي تضمنت تخفيض أو إزالة عدد من الرسوم الجمركية وغير الجمركية، و«إلغاء القيود الكمية على المستوردات والتدابير التي لها أثر مماثل على التجارة بين المجموعة والأردن».

يذكر أنه في العام نفسه صدر قانون الزراعة المؤقت، الذي نصّ على «مراقبة تطورات السوق ووضع التشريعات اللازمة لتنظيم العمليات التسويقية ورفع مستواها»، وبهذا يمكن القول إن دور الدولة تراجع من وضع سياسات التسويق وخططها ومراقبة تنفيذها، إلى مراقبة العمليات التسويقية وتنظيمها.

كيف أثّر غياب المؤسسة على المزارع؟

يقول المزارع يوسف سليمان إنه، ومزارعين آخرين، صاروا بعد إلغاء المؤسسة عام 2002 يصّدرون منتجاتهم إلى العراق وسوريا، ما حمّلهم أعباء التعبئة والتغليف والنقل من المزارع، وبالتالي زادت تكلفة الإنتاج وقلّت الأرباح. ثم أغلق السوق العراقي بوجههم إبان غزو العراق عام 2003، ليدخلوا في منافسة صعبة مع الشركات الكبرى المصدّرة إلى سوريا، قبل أن تتأزم الأوضاع فيها عام 2011. «إحنا كنّا ملناش دخل بتصريف الإنتاج، غياب مؤسسة التسويق دمّرنا»، يقول سليمان.

يقول المزارع يوسف سليمان إنه ومزارعين آخرين صاروا بعد إلغاء المؤسسة يصّدرون منتجاتهم إلى العراق وسوريا، ما حمّلهم أعباء التعبئة والتغليف والنقل من المزارع، وبالتالي زادت تكلفة الإنتاج وقلّت الأرباح.

تردّت الأوضاع التسويقية بعد غياب المؤسسة، بحسب العوران، خصوصًا مع سيطرة شركات زراعية كبيرة على سوق التصدير، كما ظهرت مشكلاتٌ أخرى كزيادة فائض الإنتاج نتيجة عدم تنظيم كميات وأصناف المنتوجات الزراعية وغياب الإرشاد الزراعي، وزيادة الكميات المستوردة من الخارج، وارتفاع الفجوة في الأسعار بين ما يبيع به المزارع وما يشتري به المستهلك، إذ تزيد أحيانًا تكلفة الإنتاج عن سعر البيع، فلا يظل أمام المزارع إلّا إتلاف بعض إنتاجه كل عام توفيرًا للنفقات، وعن هذا يقول الزيناتي: «بودّوها عالسوق المركزي، أو بدبّ الغنم فيها، يعني المزارع مفيش قدامه غير هالخيارين، لإنه ما بتجيب كلفة إنتاجها ونقلها».

في تشرين الثاني الماضي، قال وزير الزراعة محمد داودية إن الوزارة تدرس سبل دعم تسويق المنتوجات الزراعية من خلال إعادة تفعيل مؤسسة التسويق الزراعي، مشيرًا إلى أن السقوف السعرية لبعض المنتوجات الزراعية تؤدي أحيانًا إلى ظلم المزارع، وأنه لا بد من تضييق الحلقة التسويقية حتى لا يتأثر المزارع والمستهلك. وقد حاولت «حبر» التواصل مع وزارة الزراعة لمعرفة التصورات والخطط حول المؤسسة المنوي إعادة تفعيلها، لكن دون استجابة من الوزارة.

من جهته، يعتقد العوران أن تفعيل المؤسسة غير ممكن في ضوء الاتفاقيات التي وقع عليها الأردن، ويقترح إنشاء تعاونيات تجمع المزارعين ليتفقوا فيما بينهم على أصناف وكميات الإنتاج، ويتشاركوا في تكاليف النقل، معتبرًا أن الدولة ملزمة بتمويل إنشاء هذه التعاونيات عبر تخصيص مبالغ مما تحصل عليه من المزارع، فالقطاع الزراعي، بحسبه، يرفد خزينة الدولة بمبالغ طائلة من الإيرادات التي تحصل عليها أمانة عمّان من قطاع الإنتاج النباتي (خضار وفواكه)، والرسوم التي تتقاضاها وزارة العمل من العمال الوافدين، فضلًا عن الرسوم الجمركية على مدخلات القطاع.

ويرى العوران أن على الحكومة إعادة النظر في التشريعات والقوانين الناظمة لعملية التسويق الزراعي، وإيجاد حلول حقيقية تحد من الخسائر التي يتكبدها المزارعون، مثل وضع حدٍ أدنى للبيع في السوق المركزي، بحيث يغطي تكلفة الإنتاج، بما فيها سعر عبوات التغليف، واعتماد البيع بحسب الوزن لا أعداد الصناديق. 

أمّا الزيناتي، فيعتقد أن المشكلة سياسية، وأنه لن يتم إصلاح المشاكل أو علاجها إلا عن طريق تنظيم المزارعين أنفسهم في تنظيمات قاعدية، أو من خلال نقابة تمكنهم من العمل معًا على تنظيم العملية الزراعية فيما بينهم، لتحديد كميات الإنتاج وأصنافه. أمّا مازن نايف، نائب مدير المؤسسة سابقًا، فيعتقد أن حل مشكلة التسويق يكمن في إنشاء مؤسسة حكومية تتولى هذا الدور، متأسفًا على إلغاء مؤسسة التسويق الزراعي التي يرى أن وجودها كان من صالح المزارعين والدولة.

هذا التقرير جزء من مشروع «عيون» للصحافة المحلية.

  • الهوامش

    [1] دراسة «دور الشحنات التجريبية في ترويج صادرات الخضار والفواكه»، مؤسسة التسويق الزراعي، 1998.

    [2] إرنست فولف، «صندوق النقد الدولي: قوة عظمى في الساحة العالمية»، ترجمة عدنان عباس علي، 2016، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.

    [3] Harrigan, Jane, Hamed El-Said, and Chengang Wang. 2006. «The IMF And The World Bank In Jordan: A Case Of Over Optimism And Elusive Growth». The Review Of International Organizations: 35-36. بترجمة غير منشورة لمحمد زيدان.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية