كيف فشل الأردن في حماية كبار السن من الجائحة؟

تصميم عبير عنبتاوي.

كيف فشل الأردن في حماية كبار السن من الجائحة؟

الخميس 16 كانون الأول 2021

يعتبر الأردن من الدول القلائل التي لم تعترف بحق جميع مواطنيها بالرعاية الصحية في دستورها حتى الآن. في سياق ثورات الميادين العربية، أجبر الحراك الشعبي في عام 2011 صناع القرار في الأردن على تضمين الاعتراف بحق المسنين والأطفال في الرعاية الصحية في الدستور، دون أن يمتد هذا الاعتراف لجميع أفراد المجتمع. لكن رغم مضي عشر سنوات على انتزاع هذا الحق الدستوري، ما زال معظم المسنين في الأردن يعانون من ضعف رعايتهم الصحية، بسبب وجود الكثير من العوائق التي تحول دون إدماجهم في الأنظمة والخدمات الصحية، كضعف الوصول المادي إلى الخدمات نتيجة الفقر والتكاليف الباهظة، والافتقار إلى التوعية وانخفاض الإلمام بالمعلومات الصحية.

في هذا الوضع، جاءت جائحة كورونا لتضيف معاناة جديدة حادة وواضحة للمسنين فوق معاناتهم السابقة، جراء انتشار الأمراض المزمنة بينهم من جهة وضعف رعايتهم الصحية من جهة أخرى، نظرًا إلى أن الوباء يستقصد المسنين بشكل خاص ويقتل من يصاب منهم بنسب مرتفعة. 

وجهت كثير من دول العالم جهودها لإنقاذ كبار السن من خطر كورونا، وحاولت منع إصابتهم رغم ارتفاع نسبتهم في هذه الدول التي تعاني من الشيخوخة السكانية، وذلك بوضع برامج خاصة لحمايتهم من العدوى من جهة، وتحسين رعايتهم الصحية (خصوصًا التمريضية) في حال الإصابة بالفيروس من جهة أخرى. أما في الأردن، فقد كشفت الجائحة مصيبة المسنين وفشل النظام الصحي في حمايتهم، فمعدل الإصابات بينهم مرتفع ومعدل الوفيات مرتفع أكثر، رغم قلة عدد المسنين في الأردن الذي يعتبر من أكثر الدول شبابًا في العالم، ورغم المساعدات الهائلة التي تلقتها الحكومة لمواجهة جائحة الكورونا لأسباب سياسية.

معدلات الإصابة بكورونا بين المسنين

تبلغ نسبة المسنين (أي من تفوق أعمارهم 65 عامًا) في الأردن حوالي 3.95% (حوالي 403 ألف مسن)، وفق بيانات البنك الدولي لعام 2020، وهي من أخفض النسب عالميًا، حيث تبلغ نسبة المسنين في شريحة الدول متوسطة الدخل (التي تنتمي إليها الأردن) ضعف هذه النسبة (أي 6-8%) بينما ترتفع في الدول مرتفعة الدخل لأكثر من 20%. وبالتالي، فإن رعايتهم صحيًا واجتماعيًا لا تشكل «عبئًا» على الاقتصاد ولا على موارد الدولة المالية، لكن يبدو أن قلة عددهم قد أدت إلى إهمالهم.

بالإضافة إلى هذه الفئة، يبدو أن الشيخوخة تبدأ في سن مبكرة في الأردن (كالكثير من الدول النامية والفقيرة)، حيث يعاني الأردنيون ممن يقتربون من سن الستين من مشاكل صحية وأمراض المزمنة يعاني منها من هم أكبر سنًا في الدول المتقدمة، كما أنهم يتقاعدون في سن مبكرة. لذا، فقد أثرت الجائحة سلبًا على من هم أصغر من الستين عامًا، وإن بشكل أقل.

لمقارنة مدى تأثر كبار السن بالفيروس، علينا أن ننظر إلى نسبة الإصابة بينهم، لا نسبتها من مجموع الإصابات، نظرًا إلى تدني نسبتهم في المجتمع كما ذكرنا. 

من بين 403 ألف شخص أعمارهم فوق 65 عامًا في الأردن، أصيب أكثر من 47 ألف شخص بالفيروس، أي أكثر من 11.7% منهم، وهي أعلى من نسبة الإصابة في معظم الفئات العمرية الأقل سنًا باستثناء من هم بين 55 و64 عامًا. وبشكل خاص، فإن معدل الإصابة بين من هم فوق 75 سنة كان الأعلى بين كل الفئات العمرية، وبلغ 12.7%.

يمكن أن يعود ارتفاع معدل حدوث إصابات كورونا إلى ارتفاع معدل فحوصات الكشف عن الفيروس بينهم، نظرًا إلى أن أعراض كورونا تظهر عليهم أكثر من الفئات العمرية أقل سنًا، لكن ذلك لا ينفي احتمالية أن هذا الارتفاع حقيقي وليس بتأثير ارتفاع اكتشاف الإصابات بينهم. بالحد الأدنى، فإن هذه النسبة بالتأكيد أعلى منها في الكثير من الدول. كما أن الملاحظ في معظم دول العالم هو ارتفاع نسب الإصابات بين من هم في أواسط العمر مقابل انخفاضها بين من هم أكبر سنًا، على عكس ما هو موجود في الأردن.

في المكسيك على سبيل المثال، بلغ معدل الإصابة بكورونا بين كل مليون ممن هم بين 60 و79 عامًا حوالي 6%، وانخفض إلى أقل من 5% بين من هم فوق 80 عامًا. هذه النسب هي أقل من نسب الإصابات بين الفئات العمرية الأصغر التي تراوحت بين 8-9% عند من هم في العشرينيات إلى الأربعينيات من عمرهم. وفي اليابان، بلغ معدل الإصابة بين من هم فوق 70 عامًا أقل من 1%، علمًا بأن هذه الفئة تشكل قرابة 23% من سكان اليابان. في المقابل، بلغ معدل الإصابة 3.5% بين من هم في العشرينيات و1.5% بين من هم في الأربعينيات. وفي كندا، بلغت نسبة الإصابة بين من هم فوق 70 عامًا حوالي 3.2%، مقابل 6.6% بين من هم في العشرينيات، و5.3% بين من هم في الأربعينيات. 

يقودنا هذا للتفكير في سؤال: لماذا ينتشر الفيروس بين كبار السن في الأردن أكثر من غيرهم، بخلاف ما يحدث في معظم العالم؟ 

يجب البدء بالقول إنه المسنين ليسوا سواء، في الصحة أو التعليم أو الدخل. فقلة من منهم يجتازون هذه المرحلة العمرية برفاه مرتفع، وصحة جيدة وقدرة على الوصول للعلاج. فأكثرية المسنين يعيشون عيشة ضنكا، دخلهم منخفض أو منخفض جدًا، ومعظمهم يعاني أمراض مزمنة، وبعضهم عجزة، لا يتلقون العلاج الكافي، ولذلك يموتون مبكرًا في ظل حياة غير كريمة ومليئة بأنواع العذابات المختلفة. لكن الجهات الرسمية لا توفر توزيعًا لفقراء الأردن حسب العمر، لمعرفة نسبة الفقراء بين المسنين بدقة مقارنة بفئات أخرى.

لا شك أن فيروس كورونا يستهدف المسنين، لكنه يستهدف بشكل خاص المسنين الفقراء المرضى، ويصيبهم أكثر لعدم توفر وسائل الوقاية من الفيروس لديهم، فهم يعيشون في مناطق مكتظة، ومساكن مغلقة مع أبنائهم، لا تمكنهم من تطبيق التباعد الاجتماعي، ويصعب عليهم دفع كلف شراء الكمامات أو مواد التعقيم، فضلًا عن صعوبات الذهاب لإجراء فحوصات الكشف عن فيروس كورونا. وقد لوحظ ارتفاع معدل حدوث الإصابات بين الفقراء في مختلف أنحاء العالم، وهذا ما يحدث في الأردن أيضًا. 

إن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لكبار السن هي المحدد الرئيسي في أسباب ارتفاع العدوى لديهم، لذلك قامت حكومات دول العالم بتخصيص جزء كبير من جهودها لتحسين أوضاع المسنين الاجتماعية والاقتصادية لتخفيض انتقال عدوى كورونا بينهم.

عانت الدول الأكثر تعرضًا للجائحة من كثرة إصابات المسنين في بدايات الجائحة في النصف الأول من عام 2020، وكان السبب في ذلك ارتفاع نسبة المسنين بين سكانها، وانتشار دور المسنين المكتظة على نطاق واسع، كما هو الحال في أوروبا. لكنها بدأت تطبيق إجراءات خاصة لحمايتهم عن طريق تقديم خدمات خاصة لكبار السن: سكنية وطبية واقتصادية واجتماعية، مما ساعد في تخفيض معدل إصابات كورونا بين المسنين مقارنة بالفئات العمرية الأصغر سنًا في النصف الثاني من عام 2020 وفي عام 2021.

نسبة المسنين في الأردن قليلة جدًا، ودور المسنين فيه قليلة، فغالبيتهم العظمى يسكنون مع أبنائهم أو أحفادهم ضمن عائلات ممتدة، مع قلة قليلة جدًا سمحت لهم إمكاناتهم بالسكن المستقل، لكنهم على اتصال دائم مع أبناء عائلاتهم وأقاربهم.

معظم المسنين في الأردن متقاعدون أو بلا عمل، ونادرًا ما يخرجون يوميًا من منازلهم، لكن ذلك لا يمنعهم من الاختلاط مع أفراد عائلاتهم المتنقلين بشكل دائم، مما يعني أن العدوى تنتقل إليهم من الأبناء والأحفاد المصابين. وقد أدت قرارات الحظر الكلي والجزئي إلى زيادة احتمالية إصابة كبار السن، بسبب ازدياد طول فترة التقارب الاجتماعي مع أفراد العائلة، ومنهم المصابون أو المخالطون، حيث لم تراعي الحكومة تأثير هذه القرارات على صحة المسنين.

فضلًا عن ذلك، يتردد معظم المسنين على المراكز الصحية لتلقي الفحوصات والعلاج، كون معظمهم يعاني من أمراض مزمنة. وهذه المراكز مكتظة بالمرضى، خصوصًا لدى وزارة الصحة والخدمات الطبية التي تقدم خدمات الرعاية الصحية، خصوصًا للفقراء منهم.

رغم كثرة أوامر الدفاع التي أصدرتها، لم تخصص الحكومة الأردنية أي برنامج معني بدعم المسنين، باستثناء بعض طرود الطعام التي قدمتها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لدعم بعض المسنين الفقراء. فقد اهتمت الحكومة الأردنية بمعظم أوامر الدفاع الخاصة بالجانب الاقتصادي وتحديدًا مساعدة أصحاب العمل الذين تضررت أعمالهم، أما العمال فقد اكتفت بالسماح لهم بسحب مدخراتهم في تأمين التعطل لدى الضمان الاجتماعي أو تقديم ديون لهم على حساب أرصدة التعطل المستقبلية، فيما اقتصر دعم صندوق المعونة الوطنية على دعم الفقراء جدًا (الفقر المدقع)، ولم يشمل الدعم الحكومي أو دعم مؤسسة الضمان أو صندوق المعونة دعم متوسطي ومتدني الدخل على غرار ما فعلته معظم دول العالم.

بالتالي، لم يتلقى المسنون الدعم الذي يحتاجونه، باستثناء الفقراء جدًا منهم، الذين استفادوا من مساعدات صندوق المعونة الوطنية. في المقابل، تشمل فئات المسنين المحتاجين للمساعدة أثناء الجائحة أولئك الذين ليس لديهم رواتب تقاعدية وهم قرابة نصف المسنين، والذين يعتمدون في معيشتهم على مساعدة عائلاتهم التي تأثرت أيضًا بالجائحة، وأولئك الذين لا تتجاوز رواتبهم الحد الأدنى من الأجور والذين قدم الكثير منهم المساعدة لأبنائهم الشباب، الذين وصلت نسبة البطالة بين صفوفهم لأكثر من 50%.

بالتالي، عانى المسنون الفقراء أثناء الجائحة من عبء مزدوج: عبء اقتصادي زائد نتيجة الجائحة والاغلاقات يضاف على العبء الاقتصادي السابق للجائحة، وعبء صحي كبير بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بينهم، يضاف لعبء الأمراض المزمنة، في ظل انشغال وزارة الصحة بالجائحة وتعرقل خدمات المراكز الصحية.

ارتفاع معدل وفيات كورونا بين المسنين

من المعروف أن فيروس الكورونا أشد فتكًا بالمسنين وأصحاب الأمراض المزمنة، لذلك توجهت الجهود الصحية حول العالم بشكل خاص لتقليل إصابات كورونا بين المسنين من جهة، وتحسين الرعاية الصحية لمرضى كورونا ومنع وفاتهم أثناء العلاج من جهة أخرى. 

يمكن القول إن الأردن فشل في المهمتين: فاستمر ارتفاع معدل الإصابات بين كبار السن، كما ارتفعت معدلات الوفاة والإماتة. والمرور على عدد من المؤشرات المتعلقة بنسب الوفاة بين المسنين في الأردن ومقارنتها بدول أخرى كفيل بتوضيح هذا الفشل. 

أولًا، إن معدل الوفاة نسبة لعدد السكان من كبار السن مرتفع جدًا مقارنة بفئات أخرى. إذ يبين الشكل التالي معدلات الوفيات لحالات كورونا بين سكان الأردن حسب الفئات العمرية لكل مئة ألف من السكان، حيث يتبين الارتفاع المذهل لمعدل الوفيات بين كبار السن خاصة من هم فوق 75 عامًا، بسبب ارتفاع معدل الإصابات وسوء معالجة الحالات.

ثانيًا، إن معدل الإماتة بين كبار السن أيضًا مرتفع جدًا، وهو ما يمثل نسبة الوفيات من الإصابات ضمن فئة عمرية، كما يبين الشكل التالي المشتق من بيانات وزارة الصحة معدل الإماتة لحالات كورونا حسب الفئات العمرية، الذي يعكس أن احتمال وفاة المصاب المسن بكورونا مرتفعة جدًا. حيث يموت قرابة ربع المصابين (23.6%) إذا كانت أعمارهم 75 سنة فما فوق، وأكثر من عُشرهم في الفئة العمرية 65-74 سنة. وبشكل عام، فإن احتمالية وفاة المصابين ممن هم فوق 65 سنة تبلغ قرابة 16%، أي ما يقارب واحدًا من كل ستة مصابين.

يتضح ارتفاع هذه النسب عند مقارنتها بدول أخرى، ففي لبنان مثلًا، بلغت نسبة الإماتة بين منهم فوق 70 سنة 13.4%، وفي اليابان 8%، و16% في كندا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن انخفاض نسبة كبار السن في الأردن من المنطقي أن ينعكس على انخفاض نسبة الإماتة لا ارتفاعها مقارنة بدول أخرى، نظرًا إلى أن قلة عدد المسنين يعني أن نسبة أقل من المصابين قد تحتاج إلى دخول المستشفى وإلى رعاية صحية حثيثة، مما يفترض أن يخفف الضغط على القطاع الصحي عمومًا ويسمح له بتقديم رعاية أفضل.

وبينما يبرر المسؤولون ارتفاع وفيات كبار السن بخصوصية استهداف المرض لهم، وكأن وفاة مصاب مسن بكورونا هي القاعدة العامة، فإن المقارنة مع دول أخرى تكشف أن توزيع الوفيات عمريًا في الأردن شاذ عن الحالة العامة، وأن حصة كبار السن من الوفيات مرتفعة كثيرًا عن دول أخرى تضم نسبًا أكبر من كبار السن. ففيما بلغت نسبة من هم فوق 65 سنة 63% من مجمل الوفيات في الأردن، لم تصل هذه النسبة 50% في كل من الفلبين وإندونيسيا وجنوب إفريقيا والمكسيك، وكلها دول فيها نسب أعلى من المسنين بين السكان، تصل أحيانًا إلى ضعف نسبتهم في الأردن. كما أن نسبة المسنين من وفيات كورونا لدينا قريبة من نسبة أوكرانيا على سبيل المثال، رغم أن نسبة المسنين فيها يبلغ أكثر من 4.5 أضعاف نسبتهم في الأردن. هذا الوضع الشاذ يتضح أكثر عند مقارنة نسبة المسنين في كل دولة بنسبتهم من وفيات كورونا، كما في الشكل التالي. يذكر أيضًا أن الدول التي ترتفع فيها نسبة المسنين بين الوفيات يرتفع فيها أيضًا معدل أعمارهم. فبينما يمثل من هم فوق 85 عامًا 9% من وفيات الأردن، فقد شكلوا 45% من وفيات اليونان على سبيل المثال.

كمؤشر آخر، يمكن النظر أيضًا إلى نسبة معدل الوفيات لكل مئة ألف من السكان إلى نسبة كبار السن (فوق 65 سنة) من السكان. فكلما ارتفع هذا المؤشر دل على أن عدد الوفيات في البلد المعني أعلى من الطبيعي، بالنظر إلى عدد سكانه ونسبة المسنين بينهم. ووفق هذا المعيار، فإن الوضع الاستثنائي للأردن يتضح عند معرفة أنه يحتل المرتبة الخامسة عالميًا في هذا الترتيب. الشكل التالي يوضح وضع هذا المؤشر في دول مختارة.

إن هذه النسب تظهر أن ارتفاع نسب الوفيات بين كبار السن في الأردن ليس أمرًا طبيعيًا أو محتومًا، ومن غير المنطقي تفسيره بطبيعة المرض فحسب، أو القول إنه أمر يحدث في كل العالم. ولعل مشاكل القطاع الصحي في مواجهة الجائحة بعامة، من نقص الكوادر والموارد، وتشظي القطاع بين جهات مختلفة، وتهميش الوقاية والتوعية، هي المؤثر الأول في هذا الارتفاع. إلا أن الرعاية التمريضية بشكل خاص لها تأثير أساسي في حماية المسنين المصابين. فإلى جانب تقديم الدعم المادي للبحث العلمي وتطوير اللقاحات والعلاجات، عملت الكثير من دول العالم على دعم الكوادر الطبية، لتحسين العناية الطبية والتمريضية للمرضى المسنين بشكل خاص، مما أدى إلى تخفيض معدلات الإماتة للمسنين.

مسنّو الأردن يستحقون حمايةً أفضل

لا بد من التركيز على حماية المسنين، خاصةً مع دخول الأردن الموجة الثالثة من الجائحة، والتي يمكن أن تكون أشد فتكًا في ظل ظهور الفيروس المتحور الجديد أوميكرون. هذا ممكن بسبب قلة عدد المسنين، مما يعني أن حمايتهم لن تكون مرتفعة التكلفة، وليست عبئًا على الاقتصاد كما يحلو للنيوليبراليين أن يصوروا. وبدلًا من التعامل مع وفاة مصابي كورونا من كبار السن باعتباره قدرًا، يجب أن ندرك أن التضحية بهؤلاء الكبار والاستهتار بحياتهم ستضر بكل المجتمع، وستؤدي سياسة الحكومة الأردنية المستمرة بتجاهلهم إلى تكريس تخلفنا، فحماية المسنين وارتفاع معدل حياتهم مؤشر على مدى صحة المجتمع بشكل عام.

المسنون هم الأقل عملًا والأقل تعليمًا والأقل صحة والأقل قدرة على التحرك والتواصل، وهم الأقل قدرة على الوصول إلى المعلومات. لذا، تعد الاتصالات المنتظمة مع المسنين المعرضين للخطر واحدة من أهم الخطوات للمساعدة في منع العدوى وإنقاذ الأرواح وتقليل النتائج السلبية. لذلك يجب الوصول إلى المسنين من خلال تدابير محددة لدعمهم أثناء تفشي المرض، والحصول على الدعم الاجتماعي والإمدادات الأساسية لكبار السن في الحجر الصحي أو العزلة الذاتية.

لقد انتظرت الحكومة أن تلتزم هذه الفئة بنفسها بالأوامر والتعليمات التي تصدرها الحكومة أثناء الجائحة. لكن بات واضحًا تمامًا أن ذلك غير مجدٍ ولم يؤدي إلى تخفيض معدل الإصابات لديهم، لذا، علينا أن نذهب لهم في منازلهم إذا أردنا تخفيف معاناتهم من الجائحة. 

يشمل ذلك استهداف كبار السن لغايات استكمال تطعيمهم مع منح الأولوية القصوى لهذه الغاية، من خلال فرق تقصي خاصة لتطعيم كل كبار السن في منازلهم؛ وتفعيل التأمين الصحي لكبار السن عن طريق توفير الأطباء والمراكز والبنية التحتية التي تضمن متابعة رعايتهم وعلاجهم، وتمكين الكوادر الصحية من زيارة هؤلاء المسنين في منازلهم بدل ذهابهم إلى المراكز الصحية؛ ودمج الرعاية الاجتماعية مع الرعاية الصحية لهؤلاء المسنين لتأمين كل ضرورات الحياة إلى جانب الخدمات الصحية؛ وتقديم الدعم المالي المباشر النقدي أو العيني للمسنين الفقراء بشكل خاص؛ والتعاون مع الأهل أو الجيران لتقديم المساعدة للمسنين، كما يمكن الاستفادة من المتطوعين لهذه الغاية. 

أخيرًا، فإن وضع اليد بدقة على أسباب ارتفاع وفيات كورونا في الأردن بين المسنين (وبشكل عام) نسبة إلى عدد السكان ما يزال بحاجة لتحليل بيانات أكثر، تتعلق بحالة الإصابات وشدة صعوبتها وتوزيع الوفيات حسب مدة المكوث في المستشفى. إن هذه المؤشرات تدعو للتفكير في مجمل الرعاية الطبية المقدمة لمرضى كورونا في الأردن، من مسنين وغيرهم، وفي مستوى العلاج المقدم لهم، وهو ما يحتاج ذلك دراسة معمقة وعاجلة، لكن الواضح حتى الآن أن كبار السن لا يتلقون العلاج الكافي والملائم. لذا قد يكون من المفيد إنشاء مديرية خاصة لمعالجة كبار السن وتدريب فرق خاصة من الأطباء والكوادر الصحية الأخرى لمعالجتهم، مع دعم فوري وكريم لهذه الفرق بالموارد والكوادر الكفؤة والتدريب المكثف، لعل وعسى أن نقلل من معدل وفيات المصابين بين كبار السن في الموجة القادمة من الجائحة، فضلًا عن حمايتهم من أي أخطار مستقبلية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية