الإعفاءات الطبية والحاجة للتأمين الصحي الشامل

الإثنين 03 نيسان 2023
البشير
قسم الأمراض الباطنية في مستشفى البشير. تصوير مؤمن ملكاوي.

قبل حوالي ثلاثة أشهر بدأ النواب يلاحظون تأجيل الحكومة إصدار الإعفاءات الطبية التي تقدموا بطلبها نيابةً عن بعض المواطنين، فناقشوا الموضوع في اجتماعٍ مع الحكومة، وعليه توصل الطرفان أواخر شباط الماضي إلى اتفاقٍ حول تنظيم عملية إصدار الإعفاءات الطبية، بحيث يكون لكل نائب 10 إعفاءات طبية شهريًا، عدا عن إعفاءات مرضى السرطان التي اشترط مجلس النواب أن تكون مفتوحة في كل وقت، على أن تصدر الإعفاءات بمدة أقصاها يومين من تقديم المعاملة.

حاولت الحكومة من خلال هذا الاتفاق ضبط عدد الإعفاءات الطبية الصادرة للنواب، والتي بلغ عددها خلال الأشهر العشرة الأخيرة حوالي 51 ألف إعفاء. وكان يفترض بالاتفاق أن يطبق منذ مطلع آذار الماضي، لكن لم تصدر للنواب أية إعفاءات خلال أول أسبوعين من الشهر، فطرح النواب الموضوع تحت القبة، ليفاجأوا بقرار الحكومة حصر منح الإعفاءات الطبية بالديوان الملكي وحده، ما أثار جدلًا في المجلس ونقاشات حول القرار دفعت الحكومة للعودة عنه بعد أيام.

مسارات متعددة: منافع وإشكاليات

هناك ثلاثة مسارات يمكن للمواطن من خلالها الحصول على إعفاء طبي لعلاج نفسه أو ذويه، الأول هو خدمة الجمهور في الديوان الملكي، والثاني رئاسة الوزراء بعد تقديم طلبٍ لإدارة التأمين الصحي التابعة لوزارة الصحة، أما الثالث فهو الوصول إلى نائب يتقدم بالطلب نيابة عن المريض. ويشترط في المنتفع من الإعفاء أن يكون أردني الجنسية يحمل رقمًا وطنيا، وغير مؤمّن صحيًا، وغير مقتدرٍ ماليًا على تحمل تكاليف العلاج.

الأصل ألا يضطر المواطن للتوجه إلى أي جهة من أجل الحصول على إعفاءٍ يمكّنه من علاج نفسه أو ذويه، بل أن يكون حصوله على الرعاية الصحية ذات الجودة العالية وميسورة التكاليف حقًا أساسيًا يمكنه الحصول عليه في الوقت المناسب وبشكل مباشر من مقدمي الخدمة الصحية، وهو ما يتطلب توفير تأمين صحي شامل تتكفل الدولة من خلاله بتحمل أعباء تقديم كل الخدمات الطبية؛ التشخيصية والعلاجية، بجودة عالية لكل السكان، مواطنين ومقيمين، وخصوصًا لغير المقتدرين منهم.

لكن واقع الحال ليس كذلك، فنسبة الأردنيين المؤمنين صحيًا؛ بما يشمل التأمين المدني والعسكري والجامعي والخاص، تبلغ حوالي 72%، بحسب آخر تصريحات لوزارة الصحة أواخر العام الماضي. ما يعني أن نسبة كبيرة من المواطنين غير مؤمنين بأي شكل من أشكال التأمين، ما يضطرهم في حال مرضهم للحصول على إعفاءات طبية محددة المدة -بين ستة أشهر إلى سنة- لتلقي العلاج في اختصاص واحد وفي مستشفيات محددة.

وإن كان 43% من الأردنيين مشمولين بالتأمين المدني الذي تتولاه وزارة الصحة، إلا أن بعضهم يلجأ للإعفاءات الطبية أيضًا. فالفئة التي يحق لها بموجب هذا التأمين الاستفادة المباشرة من كافة القطاعات الطبية (الحكومية، والجامعية، والعسكرية، والخاصة) دون دفع أي نسبة من تكاليف العلاج هم الوزراء الحاليون والسابقون، والأعيان والنواب الحاليّون، وموظفو المجموعة الأولى من الفئة العليا.

في المقابل، يتحمل موظفو الدولة والمتقاعدون منهم نسبة 20% من التكاليف عند المراجعة المباشرة لبعض القطاعات. أما الفئات الأخرى من الأسر الفقيرة، ومن هم فوق الستين من أعمارهم أو تحت ست سنوات، وغيرهم، فهم مشمولون في المراكز والمستشفيات الحكومية بشكل أساسي، ويستفيدون أحيانًا من مستشفيات القطاعات العسكرية والجامعية بشرط مراجعة مستشفىً حكوميّ أولًا ثم الحصول على تحويل منه. ويلمس هؤلاء في مراكز وزارة الصحة ومستشفياتها إشكالياتٍ متعلقة بنقص الأسرّة أحيانًا بسبب الأعداد الكبيرة للمرضى والمراجعين، أو نقص الاختصاصات الطبية، فيما هي متوفرة في الخدمات الطبية الملكية والمستشفيات الجامعية، ما يدفعهم أحيانًا للتخلّي عن تأمينهم المدني لصالح الحصول على إعفاءٍ طبي، تلبيةً لشرط عدم الانتفاع بتأمين صحي.

لطالما أشارت الحكومة إلى مسألة ازدواجية التأمين الصحي والإعفاءات، أو التخلي عن التأمين لصالح الإعفاء، باعتبارها إشكالية تفاقم الأعباء المالية المترتبة عليها لتغطية نفقات الإعفاءات. ويرى بعض الأطباء والممرضين العاملين في مستشفيات حكومية وجامعية ممن قابلتهم «حبر» أن المرضى في الأصل يفضلون التأمين الصحي على الإعفاء الطبي لأن الأول يكون أكثر شمولًا وغير محدد بمدة زمنية، وهو ما يتفق معه النائب صالح العرموطي، لكنه يضيف أن النسبة التي يدفعها المواطن المشمول بالتأمين المدني قد تكون دافعًا مشروعًا لطلب الإعفاء: «اللي بتكلّفه عملية قلب 15 ألف، لازم يدفع 20% منهم، وهو راتبُه 300 دينار، شو بده يصير فيه؟»، مضيفًا أن بعض كبار السن ممن هم فوق الستين ينتظرون طويلًا من أجل تشخيص أمراضهم، فيضطرون لطلب الإعفاء لأنه يمنح الحاصل عليه أولوية في التشخيص والعلاج، وهو ما يختلف معه بعض مقدمي الخدمة من أطباء وممرضين، مشيرين إلى أن هذه صورة مغلوطة عن آلية تقديم الخدمات الصحية، قائلين إنهم يتعاملون مع المرضى بناء على الأولوية من حيث الحالة الطارئة، ثم الأسبقية، لا بناءً على الإعفاء أو التأمين وحدهما.

في كل الأحوال، يُفاضِل المرضى السّاعون للحصول على إعفاء طبيّ بين المسارات الثلاثة، حيث إن معظم إعفاءات الديوان الملكي تعطى للعلاج في المستشفيات الحكومية، وتُمنح للعلاج في القطاعات الأخرى في الحالات الطارئة، بحسب النائب أحمد السراحنة، عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية، الذي يرى أن الديوان الملكي هو أسهل وأسرع المسارات للحصول على الإعفاء، لكنه قد لا يلبي احتياجات كل المرضى. من جهة أخرى يتطلب السير في الحصول على إعفاء من رئاسة الوزراء الانتظار لمدة طويلة تستغرق أشهرًا أحيانًا.

هكذا، يصير المسار الثالث عبر النواب أكثر المسارات تفضيلًا لبعض المرضى، إذ يحصلون بعد تقديم أوراقهم وتقاريرهم الطبية للنائب على إعفاء طبيّ في قطاعات مختلفة منها الخدمات الطبية الملكية والمستشفيات الجامعية، وفي وقت قصير نسبيًا هو يومان فقط في معظم الأحيان، أو أسبوعان في أقصاها.

محاولات تنظيم الإعفاءات

أواسط الشهر الماضي، أعلنت الحكومة أن الديوان الملكي هو الجهة التي ستدير الإعفاءات الطبية لفرض رقابة على الجهاز التنفيذي في إغلاق التصدعات التي تتسبب بتغطية طبية لأناس غير مستحقين لها. لم تكن هذه المحاولة الأولى من الحكومات لتنظيم إصدار الإعفاءات الطبية، بل سبقتها محاولات عديدة منذ ما لا يقل عن 15 عامًا تقريبًا، حاولت خلالها الحكومات تحديد أعداد المستفيدين من الإعفاءات، ونوع الخدمات المقدمة لهم، ومدة الإعفاءات، وجهات إصدارها.

ففي عام 2008 حاولت وزارة الصحة حصر الخدمات المقدمة من مركز الحسين للسرطان بالمرضى غير المؤمنين الحاصلين على إعفاءات من الديوان والرئاسة فقط، أما المؤمنون صحيًا فيوزّعون على القطاع الطبية الأخرى. كما ألغيت في العام نفسه الإعفاءات الطبية للأمراض الصعبة لأبناء قطاع غزة، إذ لم تعد وحدة شؤون المرضى في الديوان الملكي تتلقى الطلبات دون رقم وطني.

الأصل ألا يضطر المواطن للتوجه إلى أي جهة من أجل الحصول على إعفاءٍ يمكّنه من علاج نفسه أو ذويه، بل أن يكون حصوله على الرعاية الصحية ذات الجودة العالية وميسورة التكاليف حقًا أساسيًا.

وفي عام 2011 وضعت الحكومة أسس التعامل مع الطلبات المقدمة للديوان الملكي ورئاسة الوزراء لغايات الإعفاء من نفقات المعالجة الطبية، فاشترطت أن على مقدم الطلب أن يكون أردنيًا يحمل رقمًا وطنيًا وغير مقتدر ماليًا على تحمل تكاليف العلاج ولا هو مؤمن صحيًا، ورغم أن الأسس نصّت على أن تضع وزارة الصحة آلية للتدقيق على عدم شمول المرضى بأي نوع من أنواع التأمين الصحي بما يضمن عدم ازدواجية الانتفاع بالتأمين الصحي، إلا أن هذه الآلية لم يُعمل بها حتى الآن بحسب محمد رسول الطراونة، أمين عام مجلس الصحة العالي سابقًا.

وفي عام 2012، افتتح مبنى خدمة الجمهور في الديوان الملكي لتسريع عملية تقديم خدمات الإعفاءات. ويقول الطراونة إن الديوان تولى بعدها ملف الإعفاءات لعدّة أعوامٍ، قبل أن يصير متاحًا للنواب الحصول على إعفاءات طبية من الحكومة، وهو ما يعتبره «نوع من التنفيع» المتبادل بين الحكومة والنواب على حدّ قوله. ومع ارتفاع المبالغ التي تغطيها الحكومة سنويًا لقاء الإعفاءات الطبية حتى وصلت إلى 185 مليونًا، و126 مليونًا في الأعوام 2015 و2016 على التوالي، قررت الحكومة عام 2017 حصر منح الإعفاءات بالديوان الملكي، وشكلت لجنة لتعديل أسس التعامل مع طلبات الإعفاء السابقة. يقول الطراونة، وهو أحد أعضاء هذه اللجنة، إن اللجنة طورت الأسس في عام 2017، لكن الحكومة حينها لم تعمل بالتعديلات المقترحة.

مرة أخرى، في عام 2018، شكلت الحكومة وحدةً في وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية لاستقبال طلبات الإعفاء من النواب لغايات جمعها وتصنيفها وإرسالها إلى دائرة خدمة الجمهور في الديوان الملكي. ثم بعد عام واحد قرّرت مرة أخرى حصر الإعفاءات بالديوان، ما أثار استياء النواب حينها. ليعيد التاريخ نفسه هذا العام بعد اتخاذ القرار نفسه ثم العودة عنه بعد أيام.

يرى عضو لجنة المتابعة في حملة «صحتنا حق»، عصام الخواجا، أن حلّ مسألة الإعفاءات يكون عبر تحسين نوعية الخدمات الطبية المقدمة من قبل وزارة الصحة، معتبرًا أن منح النواب إعفاءات طبية هو «شكل من أشكال الحلول الترقيعية»، وأن الحل لإشكاليات الرعاية الصحية عمومًا في الأردن يكمن بتوفير تأمين صحي شامل لكافة المواطنين. مضيفًا أن مهمة النواب الرئيسية هي الدفع باتجاه قوننة التأمين الصحي الشامل.

أما النائب السراحنة فيرى أن مجلس النواب لا يستطيع فرض التأمين الصحي الشامل على الحكومة، قائلًا إن المجلس دفع في عدة اجتماعات مع الحكومة بهذا الاتجاه، لكن رد الحكومة كان دومًا: «بالوقت الحالي، قيد الدراسة، والتكلفة عالية».

الطراونة من جهته يقول إن حكومات عبد الله النسور، وهاني الملقي، وعمر الرزاز، تحدثت عن التأمين الصحي الشامل باعتباره أحد أولويات حكوماتهم، لكن «جبنا خبراء من منظمة الصحة العالمية للوصول للتغطية الصحية الشاملة حتى نخلص من موضوع الإعفاءات، ومع ذلك لم يتم التطبيق»، لعدم وجود إرادة سياسية قوية بهذا الشأن كما يقول.

يرى النائب العرموطي أن على الحكومة أن تتولى مسؤولياتها الدستورية في إدارة شؤون الدولة ومرافقها، وأنها كما يقول «هي صاحبة الولاية العامة، لا يجوز أن تولي مهامها للديوان الملكي، أما إذا كان في تقصير من الحكومة فالتقصير يعود عليها». معتبرًا في الوقت نفسه أن من حق الحكومة تنظيم عملية إصدار الإعفاءات وفقًا للاتفاق الأخير بمنح 10 إعفاءات شهريًا لكل نائب، وإن كان يعتبر هذا العدد كبيرًا بالنظر إلى عدد نواب المجلس.

أما زميله السراحنة، فيعتبر أن قرار الحكومة تحديدَ عدد الإعفاءات للنواب «مجحف بحق المواطن» لأن النائب يعدّ، كما يقول، وسيطًا للتسهيل على المواطنين، قائلًا: «مش كل مواطن معه 20 أو 30 دينار المواصلات لرئاسة الوزراء (..) مين رح يجي من العقبة وإربد يوخذ إعفاء؟ هاي بحالها تكلفة وعبء مادي عالمواطن».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية