الجسد ليس آلة

الإثنين 20 كانون الأول 2021
رسم من كتاب «الجسم البشري: ما هو وكيف يعمل؟» لميتشل ويلسون. رسم كورنيليوس دي ويت، 1959.

نشر هذا المقال للمرة الأولى بالإنجليزية في مجلة أيون، بتاريخ 11 تشرين الثاني 2021.

جاءت السيدة سميث (40 عامًا) لزيارتي في العيادة، وقد عانت لسنواتٍ من الغثيان والانتفاخ وعدم انتظام البراز. استشارت السيدة طبيبين من أطباء الجهاز الهضمي قبل مراجعتي، لكن أيًا مما أوصيا به لم يُجدِها نفعًا. وجاءت جميع فحوصاتها طبيعية، إلا أن هناك مشكلة ما بلا شك، وهذه المشكلة تزداد سوءًا. أصبح لديها الآن ألم في المفاصل، وباتت تشعر بضبابية الدماغ بين حين وآخر. تستيقظ صباحًا في معظم الأيام مصابة بالصداع النصفي، وتشعر بالإرهاق الشديد عند منتصف الظهيرة. كانت أعراض الجهاز الهضمي وحدها سيئة بما يكفي، قبل أن تتفاقم المشاكل الأخرى وتشتد عليها.

تتوقف عند هذا الحد لتعتذر عن فوضى قصتها، بكل ما فيها من منعطفات وتقلبات. وتتمنى لو لم تكن كذلك. فهي تعلم من التجربة كيف أن الأطباء مثلي سرعان ما يجنحون نحو حدود تخصصهم الفرعي، ويعطون أولوية للمشاكل التي يمكن حصرها في جهاز واحد من أجهزة الجسم. لكن هذا تحديدًا ما دفعها لزيارتي، إذ أوحت لها قراءاتها وبحثها باحتمالية تشخيص جديد للحالة: ماذا عن متلازمة الأمعاء المتسربة؟ حالة تشخيصية قوية لكنها موضع خلاف، وفيها تفقد الأمعاء قدرتها على القيام بوظيفتها كحاجز دفاعي، وتصبح فجأة غير قادرة على حماية الجسم مما يحتويه.

كما أخبرتها الكتب الشائعة المبسطة عن القدرة البديعة للأمعاء الصحية على امتصاص العناصر الغذائية انتقائيًا واستبعاد المواد السامة، بدأت هذه المعرفة في تغيير طريقة تفكيرها حول جهازها الهضمي، من كونه قناة داخلية مستقلة وقائمة بذاتها، إلى اعتباره حلقة وصل ممتدة ومنتشرة في العالم الأوسع. وعلمت أيضًا أن أمعاء بعض الأشخاص تكون أكثر نفاذية من غيرها، ما يجعلها عرضة لتغلغل مجموعة من المواد الضارة التي تتعرض لها. ماذا لو كان السبب وراء كل مشاكلها ضعف خفي في جدران الأمعاء؟ تعي السيدة سميث أن متلازمة الأمعاء المتسربة تعد طرحًا جديدًا، والأساس العلمي الذي تبنى عليه لم يكتمل بعد. لكنها تعلم أيضًا أن المزيد من التشخيصات التقليدية قد أثبتت عدم ملاءمتها لحالتها. في حين تحمل هذه الفكرة الجديدة -على الأقل- في طياتها منطقًا بديهيًا، ربما يفسر لماذا لم يعد يشعر جسمها بأنه محكوم بآليات التنظيم المعتادة.

تعزز تقاليد الرعاية الصحية المعاصرة من تلك الآليات التي تميل عادة لعزل نفسها عن العالم الخارجي. ففي مقر عملي، تحتوي بعض غرف الفحص على نوافذ كبيرة مواجهة للجنوب، وما أحبه فيها أنها تسمح بنفاذ الضوء المتغير، فيساعدني ذلك على متابعة الوقت وحالة الطقس. لكن الغرف نفسها نمطية، مجهزة بطاولات قابلة للتعديل، ومناظير الأذن (الأوتوسكوب) المثبتة على الحائط، وأجهزة الكمبيوتر وأحواض الفولاذ المقاوم للصدأ (ستانلس ستيل). لقد عشت في أربع مدن منذ بداية دراستي للطب، وفي كل مكان أجد تلك التجهيزات الأساسية نفسها. يبث هذا التصميم الموحد حالةً من الجمود في العيادة، وهو ما ينطبع بدوره على تفاعلات جميع مرضاي؛ بغض النظر عن فصول السنة أو أحوالهم، وبصرف النظر عن تعاقب السنين والرؤساء.  

تشكل الإيكولوجيا إطارًا مجازيًا للجسد، وهو إطار ليس أكثر ولا أقل دقةً في ظاهره من تشبيه الجسد بالآلة، فكلاهما يحاول إضفاء شيء من النظام على مجموعة من الملاحظات المادية التي تظل غير عملية من دون نظمها.

يمكن القول إن صفة التجزئة هذه متكررة في الطب الحديث، سواء بين المباني أو الأجساد. هناك اسم آخر لنوعية العلاج الذي أشتغل به، وهو العلاج الطبي الحيوي، والذي يؤكد على التقارب التاريخي بين المستشفى والمختبر، كما يمثل وجهات النظر السائدة اليوم حول كيفية إصابتنا بالمرض. على سبيل المثال، أعزت نظرية جرثومية المرض في القرن التاسع عشر الأمراضَ غير المعدية السابقة، مثل الكوليرا وحمى النفاس (حمى ما بعد الولادة)، إلى مسببات الأمراض المنفصلة التي لديها طرق مختلفة وواضحة للنفاذ إلى الجسم. وبحلول القرن العشرين، لم تتعامل التقنيات التشخيصية الجديدة، مثل تحليل البول والأشعة السينية، مع سوائل وأعضاء الجسم بطريقة ميكانيكية للغاية فحسب، بل مكنت العالم أجمع من قراءتها. وبمرور الوقت، أصبحت أجسامنا نظم مغلقة، يمثل الواحد منها المجموع المنطقي لأجزاء قابلة للقياس، ويسهل تفسيرها تحت ظروف مُتحكم فيها.

على النقيض من ذلك، كان النموذج الأقدم للجسد، الذي استبدله الطب الحيوي، يعتبر الجسد أكثر نفاذية بدرجة كبيرة مع محيطه. وكان المرض ظاهرة تقع عند تلاقي البيئة والبنية الداخلية للجسم. فقد رأى أبقراط على سبيل المثال أن التعرض للرياح الدافئة جعل سكان بعض المدن عرضة للترهل والإصابة بالإسهال وصداع الكحول الشديد. وأعزى علماء أوروبا في القرون الوسطى الأوبئة لسُحُب سامة غير مرئية تدعى ميازما (الهواء الفاسد). وفي كتابها «إيكولوجيات لا مفر منها» (2006)، تطلق المؤرخة ليندا ناش على هذا النموذج الفكري «الجسد الإيكولوجي»، والذي هيمنت صيغ منه على التفكير الطبي منذ العصور القديمة وحتى أواخر القرن التاسع عشر. لكن مع ظهور الطب الحيوي، تغير كل ذلك. ومن خلال سردياته المنتصرة عن التقدم والاكتشاف، روّج الطب منذ القرن العشرين وصاعدًا لرؤية طوباوية للمستقبل، قد تصل يومًا ما لحل نهائي للغز الأمراض البشرية.

رغم ذلك، بدأ العالم خارج العيادة مؤخرًا في النظر إلى صحة الجسم من خلال عدسة ديستوبية. ولا سيما أن الأزمة المناخية المتسارعة قد أعادت التأكيد على قوة البيئة في وعينا المشترك، بالإضافة إلى ارتباطها المباشر بصحة الإنسان. ولا تقتصر عواقب الأزمة المناخية الوشيكة على ارتفاع حالات ضربة الشمس والعدوى الاستوائية فحسب، بل تشمل أيضًا انعدام الأمن الغذائي وندرة المياه والهجرة الجماعية. ووسط التدافع المستقبلي لحالات الجفاف وحرائق الغابات وظواهر القبة الحرارية والأعاصير، يمكنني تخيل مرور الطب السريري بوقت عصيب في محاولة إيواء سردياته الداخلية المنظمة بعيدًا عن تقلبات الظروف الخارجية.

يبدو أن المنطق البيئي بالفعل يزحف من جديد عند حدود الطب الحيوي. وينطبق هذا الأمر على حالة الاستكشافات التي تحدث ضمن النماذج البحثية الجديدة، مثل علم أنظمة الأحياء، وأيضًا على حالة الكيانات المرضية الأكثر نظريةً، مثل متلازمة الأمعاء المتسربة، والتي أحيلت إلى هامش عملية التشخيص. تكشف هذه النماذج إجمالًا كيف يمكن للاضطرابات البيئية أن تعيد تشكيل رؤانا الجمعية عن الصحة والمرض. وبصفتي طبيب أفاوض قلقي الشخصي حيال المناخ، أدهشتني سهولة استبدال الحدس الإيكولوجي بعدم اليقين العلمي. ورغم ذلك، فمن الغريب أيضًا كيف يمكن لتلك الأفكار أن تملأ الفراغات التي تركها الطب الحيوي بوضعه الحالي خلفه.

أقضي نصف وقتي في العمل في إجراء فحوصات المنظار الداخلي ومنظار القولون، وهي اختبارات تستغرق 30 دقيقة، تستخدم أنابيب طويلة ومرنة لفحص الأجزاء العلوية والسفلية من الجهاز الهضمي. ومع تكرار أيام العمل، أمر في فحوصاتي على الامتدادات القصيرة نفسها في منطقة الأحشاء. خضعت السيدة سميث للعديد من هذه الفحوصات منذ ظهرت عليها الأعراض، وتستيقظ كل مرة من التخدير على تقرير مطبوع مليء بصور لغشاء مخاطي ناعم ووردي ولامع. يلعب المنظار الداخلي دورًا مركزيًا في ممارستي للطب، فهو يسمح بالحصول على رؤية واضحة ونظيفة للجهاز الهضمي باعتباره حجرة مغلقة. لكن هناك بالطبع أشكال عديدة لاختلالات وظيفية محتملة لا تظهر على طول البطانة الداخلية للأمعاء. 

من المثير حقًا أن تكون متخصصًا في أمراض الجهاز الهضمي. حيث تصبح مستويات جديدة كليًا من التغيرات الفسيولوجية محل نظر، متنبأةً بتفسيرات جديدة، ليس فقط لأمراض الجهاز الهضمي، بل للمرض في أوضح صوره. خذ على سبيل المثال ميكروبيوم الأمعاء البشرية، والتي تتألف من مليارات البكتيريا الموجودة داخل أمعائنا. أشارت بحوث كثيرة خلال السنوات العديدة الماضية إلى احتمالية ارتباط التحولات النمطية في الميكروبيوم بمجموعة من الشروط، منها مثلًا ما تمت ملاحظته من النفاذ النسبي لشعب معينة من البكتيريا لدى مرضى الفصام، بالمقارنة مع المجموعة المرجعية. كما جرى ربط خصائص ميكروبيوم الأمعاء لدى حديثي الولادة مع خطر الإصابة بالربو في الرابعة من العمر. ويمكن للبراز المأخوذ من الأفراد المصابين بالسمنة أن يحفز على زيادة الوزن عند نقله إلى قولون الفئران الهزيلة.       

في ضوء هذه النتائج الموسعة، تضخم الاهتمام الشعبي بالموضوع، وصادف مرضاي عناوين كثيرة حول أهمية تناول الزبادي يوميًا، أو الضرر الدائم الذي يسببه تناول المضادات الحيوية خلال الطفولة. وصاروا يأتون للسؤال عن فحوصات البراز لقياس مدى سلامة التعايش المعوي لديهم، متلهفين مثل السيدة سميث وساعين لفهم التفسير البيولوجي للأعراض التي يتعذر تفسيرها بطريقة أخرى.

لكن من المبكر للغاية على أي منا امتلاك الثقة لحسم ماهية الميكروبيوم. فرغم تزايد الأبحاث المستفيضة حول الأمر، لكن مستويات أعلى من التعقيد لا زالت تتكشف. إذ تشتمل مجموعات البيانات الدقيقة على جمع عينات من أماكن متعددة من الجسم على مدى نقاط زمنية متعددة. وتجري دراسة الميكروبيوم بصورة متزايدة بجانب الميتابولوم، الذي يعبّر عن النواتج الأيضية الكيميائية التي ينتجها الميكروبيوم، ويوجد داخل خلايا أجسامنا. وبخلاف البكتيريا، هناك كائنات دقيقة أخرى (مثل الفطريات التي تشكل مكيروبات الأمعاء، وكذلك الفيروسات التي تشكل فيروسات الأمعاء) قد تحمل تفاعلاتها هي الأخرى أهمية فسيولوجية. مع كل هذا التعقيد، يبقى من الصعب التمييز بين ما هو مهم وما هو أقل أهمية.

في مجال الرعاية الصحية، يعد اقتراح مساحات من الحرية للتفسير الطبي أمرًا محفوفًا بالمخاطر، خاصة في لحظة سياسية تخضع فيها السلطة العلمية بالفعل لكثير من التدقيق.

بغض النظر عما سنتوصل إليه في نهاية المطاف، يمثل ميكروبيوم المعدة قياسًا بيئيًا مقنعًا، ويشجع على التفسيرات الإيكولوجية المبسطة. أحد المفاهيم الواسعة والشائعة مؤخرًا في الوسط الشعبي هو «اختلال التوازن البكتيري»، والذي يعرف بأنه اختلال التوازن بين ما يسمى البكتيريا «الجيدة» والبكتيريا «السيئة». جرى استنباط هذا المفهوم الغامض من البحوث المخبرية على الميكروبيوم، وأصبح المتهم الشائع في جميع أنواع الشكاوى الجسدية، بدايةً من مرض السكري وحتى التهاب المفاصل. والملاحظ أن الاهتمام بصفات مثل التوازن والتنوع جعل من السهل التفكير في الأمعاء نفسها باعتبارها مشهدًا طبيعيًا، يوازي الغابة المطيرة أو الشعاب المرجانية في التعقيد وعدم الاستقرار. في وضعٍ كهذا، ورغم دقة وتطور علم الميكروبيولوجي، يجري هدمه وحصره في متوازيات مباشرة وقطعية بين الجسد والعالم الأوسع.

كثيرًا ما تستدعي هذه المتوازيات منطق الأجساد الإيكولوجية ما قبل الحداثية. ورغم انتشارها عبر أبحاث رائدة، إلا أن الاهتمام المعاصر بالقدرة المنشطة للمعززات الحيوية يستدعي، بالمعنى الواسع، نظريات قديمة عن سوائل حيوية (مثل الدم والبلغم والصفراء) افترضت هي الأخرى أن المرض ينشأ عن أوجه نقص وإفراط داخلية. وهناك حساسية إيكولوجية مشابهة تكمن وراء فكرة متلازمة الأمعاء المتسربة، تلك المشكلة التي تشتبه فيها السيدة سميث، وكذلك الحال مع «اختلال التوازن البكتيري»، فهو نموذج لمرض يجمع بين مقياس مخبري هو نفاذية الأمعاء، وافتراضات نظرية حول معناه الطبي.

خلال النصف الأول من القرن العشرين، اعتبر الباحثون نفاذية الأمعاء خاصية كهربية للأنسجة المَعِدية المعوية، وأفضل صورة لقياسها الجهد الكهربائي. كان التوصل لنتائج ووجهات نظر حول نقل الجسيمات المشحونة، المسماة أيونات، أمرًا بالغ الصعوبة، وقد تم من خلال تكرار غمر أجزاء صغيرة من أمعاء القطط في مياه مالحة، ما جعل من الواضح أن عملية الهضم أكثر تعقيدًا من فكرة الغربلة. في وقتٍ لاحق، سلطت المجاهر متزايدة القوة الضوء على الآلات الجزيئية المعقدة والمنتظمة على طول السطح الامتصاصي للأمعاء. أدى الانتباه لهذا التشريح المجهري إلى التركيز بشكل خاص على الموصلات المحكمة والروابط الديناميكية التي تصل كل خلية معوية بالأخرى. إذ تعمل هذه المركبات متعددة البروتين بوصفها قنوات تنظم المرور عبر الحدود المعوية، بحيث يلعب «ضيقها» النسبي دورًا في تنظيم تدفق العناصر الغذائية والمواد السامة وعناصر أخرى من القناة الهضمية إلى بقية أنحاء الجسم. ويُعتقد أن التدفق الهائل لمحتويات الأمعاء أمر ضار. كما تذهب النظرية إلى أن عملية التسرب يتبعها حدوث التهاب، الأمر الذي يعجّل بتضرر الأنسجة الداخلية.

ترتبط بعض الحالات، مثل الداء البطني (أو ما يعرف بمرض حساسية القمح)، بضعف في الحاجز المعوي بطريقة يمكن قياسها مباشرة. فقد أظهرت النتائج على المصابين بالداء البطني أن تناول الغلوتين يحفز إطلاق بروتين يدعى زونولين، وهو مُصنّع داخل الجسم ويترك الموصلات المحكمة مفتوحة. واستنادًا إلى هذه النتائج، رجحت بعض البيانات الضعيفة وجود صلات بين زيادة نفاذية الأمعاء والحالات التي عادة ما تظهر على نطاق أوسع من الأمعاء، مثل مرض السكري والتصلب المتعدد. في خضم الحديث المتزايد عن هذه الصلات، ورغم القصور الواضح فيها، صرنا نشهد صعودًا لنظريات أكبر، مثل المفهوم النظري للأمعاء المتسربة.

على عكس الميكروبيوم، تدور متلازمة الأمعاء المتسربة خارج حدود الممارسة التقليدية للطب الحيوي تمامًا. فالدراسات المنشورة حول نفاذية الأمعاء قليلة، والأدوات التشخيصية التي تقيّمها طبيًا لم تُعتمَد بشكل كامل. والممارسون الذين يودون فحص مسألة تسرب الأمعاء يطلبون أحيانًا اختبار اللاكتولوز-مانيتول، وهو فحص غير غازي لنفاذية الأمعاء يقدّر مدى جاهزية الأمعاء لامتصاص قطعتي سكر بناءً على مستوياتها في إفراز البول. إلا أن القيم الطبيعية في هذا الاختبار ليست معرفة بشكلٍ جيد، ويمكن أن تختلف البروتوكولات بصورة ملحوظة من مختبر إلى آخر. كما يمكن لمتغيرات فسيولوجية مختلفة أن تؤثر على نتيجة الاختبار، بدءًا من سرعة المرور عبر الأمعاء الصغيرة، وحتى الحجم الكلي للبول الناتج خلال مدة الاختبار.

لكن على غرار الميكروبيوم، يدعونا المبدأ الذي تقوم عليه متلازمة الأمعاء المتسربة للتفكير في الجسد بطريقة إيكولوجية أكثر منها ميكانيكية. فالتصورات الشائعة عن تسرب الأمعاء تستدعي النفاذية الرائعة للأجسام كما جرى تصورها قبل الطب الحيوي، وتستدعي صحتها المتوقفة على جودة التربة المحيطة بها أو الحظ السيء عند المرور على مساحات ذات هواء فاسد. والحواجز التي وضعت لتحديد الجسم المجزأ والدفاع عنه في القرن العشرين تبدأ اليوم في الانهيار مجددًا. ضمن هذه النماذج الجديدة من المرض، يمكن لجميع أنواع الأعراض أن تمثل تذكيرًا نابعًا من الغريزة بالضعف المتأصل فينا أمام هذا العالم غير المستقر.

غالبًا ما يُجري المرضى المترددون على عيادتي فحوصاتٍ أخرى تطوّق تقاليد الطب الحيوي. خذ على سبيل المثال السيد جونز، وهو شاب في العشرين من عمره، يعاني ألمًا غير مفسر في البطن منذ كان في المدرسة الابتدائية. وقد ساءت حالته بشكل ملحوظ بعد إصابة في ارتجاج الدماغ أثناء لعبه كرة القدم، واقترن ذلك فجأة مع إحساس بالدوار والإجهاد. وقادته رحلة طويلة من زيارات الأطباء لإجراء العديد من الاختبارات التشخيصية التي لم تسفر بدورها عن أي شيء تقريبًا.

باستخدام طريقة الاستبعاد، انحصرت احتمالات تشخيصه بين طائفة من التشخيصات ذات الأسماء المختصرة التي تمت صياغتها في الآونة الأخيرة، وهي: متلازمة تسارع معدل ضربات القلب الانتصابي (POTS)، والتي تتسم بخلل في وظائف الأعصاب المستقلة يؤدي إلى الدوار وخفقان القلب؛ أو متلازمة فرط حركة المفاصل (JHS)، وتتسم برخاوة الأنسجة الضامة التي تتسبب في الشعور بالألم وخلع المفاصل؛ أو متلازمة تنشيط الخلايا الصارية (MCAS)، وتتسم باضطراب في نوع معين من خلايا الدم البيضاء، ما يؤدي إلى حدوث نوبات مشابهة لتفاعلات الحساسية الشديدة. وجميعها تشخيصات إشكالية، نظرًا لعدم توافر وسائل قاطعة لإثباتها. علاوة على ذلك، يمكن للأعراض الظاهرة أن تختلف كثيرًا في نوعيتها وخطورتها، كما تبقى خيارات العلاج محدودة.

تنتمي هذه المجموعة من الاضطرابات إلى طائفة «الأمراض المتنازع عليها»، وهي تدعى كذلك لأن حقائقها الطبية موضع خلاف متكرر. وينتهي الحال بمرضى مثل السيد جونز وهم مؤيدون لتلك التشخيصات، في حين يقف الأطباء في صف المنتقدين الدائمين. والحق يُقال إن مجال الطب ليس وحدة متراصة، إذ إن هناك الكثير من الأخصائيين الذين يعمدون في عملهم إلى التعاطف مع مجتمعات الأمراض المهمشة، ويضفون مصداقية على الفرضيات التشخيصية والعلاجية التي يميل التيار السائد للطب إلى تجاهلها. وبالطبع فإن التيار السائد للطب بدوره يعتبر هؤلاء الأخصائيين حالات استثنائية تغرد خارج السرب، تمامًا مثل مرضاهم المصابون بتلك الأمراض المزمنة.

إن النموذج المجزأ للطب الحيوي تشوبه أوجه قصور، فطبيعته الاختزالية واضحة لكثير من المرضى المصابين بأمراض متنازع عليها، حيث تجاهل التيار الرئيسي في الطب معاناتهم وظلوا يحترقون من داخلهم بلا هوادة.

في قلب هذا المنطق، يستقر إيمان تقليدي راسخ بالنموذج الميكانيكي للجسد، والذي تطيح به الأمراض المتنازع عليها. إذ يمكن للأعراض التي يتم وصفها والإبلاغ عنها بصورة شخصية، مثل الألم والخدر، أن تنتقل عبر الجسد بطرق غير معتادة. كما يمكن للأعراض البنيوية، مثل الإجهاد والأرق، أن تسري في الجسد وفق جداول زمنية لا يمكن التنبؤ بها. وتميل السرديات المصاحبة للأمراض المتنازع عليها إلى الاستهانة بالفكر الاختزالي لصالح التعقيد، بدرجة أكبر بكثير من نظيراتها المعترف بها من جانب الطب الحيوي.

قد يكون هذا التعقيد أصيلًا في هذه الأمراض، أو ربما هو التصور الناجم عن فشل الطب الحيوي في تحليلها. وقد يكون كلا الاحتمالين صائبًا، ويعززان بعضهما البعض. وفي كلتا الحالتين، يدفع ذلك مجتمعات الأمراض المتنازع عليها للانشغال بالسياق البيئي للجسد، سعيًا وراء خيوط ودلائل ربما تفسر معاناة المريض التي تبقى غامضة دونها. وهي غالبًا ما تهتدي إلى النماذج الإيكولوجية للصحة والمرض، والتي تتبنى التعقيد بدل محاولة التخلص منه.

لننظر مثلًا إلى الحساسية الكيميائية المتعددة (MCS)، وهي متلازمة دُفع بها لتفسير أعراض مزمنة مثل الإجهاد والغثيان وآلام المفاصل، من خلال ارتباطها بالتعرض لمواد مثل المنظفات المنزلية والعطور والسجائر. لا يُعتقَد أن الجاني في هذه الحالات هي المواد الكيميائية فحسب، بل أيضًا الغازات المنبعثة منها، والتي تبقى بشكل عام عند مستويات تركيز أقل بكثير من الكمية التي تعتبر سامةً بالنسبة للشخص العادي. وفي حين وجدت الإشارات لهذه الحالة طريقها للأبحاث المنشورة الخاضعة لمراجعة الأقران، إلا أن المجتمع العلمي ما يزال في حالة جدل حول ما إذا كانت هذه الآلية مناعية أم نفسية. وغني عن القول إن هذا الجدل يخاطر بإيذاء المرضى، الذين تجبرهم حساسيتهم وأعراضهم على تغيير بيئتهم تغييرًا جذريًا من أجل حماية أنفسهم حتى من الكميات المجهرية من المحفزات الضارة.

تختلف أعراض ومحفزات الحساسية الكيميائية المتعددة من شخصٍ لآخر، كما يمكن أن تتغير لدى الشخص نفسه بمرور الوقت. وفي حين تخاطر هذه الطبيعة المتحولة للمرض بنزع الشرعية عنه في نظر الطب الحيوي، إلا أنها تتفق مع التصورات ما قبل الحداثية للمرض، بوصفه تفاعلًا ديناميكيًا بين الجسد ومحيطه. تشير المؤرخة ميشيل ميرفي في كتابها «متلازمة البناء المرضي ومشكلة عدم اليقين» (2006)، إلى أن مرضى الحساسية الكيميائية المتعددة يميلون لتأويل الأعراض التي لديهم، ليس بوصفها مؤشرات على حالة مرضية داخلية، بل بوصفها إشارة إلى حالة مرضية بيئية. فالإصابة بصداع مفاجئ عند دخول مبنى غير مألوف يدل بشكل عام على وجود مشكلة ما في المبنى أكثر منها مشكلة في الدماغ المصاب بالصداع.

ورغم أننا نجد صدى للمنطق الطبي ما قبل الحداثي في متلازمة الحساسية الكيميائية المتعددة، إلا أن تركيزها على التعرض للمواد الكيميائية يعكس بصفة خاصة توجهًا ما بعد حداثي. كما تستند متلازمة فرط الحساسية الكهرومغناطيسية إلى رؤية مماثلة، وهي حالة يُعزى فيها الاضطراب البنيوي إلى وجود الشخص بالقرب من أجهزة الكمبيوتر والهواتف وغيرها من أدوات الحياة الرقمية. إلا أن المواد السامة التي نخشاها غالبًا ما نكون، نحن الجنس البشري، مسؤولون عنها. وبالتالي، كما هو الحال مع اضطرابات الميكروبيوم وظاهرة الأمعاء المتسربة المفترضة، يختلط المنطق البيئي لهذه الأمراض المتنازع عليها مع شعور بالذنب لدى الشخص المحافظ على البيئة حول حالة العالم الطبيعي. وترى الغرائز الإيكولوجية المعاصرة أن تلاعبنا المصطنع بالمشهد الأوسع ليس في وسعه إلا أن يرتد مرةً أخرى على أجسامنا الضعيفة.

إن كان في الأمر عزاء، فالملاحظ أن التفسيرات المعترف بها من جانب الطب الحيوي للمرض المتنازع عليه أحيانًا ما ينتهي الحال بالمتاجرة بها لنفس الدوافع البيئية. فعندما نجد صعوبة في تفسير المنشأ المحتمل للأعراض المعقدة، من كسل الأمعاء إلى كوفيد-19 المستمر، يسارع الأطباء مثلي إلى الالتفات نحو الصندوق الأسود للمناعة الذاتية. وبذلك يتحول عبء التفسير نحو الآلات الجزيئية المعقدة لجهازنا المناعي، والذي لم يكتمل بعد فهمنا له، بيد أنه موضعي ويمكن إثباته من وجهة نظر الكيمياء الحيوية. في كتابها «أجسام مرنة» (1995)، تصف الأنثروبولوجية إيميلي مارتن كيف أن ظهور علم المناعة بوصفه مجالًا طبيًا عمل على إبراز ثم تعقيد الحدود التي تفصلنا عما يحيط بنا. وأصبح تعريف الذات بمصطلحات مناعية مشروعًا ممتدًا مدى الحياة، ويعتمد على سلسلة من الإشارات الخارجية، بدءًا من لقاحات مرحلة الطفولة وحتى النوبات المتقطعة للتسمم الغذائي. ونتيجة لذلك أيضًا، يدفعنا علم المناعة الحديث للتفكير في الجسد بوصفه نظامًا معقدًا، محكومًا بحلقات متقنة من ردود الفعل التي تستوعب أنماط حياتنا وعلاقاتنا وموائلنا، وتسري عبر ذواتنا الفردية.

في زيارتي الأخيرة لمنزل والدَيّ في ضاحية هادئة في ولاية نيو جيرسي، عاد والدي ذات مساء والكدمات تغطي وجهه وجسمه وأطرافه. أخبرنا أنه تعرض للسعة نحلة أثناء إلقائه القمامة خارج المنزل. لكن ردّ فعل شديد الحساسية كهذا لم يحدث له من قبل، رغم تعرضه لمئات اللسعات على مدار حياته سابقًا. تساءلت ما الذي تغير، هل هي سلالة النحل، أم ردة فعل جسمه، أم ربما شيئًا أعمق في كيمياء التقائهما الخاطف والمميز.

تشكل الإيكولوجيا إطارًا مجازيًا للجسد، وهو إطار ليس أكثر ولا أقل دقةً في ظاهره من تشبيه الجسد بالآلة. فكلاهما يحاول إضفاء شيء من النظام على مجموعة من الملاحظات المادية التي تظل غير عملية من دون نظمها. لكن معالجة مسألة الصحة بمصطلحات مجازية تحمل في طياتها بعض المخاطر التفسيرية. ففي كتابها «المرض بوصفه مجازًا» (1978)، تقدم الناقدة سوزان سونتاج عرضًا واضحًا للعبء الرمزي الذي نحمله عبر الزمن جرّاء أمراض مثل السل والسرطان والإيدز، قبل أن تنصح بأن نتخلص من هذا العبء أينما أمكن ذلك. وتدّعي سونتاج أنه مجاز يسطّح تجربة المرض الفعلية، كما يصرفنا عن المهمة الضرورية المتمثلة في الوصول إلى التشخيص والعلاج السليمين.

لا شك أن هذا الخطر قائم بين نماذج المرض الإيكولوجية، والتي لديها أسلوب يحيد بنا نحو تصور رومانسي ساذج لحياة برية غير ملوثة، سواء داخل أو خارج الجسد. كما أن استدعاء البيئة والاحتجاج بها يميل إلى الطعن في محاسن الحضارة بالجملة، ويفترض أن أكثر المشاهد صحةً هي تلك الأقل تدخلًا من جانب الإنسان. وجدت نفسي أتساءل، لربما لسعة النحلة الأخيرة لوالدي لم تكن سيئة للغاية لو كان لا يتناول بعض أقراص الدواء يوميًا للكوليسترول والسكري؟ هل كان بوسعه تجنب تناول هذه الأدوية من الأساس لو كان قد تغذى على خضروات عضوية وتجنب الطعام المعالج في سنوات عمره المبكرة؟ يعكس نموذج الجسد الإيكولوجي السائد في القرن الـ21 موقفنا تجاه بيئة كنا نراها بشكل لا إرادي هشة ومستنفدة ومعتلة.

يجب القول مع ذلك إن النموذج المجزأ للطب الحيوي يشوبه هو الآخر أوجه قصور. فطبيعته الاختزالية واضحة لكثير من المرضى المصابين بأمراض متنازع عليها، حيث تجاهل التيار الرئيسي في الطب معاناتهم، وظلوا يحترقون من داخلهم بلا هوادة. وحتى بين المرضى ممن لديهم تشخيصات طبية تقليدية، يظل هناك نقد معتبر للنهج المجزأ الذي نتبناه حاليًا في الرعاية الصحية، من حيث إمكانية إغفاله للصورة الأكبر. بعبارة أخرى، فإن التركيز على الأجزاء وإهمال الصورة الكلية، يجعل من السهل تجاهل المخاوف السياقية، وهي أساسية في حقيقة الأمر لسلامة ورفاه كثير من المرضى، بما في ذلك الاستقرار الاقتصادي، أو العضوية المجتمعية، أو المسافة بين بيت الشخص وأقرب مدخنة صناعية.

من ناحية أخرى، فإن معاملة الأجساد باعتبارها أنظمة مغلقة تجعل الأطراف المعنية بالطب الحيوي تراعي حسابات أخلاقية مبسطة أكثر مما ينبغي. إذ تحمل الرعاية الصحية معها آثارًا جانبية غير مناسبة قد تسهم إسهامًا كبيرًا في العديد من الأمراض التي يفترض أن تتعامل هي معها في نهاية المطاف. في مذكراتها حول مرض السرطان تحت عنوان «الخلود» (2019)، تصف الكاتبة آن بوير مقاومة أدوية العلاج الكيميائي السامة داخل المياه، وتأسى على أن رغبتها في النجاة لا بد وأن تصطدم مع التداعيات الإيكولوجية لوسائل هذه النجاة. يمكن لهذا الرأي أن يمتد ليشمل أي وسيط صناعي في مجال الصحة -مثل المواد المطهرة والجسيمات البلاستيكية- التي تمر عبر المستشفيات قبل أن يستقر بها الحال في المحيطات أو السُحُب أو مدافن القمامة. فمن خلال ممارسة عملهم في الفراغ، يُسمح للأطباء بتحقيق رسالتهم الداخلية بينما يهملون الأضرار الجانبية التي قد يتسبب فيها عملهم.

من خلال سردياته المنتصرة عن التقدم والاكتشاف، روّج الطب منذ القرن العشرين وصاعدًا لرؤية طوباوية للمستقبل، قد تصل يومًا ما لحل نهائي للغز الأمراض البشرية.

لدي ظن بأن الوعي المختمر بالكارثة البيئية ساعد على تحفيز الإحياء المعاصر لنماذج المرض الإيكولوجية. حيث تشير الإسقاطات المناخية الصارخة على نحو متزايد إلى أن كثير من الافتراضات الأساسية الناظمة للمجتمع المعاصر ستصبح متأهبة للخضوع للمراجعة والإصلاح. وتأتي من بينها الافتراضات العقلانية للطب الحيوي، التي ستكون جاهزة للتحدي وسط عالم يُنظَر إليه أكثر فأكثر على أنه غير عقلاني. فالمادة السامة القوية والمفاجئة لنحلة واحدة عند صناديق القمامة، تدعونا للتأمل في الضغوطات المحددة التي يواجهها النحل عامة، الذي شهد انقراضًا وسط انتشار استخدام مبيدات الآفات وفقد موائله، الأمر الذي ينذر بضربة على المدى القريب للزراعة العالمية. وبينما يواصل الوعي بالفوضى الإيكولوجية انتشاره في خلفية حياتنا، سيكون الكثير منا مستعدين للعودة إلى موقف أسلافنا فيما قبل العصر الصناعي، الذين اعتبروا الطبيعة قوية ولا يمكن التنبؤ بها، إن لم تكن عدوًا صريحًا.

بدأت أزمة المناخ بالفعل في تغيير طريقة تفكيري تجاه قيمة عملي في مجال الطب. حيث تبدو إمكانات النصر فيه مقيدة ليس فقط بإخفاقه في تفسير الحالات الفردية للأمراض المنهكة، بل أيضًا عن طريق الإحساس بعدم الجدوى في مواجهة أكثر التحديات أساسية. لكلا هذين السببين، أشعر بالحماسة تجاه الانتشار الأخير للمجازات البيئية عن المرض. ولا شك أن أهمية نماذج المرض الجديدة هذه تفوق بكثير مجرد الرمزية التي تؤطرها، وسوف تزيد الدراسات المستقبلية من ثقلها التجريبي. حتى ذلك الحين، وعلى العكس من الحكمة السائدة لسونتاج، أتساءل لو أمكننا التعامل مع المجاز بوصفه أداة أكثر من كونه دعامة.

في مقالته «الصحة بديلًا عن البيئة» (1990)، يشير الطبيب إدوارد بيرغر إلى أن تهديد المرض المحفز بيئيًا تم استخدامه طويلًا باعتباره دافعًا للحماية الإيكولوجية، بصورة مناسبة إن لم تكن خالية من التحيز تمامًا. إذ نجد المخاوف من الإصابة بالسرطان، على سبيل المثل، وقد غذّت جهود تنظيم انبعاثات السيارات والمنظفات الكيميائية واستخدام مركب المبيد الحشري «دي دي تي» (DDT). وعلى نفس المنوال، ربما نستطيع تعزيز الرمزية الصاعدة لمفاهيم المسامية والتسرب في الوعي الصحي الشعبي، في محاولة لتصحيح نموذجنا السابق المعتاد الذي يتسم بتدخل طبي منعزل وفردي وكثيف الموارد. فمع الاهتمام بكافة أوجه المعاناة التي يعجز النموذج المجزأ عن التعامل معها، ربما يمكننا الاحتفال بمفهوم الجسد الإيكولوجي من أجل تجديد فهمنا للصحة باعتبارها شاغلًا جماعيًا.

ربما نجد القراء من معسكر الطب التقليدي يشيحون بوجوههم الآن، هذا لو افترضنا أنهم واصلوا قراءة المقال حتى هذا الحد. وهو أمر معقول. ففي مجال الرعاية الصحية، يعد اقتراح مساحات من الحرية للتفسير الطبي أمرًا محفوفًا بالمخاطر، خاصة في لحظة سياسية تخضع فيها السلطة العلمية بالفعل لكثير من التدقيق. لكنني مؤخرًا أصبحت أجد نفسي مرغمًا على ذلك بصورة متزايدة من قِبَل المرضى الذين لديهم أعراض لا يمكنني تفسيرها تمامًا. ويبدو حدسهم منطقيًا بالنسبة لي مؤخرًا، في روحه على الأقل إن لم يكن دائمًا في مضمونه، ورغم أنه كثيرًا ما يتعارض مع معظم ما تعلمته منذ دراستي في كلية الطب. فالأجسام المحطمة ستدور حتمًا ضمن مدار عالم محطم. كما أنني منزعج كثيرًا من الشعور بأن علم الأمراض الشامل يحتل موقعًا بعيدًا تمامًا عن متناول عيادتي. 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية