الحمى القلاعية

أسرع وأشدّ: سلالة جديدة من الحمّى القلاعية في الأردن

منظر عام لمزرعة كمال وكفاح عمايرة في الضليل. تصوير مؤمن ملكاوي.

أسرع وأشدّ: سلالة جديدة من الحمّى القلاعية في الأردن

الإثنين 13 شباط 2023

منذ أكثر من عشرة أيام ينام الأخوان كمال وكفاح عمايرة وأولاد الأخير الأربعة في مزرعة الأبقار التي يمتلكونها في منطقة الظليل التابعة لمحافظة الزرقاء، من أجل العمل -على مدار اليوم تقريبًا- في اتخاذ إجراءات تخفيفيّة لـ1500 بقرة أغلبها مصابٌ بسلالة جديدة من فيروس الحمّى القلاعيّة، قبل أن ينفق المزيد منها أو يتفاقم مرضه ولا يعود إلى إنتاج الحليب مرة أخرى.

بدت على الجميع آثار الإرهاق من العمل المتواصل في حقن الأبقار بخافضات الحرارة، وإعطائها مضادات حيوية للالتهابات المرافقة للإصابة بالفيروس، واستخدام وصفات وطرق شعبيّة للتخفيف من آثار المرض الذي لا علاج له، ولم تنفع معه مطاعيم الحمّى القلاعية السابقة؛ إذ إن السلالة الجديدة دخلت الأردن حديثًا، وتفشّت في مزارع تربية أبقار مخصصّة لإنتاج الحليب في منطقة الظليل.

تعدّ مزرعة العمايرة واحدة من عدة مزارع في الظليل وتضمّ نحو 32 ألف رأس من الأبقار من أصل 78 ألفًا في المملكة، تليها محافظة المفرق بقرابة 15 ألف رأس، ثم إربد بقرابة 13 ألف رأس.[1] وهي كذلك واحدة من 116 مزرعة أصيبت أبقارها بالسلالة الجديدة من الحمّى القلاعية من أصل 395 مزرعة في المملكة حتّى بداية شباط، وفق تصريحات مساعد أمين عام وزارة الزراعة للثروة الحيوانية علي أبو نقطة.

عن السلالة الجديدة

يصيب فيروس الحمّى القلاعيّة الحيوانات ذات الظلف مثل: الأبقار والأغنام، والماعز. وقد سجلت من هذه الحمّى سبع سلالات رئيسية في العالم هي: O, A, C, SAT1, SAT2, SAT3, Asia1، بالإضافة إلى المتحورات الفرعية من هذه السلالات التي تظهر بين حينٍ وآخر، وفقًا للمنظمة العالمية لصحّة الحيوان.

يصيب الفيروس ثلاثة أعضاء في البقرة هي: الفم، والأرجل، والضرع. مسببًا تقرّحات على لسان البقرة يمنعها من الأكل، كما ترتفع درجة حرارة جسدها حتى ينهكها فلا تعود قادرة على الوقوف، إضافة إلى التهابات بكتيرية تسبب تقرحات في منطقة الضرع.

محليًا، انتشرت خلال سنوات سابقة سلالتان رئيسيتان في الأردن هما: A وO، بالإضافة إلى متحورات عن السلالة O، لكن دون آثار تذكر على الأبقار؛ إذ تُعطى الأبقار المطعوم المخصص لهاتين السلالتين، فتكون الإصابات محدودة أو ذات أثر خفيف بالغالب، بحسب الدكتور مصطفى عبابنة، أخصائي علم الفيروسات في كلية الطب البيطري في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية.

بين تشرين الأول وكانون الأول من العام الماضي، وزّعت وزارة الزراعة أربعة ملايين جرعة من مطعوم الحمّى القلاعيّة الذي ينشط ضدّ السلالات السائدة في الأردن، وشمل المطعوم الأبقار والأغنام والماعز. لكن، مع بداية هذا العام، لاحظ بعض مربي الأبقار في منطقة الظليل سرعة انتشار العدوى في القطيع هذه المرة، وشدّة الأعراض رغم التطعيم.

يقول طارق هارون، مالك مزرعة أبقار مجاورة لمزرعة عمايرة، وفيها نحو 1000 رأس، إن نسبة الإصابة في المرات السابقة لم تكن تتجاوز 2%، وكانت آثار المرض تتركز حينها في اللسان أو الضرع أو الحافر، وكانت البقرة تحتاج إلى أسبوعين أو ثلاثة لتشفى. أما هذه المرة، فقد ضربت الحمّى الأماكن الثلاثة معًا، وكانت شدتها أكبر، وانتشرت العدوى سريعًا.

رعاية الأبقار المصابة في مزرعة كفاح وكمال عمايرة.

يتذكّر هارون بداية انتشار المرض في مزرعته، ففي اليوم الأوّل أصيبت سبع بقرات، ثم ثلاثة في اليوم الثاني، ثم 20 في الثالث، وهكذا صار العدد يتضاعف كل يوم حتى وصل في اليوم الحادي عشر إلى 900 بقرة. يصف أحد المزارعين انتشار المرض في المزارع بالـ«جائحة»، فيردّ عليه هارون: «وأكثر، هاي فاجعة، والخسارة بازدياد».

رسميًا، لاحظت فرق التقصي الوبائي في وزارة الزراعة منذ بداية العام الأعراض الجديدة على الأبقار في الظليل، فبعثت عيّنات من الأبقار المصابة إلى مختبر كليّة الطب البيطري في جامعة العلوم والتكنولوجيا، فتوصّل الأخير بدوره إلى وجود سلالة جديدة تدخل الأردن لأوّل مرة، هي سلالة Sat 2 إفريقيّة المنشأ، بحسب أماني خضير، مديرة مديرية البيطرة في وزارة الزراعة. ويقول عبابنة الذي أشرف على فحص العيّنات إنّ شدّة الأعراض تعود إلى عدم فعالية المطاعيم السابقة مع السلالة الجديدة.

خسائر أولية وأخرى طويلة الأمد

بحسب الطبيب البيطري حسين العمري فإن آثار الحمّى القلاعية تقتصر على البقر ولا تنتقل إلى الإنسان من الأبقار أو حليبها. مضيفًا أن امتناع الأبقار عن الأكل نتيجة التقرحات في الفم، إضافة إلى الإنهاك وارتفاع الحرارة، يخفّض إدرارها للحليب. وأن إصابة الغدد الحليبية بالالتهابات والتسلخات يسبّب تلف الضرع أو أجزاء منه. وهكذا يخسر المزارع موسم الحليب الذي يمتد إلى 10 أشهر، فيما يكون شفاء الضرع في الموسم التالي مسألة احتمال.

عادة ما تنتج البقرة الواحدة بالمتوسط بين 25 إلى 27 كغم من الحليب في اليوم الواحد، ويباع الكيلو الواحد بنصف دينار. وقد انخفض إنتاج الحليب بنسب متفاوتة، وصلت في بعض المزارع إلى 30-40% من حجم الإنتاج المعتاد. مزرعة عمايرة مثلًا كانت تنتج نحو تسعة أطنان من الحليب يوميًا، انخفض هذا إلى قرابة أربعة أطنان، وانخفضت بالتالي قيمة مبيعاته اليومية من الحليب بحوالي 2500 دينار.

لا يتوقع أبو نقطة، مساعد أمين عام وزارة الزراعة، ارتفاعًا في أسعار الحليب في الأيّام المقبلة، كما لا يتوقع نقص الكميات في الأسواق، لأن ربع إنتاج الأردن من الحليب سنويًا، والبالغ 488 ألف طن، تنتجه الأغنام، كما أن إنتاج الحليب من الأبقار يزداد شتاءً فيما ينخفض استهلاكه مقارنة بالصيف.

وكان أبو نقطة في حديثِ له على التلفزيون الأردني قال إن انخفاض إنتاج الحليب في إحدى المزارع التي أصيبت فيها كل الأبقار لا يزيد عن 20-25%. لكن شهادات المزارعين ومصنّعي الألبان تخالف ذلك، ومنهم يوسف حطيني، صاحب مصنع ألبان في الظليل، يقول إن إنتاجه اليومي من اللبن واللبنة والجبنة والشنينة انخفض من 12-16 طن إلى 7-8 أطنان يوميًا.

ويقدّر ليث الحاج، رئيس ائتلاف جمعية مربي الأبقار، في حديث لـ«حبر»، حجم خسائر القطاع من مبيعات الحليب خلال الأيام الأولى من الحمى بـ25 مليون دينار. وقد نفقتْ في الظليل وحدها أكثر من ألف بقرة حتى 12 شباط، بحسب أرقام الجمعية.

ليس لدى وزارة الزراعة تقديرات واضحة لحجم الخسارة الإجمالية في القطاع بعد، وما زالت غرفة العمليات فيها تعمل على إحصاء الأضرار، لكنها تكفلت بتعويض المزارعين عبر قروض بدون فائدة، فيما اتخذت إجراءات احترازية منها إغلاق أسواق الماشية في الأردن، ومنع دخول أو خروج الأبقار من الظليل، ووقف استيراد العلف من العراق احترازيًا لاحتمالية أن تكون السلالة الجديدة قد وصلت من هناك.

لا يقتصر الأمر على خسائر الحليب، ثمة خسائر أخرى منها أثمان الأدوية التي تعطى للأبقار للتخفيف من آثار المرض على أمل بقائها حيّة أو الحفاظ على ضرعها من التلف، فتتحول الأبقار بذلك إلى أبقار لإنتاج اللحم تباع للجزّارين بمتوسط سعر قدره 500 دينار للبقرة الواحدة، فيما يبلغ ثمنها كبقرة مخصصة لإنتاج الحليب قرابة 2500 دينار.

أبقار مريضة في مزرعة كفاح وكمال عمايرة، بتاريخ 10 شباط.

يتوافر في العالم مطعوم لهذه السلالة من الحمّى، ويتساءل مزارعون في الظليل عن دور الوزارة في تأمينه منذ البداية. وكان أبو نقطة قال -لقناة المملكة- قبل أيامٍ إن الوزارة لم تكن معنيّة قبل دخول السلالة الجديدة إلى الأردن بإحضار المطعوم الفعال معها: «مش معنيين ندخله طالما العترة [السلالة] مش عنّا»، مضيفًا أن الوزارة تعمل الآن على تأمينه. يُذكر أن مزارعين من الموقّر، قابلتهم حبر، اشتروا المطاعيم الفعالة على نفقتهم الشخصية من بعض دول الخليج قبل أن يصل الفيروس إلى أبقارهم، ويقول بعضهم إنهم تجنّبوا بذلك خسائر بالملايين.

لم تجب وزارة الزراعة على أسئلة حبر حول مدى انتشار هذه السلالة وبُؤرها في الأردن، لكن ثمة شهادات من مزارعين في إربد أفادوا بأن بعض أبقارهم نفقتْ كما انخفض إنتاج الحليب، وإن كان ليس من المؤكّد فيما إذا كانت هذه الإصابات بالسلالة الجديدة أم سلالة قديمة. ويبدو أن الفيروس وصل إلى بعض المزارع في المفرق والخالدية، بحسب حديث سابق لرئيس لجنة الزراعة والمياه والبادية النيابية النائب محمد العلاقمة.

أما بخصوص الأغنام، التي يبلغ عددها أكثر من 3.5 مليون رأس في المملكة، فلم تنتشر الحمّى فيها بعد، وإن كان ثمة تخوف من وصول الفيروس إليها، ولا يوجد حتى الآن تفسيرات واضحة لعدم انتشاره بينها. يقول الدكتور عبابنة إن الأمر حاليًا قيد الدراسة، وأن السلالة O كانت في السابق ذات تأثير على الأغنام والماعز، وتسببت بنفوق حملان صغيرة، لكن التقارير الحالية تفيد بأن الإصابات بين الأغنام محدودة جدًا.

رعاية الأبقار باستخدام خافضات الحرارة والمضادات الحيوية والوصفات الشعبية في مزرعة كفاح وكمال عمايرة.

فيما يحثّ كفاح وكمال عمايرة وأولاده الخطى بين الحظائر مستخدمين حقن خافضات الحرارة وبعض المضادات الحيوية، يتفاجأ أحدهم من نفوق بقرة بين فترة وأخرى، فينقلها سائق جرّافة صغيرة خلف المزرعة، فيما يتابعون تفقد بقيّة الأبقار، حريصين على عدم وقوع إحداها على الأرض، فالبقرة التي تقع لن تقوم مجددًا. وهم يستخدمون بعض الوسائل الشعبية مثل وضع الطحينية والدبس في فمها لتخفيف التقرحات وحثّها على الأكل، أو رفعها بالجرافة كي لا تظل على الأرض. وهي وسائل قديمة استخدمها فلاحو الشمال منذ عرفوا هذه الحمّى قبل عشرات السنين وأعطوها أسماء مثل «لُسّين» لأنها تصيب اللسان، و«كُسّير» لأنها توقع الأبقار على الأرض كأنها مكسّرة الأرجل، وهي إذا وقعت لا تقوم ثانية.

  • الهوامش

    [1] وفقًا لآخر مسح للثروة الحيوانية أجرته دائرة الإحصاءات العامة في تشرين ثاني من العام 2021، الأردن بالأرقام 2021، ص 25 و26 و27 و30.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية