السكري

أزمة في الخلية: لماذا وكيف نصاب بالسكري؟

تصميم محمد شحادة.

أزمة في الخلية: لماذا وكيف نصاب بالسكري؟

الأربعاء 06 نيسان 2022

هذا التقرير جزء من ملف خاص أنتجته حبر حول السكري. للاطلاع على الملف اضغط/ي هنا.

على مدى العقود القليلة الماضية، ازداد انتشار مرض السكري زيادةً مطردة حول العالم. وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن حوالي 422 مليون شخص في العالم يعانون من المرض، ويعيش معظمهم في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. كما أن السكري هو السبب المباشر لوفاة 1.5 مليون شخص سنويًا. وقد كان معدل الانتشار يتزايد بسرعة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مقارنة بالبلدان ذات الدخل المرتفع.

ونظرًا لهذا الانتشار الواسع في بلداننا والعالم، ستحاول هذه المادة الإجابة على أسئلة أساسية تساهم في فهمٍ أفضل لمرض السكري وأنواعه وتشخيصه وإمكانيات السيطرة عليه أو علاجه.

لكن، قبل الشروع في الأسئلة وإجاباتها، لا بد في البداية من فهم طريقة عمل هرمون الأنسولين ذي الدور المحوري في مرض السكري. يفرز البنكرياس¹ الأنسولين من أجل تنظيم استخدام سكر الجلوكوز الذي يعدّ مصدر الطاقة الرئيسي لخلايا العضلات والأنسجة الأخرى في الجسم، حيث يؤدي وجود السكر في مجرى الدم إلى تحفيز البنكرياس على إفراز الأنسولين، الذي يدور بدوره في مجرى الدم ليمكّن السكر من الدخول إلى الخلايا. بكلمات أخرى، يعمل الأنسولين كمفتاح لجدار الخلية يسمح للجلوكوز بالدخول إليها. وعندما تنخفض كمية السكر في مجرى الدم نتيجة دخوله إلى الخلايا، يقلل البنكرياس من كمية الأنسولين التي يفرزها، ما يحافظ في المحصلة على مستويات طبيعية من السكر في الدم.

ما هو مرض السكري وما أنواعه؟

مرض السكري هو مرض استقلابي² مزمن، ترتفع فيه مستويات سكر الجلوكوز في الدم، نتيجة عدم استخدام الجسم للأنسولين كما ينبغي. وتتطور تدريجيًا المضاعفات طويلة الأمد للمرض، ما يمكن أن يؤدي بعد مرور الوقت إلى تلفٍ خطير في القلب والأوعية الدموية والعينين والكلى والأعصاب. علمًا أن هذه الأعراض تزداد كلما قلّ التحكم في نسبة السكر في الدم.

ويأتي الجلوكوز من مصدرين رئيسين هما الغذاء والكبد. بخصوص الغذاء فإن الجسم عندما يحصل على الكربوهيدرات يحولها إلى سكر الجلوكوز ويرسله إلى مجرى الدم، ثم ينقله الأنسولين إلى الخلايا حيث تستخدمه للحصول على الطاقة. أما الكبد فإنه يخزّن الجلوكوز ليعيد إنتاجه لاحقًا عندما تنخفض مستوياته في الدم، إذ يكسّر الكبدُ الجليكوجين المخزن فيه؛ وهو بوليمر متعدد الوحدات يعمل كمخزن للطاقة، ويشكل الجلوكوز وحدة البناء الأساسية فيه، فيتحول الجليكوجين إلى جلوكوز ما يحافظ على مستوى السكر ضمن النطاق الطبيعي.

في مرض السكري من النوع الثاني يتراكم السكر في مجرى الدم وترتفع مستوياته، فتفرز خلايا بيتا -المسؤولة عن تصنيع الأنسولين في البنكرياس- مزيدًا من الأنسولين، لكن في النهاية تتعطّل هذه الخلايا وتصير غير قادرة على إنتاج متطلبات الجسم من الأنسولين.

أما في السكري من النوع الأول، فيهاجم الجهاز المناعي عن طريق الخطأ خلايا بيتا في البنكرياس ويدمرها، تاركًا للجسم قليلًا من الأنسولين أو لا شيء منه. وقد تستمر هذه العملية لأشهر أو سنوات قبل ظهور أية أعراض على المريض.

وتتمثل الأعراض العامة لمرض السكري بالعطش والجوع المفرط، وكثرة التبول، والنعاس أو التعب، وجفاف الجلد والحكة، والرؤية الضبابية، وبطءٍ في تشافي الجروح.

لمرض السكري أنواع عدة، تشترك جميعها في ارتفاع نسبة الجلوكوز في الدم، وتختلف في أسباب المرض. سيتناول هذا التقرير مقدّمات السكري والسكري من النوع من الأول وسكري الحمل، لكنه سيركّز على السكري من النوع الثاني لأنه الأكثر شيوعًا مقارنة بالأنواع الأخرى.

ما قبل السُّكري أو مقدمات السكري

عندما تكون مستويات السكر في الدم أعلى مما ينبغي، ولكنها ليست مرتفعة بما يكفي ليتم تشخيص المريض بداء السكري، فهذا يعني أن المريض دخل مرحلة ما قبل السكري أو مقدّمات السكري، وتسمّى أحيانًا بالسكري الكامن.

يمكن أن تجعل مقدمات السكري الشخص أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والسكري من النوع الثاني. ويمكن في هذه المرحلة لبعض التغييرات الحياتية، مثل تخفيض الوزن وممارسة الرياضة، أن تعيد مستويات السكر في الدم إلى معدلاتها الطبيعية، ما قد يمنع أو يؤخر بشكل فعال الإصابة بالسكري من النوع الثاني.

السكري من النوع الأول

عُرف السكري من النوع الأول سابقًا باسم داء السكري الشبابي أو سكري الأطفال، كما يسمّى بالسكري المعتمد على الأنسولين. وهو حالة مزمنة من أمراض المناعة الذاتية، لا يُنتج فيها البنكرياس الأنسولين أو ينتج قليلًا منه فقط، حيث تهاجم الأجسام المضادة في الجهاز المناعي عن طريق الخطأ الخلايا المصنّعة للأنسولين في البنكرياس، خلايا بيتا، وتدمرّها ما يحدث ضررًا دائمًا في البنكرياس. يمكن أن يحدث هذا النوع بسبب مشاكل في خلايا بيتا نفسها، كما يمكن أن يحدث لأسباب تتعلق بالجينات.

تزداد احتمالية الإصابة بالنوع الأول في حال وجود تاريخ عائلي من الإصابة بالمرض، أو إصابة البنكرياس بعدوى أو ورمٍ أو تعرّضه لحادثٍ ما. كما تزداد احتمالية الإصابة عند وجود الأجسام المضادة الذاتية؛ وهي أجسام مضادة تهاجم عن طريق الخطأ أنسجة أو أعضاء الجسم، أو عند الإجهاد البدني نتيجة مرضٍ أو جراحةٍ، أو عند الإصابة بالأمراض التي تسببها الفيروسات. لكن إحدى الدراسات تقترح وجهة نظر بديلة تكون فيها خلايا بيتا هي المساهم الرئيسي في المرض، إذ بحكم طبيعتها ووظيفتها، تكون هذه الخلايا عرضة للإجهاد الحيوي، مع تمتّعها بتدابير محدودة للدفاع عن النفس، فيثير إجهادها هجومًا مناعيًا له آثار سلبية كبيرة على مصدر هرمون الأنسولين.

يصاحب السكري من النوع الأول مشكلات صحية عديدة، منها اعتلال الشبكية السكري، واعتلال الأعصاب السكري، واعتلال الكلية السكري. وتزيد لدى المصابين بهذا النوع مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية.

وغالبًا ما يتطور هذا النوع بسرعة كبيرة مسببًا أعراضًا منها فقدان الوزن، أو الحماض الكيتوني السكري³ وهو من المضاعفات التي تصاحبها أعراض أخرى مثل العطش الشديد، وكثرة التبوّل، والغثيان والقيء، وضيق النفس، والتشوّش، بالإضافة إلى رائحة مميزة للنفَس تشبه رائحة الفاكهة. ويمكن تشخيصه من خلال ارتفاع مستوى السكر في الدم وارتفاع مستوى أحماض الدم (الكيتونات) في البول.

يحتاج المرضى المصابون بهذا النوع إلى إجراء فحوصات متكررة لمستويات السكر في الدم، وتخطيطٍ دقيقٍ للوجبات والتمارين اليومية، وتناول الأنسولين والأدوية الأخرى بانتظام حسب الحاجة.

السكري من النوع الثاني

كما قيل أعلاه، داء السكري من النوع الثاني هو الأكثر شيوعًا بين الأنواع الأخرى، حيث إن 90-95% من مرضى السكري في العالم مصابون بهذا النوع. وكان يسمى بالسكري غير المعتمد على الأنسولين أو سكري البالغين؛ وهو يحدث عندما يصبح الجسم مقاومًا للأنسولين أو لا ينتج كمية كافية منه. يُذكر أن انتشار هذا النوع ارتفع بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية في مختلف البلدان من جميع مستويات الدخل، وصار أكثر شيوعًا بين الأطفال والمراهقين، ويرجع ذلك -إلى حدّ كبير- إلى زيادة الوزن أو انتشار السمنة بين الشباب.

يبدأ السكري من النوع الثاني عند مقاومة الجسم للأنسولين فلا يستطيع استخدامه بكفاءة،  وهو ما يحفز البنكرياس على إنتاج مزيدٍ من الأنسولين حتى يصير غير قادر على مواكبة الطلب، لينخفض إنتاج الأنسولين ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم.

وغالبًا ما يكون النوع الثاني أكثر اعتدالًا من النوع الأول، لكنه مع ذلك يمكن أن يتسبب بمضاعفات صحية خطيرة، خصوصًا في الأوعية الدموية الدقيقة في الكلى والأعصاب والعينين، كما أنه يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية.

وبشكل عام، يتطلّب علاج هذا النوع الحفاظَ على وزنٍ صحي وتناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة، فيما يحتاج بعض الناس إلى تناول الأدوية أيضًا.

سكري الحمل

يسبب الحمل عادة شكلًا من أشكال مقاومة الأنسولين⁴، إذ تجعل الهرمونات التي تفرزها المشيمة أثناء الحمل خلايا الجسم أكثر مقاومة للأنسولين، دون أن يستطيع البنكرياس إنتاج ما يكفي منه للتغلب على هذه المقاومة، ليبقى -في النهاية- الكثير من الجلوكوز في مجرى الدم. إذا تحولت هذه المقاومة إلى داء السكري فإنه يسمى سكري الحمل.

يبلّغ الأطباء عن سكري الحمل في 2-10% من حالات الحمل في الولايات المتحدة. وعادةً ما يختفي سكري الحمل بعد الولادة، لكن حوالي 50% من النساء المصابات بسكري الحمل يصبن بعد أسابيع أو حتى سنوات بالسكري من النوع الثاني. وتزيد احتمالية الإصابة بسكري الحمل بوجود تاريخ عائلي من السكري الكامن أو السكري من النوع الثاني، بالإضافة إلى زيادة الوزن قبل الحمل، وزيادة العمر عن 25 عامًا.

لا يكون سكري الحمل عادةً مصحوبًا بأعراض، وغالبًا ما يكتشفه الأطباء في منتصف الحمل أو أواخره، حيث يشخّصه أطباء النسائية بين الأسبوعين الـ24 والـ28 من الحمل. وتتمتع معظم النساء المصابات بسكري الحمل بحمل طبيعي بدون مضاعفات، ويلدن أطفالا أصحاء.

لكن بعض الأمهات قد يواجهن صعوبات بسبب الإصابة بسكري الحمل، وهو يعتبر أكثر خطورة على الطفل من الأم، نظرًا لأن سكر الدم لدى الأمهات ينتقل عبر المشيمة إلى الجنين، فقد يعاني الطفل من زيادة غير عادية في الوزن قبل الولادة، أو صعوبة في التنفس عند الولادة، أو زيادة في خطر الإصابة بالسمنة ومرض السكري في وقت لاحق من حياته، كما يحتمل أن يسبب له ضررًا في القلب أو الكلى أو الأعصاب أو العينين. أما الأم فقد تحتاج إلى عملية قيصرية عند الولادة بسبب ضخامة طفلها، ويمكن أن تصاب بتسمم الحمل المتمثل في ارتفاع ضغط الدم، وزيادة البروتين في البول، وتورم القدمين. كما يزيد سكري الحمل من خطر الإصابة به مجددًا في الأحمال اللاحقة.

لعلاج سكري الحمل يلجأ الأطباء عادةً إلى التخطيط الدقيق للوجبات للتأكد من حصول الأم على ما يكفي من العناصر الغذائية دون الكثير من الدهون أو السعرات الحرارية، إلى جانب التمارين اليومية والسيطرة على زيادة الوزن. وإذا لزم الأمر تُعطى الأنسولين للتحكم في مستويات السكر في الدم.

الأنواع الأقل شيوعًا من السكري

ثمة أنواع من السكري أقل شيوعًا، منها على سبيل المثال «متلازمات السكري أحادية الجين»، وهي أشكال وراثية نادرة من مرض السكري تمثل ما يصل إلى 4% من جميع حالات السكري في العالم، ومن أشكالها السكري عند الأطفال حديثي الولادة، والسكري في مرحلة النضج عند الشباب.

ومن الأنواع النادرة أيضًا «السكري المرتبط بالتليّف الكيسي»، حيث يصيب بشكل خاص مرضى التليف الكيسي؛ وهو مرضٌ يسبّبه اضطرابٌ وراثي يؤدي إلى تلفٍ شديدٍ في الرئتين والجهاز الهضمي والأعضاء الأخرى في الجسم. وثمة حالات من «السكري الناجم عن المواد الكيميائية» تحدث بعد زرع الأعضاء، أو بعد علاج فيروس نقص المناعة البشرية، أو ترتبط باستخدام علاجات من الهرمونات السكرية⁵. أخيرًا، هناك  حالة نادرة تسمى «السكري الكاذب»، تنتج فيها الكليتين كميةً كبيرة من البول دون الإصابة بالسكري.

ما هي أسباب الإصابة بالسكري من النوع الثاني وما مآلات المرض؟

ينتج البنكرياس الأنسولين الذي يساعد على تحويل الجلوكوز إلى طاقة، وعند المصابين بالسكري من النوع الثاني يستمر البنكرياس في إنتاج الأنسولين لكن خلايا الجسم لا تستخدمه كما ينبغي، فينتج البنكرياس مزيدًا من الأنسولين محاولًا إدخال الجلوكوز إلى الخلايا، لكنه يعجز لاحقًا عن مواكبة الطلبة فيتراكم الجلوكوز في مجرى الدم.

ويحدث السكري من النوع الثاني بشكل أساسي نتيجة مشكلتين مترابطتين، الأولى أن خلايا العضلات والخلايا الدهنية والكبد تصبح مقاومة للأنسولين، لذا فهي لا تأخذ ما يكفيها من السكر. أما المشكلة الثانية فهي أن البنكرياس لا ينتج ما يكفي من الأنسولين للتحكم في مستويات السكر في الدم.

أما أسباب الإصابة بالسكري من النوع الثاني فهي غير معروفة بشكل محدد، لكن زيادة الوزن وانخفاض النشاط يعتبران من العوامل الرئيسية المساهمة، حيث يمكن أن تتسبب زيادة الوزن أو السمنة بمقاومة الأنسولين، خصوصًا السمنة حول منطقة وسط الجسم. كما يُعتقد أن الجينات ربّما تؤثر على طريقة إنتاج الجسم للأنسولين.

ويرتبط هذا النوع من السكري بمتلازمة الأيض، إذ غالبًا ما يعاني الأشخاص المصابون بمقاومة الأنسولين من مجموعة حالات أخرى مثل ارتفاع نسبة السكر في الدم، والدهون الزائدة حول الخصر، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة الكوليسترول والدهون الثلاثية⁶.

وللسكري مضاعفات على المدى البعيد، خصوصًا عندما لا يتمّ التحكم بمستويات السكر في الدم، فتزداد بسببه احتمالية الإصابة بأمراض القلب أو السكتة الدماغية، ويكون المرضى معرضون لخطر الإصابة بانسداد الأوعية الدموية (تصلب الشرايين) وآلام الصدر (الذبحة الصدرية)، كما يؤثّر على الكلى التي إن تعرضت للتلف أو الفشل الكلوي فقد تحتاج إلى غسيل أو استبدال.

إضافة إلى ذلك، يؤثر السكري على العينين، إذ يمكن أن يؤدي ارتفاع السكر في الدم إلى تلف الأوعية الدموية الدقيقة في مؤخرة العين (اعتلال الشبكية)، وهو ما قد يؤدي إلى العمى إن لم يُعالج. وللسكري تأثير على الأعصاب، ويمكن أن يؤدي إلى مشاكل في الهضم والإحساس بالقدمين والاستجابة الجنسية. كما يتسبب في بطء التئام الجروح، ويزيد احتمالية الإصابة بالالتهابات. وقد يصاب المرضى بانقطاع التنفس أثناء النوم، ومن المرجح أن تحدث لهم مشاكل في السمع.

ويمكن أن يؤدي ارتفاع السكر في الدم إلى تلف الدماغ، ويزيد من خطر الإصابة بالزهايمر. كما أن المصابين بالسكري عرضة للإصابة بالاكتئاب مرتين أكثر من غير المصابين. وتكون النساء الحوامل المصابات بالسكري أكثر عرضة للإجهاض أو ولادة جنين ميت أو طفل مصاب بعيب خلقي.

لكن، صحيحٌ أنه من المحتمل حدوث هذه المآلات عند الإصابة بالسكري، إلا أن هناك عوامل خطورة تساهم في زيادة احتمالية الإصابة بالمرض، وزيادة احتمالية مآلاته طويلة الأمد، ويمكن السيطرة على كثير من هذه العوامل أو تجنبها. 

عوامل خطورة الإصابة بالسكري

ثمة عوامل خطورة تزيد من احتمالية الإصابة بالسكري من النوع الثاني، مثل تجاوز الشخص سنّ 45 عامًا، ووجود تاريخ عائلي للإصابة بالمرض كإصابة أحد الوالدين أو الأخوة بالمرض.

وهناك عوامل متعلقة بالتاريخ الطبي للشخص، منها مقدّمات السكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم (حتى لو كان تحت السيطرة)، وانخفاض البروتين الدهني عالي الكثافة (HDL)، وارتفاع نسبة الدهون الثلاثية، وزيادة الوزن أو السمنة، والإصابة بسكري الحمل، ومتلازمة تكيس المبايض، والاكتئاب.

إضافة إلى ذلك هناك عوامل خطورة مرتبطة بنمط الحياة غير الصحي، مثل قلة ممارسة التمارين الرياضية، أو عدم ممارستها على الإطلاق، والتدخين، والضغط العصبي، وقلة النوم أو كثرته. ويمكن باتباع نمط حياة صحي تقليل مخاطر الإصابة بالسكري.

وتعتبر السمنة من أهم العوامل التي تزيد من خطورة الإصابة بالمرض وتفاقمه بشكل أسرع. فالمصابون بالسمنة أكثر عرضة للإصابة بالنوع الثاني من السكري بحوالي ستة أضعاف مقارنة بمن يتمتعون بوزن صحي، ولكن هذا لا يعني أن كل من يعاني من السمنة سيصاب تلقائيًا بالسكري. ويمكن لفقدان 5-10% على الأقل من إجمالي وزن الجسم أن يؤدي إلى تحسين السيطرة على السكري ونتائجه بشكل كبير. 

يُذكر أن الحاجة إلى فقدان الوزن من أجل السيطرة على السكري لا يقتصر على من يعانون زيادة مفرطة في الوزن، بل يشمل أحيانًا بعض المرضى ممن لا يعانون من سمنة واضحة، ويكون مؤشر كتلة الجسم لديهم ضمن النطاق الطبيعي، لكنهم يعانون من زيادة في الدهون الحشوية، أي الدهون التي تحيط بالأعضاء الداخلية في منطقة البطن. علمًا أن الوزن المثالي لمرضى السكري لا يعتمد فقط على حساب مؤشر كتلة الجسم الذي يأخذ الوزن والطول بعين الاعتبار، بل لا بدّ من النظر إلى محيط الخصر الذي يقدّم مؤشرًا أكثر دقة على كمية دهون الجسم التي يجب خسارتها.

وفي دراسة أولية صغيرة فحصَتْ ما إذا كان فقدان الوزن قد يعكس السكري من النوع الثاني، أي أن تعود مستويات السكر في الدم إلى طبيعتها، حتى عند أولئك الذين يقع وزنهم ضمن نطاق مؤشر كتلة الجسم المعتدل، وجدت أن هؤلاء المرضى يميلون إلى البدء في تناول أدوية السكري في مرحلة مبكرة، مع أن فقدان ما نسبته 10-15% من أوزانهم يخلق لديهم فرصة جيدة جدًا لضبط المرض والسيطرة على مستويات السكر في الدم.

أما بخصوص العامل الوراثي، فليس للسكري من النوع الثاني نمط وراثي واضح، رغم أن العديد من المرضى يكون لديهم على الأقل فرد واحد من أسَرهم مصابٌ بالمرض، أحد الوالدين أو الأشقاء مثلًا. وإن كان من المرجح الإصابة بالسكري في حال إصابة أحد أفراد الأسرة، لكن لن يصاب به كل من لديه تاريخ عائلي، علمًا أن خطر الإصابة بالنوع الثاني من السكري يزداد مع زيادة عدد أفراد الأسرة المصابين. وبالإضافة إلى العوامل الوراثية المشتركة، يمكن أن يرتبط الخطر المتزايد للإصابة بتأثيرات نمط الحياة التي يتقاسمها أفراد الأسرة، مثل عادات الأكل وممارسة الرياضة، لذا في حالة وجود تاريخ عائلي للإصابة بالسكري فإنه يصعب تحديد العوامل المسببة له، فقد يكون بسبب الجينات أو عوامل نمط الحياة المشتركة، ومن المرجح أن يكون كلاهما السبب.

بيئيًا، ثمة تحديات ومحددات بيئية محتملة يمكن لمعالجتها أن تساهم في الحد من عبء النوع الثاني من السكري، حيث تظهر البيانات أن زيادة المساحات الخضراء وإمكانية السير فيها ترتبط بانخفاض مخاطر الإصابة بالسكري، بينما يرتبط ارتفاع مخاطر الإصابة بارتفاع مستويات غاز ثنائي أكسيد النيتروجين والضوضاء والتلوث الدقائقي أو تلوث الهواء بالجسيمات التي يزيد قطرها عن 2.5  ميكرومتر.

لكن البيانات المتوفرة حول هذه المؤثرات محدودة، لذا لا يمكن استنتاج العلاقة السببية التي تربطها بالسكري. كما أن هناك ندرة في الأدبيات المتعلقة بالعلاقة بين السكري والخصائص البيئية الأخرى كالبيئة الغذائية وحركة المرور وموارد النشاط البدني. ويظل من المهم فهم الآليات التي تؤثر من خلالها البيئة على الإصابة بالسكري حيث يمكن لذلك أن يوجّه السياسات العامة من أجل تعزيز الصحة وخلق مساحة لتغيير سلوكي مستدام يساعد في الحد من انتشار المرض.

كيف يتم تشخيص السكري من النوع الثاني؟

عند تشخيص السكري من النوع الثاني يجري البحث عن علامات المرض من خلال فحص مستويات الجلوكوز في الدم، وغالبًا ما يُجرى الفحص على مدار يومين لتأكيد التشخيص.

ويتم التشخيص عادةً باستخدام اختبار الهيموجلوبين السكري أو اختبار خضاب الدم السكري (A1c)، وهو ما يعرف بالفحص التراكمي. يكشف هذا الاختبار عن متوسط نسبة الجلوكوز في الدم على مدار شهرين أو ثلاثة أشهر ماضية.

وتُستخدم أحيانًا اختبارات أخرى إذا لم يكن الفحص التراكمي (A1c) متاحًا، منها اختبار سكر الدم العشوائي حيث يُجرى الفحص بغض النظر عن آخر مرة تم تناول الطعام فيها، ويتم التعبير عن قيم السكر في الدم بالملليجرام من السكر لكل ديسيلتر، أو المللي مول من السكر لكل لتر من الدم. ويشير مستوى 200 ملجم/ ديسيلتر (11.1 مللي مول/ لتر) أو أعلى إلى الإصابة بمرض السكري، خاصةً بوجود علامات أو أعراض أخرى مثل كثرة التبول والعطش الشديد.

وهناك فحص آخر هو اختبار سكر الدم الصيامي، تُؤخذ فيه عينة الدم بعد صيام طوال الليل، أو الامتناع عن الطعام والشراب لثماني ساعات قبل إجراء الاختبار، من أجل قياس نسبة السكر في الدم على معدة فارغة.

ثمة فحص آخر أقلّ شيوعًا هو اختبار تحمّل الجلوكوز الفموي (OGTT) الذي يُستخدم لتشخيص سكري الحمل، وتُقاس فيه نسبة الجلوكوز في الدم قبل شرب سائل سكري في عيادة الطبيب، ثم تُقاس مرة أخرى بعد ساعتين من شرب السائل لمعرفة كيفية تعامل الجسم مع السكر.

ما علاج السكري من النوع الثاني؟

تكون إدارة مرض السكري عبر مزيجٍ من العلاجات الدوائية والتغييرات في نمط الحياة، وتختلف خيارات العلاج المتاحة بحسب الحالة المرضية، إذ يمكن في بعض الحالات الوصول إلى المستويات المستهدفة للسكر من خلال النظام الغذائي وممارسة الرياضة فقط، لكن لا بد في معظم الحالات من تناول الأنسولين أو الأدوية التي يحددها الطبيب، وقد تكون دواءً واحدًا أو أكثر. وفي كل الأحوال، لا بد من مراقبة مستويات السكر في الدم باستمرار، فيما سيحدد الطبيب الحاجة إلى إجراء اختبار مستوى السكري.

غذائيًا، يتم التركيز في النظام الغذائي الصحي لمرضى السكري على تقليل السعرات الحرارية والكربوهيدرات، خصوصًا الحلويات، إذ ترفع هذه الأغذية نسبة السكر أعلى وأسرع من أي غذاء آخر، كما يُنصح بإضافة الخضار والفواكه إلى النظام الغذائي، وتناول الأطعمة التي تحتوي على البروتين والألياف وكميات معتدلة من الدهون، إذ أنها لا ترفع نسبة السكر في الدم بنفس القدر الذي ترفعه الكربوهيدرات.

ويُنصح أيضًا بممارسة الرياضة للسيطرة على السكري، حيث يوصى بالقيام بنشاطات بدنية لمدة 30-60 دقيقة يوميًا، كالمشي أو ركوب الدراجة أو السباحة أو رفع الأثقال أو اليوغا.

هل يمكن علاج السكري من النوع الثاني نهائيًا؟

لا يمكن علاج السكري من النوع الثاني بشكل نهائي، إلا أنه يمكن السيطرة عليه وعكسه أو وضعه في حالة خمول (Remission). فقد تنعكس مستويات السكري عند المرضى الذين لا يحتاجون لدواء السكري، وذلك من خلال التحكم في الوزن وتناول الأكل الصحي المناسب وممارسة الرياضة، حيث لا تزال أجسامهم قادرة على تصنيع الأنسولين واستخدامه، ما يمكّن مستويات السكر في الدم من العودة إلى طبيعتها، وهو ما يجعل المرض في حالة خمول.

وبعد مرور عامٍ واحدٍ أو أكثر من الحفاظ على مستويات طبيعية في فحوصات السكر التراكمي (A1c) والجلوكوز الصيامي، دون استخدام أدوية السكري، يصبح المرض في حالة تسمى بـ«الخمول الكامل»، ويظل من الضروري حتى في هذه الحالة إجراء فحوصات نسبة السكر في الدم⁷، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكوليسترول، ومشاكل الكلى والعينين، والفحوصات المنتظمة للقدم.

أما بعد مرور خمس سنوات أو أكثر من المستويات الطبيعية للسكري دون استخدام الأدوية، فإن المرض يدخل في حالة تسمى بـ«الخمول المطول»، وقد تقل في هذه الحالة الحاجة لإجراء فحوصات السكري، لكن يظل الطبيب متابعًا لأية مشاكل صحية قد تحدث في القلب أو العينين أو القدم أو غيرها.

لا يعرف الأطباء تمامًا متى يمكن أن تحدث حالة الخمول أو لماذا تحدث لبعض المرضى دون غيرهم. لكن، من المرجح أن حالة الخمول تحدث في المرحلة المبكرة من الإصابة بالسكري أو بعد فقدان الوزن بشكل كبير، كما يمكن أن تحدث بعد إجراء جراحات علاج السمنة؛ مثل ربط المعدة أو تكميمها أو تحويل مسارها، ما يؤدي إلى تغييرات صحية في إنتاج الأنسولين بالجسم⁸. ومع الوصول إلى مراحل متأخرة من المرض تقل احتمالية الوصول إلى حالة الخمول لأن الجسم قد يفقد ببطءٍ مع مرور الوقت قدرته على إنتاج الأنسولين.

يُشار إلى أنه من المهم أن يجرب المريض جميع طرق إنقاص الوزن الأخرى؛ عبر ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي يساعد في إنقاص الوزن أو الحفاظ عليه، قبل اللجوء لجراحات علاج السمنة. ويمكن أن يخضع المرضى لهذه الجراحات عندما يكون مؤشر كتلة الجسم لديهم 40 أو أكثر، أو أن يكون المؤشر بين 35 و40 مع وجود حالة مرتبطة بالسمنة قد تتحسن عند فقدان الوزن، مثل السكري من النوع الثاني أو ارتفاع ضغط الدم، ثم على المريض بعد الجراحة الالتزام بالمتابعة طويلة الأمد منها إجراء فحوصات منتظمة وتغييرات صحية في نمط الحياة.

العلاجات الدوائية للسكري

تهدف العلاجات الدوائية لمرضى السكري من النوع الثاني إلى مساعدة الجسم على استخدام الأنسولين بشكل أفضل أو التخلص من السكر الزائد في الدم. وتؤخذ معظم الأدوية عن طريق الفم، فيما قد يحتاج بعض المرضى إلى تناول الأنسولين أيضًا.

وتختلف الأدوية في آلية عملها واستخداماتها، فتساعد الأدوية المعروفة بمثبطات ألفا جلوكوزيداز الجسم على تكسير السكر والأطعمة النشوية ما يخفّض مستويات السكر في الدم.

أما خافضات سكر الدم المعروفة بالبيغوانيدات -وأكثرها شيوعًا الميتفورمين– فتخفّض كمية السكر التي يصنعها الكبد، وبالتالي تقلّ كمية السكر التي تمتصها الأمعاء، كما تجعل الجسم أكثر حساسية للأنسولين وتساعد العضلات على امتصاص الجلوكوز.

وهناك أدوية تساعد الجسم على إنتاج المزيد من الأنسولين، منها مثبطات DPP-4 التي تقلل نسبة السكر في الدم دون التسبب في انخفاضه، وأدوية ميجليتينيد، إضافة إلى مجموعة السلفونيل يوريا، وهي من أقدم أدوية مرض السكري التي لا تزال تستخدم حتى اليوم، وتعمل عن طريق تحفيز خلايا بيتا في البنكرياس ما يجعله يفرز المزيد من الأنسولين.

يضاف إلى ما سبق فئة أدوية ثيازوليدينديون التي تعمل عن طريق خفض الجلوكوز في الكبد، كما تساعد الخلايا الدهنية على استخدام الأنسولين بشكل أفضل.

وفضًلا عن أدوية علاج السكري، يحتاج المصابون بالسكري غالبًا إلى تناول أدوية أخرى لعلاج الحالات الشائعة التي تترافق مع المرض، مثل دواء الأسبرين لصحة القلب، وأدوية علاج ارتفاع نسبة الكوليسترول، وأدوية ارتفاع ضغط الدم.

  • الهوامش

    [1] البنكرياس هو غدة تقع خلف وتحت المعدة.

    [2] الاستقلاب أو الأيض هو مجموع التحولات الكيميائية والفيزيائية التي تمر بها المادة في الخلية الحية، وتقدم للكائن الحي ما يحتاج إليه من طاقة. هذه التفاعلات المحفزة بواسطة الأنزيمات تسمح بنمو وتكاثر الكائنات الحية، والحفاظ على هياكلها، والاستجابة لبيئاتها.

    [3] الحماض الكيتوني السكري من أخطر مضاعفات مرض السكري؛ إذ يحدث عند إفراز الجسم مستويات عالية من أحماض الدم التي تُسَمَّى كيتونات. يمكن أن يحدث الحماض الكيتوني السكري عندما يكون هناك ارتفاع شديد في نسبة السكر في الدم، مع وجود القليل من الأنسولين أو عدم وجود الأنسولين في الجسم.

    [4] تحدث مقاومة الأنسولين عندما لا يستجيب الجسم للأنسولين بشكل جيد، وتقل قدرة الجلوكوز على دخول الخلايا. يجعل هذا البنكرياس يواصل ضخ المزيد من الأنسولين، لكن الجلوكوز يظل يواجه صعوبة في الوصول إلى الخلايا، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم.

    [5] تحدث هذه الحالة نتيجة ارتفاع السكر في الدم لفترات طويلة بسبب استخدام علاج الجلوكوكورتيكويد لحالة طبية أخرى، والجلوكوكورتيكويد هو الهرمون القشري السكري، وهو أحد أنواع الهرمونات التي تنتجها الغدة الكظرية استجابة للتوتر.

    [6] هناك أسباب أخرى يعتقد أنها ترتبط بالسكري من النوع الثاني، عندما ينخفض ​​مستوى السكر في الدم فإن الكبد يصنع الجلوكوز ويفرزه، بعد تناول الطعام يرتفع مستوى السكر في الدم، وعادة ما يتباطأ الكبد ويخزن الجلوكوز في الدم لوقت لاحق. الاتصال السيء بين الخلايا أيضًا يعتقد أنه يرتبط بالسكري من النوع الثاني، في بعض الأحيان ترسل الخلايا إشارات خاطئة أو لا تلتقط الرسائل بشكل صحيح. عندما تؤثر هذه المشكلات على كيفية إنتاج الخلايا للأنسولين أو الجلوكوز واستخدامهما يمكن أن يؤدي التفاعل المتسلسل إلى الإصابة بالسكري. خلايا بيتا المتضررة أيضًا يجري ربطها بالسكري من النوع الثاني. إذا كانت الخلايا التي تصنع الأنسولين ترسل كمية خاطئة من الأنسولين في الوقت الخطأ، يعمل الأنسولين على التخلص من نسبة السكر الموجودة في الدم. يمكن أن يؤدي ارتفاع نسبة السكر في الدم إلى إتلاف هذه الخلايا أيضًا.

    [7] ينصح بإجرائها كل ثلاثة شهور.

    [8] عن طريق تغيير طريقة عمل الهرمونات في الأمعاء والتي بدورها تؤثر على كيفية إنتاج الجسم للأنسولين، وزيادة كمية الأحماض الصفراوية التي يصنعها الجسم، والتي تجعله أكثر حساسية للأنسولين.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية