شروط جديدة لمعادلة شهادات الخارج: منطق ضعيف وتكريس لطبقيّة التعليم

الجمعة 27 أيار 2022
من داخل الجامعة الأردنية. تصوير خالد بشير

تستحق التعديلات التي أعلنتها وزارة التعليم العالي مؤخرًا، والخاصة بشروط معادلة شهادات الطلبة الأردنيين الدارسين في جامعات الخارج، نقاشًا أكثر من الذي جرى فعلًا. ليس فقط لأن التعديلات التي رفعت الحدود الدنيا لمعدلات التوجيهي التي تؤهل أصحابها لمعادلة شهاداتهم من الخارج، ورفعت أيضًا المدة المطلوبة منهم للإقامة في بلد الدراسة، تؤثر في القرارات المستقبلية لقطاعات واسعة من الطلبة الراغبين في الدراسة خارج المملكة، وإنما لأن هناك العديد من علامات الاستفهام المتعلقة بملابسات اتخاذ هذا النوع من القرارات، والأهداف المعلنة لها.

التعديلات التي سيبدأ تطبيقها العام الدراسي 2023-2024، وحّدت الحدود الدنيا لمعدلات التوجيهي مع تلك المعتمدة في الجامعات الرسمية داخل المملكة. بعد أن كانت في التعليمات السابقة أقل من ذلك. هذا يعني مبدئيًا، أنه لن تعادل شهادة أي طالب يدرس في جامعة في الخارج، بعد نفاذ القرار، إذا كان معدله في التوجيهي دون 65%. وأبرز التغييرات في هذا الخصوص، كانت رفع المعدل المطلوب لدراسة الطب وطب الأسنان في الخارج من 80% إلى 85%. ورفع معدل دراسة الصيدلة والهندسة والعمارة والطب البيطري إلى 80%، بعد أن كان يتراوح بين 70 و75%، لهذه التخصصات.

أمّا في ما يتعلق بمدة إقامة الطالب في بلد الدراسة، فقد ظلت المدة، كما هي، 8 شهر لطالب ماجستير التخصصات الإنسانية، لكن بعد أن كان يمكنه تقسيمها إلى زيارات لا تقل كل منها عن شهر متصل، إلى حين انتهاء الدراسة، أصبحت الزيارة أربعة أشهر بالحد الأدنى. كما رُفعت مدة الإقامة لطلبة الدكتوراة من 16 شهرا للدراسات العلمية، و8 أشهر للدراسات الإنسانية، لتصبح 20 شهرًا للجميع، يمكن تقسيمها على زيارات، لا تقل عن أربعة أشهر، لكل منها.

عدم معادلة شهادة خريج جامعة خارج الأردن يعني تضييق فرصه بشكل هائل، فلن يستطيع إكمال دراسته في أي جامعة داخل المملكة، ولن يتمكن من الانتساب لنقابته والحصول على شهادة مزاولة المهنة، في التخصصات التي تتطلب ذلك. ومن لا يحتاج إلى شهادة مزاولة مهنة، لن يتمكن من العمل في أي جهة حكومية، ولا حتى في المؤسسات الخاصة التي قد تشترط اعتراف «التعليم العالي» بها. 

بحسب الوزارة، تهدف التعديلات لأمرين؛ ضمان جودة التعليم الجامعي الذي سيحصل عليه الدارسون في الخارج، وتقليل أعداد دارسي تخصصات معينة ترتفع نسب البطالة بين خريجيها، مثل الطب وطب الأسنان والتخصصات الهندسية، مضافا إليهم خريجو الدراسات العليا في التخصصات الإنسانية، التي تقول الوزارة إن المؤسسات التعليمية داخل المملكة عاجزة عن استيعابهم. 

ليس هناك أرقام مفصلة لعدد الطلبة الدارسين في الخارج، آخر أرقام موثقة منشورة على موقع وزارة التعليم العالي تعود للعام الدراسي 2015-2016. الناطق الإعلامي للوزارة، مهند الخطيب، قال لحبر في مكالمة هاتفية إن عدد الطلاب الدارسين في الخارج، في مختلف التخصصات والدرجات العلمية هو 34500 ألف طالب تقريبًا، يدرسون في 56 دولة. وبحسبه، لا معلومات متاحة حاليًا عن تفاصيل توزيع تخصصاتهم. لكن ما هو معروف أن هناك تقريبًا 19 ألف طالب طب بشري، و7 آلاف طالب طب أسنان. 

يذكر أن عدد الطلبة الملتحقين في الجامعات داخل الأردن لجميع التخصصات والدرجات العلمية هو 332 ألف طالب تقريبًا، للعام الدراسي 2020-2021.

اللافت أنه بالتزامن مع التعديلات الأخيرة، أعلنت الوزارة أنها منحت مؤخرًا خمس تراخيص مبدئية لاستحداث تخصص طب أسنان لخمس جامعات رسمية وخاصة، وهو تخصص تقول أصلًا إن القرار الجديد جاء لضبط أعداد خريجيه. الخطيب قال إن تبرير ذلك هو أن رفع المعدلات لن يثني، في الغالب، الطلبة عن قرارهم دراسة هذا التخصص. وأن الطالب سيظل يعيد التوجيهي إلى أن يحصل على المعدل المطلوب، ويسافر لدراسته. لهذا ارتأت الوزارة أنه ما دام هو «دارس دارس»، فمن الأوْلى أن يُستحدث هذا التخصص في الأردن. وبهذا تبقى أموال الطلبة داخل المملكة، ويتلقون تعليمًا نوعيّا تحت إشراف هيئات التعليم العالي.

ما يحصل هو مواصلة لتكريس طبقية التعليم الذي بدأ في برنامج الموازي، الذي سلبت بموجبه المقاعد الجامعية من مستحقيها (ممن حققوا شرط معدل التوجيهي) لصالح القادرين على الدفع

ضمان جودة التعليم هو، كما سبق القول، أحد المبررات الأساسية للقرارات الجديدة. وهنا يبدو غريبًا أن تفرض وزارة التعليم العالي على جامعات الخارج معاييرها الخاصة في ما يتعلق بجودة التعليم. وأولها تحديد معدل التوجيهي الذي تفترض الوزارة أنه سيحدد شكل التحصيل المستقبلي لهذا الطالب، وتعتمده أساسًا وحيدًا للقبول في الجامعة. في وقت هناك اعتراف رسمي أردني بقصور التوجيهي معيارًا وحيدًا للقبول في الجامعات. تتحدث الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية (2016-2025) عن ضرورة تطوير امتحان التوجيهي، الذي تؤكد أنه لا يعد معيارًا يثبت امتلاك الطلبة لـ«جميع المهارات اللازمة للنجاح في مرحلة التعليم العالي»، وعلامته لا تكفي «وحدها لتقييم قدرات الطلبة للالتحاق بالجامعات، لافتقار نظام التوجيهي للعناصر التعليمية التي تعكس قدرات الطالب الحقيقية، (كالتفكير النقدي والقدرات الفردية)». وتشير الاستراتيجية إلى فشل كل محاولات إصلاح الامتحان بسبب تركيزها على «المسائل الإجرائية والتنظيمية، بدلا من معالجة التحديات بشكل معمق، مثل التحديات المتمثلة في تركيز المناهج على أساليب الحفظ»، ما أدى إلى «فشل نظام القبول الحالي». والتصريح الأخير بهذا الشأن كان قبل أقل من أسبوعين، من وزير التعليم العالي، وجيه عويس، الذي تحدث عن التوجه نحو «تعديل أسس القبول (..) بحيث لا يتم الاقتصار على اعتماد امتحان شهادة الثانوية العامة كمعيار وحيد للقبول في الجامعة».

اعتماد التوجيهي أساسًا وحيدًا للقبول مفهوم كممارسة داخلية في الأردن، في ظل عدم توفر بدائل بعد، لكنه غير مفهوم في التعامل مع جامعات في العالم طوّرت معايير مساندة لتحديد أسس القبول في الجامعات، إضافة إلى التحصيل المدرسي، فأخذت في الاعتبار مهارات الطالب، وخبراته العملية، ونشاطاته التطوعية. وقسم كبير منها، يمنح القبول بعد امتحان ومقابلة شخصية. جامعات تأخذ في الحسبان تحصيل الطالب الدراسي في المواد المرتبطة بالتخصص الذي ينوي دراسته، فلا تنظر في علامات مواد مثل التاريخ والتربية الإسلامية، قد تكون هبطت بمعدل طالب في الفرع العلمي، يريد دراسة الكيمياء مثلا، أو علامة الرياضيات لطالب في الفرع الأدبي يريد دراسة اللغة مثلًا.

تحديد مدة للإقامة، في بلد الدراسة، بالتحديد لطلبة الدراسات العليا، هو شكل آخر لفرض وزارة التعليم العالي معاييرها الخاصة بجودة التعليم على جامعات الخارج. وأيضًا، سيكون هذا مفهوما في حالة التخصصات العلمية التي تعتمد على الجانب العملي. لكن من غير المفهوم إلزام طلبة الدراسات العليا في تخصصات إنسانية، قائمة بشكل أساسي على البحث، بالإقامة في بلد الدراسة 20 شهرًا. علمًا بأن الأمر هنا لا يتعلق بشكل التعليم إن كان وجاهيًا أو عن بعد. فالوزارة تُطبّق منذ سنوات طويلة أسسًا، تعترف بموجبها بالشهادات من الجامعات التي تقدم التعليم عن بعد، شريطة أن تكون ضمن أول 500 جامعة على مستوى العالم، وفقًا لواحد من المقاييس العالمية الثلاثة المعتمدة في تصنيف الجامعات. إلزام الطلبة بالـ«إقامة» والـ«انتظام» في بلد الدراسة، هو، وفق الخطيب، ليكون قريبًا من المشرفين على بحثه. لكن لا يوجد تعريف واضح لهذا «القرب»، وإن كان من غير الممكن تحققه عبر أدوات الاتصال الحديثة. وليس هناك أداة لقياس تحققه في حال أقام الطالب فعلا في بلد الدراسة. الأداة الوحيدة التي تملكها الوزارة هنا هي تتبع التواريخ على أختام الدخول والخروج على جواز سفره.

تقول الوزارة إن الهدف من التعليمات تحقيق «العدالة» بين الطلبة الدارسين في الداخل والخارج، لكن الحقيقة هي أن ما يحدث هو مواصلة تكريس «طبقية» التعليم الذي بدأ في برنامج الموازي، الذي سلبت بموجبه المقاعد الجامعية من مستحقيها (ممن حققوا شرط معدل التوجيهي) لصالح القادرين على الدفع. في هذه التعليمات يُظلم الراغبون في إكمال دراستهم العليا في الخارج، لكنهم مرتبطون بوظائفهم في الأردن، الوظائف التي تموّل دراستهم. ويصبح خيار الدراسة في الخارج، حكرا على من يملكون رفاهية ترك أعمالهم، وتحمّل كلف السفر والإقامة في الخارج.

في هذه التعليمات يُظلم الراغبون في إكمال دراستهم العليا في الخارج، لكنهم مرتبطون بوظائفهم في الأردن، ويصبح خيار الدراسة في الخارج حكرًا على من يملكون رفاهية ترك أعمالهم، وتحمّل كلف السفر والإقامة في الخارج

وبالطبع هناك إشكالية عدم توفر التخصصات المطلوب دراستها في جامعات المملكة. وحتى لو توفرت، فمن حق أيٍ كان أن يختار الجهة التي سيكمل تعليمه فيها، في حال رأى أنها تقدم تعليمًا أفضل نوعية من ذلك الموجود في الجامعات الأردنية. وهو تعليم يوجد أيضًا اعتراف رسمي بوجود اختلالات حقيقية تتعلق جودة مخرجاته في العموم. ففي الاستراتيجية السابقة الذكر «تؤكد إحصائيات نتائج تعلم الطلاب بأن نظام التعليم العالي الحالي لا يسهم بفعالية في توفير فرص عمل تدعم الاقتصاد الأردني الحالي أو المستقبلي. فالمناهج الحالية قديمة وغير مناسبة (…) فلا يزال التعليم الجامعي يركز في معظمه على أسلوب الحفظ، بدلًا من التفكير النقدي، وثمة ضعف في الروابط بين مخرجات الجامعات ومتطلبات قطاع العمل».

تقول الوزارة إنها تواجه مشاكل مع جامعات في الخارج «دون المستوى» تستقطب طلبة بمعدلات متدنية. وهذا كان سبب رفع معدلات القبول. وهناك بالفعل جامعات تقدم تعليمًا مترديًا. لكن ألا يجب أن يكون الانشغال هنا بمعايير اعتراف وزارة التعليم العالي بالجامعات، لا بفرض قيود على أسس قبول الطلبة في هذه الجامعات؟ المقصود أن الاعتراف بمؤسسة تعليمية هو إقرار بأن هذه المؤسسة تقدم تعليمًا يحقق الحد الأدنى من معايير الجودة، كما تفهمها الجهة المعترفة. وهذا يشمل الإقرار بصلاحية أسس القبول التي تتبعها هذه المؤسسة. وإذا رأت الوزارة أن مخرجات جامعة معينة لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، فإن الإجراء المفترض اتخاذه هو وقف الاعتراف بهذه الجامعة، لا بالتشدد (نيابة عنها) في أسس قبولها للطلبة، ببساطة لأن جامعة قبلت طالبًا بمعدل أقل من ذلك المعتمد في الجامعات الرسمية الأردنية، أو سمحت لطالب بالعمل على أطروحته عن بعد، ستقدم التعليم ذاته لطالب توافقت حالته مع التعليمات. 

سبق ذكر أن الوزارة قالت إن توحيد معدلات التوجيهي للدارسين داخل وخارج المملكة سيوحد مدخلات التعليم العالي، لتتحقق بذلك العدالة بين طلبة الداخل والخارج. الحقيقة أن هذه «العدالة» تستثنى منها الجامعات الخاصة في الأردن، التي تقبل، في معظم التخصصات، طلبة بمعدلات أقل من تلك المعتمدة في الجامعات الرسمية. وهذا يعني عمليًا أن طالبًا، لم يحقق شرط المعدل، أو مدّة الإقامة، ودرس في جامعة متقدمة ضمن التصنيف العالمي للجامعات، لن تعترف الوزارة بشهادته، لكنها ستعترف بها في حال درس في الجامعات الخاصة داخل المملكة، وجميعها خارج أي تصنيف عالمي. فأي منطق؟

هناك بالتأكيد تشوّه خطير في سوق العمل في الأردن، حسمت كل الاستراتيجيات والخطط التنموية التي صدرت خلال ما يقارب العشرين سنة الأخيرة، أن أحد أسبابه الأساسية هو اختلالات عميقة في منظومة التعليم. قرارات كالتي صدرت مؤخرًا، هي تعبير عن نهج في التعامل الرسمي مع هذه الاختلالات، نهج يتفادى أي اشتباك حقيقي معها، ما ساهم في تعميقها أكثر فأكثر عبر السنين. 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية