عام على انقطاع الدعم الأمريكي للأونروا: كيف تعاملت الوكالة مع عجزها المالي؟ 

الإثنين 09 كانون الأول 2019
إحدى مدارس وكالة الغوث في مخيم البقعة. تصوير خليل مزرعاوي

في أعقاب تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني عن أراضيهم عام 1948، أسّست الجمعية العامة للأمم المتحدة «الأونروا» وهي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، وتسعى الوكالة لتقديم برامج الإغاثة والخدمات الإجتماعية وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. وقد باشرت الوكالة عملها في الأول من أيار عام 1950 في كل من الأردن و لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة.

من أجل تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، تعتمد الأونروا بصورة كاملة تقريبًا على التبرعات الممنوحة لها من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وتتمثّل هذه الخدمات في توفير فرص التعليم والرعاية الصحية وتحسين أوضاع المخيمات، وغيرها.

بعجز غير مسبوق، استهلّت وكالة الغوث العام 2018. إذ بلغت قيمة العجز المالي 146 مليون دولار مضافةً إلى 300 مليون دولار توقفت الولايات المتحدة عن تقديمها للوكالة لتبلغ القيمة الإجمالية للعجز ما يقدر حوالي 446 مليون دولار. وبعد إطلاق حملات التبرع العالمية ومناشدات الطوارئ تم تقليص هذا المبلغ إلى 64 مليون دولار

للتعامل مع هذه الأزمة، لجأت الوكالة إلى حلول تصفها بالتقشّفية. في هذا التقرير، عبر الحديث مع مسؤولة المكتب الإعلامي في مقر الرئاسة الميداني للأونروا في عمان، منال سلطان، وبعض العاملين في المرافق الميدانية لتقديم الخدمات التابعة لوكالة الغوث، سنتعرّف على عدد من هذه الحلول، وعلى تأثير هذا التقشّف على الخدمات المقدّمة للاجئين الفلسطينيين في الأردن، مستعرضين حالة مخيّم البقعة، أحد أكبر المخيّمات الفلسطينية. 

نظام التقاعد الإلزامي

اعتمدت الأونروا نظام التقاعد الإلزامي عند بلوغ الموظف عامه الستين مع إمكانية التمديد لعامين آخرين نزولًا عند رغبة الموظف بالاستمرار بالعمل وحاجة القطاع العامل فيه إليه. إلّا أنّها ضمن إجراءاتها التقشفية أصدرت قرارًا يسمح للموظفين بالتقاعد طوعيًّا بدون إحلال وظيفي، وأطلقت عليه اسم التقاعد الطوعي الاستثنائي. وبموجب هذا النظام يسمح للموظف بالتقاعد مع أخذ كامل مستحقاته، ولكن لا يتم تعيين موظف في مكانه. عُمِل بهذا القرار منذ بداية 2018 بحيث ينفّذ على دفعات، وكل ربع عام أو أكثر يسمح للموظفين بتقديم طلب لهذا النوع من التقاعد. 

هذا النظام ألغى النظام الذي كان معمولًا به سابقًا، وهو نظام التقاعد الطوعي المبكر، والذي كان يُعيّن بموجبه موظف مكان الشخص المتقاعد. النظام الملغي كان يقلّل من مخاوف موظفي الوكالة من تسريحهم، ومن خوفهم من خسارة مدخراتهم المالية، وكان يخلّصهم من هاجس إغلاق مكتب الأردن، كما حصل مع الموظفين العاملين في مكاتب الوكالة في غزة في تموز 2018.

وبحسب مسؤولة المكتب الإعلامي في الوكالة، منال سلطان، أصبحت الأونروا منذ العام الماضي تعتمد بكثرة على العقود السنوية في عملية التوظيف، إذ أن هذه العقود لا تشكل عبئًا على الميزانية بقدر العقود الدائمة، إذ يحظى أصحاب العقود السنوية بامتيازات أقل من تلك الممنوحة لأصحاب العقود الدائمة. فعلى سبيل المثال لا توجد مكافأة نهاية خدمة مضافة على قيمة الادخارللموظفين ذوي العقود السنوية، على خلاف ما يحصل مع أصحاب العقود الدائمة الذين يحصلون على مكافأة نهاية خدمة تقدر تقريبًا براتب 40 يومًا عن كل سنة في الخدمة.

وعند حصول موظف على إجازة أو عند تقاعد أحد الموظفين، «لا يتم توفير بديل مباشرة، (..) إذ تتبع الأونروا خطوات معالجة مبدأية للموقف». من بين هذه الخطوات، تقول سلطان، تقسيم مهام الموظف المجاز على زملائه في القسم، وفي حال اتضح ازدياد أعباء العمل على الموظفين مع مرور الوقت يتم توفير بديل أو تعيين موظف جديد يقوم بمهام الشخص المجاز». كما قلّصت الوكالة قبول طلبات الموظفين البالغين لسن التقاعد التمديد لعامين آخرين، دون منع الموظفين من ممارسة حق تقديم الطلب.

يوضح تقرير حديث منشور على موقع وكالة الغوث أن عدد الموظفين، المحليين والدوليين، في مرافقها داخل الأردن قد تضاءل بما يقارب 230 موظف خلال السنتين الأخيرتين، إذ انخفض من 6,932 في نهاية 2017 إلى 6,699 حتى شهر شباط من عام 2019.

 تأثير تقليص الميزانية على الصحة والنظافة

هذه الإجراءات، التي جاءت نتيجة للعجز المالي، ضيّقت الخناق على أوضاع اللاجئين في المخيمات، وراكمت الأعباء على ظهور الموظفين. ومن الأمثلة على ذلك قضية الباحثين الاجتماعيين الذين يقتصر عملهم على توفير الخدمات الإغاثية مثل توزيع المعونات التموينية، التي تقدم على صورة معونة نقدية كل ثلاثة أشهر، جزء منها مخصص لشراء المواد التموينية من بعض مراكز التسوق وجزء آخر يؤخذ نقدًا عن طريق البنك. كما يسجّل الباحثُ اللاجئَ ضمن برامج الإغاثة بناءً على مطابقة حالته الاجتماعية ووضعه الصحي والإقتصادي لقوائم تضعها الوكالة، يتم بناء عليها تسجيل اللاجىء ضمن هذه البرامج من عدمه. كما يقوم الباحث بتقديم الرعاية الاجتماعية من خلال ترتيب جدول لزيارات اللاجئين في المخيم.

ورغم كثافة المهام المقدمة من قبل الباحثين إلا أن قسم الباحثين الاجتماعيين في مخيم البقعة يقول إن عدد الباحثين منذ بداية العام 2018 قد تقلص من خمسة إلى اثنين، يعملون على خدمة حوالي 10,000 لاجئ. وحتى شهر آذار من العام الجاري، لم توفر الوكالة بدلاء عن الموظفين المجازين والمتقاعدين خلال العام الماضي، مؤكدين على ازدياد عبء العمل واستحالة تقديم الخدمات اللازمة خلال تلك الفترة في خضم صعوبة تقسيم المهام على موظفيْن اثنيْن.

أمّا في قطاع الصحة، فيقول موظفون عاملون في مركز صحي مخيم البقعة إنه يحصل أن تتأخر شحنات الأدوية بالأسابيع أحيانًا، لكن المشكلة الأكبر هي النقص في أعداد الممرّضات، الأمر الذي فاقم صعوبة التعامل مع الحالات المرضية العديدة في المخيم. ويقدّم المركز خدمات علاجية لحوالي 700 شخص يوميًا، تُصرف لأكثر من نصفهم الأدوية المختلفة. ويعمل في المركز حوالي 40 موظفًا، من ضِمْنهم طبيبان على نظام المياومة، فيما كان عدد الموظفين 50 في العام الماضي.

يوجد في مركز صحي البقعة جهاز تصوير أشعة. وقبل ثلاثة أعوام ترك العمل فنّي الأشعة المسؤول، وخلال العاميْن الأوليْن، كان يتم تعيين بدلاء بنظام المياومة كل عدة أشهر. ومع بداية العام الحالي، بقي الموقع شاغرًا.

وبخصوص قطاع النظافة، يشكو أهالي المخيم البقعة من نقص حاد في أعداد عمال النظافة، وازدياد تراكم النفايات في المكبّات دون وجود عناية والتزام بمواعيد إخراج هذه النفايات من قبل عمّال التنظيف. حيث لم يزد عدد عمّال النظافة في المخيم، منذ تأسيسه عام 1968 عن 80 موظّفًا، رغم تضخّم عدد ساكنيه على مر السنوات.

كيف تأثر قطاع التعليم؟

من القطاعات التي تأثرت بتقليص الميزانية بوضوح قطاع التعليم، فمع بداية الفصل الدراسي الحالي قامت بعض المدارس بإجراء يستدعي تقليص أعداد الصفوف وزيادة أعداد الطلبة في كلٍ منها، ليصل عدد الطلاب في بعض الغرف الصفية إلى 50 طالبًا. تقول تغريد عبد الحفيظ، نائبة مدير مدرسة عوجان الإعدادية المختلطة، إنه مع بداية الأزمة ازدادت ظاهرة الصف «الطيار» في المدارس خصوصًا تلك التي تقيمها الأونروا على مبانٍ صغيرة مُستأجرة، بحيث يتنقل الطلاب الذين ليس لهم صفٌ دائمٌ بين الغرف الصفية المتفرغة في حصص الرياضة والمختبرات للصفوف الأخرى محاولين إتمام منهاجهم الدراسية، فيما قامت مدارس أخرى بتحويل مختبرات مواد المهني وغيرها إلى غرف صفية، مما يعيق الاستفادة من تلك المرافق.

كما تحوّل نظام التعيينات هذا العام، إلى ما يسمّى نظام (FORM C) وبموجب هذا النظام يستلم المعلّم راتبه فقط بناء على عدد الأيّام التي عمل بها، وبذا لا يحصل على راتب مقابل أيّام الإجازة مثل يوم الجمعة. 

كما حدّت الأونروا من قبولاتها للطلبة داخل مرافقها التعليمية هذا العام، إذ لم تقبل أي طالب غير مصنّف ضمن قائمة اللاجئين لديها إلا خلال فترة بداية الفصل الدراسي. أي أن الطلاب المصنفين على أنهم نازحون من العام 1967، أو مصنّفون على قائمة «آخرين» كالمولودين لأم لاجئة متزوجة من جنسية أخرى، لا يمكن أن يسجلوا خارج تلك الفترة. أمّا الطلبة الحاملون لبطاقات الجسور الخضراء أو الصفراء فلم يعودوا يقبلون في هذه المدارس.

تداعيات مرتقبة للأزمة

خلال مؤتمر اتحادات العاملين الذي عقد في شهر كانون الثاني الماضي في العاصمة اللبنانية بيروت، قدّم موظفو الأونروا عدة مطالب، بينها إعادة فتح باب التقاعد الطوعي وتثبيت الموظفين العاملين على النظام المؤقت حيث اقترحت الاتحادات تقليل نسبة هذه العقود التي تشكل 9% من باقي أنواع العقود في جميع الأقاليم الخمسة التي تعمل فيها الأونروا إلى 7.5%، كما توصّل المؤتمر إلى جملة من قرارات التحسينات في أوضاع الموظفين والمرافق التابعة للوكالة ولكن معظم هذه القرارات لا زال غير منفذ حتى اللحظة.

بعد انقطاع الدعم الأميركي عن الأونروا؛ باتت المبالغ المقدمة من الاتحاد الأوروبي تُمثّل مصدر التمويل الرئيسي للوكالة في محاولة لضمان استمرار عملها الذي أقيمت لأجله متمثلًا في تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين. على الجانب الآخر، تتجلى في هذه الآونة تداعيات جديدة للأزمة مثل قيام مجلس الاتحاد الأوروبي بالتصويت على قرار تم طرحه لوقف الدعم عن الأونروا في الثاني من أكتوبر للعام الجاري والذي بدوره قد سقط بتصويت الأغلبية على استمرار عملية تقديم الدعم، وبذا تخوفات أهالي المخيمات من اللاجئين والعاملين في قطاعات الأونروا المختلفة باتت مبنية على واقع مُدرك أكثر من كونه افتراضًا.

ليظلّ السؤال المسيطر في المخيم هو: ماذا لو انتقلت الأونروا من العجز المالي إلى الانقطاع الدائم عن تقديم الخدمات خلال الفترة القادمة؟


هذا التقرير جزء من مشروع «عيون» للصحافة المحلية الذي تنفذه حبر وشبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية