هل حان الوقت للتوسع في العزل المنزلي لمصابي كورونا؟

الخميس 24 أيلول 2020
العزل المنزلي كورونا
تصميم ندى جفّال.

في الثاني عشر من أيلول الجاري، عرف فارس* (46 عامًا) أنه مصاب بفيروس كورونا بعدما جاءت نتيجة فحصه إيجابية، ليتم نقله إلى كرفانات البحر الميت المخصصة لعزل المصابين ذوي الأعراض البسيطة أو المعدومة. وكانت الأعراض التي شعر فارس بها «فقدان حاسة الشم والتذوق وحرارة بسيطة». ووفق آلية عزل البنايات التي يظهر فيها إصابات، والتي أوقف العمل بها قبل ثلاثة أيام، حُجر على البناية التي يسكنها فارس في عمّان، لتبقى فيها زوجته تمارة* وابنته ذات الخمسة أسابيع. 

في اليوم التالي، توعكت الطفلة، واحتاجت تدخلًا طبيًا، لكن نظرًا إلى أن البناية كانت معزولة، كان الخيار الوحيد المتاح للأم، وفق الآلية التي كانت متبعة، هو الاتصال بالدفاع المدني والذهاب لمستشفى البشير لتلقي العلاج. وبحسب إجراءات البشير، كان على الأم والطفلة إجراء فحص كورونا قبل تلقي العلاج، فانتظرتا 24 ساعة لحين خروج النتائج، لتتبين إصابة الأم وعدم إصابة الطفلة. 

يقول فارس إنه كان أمام عائلته الصغيرة ثلاثة خيارات حينها: «كان الخيار الأول يحولوا التنتين [الزوجة والطفلة] على البحر الميت. الخيار الثاني تظل الطفلة بالبشير، وتمارة بمستشفى حمزة. الخيار الثالث، اللي ضليتني مصر عليه، يحطونا كلنا بمستشفى الأمير حمزة». بعد إصرار فارس، نُقل الثلاثة إلى مستشفى الأمير حمزة في عمّان، بعد ثلاثة أيام من حجر فارس في كرفانات البحر الميت.

رغم تأكيد لجنة الأوبئة في 22 أيلول أن الأردن وصل مرحلة التفشي المجتمعي للفيروس، لا تزال جميع الحالات الإيجابية، باستثناء الأطفال والكوادر الصحية، تُعزل مؤسسيًا.

يقول فارس، الذي ما يزال مع عائلته في مستشفى الأمير حمزة، إنه كان وزوجته يفضلان أن يعزلا في منزلهما، لأن أعراضهما كانت بسيطة جدًا ولم تستمر سوى بضعة أيام بحسبه. مضى أكثر من أسبوعين على شعور فارس بهذه الأعراض لأول مرة، و12 يومًا على نتيجة فحصه الأول، وثمانية أيام على دخوله مستشفى الأمير حمزة مع عائلته، والتي عليه أن يكملها لتصل 10 أيام على الأقل بحسب الكادر الطبي، رغم أن علاجه وزوجته اقتصر على فيتامينات طوال مدة مكوثهما في المستشفى نظرًا لبساطة أعراضهما. 

بعد تسجيل الأردن يوم 22 أيلول أعلى عدد إصابات يومي منذ بدء الجائحة، وصل إلى 634 إصابة، أعلن المدير الجديد لمستشفى الأمير حمزة، ماجد نصير، أن 30 مصابًا جديدًا جرى إدخالهم المستشفى، ليصبح مجموع من يتلقون العلاج فيه 170 مصابًا من أصل 1389 حالة نشطة حتى الأمس. أما باقي المصابين، وعددهم 1219، فيلتقى معظمهم العلاج في كرفانات البحر الميت، فيما يعالج قسم ضئيل منهم في مستشفى الملكة علياء العسكري. بحسب نصير، تصل القدرة الاستيعابية لمستشفى الأمير حمزة إلى 500 مصاب بكورونا، بالإضافة إلى ملحق عزل تم استحداثه ليتسع لـ70 حالة. 

في 20 أيلول، أعلنت وزارة الصحة عن تغيير بروتوكول العزل المؤسسي، بناءً على توصية لجنة الأوبئة، بحيث يستثنى المصابون من الأطفال والكادر الطبي، الذين يعانون أعراض بسيطة أو لا تظهر عليهم أعراض أصلًا، من دخول العزل المؤسسي، بحيث يعزل هؤلاء منزليًا. لكن ما يزال غيرهم من المصابين الذين يعانون أعراض بسيطة أو معدومة يُعزلون مؤسسيًا.

تصل القدرة الاستيعابية لمناطق العزل إلى حوالي 1500 مصاب، معظمها في البحر الميت، كما صرح سعد جابر في مقابلة منتصف أيلول الحالي. وتخطط وزارة الصحة، بحسب جابر، لزيادة القدرة الاستيعابية لمناطق العزل بحيث تستوعب ألف مصاب إضافي، واستحداث منطقة عزل جديدة في الشمال. 

خصصت معظم دول العالم العزل المؤسسي للحالات المتوسطة والخطيرة، وأوصت بالعزل المنزلي كخيار أول للمصابين قبل اللجوء للعزل المؤسسي. لكن الأردن اقتدت منذ مرحلة «احتواء الفيروس» بدول استطاعت تسطيح المنحنى خلال موجة الفيروس الأولى، مثل كوريا الجنوبية والصين وسنغافورة. ورغم تأكيد لجنة الأوبئة في 22 أيلول أن الأردن وصل مرحلة التفشي المجتمعي للفيروس، لا تزال جميع الحالات الإيجابية، باستثناء الأطفال والكوادر الصحية، تُعزل مؤسسيًا.

العزل المؤسسي حول العالم

«مبدئيًا بدنا نحاول نعزل الكل عشان الشخص المصاب ما يعدي غيره. كل ما عزلنا من خلال العزل المؤسسي نقلل من انتشار الفيروس»، يقول المتحدث الرسمي باسم اللجنة الوطنية للأوبئة، نذير عبيدات، لـ«حبر» ردًا على سؤال عدم توسع العزل المنزلي ليشمل فئات أكبر، اقتداءً بدول العالم الأخرى، ومحاولة التركيز على علاج الحالات الحرجة.

منذ آذار الماضي، صرحت منظمة الصحة العالمية بأن 80% من مصابي كوفيد-19 لا يحتاجون تدخلًا طبيًا نظرًا لأن أعراضهم بسيطة أو معدومة. وحتى لا ينهَك القطاع الصحي، شجعت المنظمة الدول على إنشاء مناطق مخصصة للعزل، وحتى إن كانت غير تقليدية كالمدارس والملاعب والفنادق، ودعت إلى اللجوء للعزل المنزلي للمصابين الذين لا تظهر عليهم أعراض ولا تنطبق عليهم عوامل يمكن أن تضاعف من أعراضهم. 

خصصت معظم دول العالم العزل المؤسسي للحالات المتوسطة والخطيرة، وأوصت بالعزل المنزلي كخيار أول للمصابين قبل اللجوء للعزل المؤسسي.

وفي آب، حدّثت منظمة الصحة إرشاداتها حول العزل المنزلي لتقدّم اعتبارات جديدة يمكن للكوادر الطبية بناء عليها تقييم الحالات المُؤكدة أو المحتملة، وتحديد ما إذا كان يمكنها تلقي الرعاية في المنزل بالنظر إلى ثلاثة عوامل: التقييم السريري المصاب، ومدى مناسبة البيئة المنزلية التي يعيش بها المصاب للعزل المنزلي، وقدرة الكوادر الطبية على متابعة حالة المصابين في منازلهم.

باستثناء الصين وسنغافورة، اللتيْن لم تتجاوز أعداد المصابين الجدد فيهما خلال آب وأيلول العشرات يوميًا، غيرت مُعظم الدول التي فرضت العزل المؤسسي لجميع المصابين من سياساتها، وسمحت بالعزل المنزلي للمصابين ذوي الأعراض البسيطة تحت شروط معينة.

ففي أواخر نيسان، أعطت الهند المصابين ذوي الأعراض الخفيفة خيار العزل المنزلي، بعد أن يتم تقييمهم من قبل المسؤول الصحي، مع اشتراط حجر مخالطيهم في المنزل لمدة 14 يومًا. أما كوريا الجنوبية، فبعد أن حولت مدارسها وملاعبها لمراكز عزل صحي إلزامية للمصابين ممن لا يحتاجون تدخلًا طبيًا في المستشفيات، حدّثت إرشاداتها في أيار ليصبح العزل المؤسسي فقط للمصابين ذوي الأعراض البسيطة الذين لا تسمح ظروفهم الصحية أو المعيشية بالعزل المنزلي المناسب، وتتبعت أعراضهم ومدى التزامهم بالحجر عبر تطبيق تتبع يصل بين المصاب والكوادر الصحية.

وفي حزيران، أطلقت كينيا بروتوكول العزل المنزلي، بعد أن اتضح أن 75% من المصابين الذين عولجوا في مستشفياتها كانت أعراضهم بسيطة ويمكن معالجتها من المنزل. ولكنها وضعت شروطًا لتلقي العلاج من المنزل، أهمها إمكانية توفير غرفة نوم ومرفق صحي خاص بالمصاب، وعدم وجود أشخاص تزيد أعمارهم عن 65 عامًا في البيئة المنزلية. 

طلبت معظم دول العالم من المصابين ذوي الأعراض الطفيفة أو غير الظاهرة البقاء في بيوتهم ووفرت لهم إرشادات العزل المنزلي، كما فعلت تونس ولبنان وجنوب أفريقيا والمكسيك والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

في الولايات المتحدة، حدّث مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) بروتوكول فك العزل المنزلي للمصابين ذوي الأعراض البسيطة أو المعدومة، ليصبح مسموحًا بعد 10 أيام من تاريخ الفحص الإيجابي، دون الحاجة إلى فحص ثانٍ نتيجته سلبية. فقد أظهرت الدراسات أنه حتى وإن كانت نتيجة الفحص الثاني إيجابية بعد عشرة أيام من الفحص الأول، فإن الفيروس لا يعود مُعديًا بعد تلك الفترة لمن كانت أعراضهم بسيطة، ويحدث ذلك بعد 20 يومًا لمن كانت أعراضهم متوسطة أو متقدمة. 

هل العزل المنزلي هو الخيار الأمثل للجميع؟

مثل فارس وزوجته، كان العزل المنزلي خيارًا مفضلًا بالنسبة لليلى* (23 عامًا)، التي تأكدت إصابتها بفيروس كورونا الخميس الماضي، ونقلت بعدها بثلاثة أيام إلى العزل في كرفانات البحر الميت. لم تصطحب ليلى ابنها معها بناءً على طلب الدفاع المدني، ليبقى الطفل مع والده، لكنها تقول إن بيتها كان يسمح بعزل منزلي. «أنا كنت بفضل أقعد بالبيت أعزل حالي مشان ابني. أنا بانية طابق ثاني بس لساته مش كامل، وكنت بدي أحجر حالي بالطابق اللي فوق»، تقول ليلى.

بحسب مصابين تواصلت معهم «حبر»، يضاف المصابون في كرفانات العزل في البحر الميت إلى «مجموعة واتساب» يمكنهم من خلالها طلب الأدوية في حال احتاجوها، دون وجود متابعة طبية لهم، لبساطة أعراضهم.

«كل ما أوقف بدوخ (..) هلأ تحسنت بس وجع راس»، تقول ليلى، واصفةً الأعراض التي شعرت بها بالبسيطة. ورغم أنها تقول إنها لم تعطَ أية أدوية خلال مكوثها في العزل في البحر الميت، إلا أن بروتوكول العلاج يلزمها بالبقاء لمدة عشرة أيام. وبحسب مصابين تواصلت معهم «حبر»، لا توجد متابعة طبية في كرفانات العزل في البحر الميت نظرًا لأن أعراض معظمهم بسيطة أو معدومة، إلا أن المصابين يُضافون إلى «مجموعة واتساب» يمكنهم من خلالها طلب الأدوية في حال احتاجوها.

لكن، لا يرغب جميع المُصابين المعزولين في مناطق العزل المؤسسي في البحر الميت بقضاء العزل في بيوتهم، مثل عائلة فارس التي يستوفي منزلها شروط العزل المنزلي، نظرًا لأن فارس وزوجته وابنتهما الصغيرة فقط هم من يسكنون البيت. «أنا ركضت على البحر الميت بإجريّ لأنه إمي بالعمارة قاعدة على جهاز تنفس»، يقول عمرو (49 عامًا)، الذي أصيب بفيروس كورونا ونقل للبحر الميت قبل أيام. فبالرغم من قدرته على توفير غرفة ومرفق صحي خاص به في منزله، إلا أنه لم يفضل الضغط النفسي الذي سيولّده منع أولاده من الدخول إلى غرفته.

خوف عمرو* من نقل العدوى لأطفاله هو السبب نفسه الذي يشير إليه عبيدات في عدم شمول العزل المنزلي لفئات أكبر. ويكشف أنه وفق الإرشادات الجديدة للعزل المنزلي للأطفال، والتي لم تنشرها وزارة الصحة بعد، سيصبح كل من يعيش مع الطفل المصاب في المنزل نفسه مُخالطًا، وعليه توقيع تعهد بعدم ترك البيت لمدة 14 يومًا من بدء العزل. 

يتوقع وائل الهياجنة، عضو اللجنة الوطنية للأوبئة ومسؤول ملف الكورونا في الشمال، أن تتوسع الفئات التي يشملها العزل المنزلي مستقبلًا، لكن هذا القرار يحتاج لتجهيز الكادر الطبي والأمني لمتابعة آلاف المصابين في بيوتهم، بحسبه. «ما بصير نطبّق قانون على آلاف الأشخاص مرة وحدة، بدك تبنيه شوي شوي وتشوف شو مشاكله وأخطاؤه»، يقول الهياجنة.


*تم تغيير أسماء المصابين بناء على طلبٍ من أصحابها حفاظًا على خصوصيّتهم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية