مطلات عمان

بالصور: جولة على مطلّات عمّان في ظلّ الجائحة

مطل شارع الأردن. تصوير يزن ملحم.

بالصور: جولة على مطلّات عمّان في ظلّ الجائحة

الأحد 04 تشرين الأول 2020

خلال الفترة الماضية، وبسبب الإرشادات الصحية الحكومية الداعية لوقف التجمّعات في الأماكن المغلقة، ومع إغلاق المقاهي والمطاعم لأسبوعين ضمن محاولات الحكومة التعامل مع الموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا، اتجه أهالي عمّان إلى المطلّات للترويح عن أنفسهم، خاصةً في ظل انخفاض درجات الحرارة بعد أسابيع من موجة حرّ غير مسبوقة. 

رغم احتواء عمّان على حوالي 150 حديقة عامّة، إلّا أن من قابلناهم خلال العمل على هذا التقرير قالوا إنها لا تعد خيارًا مفضّلًا بالنسبة لهم، وذلك لازدحامها الدائم، ولأن العائلات التي ترتادها عادةً ما تضم أطفالًا، وهو ما يجعل منها مكانًا غير مناسب للجلسات الهادئة. 

تتميز «المطلّات» بكونها مناطق مرتفعة على جانب الطريق، تتوفر فيها مساحة فارغة تُمكّن الناس من الجلوس فيها؛ على الأرض، أو على مقاعد تنزه يحضرونها معهم من المنزل، أو على طاولات يضعها بعض الشبان الذين وجدوا في توافد الناس لهذه الأماكن فرصةً للعمل. مع الوقت أصبحت المطلات معالم مميزة في الطرق التي تتواجد فيها. ومن بين أشهر هذه المطلّات في عمّان؛ مطلّ شارع الأردن، ومطلّ أبو نصير، ومطلّ جبل اللويبدة. وفي السلط مطل شارع الستين.

مطل اللويبدة. تصوير يزن ملحم.

مع تصاعد أعداد الإصابات بفيروس كورونا خلال الفترة الماضية، أصبح الستيني يوسف، وزوجته وابنتاه العشرينيتان، يفضلون الخروج لمناطق مفتوحة، تكون قريبة من مكان سكنهم في منطقة أبو نصير، وتوفّر لهم في الوقت نفسه مسافةً جيدة من التباعد الجسدي مع الآخرين، لأن العائلة، بحسب يوسف، تحافظ كثيرًا على إجراءات الوقاية وتتّبع الإرشادات الصحية الحكومية. وبعد تجربة أكثرِ من مطلّ فضّلت العائلة مطلّ شارع الأردن.

«هسا البلد مفتوح فبنطلع ع أماكن مفتوحة، وبنجيب أغراضنا معنا ما بنعتمدش على خدمة المكان عشان الوقاية»، يقول يوسف، وتضيف ابنته نور أن العائلة تجلب معها كراسٍ بلاستيكية ومشروبات ساخنة معبأة في عبوّات حافظة للحرارة، وقوارير ماءٍ للشرب، وبعض المكسرات، والأرجيلة، ولهذا لا تستعين العائلة بالأكشاك المتوفرة في المطلّ إلّا لإشعال الفحم.

كما يوفر المطلّ، بحسب يوسف، مساحةً كبيرة تُمكّن العائلة من اختيار مكانٍ معزولٍ بعض الشيء عن روّاد المكان الآخرين.

مطل شارع الأردن. تصوير يزن ملحم.

على المطل نفسه، تجلس سارة (24 عامًا) وخمسٌ من صديقاتها على الأرض، تتوسطهنّ بضعة أطباق فيها مكسرات، وفحمٌ للأرجيلة، وهاتف يستمعن من خلاله إلى الموسيقى. تقول سارة إنهنّ يعملن في مركز تجميل، وإن زميلاتها كُنّ يدعونها دائمًا للمجيء للمطلّ فكانت ترفض، مفضّلة الجلوس في المقاهي. لكنّها بعد قرار إغلاق المقاهي والمطاعم قررت أن تأتي معهن، على الرغم من رفض عائلتها لذهابها للمطلات على اعتبار أنها أماكن تكثر فيها المشاكل، لكنّ ما وجدته كان مختلفًا تمامًا عن الصورة التي كانت في مخيّلتها، إذ لم تتعرّض هي وزميلاتها للمضايقة، كما شعرت براحة أكبر من الناحية الصحية بسبب المسافات الكبيرة التي تفصل بين التجمعات، على خلاف ما يحصل في المقاهي والمطاعم. «ما في أُوبشنز [خيارات] غير المطلات وبيوت صاحباتي، وأكيد مش رح أروح ع بيوت صاحباتي، لأنه من بيت لبيت ما فرقت». 

تقول رهف، زميلة سارة، إن الخروج للمطلّ لا يخرق القواعد الصحية، والمطلّ أكثر أمنًا لمنع نقل العدوى للآخرين، أو التقاط العدوى من الآخرين، على عكس المطاعم. لكنها لا تؤيد قرار الإغلاق، لأنها ترى فيه مسببًا لوجود ازدحامات أكبر على بوابات المطاعم، أثناء الشراء، بدل التباعد الذي يتحقق في الصالات بين الطاولات، ولو كان تباعدًا غير كافٍ.

مطل شارع الأردن. تصوير يزن ملحم.

«موسم المطلّات» في ظلّ الجائحة

يبدأ «موسم المطلّات» كما يسميه الشباب العاملون فيه، بداية شهر نيسان. تعود ملكية الأرض المستخدمة مطلًا لمواطنين من سكان المنطقة، يقومون بتضمينها لشاب أو أكثر، بموجب عقد يبرم بينهم بتأجير الأرض لغايات «إقامة استراحة». يعمل العشرينيّان سعيد ومحمد* في أحد مطلّات شارع الأردن. وتبلغ تكلفة المساحة التي يستأجرانها ألف دينار شهريًا. يقولان إنهما في بداية كل موسم يستدينان ألف دينار لدفع إيجار الشهر الأول، ويسدّدانه من الربح.

لتجهيز المطلّ للزائرين، يحضران مستلزمات إعداد المشروبات الساخنة من قهوة وشاي وغيرها، وطاولاتٍ وكراسٍ بلاستيكية لجلوس الزبائن. ويعمل المطلّ حاليًا من الساعة الخامسة مساءً وحتى منتصف الليل، فيما كان يعمل سابقًا حتى يقل عدد الزوار، لأي ساعة بعد منتصف الليل، وحسبما يقول فإنه يظل تقريبًا للساعة الثالثة فجرًا.

يعمل مع سعيد ومحمد في المطل عادة ستة شبّان، يقومون بمهمات تنظيف المطلّ وتنزيل الطاولات وتوزيعها وإعداد البسطة وخدمة الزبائن، ويتقاضى الواحد منهم 12 دينارًا، فيما ينقلون عدّتهم في سيارة نقل تتقاضى منهم يوميًا سبعة دنانير. يقول سعيد إنهم لا يبقون الطاولات والكراسي في المطل عند مغادرتهم لئلّا تسرق، ولهذا «يومي بنشيلها وبنرجعها». أمّا عن الترخيص فيقول إنه لا يملك ترخيصًا للمطل، ولذا «بتيجي الشرطة هون بتاخد العدة، وبكسروا الطاولات، والكراسي، يعني إذا ما لحقتي شلتيهن بروحن عليكي، إشي بيتكسر وإشي بصادروه، واللي بيتصادر ما برجعوه، وإحنا إذا بياخدوا حدا منّا بينزل عليه قيد تسوّل».

فيما يقول عاملٌ آخر في واحد من المطلات، إنه مستاء من العمل بلا ترخيص، وإنه حاول الحصول على ترخيص أكثر من مرّة، لكن هذا كان يقابل بالرفض، كما حاول الحصول على ترخيص بهدف إنشاء كشك مشروبات ساخنة، ولم يتم منحه إياه بدعوى «التسبب في ازدحام شارعي»، الأمر الذي يعرضه كل مرة لمصادرة بسطته.

بعد دفع الضمان وأجرة العاملين وتكلفة المواد، يقول سعيد، إنه لا يتبقى لهم ربح كبير. لكنهم يعتبرونه عملاً ثابتًا طوال فترة الصيف، وهو برأيهم أفضل من العمل على نظام المياومة الذي يعتاشون منه في فصل الشتاء. 

هذا الموسم، ورغم أن عدد الزوّار، بحسب سعيد، قد زاد، حتى أن بعضهم يأتي المطلّ أكثر من مرّة في الأسبوع، إلا أن ذلك لم يزد الأرباح، لأن أغلب الناس صاروا يحضرون أشياءهم معهم، خشية الاختلاط وبالتالي الإصابة بالفيروس، وصاروا يطلبون خدمات قليلة مثل إشعال الفحم، أو مياهٍ للشرب. لذا يعتمد الكسب الذي يحققه المطل على سعر حجز الطاولة، الذي يتراوح بين دينار واحد وخمسة دنانير حسب عدد الزوار.

ليست كل المطلات جزءًا من أراضٍ قابلة للضمان، فمثلًا مطل شارع الستين في السلط، هو جزء مرتفع من الشارع رقم ستين في المدينة، وفيه مساحة جانبية تمكن السيارات من الاصطفاف على جانبي الشارع.  

مطل شارع الستين في السلط. تصوير يزن ملحم.

يختلف مطلّ شارع الستين عن مطلّات شارع الأردنّ، بوجوده في جانب الشارع دون مساحة كبيرة للجلوس، مما يجعل طابعه شبابيًا أكثر من كونه مكانًا عائليًا، تجلس على امتداده مجموعات متباعدة من الإناث والذكور اليافعين والشباب. كل مجموعة أعدت جلستها بطريقتها؛ بعضهم يجلس في السيارة، وبعضهم قد أحضر معه بضعة كراسٍ وضعها على الرصيف، وبعضهم يستخدم صندوق السيارة وهو مفتوح لوضع حاجياته، ويجلس على الرصيف. «بالعادة بنروح ع كافيهات ومطاعم، بس بسبب الظروف بلشنا نبتكر شغلات جديدة حتى نقضي وقت»، يقول زيد (26 عامًا)، الذي يعمل صيدلانيًا في إحدى شركات الأدوية، وينتهي دوامه الساعة الخامسة مساءً، ليخرج مع أصدقائه إلى أحد المطلّات، ويتسامرون فيها حتى العاشرة أو الحادية عشر ليلاً، ثم يعودون إلى منازلهم. يعتبر زيد أن الوضع الوبائي الآن لا يسمح بالذهاب إلى الأماكن المغلقة.

تقول ميسا (42 عامًا)، إنها تستقبل هذه الفترة ضيوفًا من العراق، وخلال فترة الإغلاق، لم تكن قادرة على اصطحابهم إلى المطاعم أو المقاهي بسبب قرار الإغلاق، مما جعلها تسأل، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن وجهات ممكنة لاصطحابهم إليها، لينصحها أصدقاؤها بالذهاب إلى المطلّات. «عادةً بنروح على مطل أبو نصير أكثر، بس المطل هون [شارع الستين] كثير أحلى، أنا بعرف لو ما في ضباب هلا بنشوف فلسطين». لكن في الوقت نفسه، تشكو ميسا قلّة الخدمات المتوفرة، وتقول إن المكان بحاجة ولو لشخص ينظم الاصطفاف فيه، ويقوم بتقديم المشروبات الساخنة، ويضع بعض الكراسي، فهي ترى أنه من المتعب أن تحضر معها في كلّ مرة جميع الأدوات التي تلزم للجلوس على المطلّ.

يمتاز مطل الستين بارتفاعه عن الأراضي التي تقابله، والتي تمتد حتى الداخل الفلسطيني، حيث يمكن منه رؤية مدينة نابلس التي تقابله إلى الشمال الغربي بوضوح، في أي وقت. وفي حال كانت السماء صافية، يقول بعض الزوار إنه يمكن مع إمعان النظر رؤية القدس، إلى الجنوب الغربي من السلط.

يستمرّ موسم المطلّات، بحسب عاملين فيها، حتى بدايات الخريف وأوائل شهر تشرين الأول، حينها تأخذ درجات الحرارة بالانخفاض، ويصبح الجلوس على المطلّات أكثر صعوبة لبرودتها، لكن مع جائحة كورونا، والتحذير المستمر من الجلوس في أماكن مغلقة لا تراعي التباعد الجسدي، قال بعض من قابلناهم إنهم سيلجؤون إلى الخروج إلى المطلّات ولكن مع البقاء في سياراتهم.


*اسمان مستعاران بناء على طلب صاحبيهما.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية