تأثير كوفيد-19 على الشمّ والتذوق: ما يعرفه العلماء وما لا يعرفونه

الأحد 24 كانون الثاني 2021
عامل صحي يجري اختبارًا لرصد فقدان حاسة الشم في مدينة لا بلاتا في الأرجنتين، في أيار 2020. تصوير أليخاندرو باجني. أ ف ب

نشر هذا المقال بالإنجليزية، في مجلة نيتشر بتاريخ 14 كانون الثاني 2021. 

في وقت مبكر من جائحة كوفيد-19، تبين أن العديد من الأشخاص المصابين بفيروس كورونا المستجد يفقدون حاسة الشمّ، حتى دون إظهار أعراض أخرى. اكتشف الباحثون أيضًا أن الأشخاص المصابين يمكن أن يفقدوا حاسة التذوق والقدرة على اكتشاف الأحاسيس المحفزة كيميائيًا والتي تسمى بالإحساس الكيميائي (Chemesthesis)، مثل لذعة الطعم.

وبعد مرور عام تقريبًا، لم يسترد بعض المتعافين من الفيروس حتى الآن هذه الحواس، وبالنسبة لجزء من أولئك الذين استردّوها، أصبحت الروائح مشوهة الآن؛ إذ حلت الروائح الكريهة محل الروائح الطيبة. تستكشف «نيتشر» العلم وراء هذه الظاهرة المنهكة والتي قد تدوم طويلًا.

كم عدد المصابين بكوفيد-19 الذين فقدوا حاسة الشمّ؟

تختلف النسبة الدقيقة بين الدراسات، لكنّ معظمها تشير إلى أن فقدان حاسة الشم عرض شائع لكوفيد-19.

وجدت دراسة نُشرت في تشرين الأول الماضي أن التغييرات في الشمّ أو الذوق المبلغ عنها ذاتيًا، كانت علامة أفضل لانتشار العدوى من المؤشرات الأخرى التي تتبعها الحكومات.

قامت إحدى المراجعات[1] التي نُشرت في حزيران الماضي، بجميع بيانات من 8438 شخصًا مصابًا بكوفيد-19، ووجدت أن 41% منهم قد أبلغوا عن فقدان حاسة الشم. في دراسة أخرى[2] نُشرت في آب، أجرى فريق بقيادة الباحثة شيما ت. معين في «معهد البحوث في العلوم الأساسية» في طهران، إيران، اختبار التعرف على الرائحة على 100 شخص مصاب بكوفيد-19، وفيه قام المرضى بشمّ الروائح وتحديدها على أساس الاختيار من متعدد. عانى 96% من المشاركين من بعض الخلل في حاسة الشمّ، وعانى 18% من الفقدان الكامل لها، المعروف باسم أنوسميا (Anosmia).

تقول معين: «عادة، يقول هؤلاء المرضى أنهم فقدوا حاسة الشمّ فجأةً»، وهذا دليل على أن الأعراض مرتبطة بكوفيد-19. وغالبًا ما يكون هذا الخلل هو العرض الوحيد لفيروس كورونا المستجد الذي يلاحظه الناس، ما يشير إلى أن هذه الظاهرة منفصلة عن احتقان الأنف الناجم عن الإصابة بفيروس.

يقول بعض الباحثين إنه يجب استخدام فقدان حاسة الشمّ كاختبار تشخيصي لكوفيد-19. ووجدت دراسة[3] نُشرت في تشرين الأول الماضي أن التغييرات في الشمّ أو الذوق المبلغ عنها ذاتيًا، كانت علامة أفضل لانتشار العدوى من المؤشرات الأخرى التي تتبعها الحكومات، مثل الإدخالات إلى أقسام الحوادث وأقسام الطوارئ في المستشفيات.

لماذا يفقد المصابون بكوفيد-19 حساسيتهم للروائح؟

رغم أن الآليات ليست مفهومة تمامًا، لكن إجماعًا أخذ ينشأ على أن فقدان الرائحة يحدث عندما يصيب فيروس كورونا الخلايا التي تدعم الخلايا العصبية في الأنف.

عندما حدد الباحثون لأول مرة فقدان حاسة الشمّ كأحد أعراض كوفيد-19، كانوا قلقين من أن الفيروس يصيب الخلايا العصبية المستشعرة للرائحة في الأنف والتي ترسل إشارات إلى البصلة الشمّية في الدماغ، وبالتالي يمكن للفيروس الوصول إلى الدماغ. لكن الدراسات التي أجريت بعد الوفاة[4] على الأشخاص الذين أصيبوا بكوفيد-19 أظهرت أن الفيروس نادرًا ما يصل إلى الدماغ.

وعلى العكس من ذلك، وجد[5] فريق بقيادة سانديب روبرت داتّا، عالم الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن، ماساتشوستس، أن الخلايا التي تدعم الخلايا العصبية الحسية في الأنف، والمعروفة باسم الخلايا المعلّقة (Sustentacular cells)، هي على الأرجح ما يصيبه الفيروس.

بالنسبة لمعظم الناس، يتعافى الشمّ والذوق والإحساس الكيميائي في غضون أسابيع، لكن بالنسبة لآخرين، قد تكون الأعراض أكثر خطورة.

ركز داتّا وزملاؤه على الخلايا المعلّقة لأن فيروس كورونا يهاجم من خلال استهداف مستقبِل الإنزيم المحوّل للأنجيوتنسين 2 (ACE2) على أسطح الخلايا، والخلايا المعلّقة تملك العديد من هذه المستقبلات، على عكس الخلايا العصبية الشميّة. يشير هذا إلى أن الفيروس يصيب الخلايا الداعمة، مما يترك الخلايا العصبية ضعيفةً ومحرومةً من العناصر الغذائية.

ولكن قد تكون هناك طرق أخرى يسبب من خلالها كوفيد-19 فقدان حاسة الشمّ. على سبيل المثال، أظهر فريق بحث[6] في إيطاليا أن فقدان حاستي الشمّ والذوق يحدث في نفس الوقت الذي تزداد فيه مستويات الدم لجزيء يشير إلى الالتهاب يسمى إنترلوكين-6 (Interleukin-6). وأظهرت دراسة بعد الوفاة، نُشرت في كانون الأول الماضي، علامات التهاب واضحة، مثل الأوعية الدموية الراشحة، في البصيلات الشمية للأشخاص الذين أصيبوا بكوفيد-19.[7]

رغم أن العلماء لديهم بعض الفهم لآليات تأثير الفيروس على حاسة الشم، إلا أنهم لا يعرفون الكثير عن كيفية تأثيره على التذوق والإحساس الكيميائي. يقول جون هايز، عالم الغذاء في جامعة ولاية بنسلفانيا في يونيفيرسيتي بارك، الذي يدرس تأثيرات كوفيد-19 على الحواس الكيميائية: «على حد علمي، لا أحد لديه فكرة جيدة حتى الآن عن ذلك». الذوق والإحساس الكيميائي حواس تختلف عن الشمّ، رغم أن الثلاثة تتحد لتخبر البشر عن «نكهة» الطعام أو الشراب. يعتمد الذوق بشكل أساسي على مستقبلات الطعم على اللسان، بينما يعتمد الإحساس الكيميائي على القنوات الأيونية في الأعصاب الحسية، من بين آليات أخرى، ولم تتم دراسة استجابتها لكوفيد-19 كثيرًا.

ما مدى سرعة عودة الحواس المعطّلة؟

بالنسبة لمعظم الناس، يتعافى الشمّ والذوق والإحساس الكيميائي في غضون أسابيع. في دراسة[8] نُشرت في تموز الماضي، أفاد 72% من الأشخاص المصابين بكوفيد-19، الذين يعانون من خلل في حاسة الشمّ، بأنهم استعادوا قدرتهم على الشمّ بعد شهر، وكذلك فعل 84% من الأشخاص الذين يعانون من خلل في حاسة الذوق. كما لاحظت[9] كلير هوبكنز، استشارية الأذن والأنف والحنجرة في مستشفى جايز وسانت توماس في لندن، وزملاؤها عودة سريعة للحواس: لقد تابعوا 202 مريضًا لمدة شهر، ووجدوا أن 49% أبلغوا عن تعافيهم التام خلال ذلك الوقت، وأبلغ 41% عن تحسنهم.

لكن بالنسبة للآخرين، تكون الأعراض أكثر خطورة. تقول هوبكنز إن بعض الأشخاص الذين لا تعود حواسهم على الفور يتحسنون ببطء على مدى فترة طويلة، وقد يكون لذلك عواقب. عندما يستعيد الشخص حاسة الشمّ، غالبًا ما يدرك الروائح على أنها كريهة ومختلفة عما كانت عليه، وهي ظاهرة تسمى باروسميا (Parosmia). تقول هوبكنز: «كل شيء كريه الرائحة» لهؤلاء الناس، ويمكن أن يستمر التأثير لأشهر. قد يكون السبب في ذلك هو أن الخلايا العصبية الشميّة تعيد المعايرة أثناء تعافيها، بحسب قولها.

يظل المرضى الآخرون فاقدين تمامًا للشمّ لعدة أشهر، وليس من الواضح سبب ذلك. تقترح هوبكنز أنه في هذه الحالات، قد تكون عدوى فيروس كورونا المستجد قد قتلت الخلايا العصبية الشمية.

كيف يؤثر فقدان الحواس الكيميائية بشكل دائم على الشخص؟

رغم أن الحالة لم تُدرس جيدًا مثل فقدان الحواس الأخرى كالنظر والسمع، يعرف الباحثون أنّ العواقب يمكن أن تكون وخيمة.

أحد آثار فقدان الحواس الكيميائية الدائم هو أنه يترك الناس عرضة لمخاطر مثل التسمم الغذائي والاحتراق.

أحد آثار فقدان الحواس الكيميائية الدائم هو أنه يترك الناس عرضة لمخاطر مثل التسمم الغذائي والاحتراق. على سبيل المثال، الأشخاص المصابون بفقدان حاسة الشمّ أقل قدرة على اكتشاف الأطعمة الفاسدة والدخان. ووجدت دراسة أجريت عام 2014 أن الأشخاص الذين يعانون من فقدان حاسة الشمّ كانوا أكثر عرضة بمرتين لحادثة خطيرة، مثل تناول الطعام الفاسد، مقارنة بالأشخاص القادرين على الشمّ.[10]

ومن الصعب قياس الآثار الأخرى. تقول معين: «معظم الناس لا يعترفون بأهمية الرائحة في حياتهم، حتى يفقدوها». من الواضح أنّ عدم القدرة على استطابة مذاق الطعام خسارة كبيرة، ولكن الأحاسيس الأخرى مهمة أيضًا. يشير هايز، على سبيل المثال، إلى الخسارة التي قد يشعر بها أحد الوالدين إذا لم يتمكن من التواصل مع طفله من خلال «رائحة المولود الجديد». وتقول معين إن اختلال حاسة الشم مرتبط بالاكتئاب، ولكن الآلية البيولوجية المسببة غير واضحة.

هل هناك علاجات لاستعادة هذه الحواس؟

شحّ الأبحاث يعني وجود القليل من العلاجات المثبتة. لكنّ أحد الخيارات هو التدريب على الشمّ، حيث يقوم الأشخاص بشمّ الروائح الموصوفة بانتظام لإعادة تعلّمها. تعمل هوبكنز مع مؤسسة خيرية تدعى أبسنت (AbScent) في أندوفر بالمملكة المتحدة، لإبلاغ عامة الناس بهذا التدريب. وهناك أدلة[11] من قبل الوباء على أن هذا التدريب يمكن أن يحسّن وظيفة الشمّ لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من مثل هذه الإعاقات، ولكن لا يبدو أنه يعمل مع الجميع.

تقول هوبكنز إن الأدوية المتاحة محدودة للغاية. ولكن بالنسبة للأشخاص في المراحل المبكرة من عدوى كوفيد-19، عندما يكون فقدان الشمّ في الغالب بسبب التهاب خلايا الأنف، قد تكون الستيرويدات مفيدة، وفقًا لاختبار أولي أجراه فريق هوبكنز.[12]

وفي بحث طويل الأمد، يقوم ريتشارد كوستانزو ودانييل كويلو من جامعة فرجينيا كومنولث في ريتشموند بتطوير غرسة شميّة، وهي جهازٌ مدمج في الأنف يستشعر المواد الكيميائية الحاملة للرائحة ويرسل إشارات كهربائية إلى الدماغ. ومع ذلك، فإن الجهاز لا يزال على بعد «سنوات عديدة» من تقديمه في العيادات، كما يقول كويلو. ويضيف أنّ الباحثين يحتاجون إلى معرفة مناطق الدماغ التي يجب أن تحفزها الغرسة على وجه الخصوص، لذلك «لا يزال هناك بعض الأبحاث التي يجب العمل عليها».

  • الهوامش

    [1] Agyeman, A. A., Chin, K. L., Landersdorfer, C. B., Liew, D. & Ofori-Asenso, R. Mayo Clin. Proc. 95, 1621–1631 (2020).

    [2] Moein, S. T., Hashemian, S. M., Tabarsi, P. & Doty, R. L. Int. Forum Allergy Rhinol. 10, 1127–1135 (2020).

    [3] Pierron, D. et al. Nature Commun. 11, 5152 (2020).

    [4] Meinhardt, J. et al. Nature Neurosci. https://doi.org/10.1038/s41593-020-00758-5 (2020).

    [5] Brann, D. H. et al. Sci. Adv. 6, eabc5801 (2020).

    [6] Cazzolla, A. P. et al. ACS Chem. Neurosci. 11, 2774−2781 (2020).

    [7] Cazzolla, A. P. et al. ACS Chem. Neurosci. 11, 2774−2781 (2020).

    [8] Reiter, E. R., Coelho, D. H., Kons, Z. A. & Costanzo, R. M. Am. J. Otolaryngol. 41, 102639 (2020).

    [9] Boscolo-Rizzo, P. et al. JAMA Otolaryngol. Head Neck Surg. 146, 729–732 (2020).

    [10] Pence, T. S. et al. JAMA Otolaryngol. Head Neck Surg. 140, 951–955 (2014).

    [11] Boesveldt, S. et al. Chem. Senses 42, 513–523 (2017).

    [12] Vaira, L. A. et al. Rhinology https://doi.org/10.4193/rhin20.515 (2020).

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية