«شعري كان عُقدة بالنسبة إلي»: تجارب نساءٍ مع الشعر المجعّد

الخميس 16 حزيران 2022
تصميم محمد شحادة

كان عمري 11 عامًا عندما شاهدت لأول مرة فيلم «مذكرات الأميرة»، ولا يزال مشهد تمليس شعر مِيا حاضرًا في ذاكرتي حتى اليوم، فقد كان عليها بعد أن صارت أميرة أن تتخلى عن شعرها المجعد وتملّسه استعدادًا لتقلد عرش المملكة. تعلمت يومها أن شعري ليس جميلًا، واستنتجت أنني لن أملك شعرًا حريريًا مربوطًا كذيل الفرس ومزينًا بالشرائط اللامعة والملونة مثل زميلاتي في الصف، لن يكون شعري إلا كرة منفوشة أحملها بخجل فوق رأسي.

لكن هذا كله تغير عندما اقتنيت جهاز تمليس الشعر بعد سنواتٍ من استعطاف والديّ لشرائه لي، وكان الحصول عليه أمرًا عظيمًا بالنسبة لي، فقد عنى أنني لم أعد مضطرة لتوسّل والدتي لتكوي شعري المجعد بمكواة الملابس البخارية، في طقسٍ كان مؤلمًا ويتسبب غالبًا بحروق حول رأسي، ولحسن الحظ أننا اكتفينا به في الأعياد والمناسبات فقط.

باقتنائي هذا الجهاز بدا أنني سأحصل أخيرًا على الشعر الأملس الذي حلمت به دومًا. فقبله لم نعرف أنا أو والدتي رباط شعر قادرٍ على احتواء شعري كله؛ لقد كان كتلة كبيرة قادرة على ابتلاع دبابيس الشعر وتدمير المشابك مهما كانت سميكة وكبيرة. ورغم جهود والديّ في إقناعي بأن شعري جميل، إلا أن كلامهم كان يتعارض مع التعليقات من آخرين محيطين بي، والتي أكدت لي أن لا مكان لذوات الشعر المجعد في صفوف الجميلات، خصوصًا أن سنوات المراهقة جعلتني قلقة حيال آراء الآخرين وخجولة إزاء مظهري.

في سنوات مراهقتي كانت «فاشن تي في» (FashionTV) في أوجها؛ وهي قناة أجنبية تعرض آخر صيحات الموضة، وتبث عروض الأزياء الواحد تلو الآخر دون توقف، والنساء فيها بيضاوات شقراوات بعيون زرقاء وشعرٍ حريري يتحرك بانسياب مع قوامهنّ الممشوق المزين بأجمل الملابس. كان عليّ أنا السمراء ذات العيون البنية والشعر المجعد أن أكبر بسرعة، كما كانت تقول عمتي، لأضع عدسات لاصقة زرقاء أو خضراء، وأذهب إلى الصالون ليصير شعري أملسًا وأشقرَ مثل واحدة من حسناوات الشاشة.

بعد تخرجي من كلية الإعلام، حصلت على فرصة تدريبية في محطة تلفاز أردنية، وبعد الانتهاء من تسجيل حلقة تجريبية، اقتربت مني مديرة البرامج، أمسكت خصلة من شعري وقالت: «كل شي تمام، بس شعرك طوْليه وسشوريه»، كان شعري حينها قصيرًا، لكنه لم يكن مجعدًا فقد سرّحته بـ«الفير» ليكون مموجًا. لم أصمد طويلًا في تلك الفرصة، وتخليت عنها لأسباب عديدة، ومع الوقت فهمت أن شكلي ليس له مساحة على شاشةٍ أردنية، ثم تصالحت مع فكرة التخلي عن العمل في الإعلام المرئي إن كان يتطلب مني تنازلاتٍ لست مستعدة لتقديمها. لكن هذا الموقف دفعني للحرص على تمليس شعري في المقابلات تجنبًا للحديث عن مظهري عوضًا عن تفاصيل العمل ومتطلباته.

قضيت 10 أعوام تقريبًا أملّس شعري بشكل شبه يومي، وأحاول جاهدة كبح تموجاته وتناسي طبيعته المجعدة، ثم جاء يوم تغير فيه كل شيء. حصلت على وظيفتي الأولى بدوام كامل كمنسقة مشاريع في شركة ترجمة وتعريب، وفي صباح أحد الأيام فشلت في الاستيقاظ مبكرًا بما يكفي لتصفيف شعري، وظننت أني لو دفنت رأسي بين أكتافي فلن يراني أحد أو يعير اهتمامًا بمظهري الرث، لقد كان يرعبني تقديم نفسي إلى العالم بشعري المجعد، وشعرت بالحرج يومها من فشلي في الظهور بشكل احترافي تتطلبه بيئة العمل، وبالغضب من نفسي لعدم الاستيقاظ على صوت المنبه المضبوط على الخامسة فجرًا ليمنحني وقتًا كافيًا لتمليس شعري وركوب الحافلة من مادبا إلى دوار الكيلو في عمّان. مرّ اليوم بسلام، فلم يسخر أحدٌ من شعري، بل على العكس تمامًا. أصبح عمري الآن 27 عامًا، ومنذ ذلك اليوم، قبل خمسة أعوام من الآن، لم أعد أملّس شعري، بعدما اكتشفت أن قناعاتي وتصوّراتي التي حملتها لسنوات طويلة حول شعري كانت مشوهة.

الشعر المجعد «مخاطرة كبيرة» 

شخصيًا، أعتبرُ نفسي محظوظة لأنني أعمل في مجال تغيب عنه قواعد اللباس، لكن الأمر مختلف بالنسبة لمنار (26 عامًا) التي تعمل في خدمة العملاء في شركة اتصالات. «شعري كان عقدة بالنسبة لإلي من أيام الطفولة»، تقول منار.

كانت والدتها تجهل التعامل مع شعرها الخشن، لذلك كانت تلجأ إلى قصّه ليصير قصيرًا فيخفف من أوجاع منار أثناء تمشيطها له. كان التمشيط أشبه بـ«جلسة تعذيب» تنتهي بمقاومة منار وبكائها الشديد. وقد عرّضتها القَصّة القصيرة هذه إلى تنمر المعلمات والزملاء، فأطلقوا عليها لقب «حسن صبي»، فضلًا عن تعليقات أخرى رافقتها لسنواتٍ مثل «شعرك زي السلكة، شكلك متكهربة، شو ما بتتحممي؟».

أخفت منار شعرها عبر رفعه وضمّه بإحكامٍ أو تجديله أو دفنه أسفل القبعات. وعندما صارت مراهقة قصّت غُرة شعرها بنفسها وملّستها، وقضت المراهقة بهذه التسريحة، مع أن البعض كان يسألها «ليش غرتك ناعمة وشعرك خشن من ورا؟»، لكن هذه الخصلة الناعمة أمام عينيها منحتها جزءًا بسيطًا من الشعر «الناعم والمهفهف» الذي كانت تتمناه لنفسها، وجعلتْها أقرب إلى صورةٍ رسمتها في ذهنها عن الفتاة الجميلة.

لاحظت منار تقبل النساء الأردنيات في السنوات الأخيرة لشعورهنّ المجعدة، عازيةً ذلك إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي تنتشر عليها مجموعات خاصة بالشعر المجعد، تعمل على تثقيف النساء حول طرق الاهتمام بشعورهنّ.

وبعد التحاقها بكلية الأعمال والتسويق، خصصت منار جزءًا من مصروفها لزيارة مصفف الشعر أسبوعيًا، «يعني مرات كنت أتفادى طلعات مع صاحباتي بس لإني حاسبة حساب روحة عَ الصالون». لكن هذا لم يمنحها الشعر المستقيم الذي تريده، فقد كان شعرها يرفض الإذعان لحرارة مجفف الشعر، وكان متطايرًا وفوضويًا، خصوصًا في فصل الشتاء وأيام الصيف الحارقة، ما دفعها لحمل جهاز تمليس الشعر في حقيبتها أينما ذهبت.

بعد حصولها على وظيفتها الحالية، لجأت منار إلى فرد الشعر بالبروتين، المعروف بـ«السشوار الدائم»، وكانت مترددة حياله في السابق، لكنها قررت فعل ذلك بعدما تلقّت تنبيهًا من الموارد البشرية إلى ضرورة الانتباه إلى شعرها والظهور بأفضل صورة لأنها «انعكاس لصورة الشركة».

سهّل عليها الفرد الدائم لشعرها ممارسة حياتها اليومية، وحررها من عبء تمليسه بنفسها ومن زيارات مصفف الشعر بشكل دوري، مكتفيةً بزيارة واحدة كل أربعة إلى ستة أشهر، وصار شعرها العنيد ناعمًا وأملسًا. لكن هذا «الحل» سبب لها نتائج سلبية؛ كتكسّر شعرها وجفافه وتساقطه وفقدان لمعانه، عدا عن التكلفة المرتفعة التي تتراوح بين 120 إلى 300 دينار أو أكثر أحيانًا، بحسب الصالون ونوع المادة المستخدمة، مع ضرورة الالتزام بهذا الإجراء نظرًا لأن الشعر عند الجذور ينمو مجعدًا وخشنًا بشكل يتنافر مع الأطراف المسحوبة والناعمة.

لاحظت منار تقبل النساء الأردنيات في السنوات الأخيرة لشعورهنّ المجعدة، عازيةً ذلك إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي تنتشر عليها مجموعات خاصة بالشعر المجعد، تعمل على تثقيف النساء حول طرق الاهتمام بشعورهنّ. ومع أنها تعلمت الكثير عن طبيعة شعرها، إلا أنها لا تنوي التخلي عن شعرها الأملس لأنها اعتادت على ملامحها بهذا الشكل، حتى إنها تستغرب شكلها في صورها القديمة، عدا عن أن العودة إلى الشعر المجعد «مخاطرة كبيرة» هي في «غنى عنها»، خصوصًا أنّ هذا قد يضطرها إلى ترك وظيفتها التي تحب، وقص شعرها بأكمله و«البدء من الصفر»، وهذا صعب جدًا عليها لاقتراب موعد زواجها.

«الانطباع الأولي هو الأهم»

تعاملت سجا (27 عامًا) بطريقة مختلفة مع شعرها، فهي تتناوب في تسريح شعرها بين المفرود والمجعد، لأنها تحب التغيير لا الثبات على تسريحة واحدة. ولم تخلُ طفولتها من التعليقات الساخرة من شعرها المجعد، فالمعلّمات كنّ يمنعنها من فرد شعرها ويجبرنها على ربطه: «مرة راحت المعلمة وربطت شعري بمغيطة مطاط، مستحيل أنسى هاد اليوم والوجع اللي حسيته وكمية الشعر اللي تنتفت بس فكيته»، مضيفةً أن معظم الناس، خصوصًا في المدرسة، يجهلون طرق التعامل مع الشعر المجعد، ويظنون أن من السهل ربطه وتسريحه كالشعر الناعم.

لم يشكل شعر سجا المجعد مشكلة لها إلا عندما دخلت الجامعة، حيث كانت تملّسه أغلب الأوقات، وتتركه أحيانًا على طبيعته. لكنها عانت في فصل الشتاء من خروجه عن السيطرة ما جعلها متوجسة إزاء مظهرها، فتضمّه أو ترفعه أو تجدّله تجنبًا للتعليقات السلبية في الشارع أو بين قاعات المحاضرات التي تصف شعرها «بالكشة».

بالمقابل، لم تكن كل التعليقات سلبية، فقد مرت سجا ببعض المواقف الطريفة التي جعلتها تحب شعرها المجعد، وتكتسب ثقة أكبر حياله، عوضًا عن محاولة إخفائه بضفيرة وهي في طريقها إلى الجامعة. وكانت معروفة بين زميلاتها في الدفعة بشعرها المجعد حالك السواد والمسترسل على ظهرها، اللواتي كنّ يرينه مميزًا أو يشبهنها ببطلة رواية الخيميائي، لأن «عيونها وساع، وشعرها أسود ومموج وطويل».

لاحظت سجا أن المجتمع صار أكثر تقبلًا للشعر المجعد في السنوات الأخيرة، وأن أعداد النساء والفتيات اللواتي يمارسن أنشطة الحياة اليومية دون تمليس شعورهن قد ازدادت، على عكس سنوات نشأتنا التي اعتدنا فيها على رؤية النساء يترددن أسبوعيا إلى الصالونات لتمليس الشعر مقابل اشتراكات شهرية أحيانًا، «مستحيل كنا نشوف وقتها ست طالعة بشعرها ع طبيعته، الناس بتصير تقول شو مالها؟، أكيد مكتئبة أو أبصر شو صاير معها، ليه ما بتهتم بحالها (..) بس هلأ اختلف الوضع»، وهي ترى أن تعامل الإعلام مع الشعر المجعد خلال السنوات الأخيرة زاد من شعبية الشعر المجعد ورواجه، إذ صارت المسلسلات والأفلام تصوّر البطلة الجميلة بشعر مجعد، فضلًا عن البرامج التي تستضيف نساء بشعرهن المفتول وتغمره بالمديح والإطراء.

تستخدم سجا شعرها بهيئته الناعمة وسيلةً للتعبير عن بعض ملامح شخصيتها، كالتنظيم والجدية وتحمل المسؤولية، ويعكس الشعر المجعد في نظرها شكلًا من المرح والعشوائية والفوضى، ما قد يؤثر سلبًا على فرصها في الحصول على الوظيفة.

تضيف سجا إلى ذلك توافرُ المنتجات المخصصة للشعر المجعد بشكل أكبر في الأسواق الأردنية، على عكس السنوات السابقة، وهو ما ساعدها على العناية بشعرها، خصوصًا بعد حصولها على وظيفتها الحالية كمسؤولةٍ عن التحويلات الطبية في منظمة غير حكومية، إذ ساعدها استقلالها المالي على شراء مستحضراتٍ لم تكن تقتنيها بكثرةٍ، نظرًا لأسعارها التي تتراوح بين ثمانية دنانير إلى 20 دينارًا، أو أكثر. لكنها في كل الأحوال ترى أن منتجات العناية النسائية مرتفعة الأسعار، ولا يقتصر الأمر على منتجات الشعر المجعد، معتبرةً أن هناك ضريبة مضنية تدفعها النساء للاعتناء بأنفسهنّ، «هاي التفاصيل مزعجة على كل الأصعدة، مش بس الشعر، عندك مصاريف اللبس والمكياج ومنتجات العناية بالبشرة والحواجب والأظافر».

تملّس سجا شعرها من أجل التغيير في إطلالتها، بغض النظر عن الوقت والجهد الذي يحتاجه ذلك منها مقارنة بتصفيف شعرها الطبيعي، «ما بقدر أشوف حالي كيرلي 24 ساعة، بملّ»، كما أن تمليسه يجعلها قادرة على تسريحه بنفسها في البيت، ويعفيها من الذهاب إلى مصفف الشعر، فقد يكلفها قص الشعر 10 دنانير أو أكثر، ولو أرادت تغيير لونه فإنها ستضطر إلى دفع 30 دينارًا على الأقل.

اعتادت سجا الذهاب إلى عملها بشعرها الأملس. لكنها تذهب أحيانًا إليه بشعرها المجعد في حال لم يتسنّ لها وقت كافٍ لتسريحه، فتكتفي بجمعه أو تمليس الخصل المحيطة بوجهها فقط، وفي مثل هذه الحالات يتملكها شعور بالقلق والخجل من مظهرها، وإن كانت لم تلحظ تغيرًا في تعامل المحيطين بها ولم تسمع تعليقات سلبية منهم حول شكلها.

تحرص سجا على تمليس شعرها في المناسبات الاجتماعية ومقابلات العمل لتقدم نفسها بمظهر محترف: «لازم يكون الشعر مسحوب (..) والانطباع الأولي هو الأهم. وما أتوقع بقدر أترك انطباع أولي إيجابي بشعري الكيرلي». وهي تستخدم شعرها بهيئته الناعمة وسيلةً للتعبير عن بعض ملامح شخصيتها، كالتنظيم والجدية وتحمل المسؤولية، ويعكس الشعر المجعد في نظرها شكلًا من المرح والعشوائية والفوضى، ما قد يؤثر سلبًا على فرصها في الحصول على الوظيفة، وترى أن هويتها لا تقتصر على أسلوب تصفيف شعرها، وأن ذوات الشعر المجعد محظوظات بقدرتهنّ على التنويع في مظهرهنّ والاستمتاع بتسريحات مختلفة، على عكس ذوات الشعر الناعم.

التميّز عن الأخريات

ورثت فرح (24 عامًا) شعرها المجعد عن والدتها التي كانت تصفف شعر ابنتيها في طفولتهما، ولأنها امرأة عاملة فقد قررت قص شعرهن ليكون قصيرًا ما يخفف من عناء تمشيطه. تصف فرح تلك القَصة بالـ«كارثة» لأنها كانت تجعل شعرها منكمشًا ومنفوشًا، على عكس أختها ذات الشعر الناعم المموج.

لم تتقبل فرح شعرها المجعد في طفولتها، وكانت تكرهه لأنه جعلها عرضة للتعليقات السلبية التي تشبهها «بحبة الفلافل وبصحن الأندومي». وقد قضت الصفوف الدراسية الأولى بقصة «البوي» تلك، ثم أصبح شعرها أطول وأكثف مع انتقالها إلى الصفوف الأعلى، لكن تسريحه صار أصعب، فاستعانت من أجل لمّه بالجدائل والضفائر. ومع بدء مراهقتها طلبت من والدتها تمليس شعرها حتى تتمكن من ربطه على شكل ذيليْن كالفتيات الأخريات، وكانت تستجيب لها بعد إصرار وتوسل، وقضت عامًا كاملًا على هذا المنوال، قبل أن تقتني مكواة لتمليس الشعر مكّنتها من تصفيف شعرها بنفسها بدلًا من الاعتماد على والدتها.

كانت فرح في الصف العاشر عندما رأتها إحدى صديقاتها بشعرها المجعد لأول مرة، وقد تفاجأت منه لأنها اعتادت على رؤيته مجدلًا أو مملسًا، وأبدت إعجابها به وشجعت فرح على تقبله كونه رائجٌ و«زي شعر ميريام فارس». اقتنعت فرح بكلام صديقتها وبدأت البحث عن طرق الاهتمام بشعرها، وقد ساعدها إتقانها اللغة الإنجليزية على الوصول إلى محتوى واسع متخصص بالشعر المجعد على الإنترنت: «يعني حتى لو حكيت مع الكوافيرة، اللي هي مفروض تفهم بهاي الأمور، بتيجي بتحكيلي تعالي عندي ع الصالون أعملك بروتين».

تشعر فرح أن شعرها لا ينفصل عن شخصيتها الحيوية والمرحة والمستقلة، وترى فيه عنصرًا فارقًا في مظهرها يميّزها عن الأخريات: «كل شي بنكون نكرهه بالأول بصير يميزنا بالآخر»

واجهت فرح ضغوطات من بعض المحيطين بها، من ضمنهم جارتها التي حاولت مرارًا إقناعها بفرد الشعر الدائم، فاستجابت لها فرح واشترت مجموعة من مستحضرات فرد الشعر، لكنها كانت مترددة وخائفة من استخدامها، لأنها لا ترغب بالتخلي عن شعرها الطبيعي بعدما بدأت أخيرًا تتقبله وتعتني به، «حطيت المنتجات قدامي وفكرت كيف إنه شعري جزء من شخصيتي، وأنا كفرح شخصيتي مستقلة وصعب إني أعمل شي مش مقتنعة فيه (..) رحت ع بنت جيراننا وحكيتلها اعملي فيهم شو ما بدك، أنا مستحيل أحطهم على شعري». تشعر فرح بالفخر كلما تذكرت هذا الموقف، وتعتبر قرارها هذا من أفضل القرارات التي اتخذتها يومًا.

في عمر 16 عامًا ارتدت فرح الحجاب، وكان يزعجها شعرها المجعد لأنها لم تكن توصلت بعد إلى الطريقة الأمثل في تصفيفه وتسريحه، لكن الحجاب سهّل عليها التعامل مع شعرها عندما يكون في حالة سيئة. لكن، في الوقت نفسه، يكون شعرها بعد ساعات من ارتداء الحجاب في حالة فوضوية لأنه يتشابك ويفقد شكله الملتف والمحدد الذي تحبه، ما يضطرها لربطه أو لمّه أو غسله من جديد وإعادة تصفيفه فيما لو كانت ستستقبل ضيوفًا أو تزور أحدًا، وهو ما تسبب بالأذى لشعرها، لأن الشعر المجعد كما تقول جاف بطبيعته، وتكرار الغسيل لا يلائمه، ما أدى إلى إرهاق شعرها وجفافه.

في النهاية، توصلت فرح إلى «الروتين» المثالي للحفاظ على شعرها المجعد في حالة جيدة حتى مع ارتداء الحجاب، وساعدها في ذلك فيديوهات على يوتيوب عرفت منها المنتجات والتقنيات الخاصة بتصفيف شعرها وتسريحه. وكانت تلاحظ أن مستحضرات العناية بالشعر المجعد تغيب أو لا تتوفر دائمًا على رفوف المتاجر، وأن بعض العلامات التجارية توفر منتجات للشعر الناعم والمصبوغ والتالف، لكن لا توفرها للشعر المجعد، فاكتفتْ بما هو متاح لها ضمن ميزانية العائلة.

بعد التخرج من الثانوية، درست فرح اللغة الإنجليزية التطبيقية في الجامعة، وعملت في الأثناء معلمة خصوصية للأطفال، وقد ساعدها الدخل المالي على شراء المواد والأدوات اللازمة للعناية بشعرها، والتي كانت تطلبها من الخارج عبر الإنترنت أو بمساعدة الموزعين ووكلاء مستحضرات الشعر، وكانت النتائج استثنائية وجعلتها سعيدة وفخورة بشعرها.

تعمل فرح حاليًا مستشارة تقنية في إحدى الشركات، وهي تحنّ أحيانًا إلى الشعر الأملس، لكنها تقاوم ذلك قدر المستطاع نظرًا للضرر الذي تسببه الحرارة للشعر المجعد، فضًلا عن الوقت الطويل الذي يستغرقه الشعر للعودة إلى طبيعته المموّجة. وهي منذ توصلت إلى التوليفة المثالية للاهتمام بشعرها صارت تحضر المناسبات الاجتماعية بشعرها الطبيعي، ويبدي الأشخاص حولها إعجابهم بشعرها، فيما لا يصدق بعضهم أن هذا هو شعرها الطبيعي وأنها تصففه بنفسها. تشعر فرح أن شعرها لا ينفصل عن شخصيتها الحيوية والمرحة والمستقلة، وترى فيه عنصرًا فارقًا في مظهرها يميّزها عن الأخريات: «كل شي بنكون نكرهه بالأول بصير يميزنا بالآخر».

تم إنتاج هذا التقرير ضمن مشروع «عيون» للصحافة المحلية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية