البحث عن كاش

«تلبيس طواقي»: عن العيش بديون لا تنتهي

تصميم محمد شحادة.

«تلبيس طواقي»: عن العيش بديون لا تنتهي

السبت 22 نيسان 2023

مع مطلع العام 2022، كان نحو 1.6 مليون[1] فردٍ في الأردن يدينون للبنوك وشركات التمويل الأصغر بحوالي 12.6 مليار دينار، بعد أن اقترضوا منها لشراء السيارات أو المساكن أو لتلبية الالتزامات المعيشية والاحتياجات اليومية.

تمثل الأعداد السابقة حجم المقترضين وقروضهم الممنوحة بتمويلٍ رسميّ فقط؛ أي من قبل البنوك والمؤسسات المالية الخاضعة لرقابة وإشراف البنك المركزي الأردني. لكن ثمة أنواع أخرى من الإقراض، منها ما يتم عبر التمويل شبه الرسمي؛ أي عن طريق الشركات والهيئات المسجلة لدى وزارة الصناعة والتجارة، وتتضمن الشركات المالية وشركات التأجير التمويلي. أما النوع الآخر فهو التمويل غير الرسمي، ويُعنى به الإقراض والاقتراض بين مجموعة من الأشخاص (أفرادًا ومؤسسات) ممن تربطهم علاقات غير رسمية؛ أي أقارب أو أصدقاء أو معارف أو زملاء عمل أو جمعيات أو تجار تجزئة يعملون في البيع بالتقسيط.[2]

لا تتوافر أعداد المستفيدين من الإقراض غير الرسمي، لكن البنك المركزي يشير إلى أن المتعاملين بهذا النوع هم من الفئات المهمشة والمستبعدة ماليًا التي لا تستطيع الاقتراض من البنوك لعدم استيفائها الشروط المطلوبة، مضيفًا أن هذا النوع من التمويل محفوف بمخاطر عدة، منها عدم وجود جهة رقابية مسؤولة عن مقدمي هذا التمويل، والإجحاف بحق المقترضين وفرض فوائد عالية جدًا عليهم، مع مخاطر بالإفراط في المديونية تؤدي إلى التخلّف عن السداد، فضلًا عن استخدام القروض لغايات استهلاكية لا إنتاجية، وتعرض المقترضين للاحتيال.[3]

على مدار السنوات الماضية كانت أعداد المقترضين الأفراد من البنوك تزداد، وتزداد كذلك الأعباء الشهرية؛ أي قدرة الفرد على تلبية التزاماته، وهو ما يقاس بحجم النمو في الدخل مع النمو في الالتزامات والأقساط الشهرية. ومع ارتفاع هذه الأعباء دعا البنك المركزي في عدة تقارير ونشرات للحد من الإفراط في المديونية للأفراد، بحيث تزيد الالتزامات المالية للمقترض بشكل مفرط يؤدي إلى تعثره في سداد التزاماته أو تأخره عن الإيفاء بها، ما يؤثر على مستواه المعيشي، ويمسّ بالاستقرار المالي للبنوك في حال ارتفاع عدد غير القادرين على سداد أقساطهم الشهرية.[4]

مع هذه الرسائل التحذيرية من قبل المركزي، الذي طالما عزا تأثر الأوضاع الاقتصادية إلى العوامل السياسية الإقليمية، تقلصت التسهيلات البنكية الممنوحة للأفراد، فيما ازداد عدد غير القادرين على تأمين الضمانات المطلوبة للاقتراض من البنوك. يحدث هذا في الوقت الذي ارتفع فيه معدل البطالة إلى نحو 23%، وإن كانت أرقام الفقر المحدّثة غير معلنة بعد، لكن ما يرشح من تصريحات يشير إلى ارتفاعها هي الأخرى.

ساهمت هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، مع عجز شريحة من الناس عن تأمين الضمانات البنكية المطلوبة، بتوسيع ما يمكن تسميته بسوق التمويل غير الرسمي، الذي يمتاز -رغم مخاطره- بتعامله مع كافة فئات المجتمع والفئات المهمشة والمستبعدة ماليًا، إضافة إلى قدرة الجهات التمويلية المتعاملة بهذا النوع من الإقراض على توفير النقد بشكل سريع وفوري للعملاء ما يساعد فئة من الناس على تلبية احتياجاتهم المتنوعة التي لا يلبيها التمويل الرسمي، كما يوفر للمقترضين إمكانية التفاوض على التأجيل أو إعادة جدولة الأقساط في حال العجز عن السداد نظرًا لطبيعة العلاقات التي تربط الأطراف ببعضها.[5]

من ناحية أخرى، يوضح تقرير صادر عن مجلس حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن التزايد في نسب ديون الأسر المعيشية -في أي دولة- هو نتاج ظاهرتين تحدثان بالتوازي، أولهما عدم قيام الدولة بالتزاماتها تجاه تلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وثانيهما أمْوَلة الخدمات الاجتماعية وتحويلها إلى سلع أساسية، فيصبح ضمان المستوى المعيشي اللائق والحصول على السلع والخدمات الأساسية جزءًا من مسؤولية الفرد نفسه.

ويظهر تقرير أصدره البنك المركزي عام 2022 عن الصحة المالية للمواطنين، أجرى خلاله استطلاعًا لرأي 500 شخص تقريبًا، أن 70% منهم لا يتمكنون من سداد فواتيرهم الشهرية في مواعيدها، فيما كانت نفقات 62% منهم أعلى من دخولهم، وقال 51% منهم إنهم يرتبطون بديون غير قابلة للإدارة، أي خرجت عن سيطرتهم في تنظيم سدادها.

دفعت كل هذه العوامل والظروف بعض الناس للبحث باستمرار عن وسائل لتأمين «الكاش»، حتى لو كانت مبالغ متواضعة لا تتجاوز عشرات الدنانير، على أن تكون شروطها سهلةً وميسرة، دون حاجة ضمانات صعبة كتحويل الرواتب أو ضمان الكفلاء أو رهن الأملاك. وهو ما خلق -بالتالي- شريحة واسعة في المجتمع تعتمد على الاستدانة والتقسيط لتلبية شيءٍ من الاحتياجات. لكن، ما حجم الفائدة أو الضرر المترتب على أسلوب المعيشة هذا؟ هل يلبي هذا احتياجات الأفراد بشكل مستدام؟ وما التغيّر الذي يطرأ على حياتهم وإدارة شؤونها بعد تراكم الديون والأقساط؟ وكيف يحاولون التأقلم مع ظروفهم المالية الصعبة فيما تزداد الظروف الاقتصادية صعوبة؟

من هذه الأسئلة وغيرها جاءت فكرة هذا الملف الصحفي الذي يحاول، من خلال سرد قصص متنوعة عن مجموعة من الأشخاص، أن يرصد جانبًا من محاولات فئة في المجتمع تدبير بعض شؤونهم واحتياجاتهم عبر الاقتراض من جهات متعددة، وبأساليب مختلفة؛ رسمية وشبه رسمية وغير رسمية، مع ما ترتّب عليهم جراء ذلك من فوائد وأضرار.

«الوضع صعب كثير هاي الفترة، ابن البلد صار يدوّر على أي طريقة ياخذ فيها كاش»، هذا ما قاله أحد من قابلناهم أثناء إعداد التقارير، وهي مقولة تصلح لتلخيص ما يحاول أن يقوله هذا الملف، الذي نفهم من القصص الواردة فيه بعض الطرق -لا كلّها- التي يلجأ الناس إليها للاقتراض، والتي يبدو أنها صارت من الأكثر شيوعًا في السنوات الأخيرة. ومن الجدير بالذكر، أن التقارير حاولت الفصل بين أساليب الاقتراض بحيث يتناول كلًا منها طريقة مختلفة، لكن وسائل الاقتراض في كل قصة كانت متنوعة ومتداخلة بحيث يصعب الفصل بينها، إذ يتبع الأشخاص في كل قصة عدة طرق من أجل الاستدانة في سبيل سداد الالتزامات، حتى إن أكثر من شخص وصف الأمر بـ«تلبيس الطواقي».

في تقريرها عن تطبيق «بلينك» (Blink)، وهي كلمة تعني رمشة العين، تحكي لنا رحمة حسين قصص أشخاص أنشأوا حساباتٍ بنكية رقمية، وحصلوا على الموافقة بمنحهم بطاقات ائتمانية بسقوف منخفضة خلال دقائق دون الحاجة لتقديم أي ضمانات تُذكر إلا بطاقة الهوية وعددًا من صور السيلفي، ثم استخدموها في سداد التزامات شهرية عليهم. وفيما استفاد بعضهم منها، تراكمت على آخرين فوائد الاقتراض ودخلوا في ما أسموه «دوامة» الأقساط.

أما أفنان أبو يحيى فتروي قصة سيدة استدانت من شركات مالية مرخصة من وزارة الصناعة والتجارة قبل عشر سنوات، كي تحقق حلمها بالحصول على شهادة جامعية، ولا تزال حتى الآن تحاول سداد ما ترتّب عليها من أقساط.

وقصة أخيرة ترويها شفاء القضاة عن سيدة لجأت لما يعرف بسوق البيع بالآجل، أو البيع بالتقسيط، في محاولة منها لتربية طفليها بعدما توفي زوجها، ولسداد إيجار المنزل وفواتير الماء والكهرباء، لتجد نفسها محكومة قضائيًا وممنوعة من السفر.

  • الهوامش

    [1] تقرير الاستقرار المالي، 2021، البنك المركزي الأردني، ص 30، ص 37.

    [2] تقرير حماية المستهلك المالي، 2022، البنك المركزي الأردني، ص 22.

    [3] المصدر السابق.

    [4] المصدر السابق، ص 23.

    [5] المصدر السابق، ص 22.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية