المزارع السياحية: هل يمكن تنظيم القطاع بدل التهديد بمنعه؟

الجمعة 20 آب 2021
من إحدى المزارع الخاصة في الأردن، عن فيسبوك.

أعلنت وزارتا السياحة والآثار، والداخلية، نهاية تموز الماضي عن تشكيل لجنة مشتركة لمراجعة التعليمات والأنظمة الخاصة بعمل المزارع السياحية، وذلك بعد وقوع حوادث غرق خلال حزيران الماضي في عددٍ من المزارع، نجم عنها ثلاث وفيات. كما أصيب 13 شخصًا بتسمم كيميائي في تموز الماضي بسبب ارتفاع نسبة الكلور في مياه بركة سباحة داخل أحد المنتجعات في المفرق.

قالت الحكومة إن الهدف من مراجعة الأنظمة هو ضمان التزام المزارع بتطبيق شروط السلامة العامة وتقديم خدمة مميزة وآمنة للمواطنين. وكانت وزارة الداخلية أعلنت أنها ستطبق أحكام قانون منع الجرائم، وستوقف الأشخاص «الذين يعرضون حياة المواطنين للخطر بتأجير مزارعهم الخاصة التي يوجد فيها برك مائية للمواطنين، والتي قد تكون السبب بحالات الغرق والوفاة».

دفعت هذه القرارات بعض أصحاب المزارع إلى العدول عن تأجير مزارعهم خشية التوقيف الإداري. أحدهم خلدون الرشود، مالك مزرعة في قرية كفريوبا غرب مدينة إربد، «إحنا بدنا نرخص استثماراتنا حتى لو أخذوا ضريبة، ومطالبنا واضحة أعطونا نظام خاص للمزارع وإجراءات للترخيص عشان نكمل بالشغل وما نكون مخالفين»، يقول الرشود، مضيفًا «أو الحل يسمحوا بترخيصها كمنشآت سياحية ومتنزهات بدل ما يسكروها».

وبحسب الرشود فقد لاقى قطاع المزارع رواجًا بعد قرار الحكومة إغلاق قاعات الأفراح والصالات في آذار 2020 إثر جائحة كورونا، حيث توجه المقبلون على الزواج إلى استئجار مزارع لإقامة أعراسهم، بعدما هيّأها أصحابها لتلبية احتياجات الناس في مناسباتهم الاجتماعية.

يقول الرشود إنه استثمر نحو 300 ألف دينار في مشروعه الذي بدأه العام الماضي: «بلشت مشروعي بشراء 17 دونم، وقمت بعمل المزرعة على مساحة أربع دونمات تقريبًا، وأنشأنا المرافق الخاصة مثل البرك المائية وأماكن إقامة الحفلات والجلسات وأماكن المبيت، عدا عن تأثيث المكان لاستقبال المستأجرين ومكان للحارس».

ويرى محمد الساكت، رئيس اتحاد أصحاب المزارع والشاليهات (تحت التأسيس)، أن القطاع شهد انتعاشًا مع استمرار القرارات الحكومية بإغلاق القطاعات السياحية والترفيهية خلال العام الماضي، ما دفع المواطنين للبحث عن خيارات جديدة للترويح عن أنفسهم والهرب من الضغوطات التي شكلتها الجائحة.

يملك الساكت مزرعة في منطقة البحر الميت، ويعتبر أن المزارع توفر تجربة مريحة للباحثين عن الخصوصية من العائلات والفتيات المحجبات ومجموعات الأصدقاء. ويرى أنها خيار مناسب للأشخاص من ذوي الدخول المتوسطة والمتدنية غير القادرين على تحمل تكاليف السفر والإقامة في الفنادق، خصوصًا أن المزارع قدمت خلال فترات الحظر الشامل عروضًا منافسة للمبيت فيها، وهو بحسبه ما عزّز الإقبال عليها.

محمد* أحد الذين استأجروا مزرعة لإقامة حفل زفافه في أيار الماضي، قبل السماح لصالات الأفراح بالعمل، يقول إن خياراته كانت «إما بالبيت، أو أشوف مزرعة، أو أعمل الزفاف بدون حفل». أخيرًا اتفق محمد مع أحد متعهدي الحفلات بعدما عرّفه عليه صاحب المزرعة التي استأجرها في جرش، وتكفل المتعهد ومالك المزرعة بترتيب تجهيزات الحفل.

أعلنت وزارة الداخلية أنها ستطبق أحكام قانون منع الجرائم لتوقيف «الذين يعرضون حياة المواطنين للخطر بتأجير مزارعهم الخاصة التي يوجد فيها برك مائية للمواطنين، والتي قد تكون السبب بحالات الغرق والوفاة».

يقول محمد إن الحفل كان منظمًا بشكل كبير، واتسعت المزرعة لضيوفه الذين تجاوز عددهم 150، علمًا بأن العدد المسموح به للتجمعات حينها كان 20 شخصًا، وهو ما أخرجه من دائرة الحرج من عدم دعوة أقاربه. وبالنسبة له كان الحفل في المزرعة أفضل من الصالات التي يرى أنها غير ملائمة للوضع الوبائي في ظل انتشار جائحة كورونا، وتخوف الناس من الإصابة بالفيروس، على عكس المزارع حيث المكان مفتوح ويمكن أن يحقق التباعد المطلوب. 

وبحسب متعهد الحفلات سامر محمود فإن بعض أصحاب المزارع والشاليهات يقصدون متعهدي الحفلات لتأجير مزارعهم بمبالغ أكبر، حيث يعرض المتعهد على الزبون عددًا من المزارع، ثم يقدم له عرض سعرٍ: «بنقدمله عرض لتجهيز الحفلة، من الكوشة للإضاءة والتصوير والكراسي والطاولات والضيافة، وحسب السعر اللي بحدده هو».

يقول محمود إن تكلفة الحفل في المزرعة تتراوح بين 400 و1500 دينار، بما يشمل التجهيزات والضيافة للمدعوين، كما يتاح لصاحب الحفل خيارات أكثر؛ حيث التجهيزات قابلة للفك والنقل والتغيير بحسب رغبته. ويقول محمود إن موسم عملهم يمتد بين آذار وتشرين الأول، «حاليًا بالموسم بنشتغل ثلاث إلى أربع حفلات بالأسبوع، وبعد الموسم ممكن أربع حفلات بالشهر».

لم يقتصر استئجار المزارع على حفلات الزفاف، فقد استأجرت عائشة (27 عامًا) وزميلاتها في العمل مزرعة في منطقة البحر الميت بقيمة 250 دينارًا، تشمل المبيت لليلة واحدة، وتقول إن التجربة كانت «رائعة» حيث قضين يوما بعيدًا عن الحياة الروتينية وضغوطات العمل، «قضينا يوم حلو، كان المكان كثير هادي وما في حدا براقبنا أو بتطفل على خصوصيتنا، واستعملنا البركة. هاي التجربة بتمنى تتكرر مرة ثانية. والأسعار كانت رمزية لما تكونوا عشر أشخاص ماخذين مزرعة السعر بطلع ولا إشي على الواحد مقارنة مع أماكن ثانية».

يقول الساكت إن القطاع شهد نقلة «نوعية» خلال السنوات الأخيرة من ناحية الاهتمام بنوعية الخدمات المقدمة في المزارع والشاليهات، من حيث البرك المائية وأماكن الترفيه، وتوفير أماكن مخصصة للشواء، وعادة ما تكون أسعار التأجير رمزية، وهي تجربة لا توفرها برأيه أماكن أخرى، لافتًا إلى أن الأسعار تعتمد على جودة المرافق ونوعيتها، كما تختلف بحسب  العرض والطلب، إذ تصل إلى ذروتها في فصل الصيف.

وبحسب عدد من أصحاب المزارع والشاليهات، فإن الأسعار تتراوح في موسم الصيف بين 150 و300 دينار يوميًا مع المبيت، لكنها تنخفض إلى أقل من 100 دينار للمزارع التي لا تتوفر فيها مرافق كثيرة أو إمكانية مبيت.

وبحسب الرشود، يلجأ بعض أصحاب المزارع إلى توقيع عقد إيجار يتضمن إخلاء مسؤولية المالك عن أي حوادث قد تقع في منشآتهم مثل الغرق أو الحريق أو المفقودات، ويطلبون تأمينًا ماليًا لضمان حقهم في حال تسبب المستأجر بأي ضرر أو عطل في أي من مرافق المزرعة خلال فترة الإيجار.

حاليًا، يطالب أصحاب مزارع بتنظيم العمل بالقطاع وترخيص منشآتهم لضمان استمرارية عملهم بما يتناسب مع خصوصيته، لكن هذه المطالب قد تصطدم بإجبارهم على تشغيل منقذين في البرك المائية داخل المزارع، خصوصًا بعد تصريحٍ صدر عن وزارة الداخلية بأن «المسابح العامة ترخص وفق التشريعات النافذة وبما يكفل توفير شروط السلامة العامة وتوفر المنقذين بعكس الواقع المؤسف للبرك المائية في المزارع الخاصة»، وهو أمرٌ يراه بعض أصحاب المزارع متنافيًا مع خصوصية عملهم، إذ لا تقبل العائلات بوجود شخص غريب في مكان من المفترض أن يكون خاصًا.

يضم اتحاد أصحاب المزارع نحو 750 مزرعة سياحية، تعود ملكيتها لأكثر من 300 مستثمر، فيما يوجد نحو 120 مزرعة خارج نطاق الاتحاد، بحسب الساكت. ويصنّف الاتحاد المزارع إلى فئات هي: A+، A، B، C.

يقول الساكت إن مزارع الاتحاد مهيأة للاستئجار بما يضمن حقوق المالكين والمستأجرين، ويلتزم أصحابها بتوفير مطفأة حريق، وعجل إنقاذ، وكاميرات مراقبة خارجية، وسترات نجاة، وحارس، كإجراءات احترازية لضمان سلامة المستأجرين وحماية المنشآت من الإغلاق أو الضرر. ويضيف الرشود إلى ما سبق وجود أجهزة تعقيم وتنقية مياه داخل البرك لضمان نظافتها: «إذا المستأجر شاف البركة مش نظيفة ما بقبل يستأجرها».

يقول أمين عام وزارة السياحة والآثار عماد حجازين إن الوزارة تعمل حاليًا على تنظيم قطاع المزارع والشاليهات عبر اجتماعات بين الوزارة وأصحاب المزارع لتعديل التعليمات التنظيمية لبيوت الضيافة لسنة 2019 بإدراج المزارع السياحية ضمنها. علمًا بأن التعليمات السارية تعتبر «المزارع التي تقدم خدمة الإيواء الفندقي» إحدى فئات بيوت الضيافة.

ويقول حجازين لـ«حبر» إنه لا يوجد لدى الوزارة معلومات دقيقة عن عدد المزارع التي يتم تأجيرها في الأردن، وهو ما يدفعهم إلى تنظيم القطاع لضمان صحة وسلامة رواد هذه المنشآت وحقوقهم في حال وقوع أي مخالفات. موضحًا أنه لم يتم ترخيص أي مزرعة للاستخدام حتى الآن، محذرًا من تكرار وقوع حوادث الغرق أو التسمم الكيميائي في حال عدم وجود رقابة على هذه المزارع من قبل وزارة الصحة والدفاع المدني.

لم تفصح وزارة السياحة عن التعديلات المقترحة بعد، واكتفت بالقول إنها ستعلن عنها حال الانتهاء من عملها بهذا الشأن، في حين قال الساكت إن أبرز المقترحات التي تم التوافق عليها بشكل مبدئي مع الوزارة هي السماح للشخص بتملك أكثر من شاليه أو مزرعة، ومنح مهلة ستة أشهر لأصحاب المزارع لتصويب أوضاعهم بعد إقرار التعليمات الجديدة، واشتراط وجود رقم ضريبي ودفع ضريبة عن المزارع، وتصنيف المزارع إلى ثلاث فئات بحسب الخدمة المقدمة فيها: المبيت والعطلات وإقامة الحفلات، بالإضافة إلى السماح بتأجير المنشآت لمدة تزيد عن 90 يومًا في السنة، وهو ما تمنعه حاليًا التعليمات السارية، حتى وإن كانت هذه المنشآت (بيوت الضيافة) حاصلة على رخصة من الوزارة.

وكانت الوزارة أعلنت في بيان لها في تموز الماضي أنها «منحت موافقات مبدئية لإقامة بيوت الضيافة من فئة المزارع السياحية، ولم تقم بمنحها تراخيص»، مشترطة على أصحاب المزارع عدم تشغيل مشاريعهم إلا بعد موافقة وزارة الداخلية والدفاع المدني والجهة المعنية في وزارة السياحة للحصول على الترخيص.


تم إنتاج هذا التقرير ضمن زمالة «عيون» للصحافة المحلية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية