مدرسة الزمالية

ثانوية الزمالية: قصة التعليم الزراعي للبنات في الأغوار الشمالية

طالبات مدرسة الزمالية الثانوية أثناء تدريبهنّ العملي. تصوير مؤمن ملكاوي.

ثانوية الزمالية: قصة التعليم الزراعي للبنات في الأغوار الشمالية

الأربعاء 26 تشرين الأول 2022

قبل قرن تقريبًا، اتجهت عائلات من قرية «ازمال» في إربد نحو 20 كم إلى الغرب باتجاه الأراضي المنخفضة في الأغوار الشمالية، لفلاحة أراضٍ عرضتها الدولة عليهم مقابل أن تحصل الأخيرة على عُشر المحصول.

ظلّت هذه الأراضي، رغم توفر الماء حولها، غير مزروعةٍ لسنوات؛ بسبب غزوات بدوٍ مقيمين حول نهر الأردن، وانتشار القوارض والملاريا فيها. فصار أهل «ازمال» ينزلون من القرية مع أسرهم في النهار لفلاحة الأرض، ويعودون في الليل إلى بيوتهم في القرية لتجنب الغزوات. وفي مواسم الحصاد التي تتطلب وجودهم عند محاصيلهم سكنوا مغاراتٍ قريبة من مزارعهم، وظلّ الوضع على هذا النحو حتى اصطلحوا مع البدو في عقد الثلاثينيات، وبنوا بيوتهم إلى جوار مزارعهم، وسميّت مجموعة البيوت هذه لاحقًا بـ«الزْماليّة» نسبةً إلى اسم قريتهم «ازمال».[1] لكن، سيهاجر الكثير من أبناء «الزماليّة» لاحقًا، وسيظل عدد سكّانها قليلًا لا يتعدّى 2000 نسمة.[2]

وقبل ربع قرن من الآن، نشأ في مدرسة بنات القرية قسم لتدريس الفرع الزراعيّ في الثانوية، وفّر تعليمًا زراعيًا لبنات 23 تجمعًا سكانيًّا تشكّل لواء الأغوار الشماليّة، الممتد على طول 43 كيلو مترٍ تقريبًا، وهو القسم الوحيد في الأغوار الأردنيّة المخصص لتدريس البنات هذا المسار، وواحد من خمسة أقسام لتدريس البنات المسار الزراعي في المملكة.[3]

حصلت بنات هذا القسم على مراكز أولى في امتحان شهادة الثانوية العامة للفرع الزراعي في السنوات الأخيرة، آخرهن أسماء أبو العروق، الأولى على المملكة لهذا العام.

إلا أن المدرسة لم تكن يومًا مجرّد محطّة تعليمية في حياة بعض طالباتها، ولم تكن كذلك محطة عمل فقط لبعض من عمل فيها، فثمة آمال عُقدت على هذا القسم في المدرسة ونوع التعليم الذي يقدّمه، وقد تحققت بعض هذه الآمال، فيما حادَ بعضها الآخر عن الهدف الذي وُجدت المدرسة من أجله.

طالبات مدرسة الزمالية الثانوية أثناء تدريبهنّ العملي في الأراضي الزراعية التابعة للمدرسة. تصوير مؤمن ملكاوي.

الزمالية الثانوية للبنات: «قطعة من الجنة»

حصلت ابتسام* التي تسكن منطقة وادي الريان في الأغوار الشمالية، بداية التسعينيات، على معدّل منخفض في الصفّ العاشر، فاتجهت إلى التعليم المهني الثانوي. وكان التعليم المهني الثانوي في اللواء آنذاك يقتصر على مسارات: التجاري والتمريض والتجميل والخياطة.[4] رفض أهل ابتسام أن تدرس التمريض أو التجاري، فكان عليها أن تختار بين التجميل والخياطة، وقد اختارت الأخيرة، وبعد أن أكملت سنتيْ الدراسة جلست في البيت بسبب عدم وجود امتحان ثانوية عامّة لهذا المسار.

ولأنّها رغبت في إكمال دراستها، اشترت كتب المسار الزراعي الذي كان متاحًا للدراسة في مدرسة وادي الريان الثانوية للبنين، ودرست في البيت مع صديقاتها، ثم تقدّمت للامتحان على نظام التعليم الخاص، وحصلت على معدل 65% في امتحان الثانوية العامّة للعام الدراسي 1994-1995، لتلتحق بعدها في تخصص الإنتاج النباتي في كلية عجلون.

في العام نفسه، وإلى الشمال بكيلومترات قليلة عن مكان سكن ابتسام، كانت مدرسة الزمالية الأساسيّة للبنات تشهد مجيء مديرتها الجديدة هيام العليمي. وفي أيّامها الأولى في المدرسة شاركت هيام في اجتماع مدراء مدارس بنات في جرش، وعرفت هناك بوجود مسار التعليم المهني الزراعي للبنات ضمن بعض المدارس في محافظات أخرى، فرسخ في ذهنها وقتها فكرة ضرورة وجود هذا النوع من التعليم الزراعيّ في اللواء الذي يعمل كثير من سكّانه في الزراعة.

في عام 1994، طرحت هيام على المسؤولين في مديرية تربية لواء الأغوار الشماليّة فكرة إنشاء قسم زراعي في مدرستها، فوافق المسؤولون في المديريّة وقالوا لها: «دبري حالك»؛ إذ يتطلب فتح قسم للمسار الزراعي في المدرسة أن يكون فيها مساحة كافية لزراعة المحاصيل والأشجار، بالإضافة إلى حظائر تحوي ماشية وطيورًا لتدريب الطلبة عليها.

تواصلت هيام مع مدير مدرسة الزمالية للبنين لمبادلة مدرستهم الكبيرة، والملحق فيها مساحات تصلح لاستصلاحها للزراعة، بمدرسة الإناث الأساسيّة الصغيرة، وأخذت موافقة المديرية، ثم بدأ العمل: «رحّلناها بمساعدة الأهالي والطالبات والمعلمات، والله في شغلات شلناها على روسنا»، تقول هيام.

طلبت مديرية اللواء من الوزارة فتح شعبة تعليم زراعي في المدرسة ووافقت الوزارة في العام نفسه. فجالت هيام وموظفون في مركز التدريب المهني في المشارع على مدارس اللواء الأساسيّة في العام الدراسي 1996-1997 لشرح طبيعة المسار الجديد لطالبات الصف العاشر، وإقناعهنّ مع أهاليهن بتوفيره مهارات في الزراعة من خلال حصص التدريب العملي، ستمكّنهن لاحقًا من إقامة مشاريع خاصة بهن فيما إذا لم يرغبنْ بإكمال مشوار التعليم في الكليات المتوسطة.[5]

التحق الفوج الأوّل المكّون من 19 طالبةً في الصف الأول الثانوي في مدرسة الزمالية للعام الدراسي 1997-1998، وقد أتين من مناطق: المشارع ووقّاص والكريمة والقليعات والمنشية وبصيلة والعرامشة.[6]

18 طالبة منهنّ تقدّمن لامتحان شهادة الثانوية العامّة، إحداهن جيهان العويتي، التي درست الصف العاشر في مدرسة وكالة الغوث في منطقة المشارع، وهي البنت الصغرى لعائلة تعمل في الزراعة، والوحيدة فيها التي أكملت تعليمها. تتذكر جيهان زيارة أشخاصٍ من خارج المدرسة إلى صفّها لتعريف الطالبات بالمسار الزراعي، الزيارة التي أقنعتها مع مجموعة من بنات صفّها والتحقن بمدرسة الزماليّة.

هيام العليمي، مؤسسة المسار الزراعي في مدرسة الزمالية. تصوير مؤمن ملكاوي.

تقول جيهان إن بعض مدرسي المدرسة، ممن يسكنون في منطقة الأغوار ويعملون بالزراعة، قدّموا المنهاج بطريقة مفهومة وسهلة للطالبات، خاصةً الجانب العملي منه، وتتذكر أن المدرسة شجّعت الطالبات على إكمال دراستهنّ بعد الثانوية في نفس المسار من خلال أنشطة لا منهجيّة مثل تنظيم رحلة لهنّ إلى معهد الشوبك الزراعي الذي يدرّس دبلوم الزراعة.

ضمّ كادر تدريس القسم الزراعي آنذاك ثلاثة مهندسين يدرّسون تخصصات الإنتاج الحيواني، والإنتاج الزراعي، والتصنيع الغذائي، بالإضافة إلى معلم حقل. عيّنت الوزارة بعضهم، وانتقل بعضهم من مدارس أخرى، مثل المهندس أحمد الشوبكي الذي جاء من مدرسة وادي الريان المهنية الشاملة للبنين، فيما أدارت هيام المدرسة بما فيها الصفوف الأساسيّة.

حينها، ساد الاعتقاد بين المدرّسين والمديرة أن فتح قسم زراعي ثانوي للإناث في اللواء قد تأخر، وأن تجربة أولى مثل هذه عليها أن تنجح، لذا قدّم الكادر التدريسي أكثر من ساعات دوامه ومما هو مطلوب منه. وكانت الوزارة قد أعطت للمدرسة في السنة الأولى خليتيْ نحل وبقرة ودجاجًا لاحمًا وغنمتين. فيما زرع المدرسون والطلاب أشجار الكلمنتينا والنخيل والجاكرندا واللافندر وحصا البان، بالإضافة إلى زراعة خمسة بيوت بلاستيكية بالخيار والفاصوليا والفلفل الحار والحلو.

وخلال السنوات الأولى، كانت هيام تأتي ليلًا برفقة زوجها من المنشية، التي تبعد نحو 10 كيلومترات، لتفقّد حارس المدرسة والحيوانات في الحظائر. وكان الشوبكي يأخذ الغنمتين إلى أغنامه في بلدة الكريمة للتناسل. ولمّا كانت موازنة المدرسة متواضعة، فقد جاء الشوبكي بعمّال من مزرعته في الكريمة: «كنت أستغل يوم العطلة، آخذ عمال من المزرعة عندي وأغطي البيوت [البلاستيكية]، وإذا ينقص بلاستيك آخذ بلاستيك من عندي، شتل البندورة تبع البيوت غالي نوخذ شتل ونزرع».

مدرسة الزمالية والأراضي الزراعية التابعة لها. تصوير مؤمن ملكاوي.

مع نهاية العام الدراسي، نجحت جيهان مع ست طالبات من الفوج الأول، وحصلت على أعلى معدل في المدرسة بنتيجة 70.6%،[7] وكانت الهندسة الزراعية خيارها الأول في طلب القبول الموحد للجامعات، لكنها لم تُقبل في الجامعة، وتعطّل المسار الذي طالما أرادته، فاشتغلت عاملةً في مدينة الحسن الصناعيّة بإربد.
بعد أربع سنوات، عادت جيهان للدراسة ملتحقةً بتخصص تربية الطفل بكلية عجلون، ومن ثم في جامعة اليرموك، 
لتتخرج منها وتعود إلى المشارع معلمةً للصفوف الأساسيّة، وسيظل عدم إكمال مسار التعليم الزراعي حسرةً في قلبها حتى اليوم.

خلال السنوات الثلاث اللاحقة لتأسيس القسم، صارت الدونمات الثمانية الملحقة بالمدرسة تشبه حديقة حيوانات كما تصفها هيام، فيما يصف الشوبكي المدرسة حينها بأنها «صارت قطعة من الجنة».

قبل أن تترك هيام المدرسة إلى إدارة مدرسة المنشية سنة 2000، كانت تأمل أن تكون مدرسة الزمالية نواةً تخرّج طالبات اللواء ليفتحن مشاريعهنّ الخاصّة في مجتمع زراعيّ، أو يكملن تعليمهن في الكليّات بنفس المسار لرفد المجتمع الزراعي الذي يعشن فيه بالخبرات العلمية.

في السنوات العشر الأولى، كان عدد الطالبات الملتحقات بالمسار الزراعي منخفضًا يتراوح بين أربع إلى 12 طالبة سنويًا، وكان السبب كما تقول هيام عدم رغبة الأهالي في إرسال بناتهم إلى مدرسة بعيدة، بالإضافة إلى تكلفة المواصلات في مجتمع فقير.

إقبال أكثر وشعبة جديدة

في العام الدراسي 2007-2008،[8] ارتفع عدد طلبات الالتحاق بالمدرسة، وتضاعف عدد الملتحقات في المسار الزراعي إلى 29 طالبة، علمًا بأن المديرية تختار أعلى المعدلات بين الطالبات المتقدمات لدراسة هذا المسار.

تفسّر وداد بشتاوي، مديرة المدرسة في تلك السنة، تزايد الإقبال على هذا المسار بالقول إن فكرة سهولة المسار الزراعي بالمقارنة بالمسار العلمي بدأت تنتشر بين طالبات الصف العاشر وأهاليهنْ في تلك السنوات، وأن التعليم الزراعي طريق مختصر للالتحاق ببعض التخصصات العلمية في الجامعات دون المرور بالمسار العلمي الأصعب.[9]

بعدها، ظلت طلبات الالتحاق مرتفعة، فيما ثبت عدد الطالبات الملتحقات في المدرسة بين 20 إلى 30 طالبةً سنويًا ، وظلّت المدرسة بنفس الغرف الصفّية التي افتتحت بها. تقول سميرة العليمي، مديرة المدرسة حاليًا: «مدرستنا جامعة للواء كامل، من الكريمة جنوبًا ولغاية العدسية شمالًا، هل يعقل (..) [تستقبل] 20 طالبة فقط بمعدل طالبة واحدة من كل مدرسة؟».

لذا، طلبت مديرة المدرسة سميرة العليمي، ورئيس قسم التعليم المهني والإنتاج في مديرية التربية باللواء عبد المجيد البشتاوي، من وزارة التربية والتعليم فتح شعبة ثانية للفرع الزراعي في المدرسة، فوافقت الوزارة وارتفع عدد طالبات المسار الزراعي في العام الدراسي 2014-2015 إلى 52 طالبةً، جئن من مختلف مناطق اللواء.[10]

وفي انتظار تجهيز غرفة صفيّة للشعبة الجديدة، التي هي بالأصل غرفة المستودع، جلست الطالبات على الأرض وتلقين دروسهن النظرية في غرف الصفوف التي ينتهي دوامها مبكرًا أو التي تغيب مدرسّتها.

مديرة المدرسة حاليًا سميرة العليمي. تصوير مؤمن ملكاوي.

في السنوات الأخيرة، ازداد إقبال البنات على التعليم الثانوي الزراعي في اللواء، وساهم في ذلك عدة أسباب، منها حصول طالبات سابقات في المدرسة على معدلات مرتفعة في الثانوية العامّة، والتحاقهن بالجامعات بتخصصات علميّة، وتدريس بعض مديرات المدرسة بناتهن في المسار الزراعي، من بينهن بنت المديرة السابقة وداد بشتاوي، وبنت المديرة الحالية سميرة العليمي.

بالإضافة إلى ذلك، شجعت سميرة طالبات الصف العاشر في مدارس اللواء للانضمام للمسار الزراعي، مستفيدة من قصص الطالبات اللواتي تخرجن من المدرسة وفتحنَ مشاريعهنّ الخاصة في المنطقة بعد الاستفادة من التدريب العملي الذي يوفّره هذا المسار، مثل زراعة نباتات الزينة، والصناعات الغذائية الذي تتعلم الطالبات خلاله تصنيع ما تنتجه المزارع، والإنتاج الحيواني الذي تتعلم فيه الطالبات تربية المواشي والدواجن. «في طالبات ييجن عشان المعدل، وفيه طالبات بحبن يفتحن مشاريع يكون عندها مزرعة»، تقول سميرة.

حظائر الدواجن في مدرسة الزمالية. تصوير مؤمن ملكاوي.

في السنة الأولى من فتح الشعبة الزراعية الثانية، نجحت 28 طالبة، منهن من أكملن مسارهن التعليمي متوزعاتٍ على تخصصات زراعية كالتغذية، والإنتاج النباتي، والبستنة، والإنتاج الحيواني، أو تخصصاتٍ أخرى كالرياضة، وتربية الطفل، ومعلم الصف، والحاسوب. فيما اتجه العدد الأقل منهن إلى إنشاء مشاريع زراعية في المنطقة، ومنهن حلا الصقر.[11] 

نشأت حلا في بيتٍ يعمل أهله في تربية المواشي وصناعة مشتقّات الألبان بمنطقة المشارع، ورافقت جدّتها في رعي الغنم منذ كانت في الصف الأوّل. وقد قرّرت دراسة المسار الزراعي منذ كانت في الصف التاسع، كونه قريبًا من عملها وعمل عائلتها، فالتحقت بمدرسة الزماليّة، تدرس فيها حتّى الظهر، ثم ترعى الأغنام وتصنع الأجبان في المساء. وفي نهاية دراستها حصلت على معدل 86% في امتحان شهادة الثانوية العامّة، وقُبلت في تخصص الإنتاج الحيواني في جامعة العلوم والتكنولوجيا.

درست حلا في العلوم والتكنولوجيا لعامين ونصف، ثم تركتها لصعوبة الدراسة فيها منتقلةً إلى نفس التخصص في جامعةٍ خاصة. لكن رسوم الدراسة كانت مرتفعة، فاقترضت خمسة آلاف دينار من صندوق الإقراض الزراعي لتفتح مشروع تربية أبقار، بدأته ببقرة واحدة: «أبيع حليبها، وأوفّر قسط الجامعة». ثم شيئًا فشيئًا توسع المشروع وصار عندها الآن ثماني بقراتٍ، فيما يواجه المشروع الآن بعض الصعوبات منها ارتفاع تكاليف رعاية الأبقار وتغذيتها.

البيوت البلاستيكية في مدرسة الزمالية. تصوير مؤمن ملكاوي.

يختلف الأمر مع بيسان الصقر، قريبة حلا، فقد درست المسار الزراعي رغم أن معدلها في الصف العاشر يؤهلها لدراسة الفرع العلمي، لكنها سعت إلى الحصول على منحة أوائل الألوية. «مش مقدور أهلى يدرسوني، أوائل ألوية ساعدني كثير، 4 سنين ما رح أدفع»، تقول بيسان التي تدرس الآن الطب البشري في جامعة العلوم والتكنولوجيا.

في العام الدراسي 2020-2021 حققت المدرسة أعلى نسبة نجاح في مسيرتها، فقد نجحت 51 طالبة من أصل 52 تقدمن لامتحان الثانوية للفرع الزراعي. وفي العام الحالي، حققت الطالبة أسماء أبو العروق من المدرسة أعلى معدل في المسار الزراعي على مستوى المملكة لتقبل في تخصص الطب البيطري.

يُذكر أن المدرسة تبيع للطالبات والمعلمات والمجتمع المحلي منتجاتها الزراعية مثل الزيتون والحمضيات والنخيل والكاكا، أو ما تنتجه الخراف والدجاج، بأسعار أقل من السوق. وتُنفق عوائد الإنتاج على بعض المصاريف المدرسية، فيما تغطي الوزارة بقية المصاريف عبر مخصصات تبلغ أربعة آلاف دينار سنويًا.

المنتجات الزراعية التي تنتجها مدرسة الزمالية. تصوير مؤمن ملكاوي.

بعد تقاعدها من التعليم، ما زالت هيام العليمي تتابع أخبار المدرسة ومآل طالباتها: «كان همّي الوحيد مدرسة زراعية بمنطقة زراعية (..) أنا درّسته [للطالب] زراعي مشان يروح يدرس إنجليزي وعربي؟ ما استفدت من التعب، لازم المسار المهني يكمل مهني بالجامعة».

تقترح هيام على الدولة استصلاح الأراضي في منطقة الأغوار وزراعتها، وتوظيف خريجي الجامعات فيها من مهندسين ومتخصصين في الإنتاج النباتي والحيواني، ما قد يساهم في تخفيض معدل البطالة في المنطقة. كما تقترح إنشاء معهد زراعي متخصص باستقبال خريجات الثانوية الزراعية ليسهل عليهنّ إكمال المسار الزراعي في نفس المنطقة. وتطالب هيام، ومعها سميرة، والشوبكي الذي تقاعد هو الآخر، بإنشاء مدرسة أخرى في اللواء لأنّ مدرسة الزماليّة لا تتسع لكل البنات الراغبات بدراسة هذا المسار.

هذا العام، تقدمت 180 طالبة بطلبات التحاق بالمدرسة، قُبلت منهنّ نحو 70 طالبة. قد يكون المسار الزراعيّ جسر مرورٍ لبعض الطالبات للمنافسة على تخصصات جامعية في كليات العلوم والطب البيطري والتربية والرياضة والحاسوب والعلوم الإنسانية، لكن الأكيد أن هناك طالبات يتحيّن الفرصة للالتحاق بهذا النوع من التعليم لاكتساب مهارات إضافيّة على المهارات التي فلح أجدادهنّ فيها الأرض التي جاؤوا إليها من القرى المرتفعة القريبة قبل قرنٍ من الزمان.

  • الهوامش

    * أسماء مستعارة حفاظًا على خصوصية أصحابها.

    **هذا التقرير جزء من مشروع «عيون» للصحافة المحلية.

    [1] جمال عبدالله خريسات، رسالة ماجستير غير منشورة بعنوان «الواقع الاقتصادي في منطقة غور الأردن الشمالي: قرية الزمالية»، قسم الآثار والإنثروبولوجيا، جامعة اليرموك، 1996.

    [2] بحسب تقديرات دائرة الإحصاءات العامّة، بلغ عدد سكّان القرية 1866 نسمة حتّى نهاية العام 2021.

    [3] المدارس هي: النزهة الثانوية للبنات في لواء ماركا في عمّان، رحاب الثانوية الشاملة للبنات في المفرق، والحصن المهنية للبنات، هيا بنت الحسين الثانوية الشاملة للبنات، والزمالية الثانوية للبنات في إربد، بحسب كشف المدارس المهنية في إدارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية والتعليم للعام الدراسي 2021-2022

    [4] التقارير السنوية لمديرية تربية لواء الأغوار الشمالية للأعوام بين 1994-1996

    [5] كان التحاق الطالب في المسار الزراعي حتى العام 1999 يقتصر على أوائل الألوية فقط، ومتاح لهم الالتحاق بالكليات المتوسطة.

    [6] التقرير السنوي للعام 1997-1998 لمديرية تربية لواء الأغوار الشمالية.

    [7] أرشيف دفتر الخريجات من مدرسة الزمالية للعام الدراسي 1998-1999.

    [8] بحسب أرشيف دفتر الخريجات في المدرسة.

    [9] درس الطلبة في الفرع الزراعي مادتين إضافيتين كشرط للالتحاق بالجامعات وهما وحدتان فقط من مادتيْ الأحياء و الكيمياء للفرع العلمي.

    [10] بحسب أرشيف دفتر الخريجات في المدرسة.

    [11] بحسب دفتر خريجات المدرسة لعام 2015

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية