«جوّا الدار مش زي برّة»: عن تأثير الحظر الطويل على الحاجة إلى الحركة

الجمعة 30 نيسان 2021
رجل يركض في شارع الجامعة في عمان. تصوير محمد حجازي (لقطة من فيديو).

منذ أواخر آذار من العام الماضي، فرضت الحكومة أشكالًا مختلفة من الحظر على تنقل الأشخاص وتجوالهم في جميع مناطق المملكة للحد من انتشار وباء كورونا. واستمر الحظر الليلي الجزئي طوال هذه المدّة ولكن بتواقيت مختلفة تبعًا لأعداد الإصابات بالفيروس، لتمتدّ ساعاته إلى أقصاها في 13 آذار الفائت عندما قررت الحكومة زيادة ساعات الحظر ليبدأ في السادسة مساءً للمنشآت، وفي السابعة مساءً للأفراد، مع حظرٍ شاملٍ يوم الجمعة.

يوم الأربعاء الماضي ألغت الحكومة الحظر الشامل، وأبقت على ساعات الحظر الليلي كما هي، بما في ذلك يوم الجمعة، وسمحت بالخروج سيرًا على الأقدام لأداء صلاتي العشاء والتراويح في العشر الأواخر من رمضان. وكان الأردنيون خلال الأيام السابقة بانتظار إجراءات حكومية تخفف من الإغلاقات المرافقة للحظر، كما سبق وطالب بعضهم بتقليص ساعات الحظر لما له من آثار سلبية على الاقتصاد.

إلا أن تأثير ساعات الحظر الطويلة لم يقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط، بل مسّ كذلك قدرة الأشخاص وحاجتهم للحركة وممارسة الرياضة لأسباب صحية؛ سواء كانت علاجية أو وقائية أو حفاظًا على لياقتهم البدنية، فضلًا عن حاجتهم للتنفيس عن أنفسهم ما دعاهم للبحث عن بدائل للتخفيف من أثر تقييد حركتهم خلال الحظر.

«جسمي بطّل يتحمل»

لا يمكن لهيا عامر (26 عامًا) أن تستغني عن المشي وممارسة الرياضة، فهما جزءٌ أساسي من خطتها العلاجية للتخفيف من أعراض مرض التصلب اللويحي لديها، وهو أحد أمراض المناعة الذاتية. إذ يهاجم جهاز المناعة خلايا الجسم مؤديًا إلى تلف في المادة البيضاء المغلفة للأعصاب المركزية في الدماغ والحبل الشوكي، ما قد يؤدي إلى صعوبات في التوازن ومشاكل في النطق والبصر، فضلًا عن تيبّس الأطراف وانعدام القدرة على التركيز لمدة طويلة، مع اختلاف الأعراض وشدّتها من مريض إلى آخر.

بحسب عمر السرطاوي، اختصاصي أمراض الدماغ والأعصاب، فإن انعدام أو انخفاض الحركة وممارسة الرياضة قد يزيد من شدة الأعراض، «فإذا حجرتي هذا الإنسان وقلتيله ممنوع تمشي، (..) ممنوع تتحرك، وضعه بصير أسوأ»، يقول السرطاوي.

تعمل عامر مصممة داخلية منذ تخرجها من الجامعة عام 2017، ولتجنّب الإصابة بفيروس كورونا فقد التزمت وعائلتها منزلهم، محافظين على كامل الإجراءات الوقائية، منذ بداية الجائحة. ومنذ ذلك الوقت تعمل بشكل مستقل (freelance) وعن بعدٍ من المنزل. «مش مسترجية أشتغل بشركات، فبشتغل من البيت، وما في عدد ساعات عمل معينة، على حسب الشغل اللي بين إيدي. ببلش من الصبح، وللأسف كل الشغل بكون قعدة ع اللاب توب».

لم تتوقف عامر عن المشي يوميّا منذ اكتشاف إصابتها بالمرض عام 2017، فكانت تقطع المسافة الفاصلة بين منزلها في منطقة الشميساني ومدينة الحسين الرياضية للشباب مشيًا، وتمشي داخل المدينة أيضًا، لكن قرارات إغلاق الحدائق العامة والمتنزهات تركت لها خيارًا وحيدًا هو المشي مع والديها في الشارع المحاذي لمنزلهم في ساعات الصباح الباكر أو بعد مغيب الشمس لضمان عدم وجود أشخاص آخرين يمكن الاختلاط بهم في الشارع.

لكن هذا الخيار صار غير متاح أيضًا مع زيادة ساعات الحظر في آذار، خصوصًا أن ساعات منتصف النهار لا تناسبها إذ يجب ألّا تتعرض عامر لحرارة الشمس المرتفعة لأنها تزيد من مهاجمة جهاز المناعة لخلايا الجسم وتتسبب لها بتعبٍ شديد. وتقول إنها مع قلة الحركة باتت تشعر برجليها تتيبّس «مثل الخشب» ما يؤثر على مشيتها، وصار يلزمها بشدّة أن تمارس الرياضة. «بيجي حظر المغرب هلأ، بتحسي اليوم خلص، وجسمي بطل يتحمل لإني محبوسة ونفسيتي مش بأحسن أحوالها».

هيا عامر أثناء ممارسة رياضة القفز في مدينة الحسين الرياضية للشباب.

بحثت عامر عن بدائل تعوضها عن المشي لمسافات طويلة في الخارج، فمشت داخل المنزل ومارست اليوغا وبعض التمارين المخصصة لمرضى التصلب اللويحي، إلا أن هذا لم يُغنِها عن السير في الممشى، «النتيجة غير مرضية بس أحسن من ولا اشي»، تقول عامر. مضيفة أنها تخطط لاستغلال المدة المسموح بها بالخروج سيرًا على الأقدام لصلاتي العشاء والتراويح للمشي أمام منزلها، «بس كنا بنستنى إجراءات تخفيفية حقيقية، مثلًا ينلغى حظر الـ7 أو عالأقل ينزاد الوقت للـ11».

من جانبه، يقول أحمد النعيمات، مدير وحدة الاستجابة الإعلامية في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، إن بإمكان الأشخاص الذين يحتاجون للحركة والمشي لغايات صحية إبراز التقارير الطبية لأجهزة إنفاذ القانون لتجنّب أية إجراءات عقابية، كما يمكن لهم مخاطبة المركز أو وزارة الصحة للحصول على تصريح للخروج لهذه الغاية.

ويشير النعيمات إلى أن الحظر لا يمنع ممارسة الرياضة داخل ساحات المنازل أو على أرصفتها. «النقاط الأمنية موجودة عند مفترقات الطرق الرئيسة، ففي كثير من الأشخاص [بطلعوا]، وعندك ساعة الصلاة مثلًا كثير من الأشخاص بتجاوزوها بنصف ساعة، هل سيطبق عليهم القانون؟ إحنا أخذنا بروح القانون وليس بنص القانون في هذه الأمور»، يقول النعيمات.

انخفاض اللياقة البدنية

بدأ محمد لصوي (27 عامًا) ركوب الدراجات الهوائية عام 2016 لغايات الترفيه، ثم أصبح نشاطًا يوميًا يمارسه للتنقل والرياضة. إلى جانب ذلك، يمارس لصوي ركوب الخيل والسباحة والركض، وكان يقوم عادةً بنشاطين رياضيين على الأقل يوميًا.

اعتاد لصوي الركض لمسافات طويلة ثلاث مرات في الأسبوع، فكان يخرج في الخامسة والنصف صباحًا من منزله في شارع الجامعة راكبًا دراجته الهوائية إلى حدائق الحسين أو مدينة الحسين الرياضية للشباب، حيث يركض هناك بين 7-10 كيلومترات، ثم يعود إلى المنزل قبل أن يتوجه إلى عمله في إحدى شركات صيانة السيارات في منطقة بيادر وادي السير.

وبعد انتهاء ساعات عمله في السادسة مساءً، كان يركض مجددًا لمسافات أقصر (5-6 كم)، أو يتجه إلى النادي الرياضي، أو يمارس السباحة مرةً في الأسبوع. فيما يخصص يوم الجمعة لركوب دراجته لمسافة طويلة تصل إلى 100 كم أحيانًا، يقطعها بين ساعات الفجر والظهر برفقة عدد من راكبي الدراجات الهوائية، ثم يمارس ركوب الخيل عصر الجمعة.

محمد لصوي على درّاجته بالقرب من سدّ الكفرين، 2019.

لكن، مع سريان قرار الحكومة أواسط آذار الماضي بزيادة ساعات الحظر الجزئي لتبدأ في السابعة مساءً للأفراد، وإغلاق المراكز والأندية الرياضية ونوادي الفروسية والمسابح الداخلية والحدائق العامة، توقّف لصوي عن ممارسة معظم نشاطاته الرياضية، واكتفى بالركض صباح كل يوم لمسافة لا تزيد عن خمسة كيلومترات بين مستشفى الجامعة الأردنية ودوّار صويلح في مسار الباص السريع في شارع الملكة رانيا.

قلّل لصوي ساعات عمله ليغادره في الخامسة بدلًا من السادسة، لكن هذا لم يسعفه في إيجاد وقت للرياضة إذ أنه يستغل الساعتين المتبقيتين من يومه في تأمين احتياجاته اليومية. «يا دوب أوصل أجيب اللي بحتاجه للدار من السوق وأرجع (..) هسة محشور بالبيت ما بقدر أعمل أي نشاط»، يقول لصوي.

يقول لصوي إن لياقته البدنية بدأت بالانخفاض منذ الحظر الشامل في آذار العام الماضي، واستمرت بالتراجع مع الإغلاقات المتكررة لبعض القطاعات، وأنها انخفضت بشكل ملحوظ مع زيادة ساعات الحظر الجزئي، «بتعب بشكل أسرع من أول (..) ورح أضطر أرجع أتدرب ع كثير أساسيات للسباحة وغيرها، يعني بدي 6 أشهر لترجع لياقتي زي ما كانت».

وفي محاولة منه للحفاظ على لياقته، يمارس لصوي تمارين الاستطالة والقفز عن الحبل داخل منزله، مشيرًا إلى أنه من الصعب شراء أجهزة رياضية كهربائية لاستخدامها في المنزل نظرًا لارتفاع تكلفتها، «الرياضة جوّا الدار مش زي برة، بس أطلع بشوف طبيعة، بشوف الناس (..) هاي الشغلات كلها بتشجعني وأنا بلعب، أما بالبيت كل شي ممل».

يرى لصوي أن قرار الحكومة إيقاف العمل بالحظر الشامل يوم الجمعة سيمكّنه من ممارسة الرياضة خارج المنزل كما كان يفعل سابقًا، فيما سيستغل الدقائق الـ45 المسموح بها لأداء صلاة العشاء بالذهاب إلى المسجد، «رح أغتنم الوقت لصلاة التراويح (..) بكفي حرمونا الأيام الأولى منها». 

سطح البناية مساحةٌ بديلة

قبل الجائحة، اعتادت غزالة الشربجي (48 عامًا)، وهي ربة منزل وأمّ لخمسة أبناء، على المشي ساعة على الأقل مرتين يوميًا مع زوجها المتقاعد (56 عامًا) في الشوارع القريبة من البناية التي يسكنون إحدى شققها في منطقة عين الباشا؛ مرةً مع شروق الشمس، والثانية عند مغيبها أو بعد ذلك.

كما التزمت الشربجي في السنوات الخمس الأخيرة بممارسة الرياضة وارتياد نادٍ رياضي بشكل منتظم، فيما يحاول زوجها قضاء حاجياتهم دون الاستعانة بسيارة أو ركوب المواصلات العامة. «بِحب المشي كثير من زمان، ولو صحّله يمشي ساعتين ثلاث عادي، وممكن ينزل من عين الباشا للبقعة مشي»، تقول الشربجي.

بالإضافة إلى ذلك، كانت الشربجي تقضي أحيانًا بعض وقتها في الهواء الطلق ساعة العصر مع جاراتها في ساحة فارغة قريبة من منازلهن. لكن هذه العادات توقفت لديهم مع سريان الحظر الشامل في آذار العام الماضي، وصار رصيف البناية هو المساحة الوحيدة المتاحة للمشي بعد مغيب الشمس. فما كان من عائلة الشربجي إلا استثمار سطح البناية بديلًا عن تقييد حركتهم، فهيّأوا السطح للجلسات العائلية بإضافة أحواضٍ لنباتات وورود عطرية، وأخرى للزينة، «وحطيت كنبايات وكراسي وطاولة» تقول الشربجي، وصارت هذه المساحة مكانًا مشتركًا لسكان البناية، «كل يوم بطلع عند الزريعة (..) وكل أسبوع مع الجارات بنقعد بعد صلاة العشا».

تقول الشربجي إن سعيهم لإيجاد البدائل مرتبط بمحاولتهم للحفاظ على لياقة أجسامهم وصحتهم النفسية، ووقاية أنفسهم من الأمراض المزمنة كالسكري مثلًا. وترى أن الإجراءات التخفيفية التي أعلنت الحكومة عنها ليست ذات جدوى، «ما إلها داعي، لإنه ما بتعمل اشي، بس الصلاة أهم اشي، وبعدين ممكن نمشي، هاد الاستغلال الوحيد اللي ممكن أعمله».

من ناحية أخرى، حصلت الشربجي وزوجها على لقاح كورونا أوائل آذار الماضي، وكانت الحكومة قد أعلنت أواسط الشهر نفسه أنها تعمل على تنفيذ «محفزات» لتشجيع المواطنين على أخذ لقاح كورونا، منها منح الحاصلين على المطعوم تصاريح للخروج أثناء ساعات الحظر.

وقدمت خلية أزمة كورونا في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات للحكومة مؤخرًا توصيات ومقترحات تحفيزية لموظفي القطاع العام والخاص لتشجيعهم على أخذ لقاح كورونا. يقول النعيمات إن تقديم الحوافز لمتلقّي اللقاح واستثنائهم من الإجراءات الاحترازية ما زال قيد الدراسة من حيث ضمان عدم تزوير شهادات اللقاح، ومدى تأثير المحفزات على الاقتصاد والمناعة المجتمعية، ومدى تشجيعها للمواطنين على تلقي المطعوم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية