كيف أثّر حجب تيك توك في الأردن على تجربة المستخدمين؟

الأحد 30 نيسان 2023
المصدر: نيويورك تايمز.

حجب الأردن في مناسبات مختلفة منصات تواصل اجتماعي أو بعض الخدمات التي تقدمها، مثل حجب منصة كلوب هاوس بالتزامن مع قضية الفتنة، وحجب البث المباشر على الفيسبوك خلال الاحتجاجات الشعبية الرافضة لحل نقابة المعلمين الأردنيين، فضلًا عن حجب إجراء المكالمات الصوتية عبر الإنترنت على تطبيق واتساب لمنافستها لشركات الاتصالات. كان حجب تيك توك هو آخر هذه القرارات التي تزامنت مع تظاهرات وإضرابات عدّة نظّمها بشكل رئيسي سائقو الشاحنات في معان احتجاجًا على ارتفاع أسعار المشتقات النفطية. منذ أربعة أشهر، فقد 4.43 مليون مستخدم في الأردن وصولهم لتطبيق تيك توك، على خلفية ما وصفه بيان مديرية الأمن العام بـ«الإيقاف المؤقت». وتعتبر الأردن أول دولة عربية تقوم بحجب تيك توك بشكل كامل في ظل هجمة يتعرض لها التطبيق من بعض الدول الغربية، كان آخرها استجواب رئيس تيك توك، شو تشيو، أمام الكونغرس الأمريكي لمناقشة المخاوف المتعلقة بوصول الحكومة الصينية للبيانات.

تحظر الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا ونيوزيلندا وأستراليا (ما يسمى بشركاء تبادل المعلومات الاستخباراتية)، وفرنسا وهولندا والنرويج وبلجيكا والدنمارك وإستونيا ومؤسسات الاتحاد الأوروبي والهند وتايوان استخدام التطبيق على الأجهزة الحكومية، بسبب ما يقولون إنه مخاوف أمنية، بالاضافة إلى باكستان وأفغانستان، لأسباب أخلاقية، في حين تبرر الحكومة الأردنية قرارها بـ«إساءة استخدامه المنصة وعدم تعاملها مع منشورات تحرّض على العنف ودعوات الفوضى»، بحسب بيان الأمن. فيما قال وزير الاتصال الحكومي، فيصل الشبول، في مقابلة تلفزيونية إن الحكومة تتبنى «التجربةَ الأوروبية في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي».

مع استمرار الحجب إلى اليوم، تغير استخدام تيك توك والتفاعل معه في الأردن، سواء من قبل المستخدمين العاديين أو صناع المحتوى، فمنهم من حاول تجاوز الحجب عن طريق الاتصال بالشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، أو من توقفوا بالكامل عن استخدام التطبيق متجهين أحيانًا إلى منصات أخرى.

«زي تيك توك ما في»

اعتادت آيات، 37 عامًا، وهي فنيّة مختبر وأم لطفليْن، أن تقضي ما لا يقل عن ثلاث ساعات يوميًا في متابعة محتوى الفيديوهات السريعة للطبخ والترفيه والتجارب الاجتماعية على تيك توك. تصف آيات تجربتها مع التطبيق بـ«السوسة (..) ما أقدر أشيل التلفون من إيدي»، وتعزو ذلك لسهولة استخدام التطبيق وتنوع المحتوى الذي يقدمه واستجابته لتفضيلات المستخدمين، «بدك ناس تحط حالها بطحين وشامبو موجود، بدك محتوى سياسة ودين موجود». بعد قرار الحجب، توجهت آيات لمتابعة «التيك توكرز» المفضلين لها على تطبيق السناب شات، الذي ترى أنه أكثر التطبيقات شبهًا بالتيك توك من ناحية طبيعة المحتوى، مع أنه «زي التيك توك ما في»، تقول آيات. 

يتيح تيك توك فرصًا أكبر من بقية منصات التواصل الاجتماعي في الوصول للمتابعين، كما يقول عبدالله الطحان، وهو صانع محتوى ترفيهي ساخر، يتابعه 5.9 مليون شخص. يتذكر الطحان أول فيديو نشره على المنصة وحصل على 800 مشاهدة، منحه هذا الرقم «دَفعة» وشجعه على الاستمرار بالنشر في التطبيق الوحيد الذي يتيح خيارات تصوير الفيديوهات وتصميمها وتعديلها ونشرها في مكان واحد، بحسب قوله. لا يعتبر الطحان أن قرار الحجب قد قيّد وصول محتواه، وذلك لأن 25% فقط من متابعيه من الأردن، إلا أن القرار أثّر عليه بطريقتين، الأولى هي الاستمرار بنشر الفيديوهات على تيك توك، مع محاولة التعبير عن أفكاره بإنتاج المحتوى الذي لا يعتمد على اللغة، وهو ما يزيد من انتشار الفيديوهات في دول أخرى ويوسّع شريحة المتفاعلين معها. والثانية هي التركيز أكثر على منصات الفيديوهات الأخرى، إذ يستثمر الطحان منذ حجب التطبيق في نشر فيديوهات الـshorts على يوتيوب، الأمر الذي مكنّه من رفع عدد متابعي قناته من نحو 400 ألف إلى مليون خلال فترة قياسية.

«تضررت في رزقي» 

يجني صناع المحتوى على تيك توك المال بشكل رئيسي عن طريق البث المباشر/ اللايف، حيث يرسل المتابعون «الهدايا المالية» بعد تفعيل خاصية الربح من المشاهدات. صبا شمعة، صانعة محتوى ترفيهي يتنوع بين الغناء والطبخ والتجارب والتحدّيات وغيرها، ويتابعها مليونا شخص، ترفض اللجوء إلى البث المباشر كمصدر للدخل، بسبب تصرفات المشاهير ممن تدفعهم النقود لفعل أي شيء، حتى لو كانت «تصرفات غير لائقة بتخرب سمعة الشخص وسمعة التطبيق» كما تقول. «كانت فيديوهاتي تضرب بالملايين، وهاي خسارة أكبر من خسارة المصاري»، تقول صبا التي انخفض معدل استخدامها للتطبيق وإنتاج المحتوى عليه من ستّ ساعات يوميًا إلى دقائق معدودة بين الحين والآخر، ومن ثلاثة فيديوهات أسبوعيًا على الأقل إلى تغطيات قليلة تنشرها وقت السفر أو «التريندات»، كما انخفض عدد المشاهدات على الفيديوهات التي تنتجها من الملايين إلى 300-500 ألف مشاهدة فقط.

قبل الحجب، شكّل تيك توك لصبا منصةً تدعم شهرتها ومحتواها حتى خارج تيك توك نفسه، في العام الماضي، نشرت صبا على تيك توك فيديو لها تغني أغنية أجنبية شهيرة، حصل الفيديو على 15 مليون مشاهدة، وانعكس ذلك في زيادة متابعيها على إنستغرام بأكثر من 60 ألفًا، وهو ما عزز بشكل غير مباشر فرصتها بالحصول على شراكات دعائية مع علامات تجارية. 

خسرت صبا عقدًا إعلانيًا كانت قد وقّعته قبل رمضان يشترط نشر فيديوهات على تيك توك باستخدام «فلتر» معين تصممه ليحمل لوجو الشركة أو شعارها أو ألوان هويتها البصرية، وتحث متابعينها على تجربته، وهو ما يسميه تيك توك إعلانات التأثير الخاص بالعلامة التجارية (Branded effect). «بسبب الحظر، تضررت في رزقي»، تقول صبا، حيث تسبب حجب تيك توك في خفض الإقبال على التطبيق من المستخدمين في الأردن، الذين يشكلون غالبية متابعيها. 

«الـVPN بخرّب الجهاز»

بدأت نهاية (50 عامًا)، وهي أم لثلاثة أطفال، باستخدام تيك توك خلال فترة الإغلاق الذي رافق جائحة كورونا، بهدف التسلية وتجاوز حالة نفسية صعبة مرت بها على خلفية وفاة أختها. «كنت اشوف بنتي واقفة ع المراية وبتعمل حركات، أفكرها مجنونة»، لكن الصغيرة هي نفسها من شجّعت والدتها على المشاركة في بث مباشر يومي تحكي فيه القصص الشعبية. جمعت نهاية 23 ألف متابعًا خلال أقل من عامين شاركت فيهما مئات المرات في بث مباشر، لكنها توقفت بشكل كامل عن استخدام التطبيق بسبب قرار الحجب وصعوبة الاتصال بالشبكات الافتراضية الخاصة التي تلجأ لها لتجاوز الحجب، «بزبطش أجمع المتابعين، بعدين يقطّع اللايف». 

تقول نهاية إن «الـVPN بخرّب الجهاز» ويجعله ثقيلًا، وهو ما تواجهه آيات وصبا والطحان أيضًا، إلى جانب أعطال التطبيقات وانخفاض شحن البطارية بشكل أسرع وزيادة استهلاك حزم الانترنت فور الاتصال بشبكة افتراضية خاصة. أمّا محمد، 26 عامًا، وهو موظف في شركة سيارات، فيدفع عشرة دولارات شهريًا للاشتراك في تطبيق VPN يمكّنه من الاتصال بالتطبيق بأقل قدر ممكن من التحديات المذكورة. لم يؤثر قرار الحجب على متابعة محمد لتيك توك، بحسب قوله، لكنه صعّب استخدامه له، حيث يضطر إلى تفعيل الاتصال بالشبكات الخاصة واستخدام باور بانك بشكل مستمر.

صرّحت الشركة المالكة لتيك توك أنها أجرت محادثات مع السلطات الأردنية لرفع الحجب عن التطبيق، وحذفت أكثر من 310 ألف مقطع فيديو، حوالي 86% منها لم يتلقَ أي مشاهدات، لكن يبدو أن هذه الإجراءات لم تكن كافية.

يعتقد محمد أنه غير قادر على الاستغناء عن تيك توك، وأن التطبيقات الأخرى لا تشكّل بديلاً عنه، إذ يتابعه على الأقل لمدة ثلاث ساعات يوميًا. وكذلك يتوقع أن يستمر في تجديد اشتراكه بالتطبيق المدفوع، لأن ذلك يتيح له الوصول لبعض ألعاب الفيديو وتطبيقات مكالمات الفيديو المحظورة في الأردن. «شو ذنبي أنا يحظروا عني التطبيق». لا يبدو التبرير الرسمي لحجب تيك توك مقنعًا لمحمد، معتبرًا أن الجهات الرسمية يمكنها عدم تعميم المنع والتعامل مع خطابات الكراهية والتحريض التي يرصدونها عبر تيك توك بشكل منفصل، مثلما يقومون بذلك على فيسبوك وتويتر وإنستغرام. 

أخيرًا، صرّحت شركة «بايت دانس» الصينية المالكة لمنصة تيك توك في بيان لها منتصف كانون الثاني الماضي أنها أجرت محادثات مع السلطات الأردنية لرفع الحجب، وقامت بحذف أكثر من 310 ألف مقطع فيديو، حوالي 86% منها لم يتلقَ أي مشاهدات، حيث ستواصل «فرق العمل اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد أي محتوى ينتهك الإرشادات». لكن يبدو أن هذه الإجراءات لم تكن كافية لإعادة خدمات المنصة في الأردن، إذ قال رئيس وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية، الرائد عبد الهادي الطاهات، في مقابلة تلفزيونية، إن منصة تيك توك لن تعود إلى عملها إلا بالتزامها بالمعايير والقوانين الأردنية.

وكانت «حبر» حاولت الحصول على موافقة لإجراء مقابلة صحفية مع وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية التابعة لمديرية الأمن العام، لمعرفة آخر المستجدات حول المحادثات بين الشركة والسلطات الأردنية، لكن دون الحصول على ردّ.

يُذكر أن الأردن قدّم في آذار الماضي مقترحًا لمشروع قانون استرشادي عربي، ينظّم وسائل التواصل الاجتماعي وإزالة المحتوى «غير القانوني»، بما فيه المحتوى الذي يؤدي إلى إقلاق السلم المجتمعي والحض على الإرهاب والجريمة والعنف والتطرف، مقترحًا رصد منصات البث الرقمي ومتابعة محتواها، وفرض عقوبات على وسائل التواصل الاجتماعي المخالفة، كالحجب المؤقت لحين تصويب المخالفات، إضافةً إلى غرامات مالية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية