حظر التنزه في مناطق مائية: «وين تروح الناس؟»

يافطة تحذر من السباحة والصيد في سد الملك طلال. تصوير دانة جبريل.

حظر التنزه في مناطق مائية: «وين تروح الناس؟»

الخميس 25 نيسان 2019

يجلس نضال المياس قرب كانون الشواء، محاولًا إشعال النار ليعلن بدء رحلة انتظرها أطفال العائلة إلى سدّ الملك طلال. احتلت العائلة تلة غير بعيدة من حدود مياه السد، باستثناء زوجة نضال التي اعتلت صخرة مرتفعة لتكشف منها حركة الأطفال، لتحذرهم من الاقتراب من المياه.

في الجمعة الأولى من شهر نيسان، التي أطلقت عليها دائرة الأرصاد الجوية اسم «جمعة الرحلات»، جاءت عائلة نضال من الرمثا إلى سد الملك طلال بعد إصرار الأطفال على زيارة مكان يحتوي على الماء. جمّع الأبناء كلفة الرحلة من مصروفهم وجاءوا للمكان، قبل أن يكتشفوا أن الدخول إلى منطقة السد ممنوعة.

أوقفت العائلة سيارتها عند البوابة التي أقامتها سلطة وادي الأردن لمنع الناس من دخول السدّ، والتي يمتد على جانبيها سياج حديدي، ثم وجد أبناؤها ثقبًا في السياج فدخلوا منه، ومثلهم فعلت عشرات العائلات في ذلك اليوم.

على امتداد سد الملك طلال وسد وادي شعيب، الممنوعين أمام التنزه، حضر مئات الناس في تلك الجمعة، في مشهد تقول سلطة وادي الأردن إنه يتكرر في منشآت مائية أخرى تحت اختصاصها، تشهد حركة تنزه دائمة رغم أنها غير مخصصة للسياحة ولا السباحة ولا الصيد.

مؤخرًا، أصدرت وزارة السياحة تنويهًا يقضي بحظر السياحة في أماكن قالت الوزارة أنها غير مصنفة ضمن مواقعها السياحية، وهي سد الملك طلال، وسد وادي شعيب، وقناة الملك عبد الله، وسد الموجب، وقناة الكرامة في الأغوار، ووادي الزرقاء ماعين، وزارة البحر الميت. في وقت تحذر فيه المديرية العامة للدفاع المدني من إن النتيجة شبه الحتمية للسباحة في السدود هي الغرق، بحسب الناطق باسم الدفاع المدني الرائد إياد العمرو.

تجول هذا التقرير في بعض هذه الأماكن التي يُمنع التنزه فيها رسميًا. في بعض مناطق السدود، امتنع العديد من المتنزهين عن إحضار عائلاتهم خوفًا من عدم القدرة على السيطرة عليهم. آخرون بقوا متأهبين طوال الرحلة لضبط أطفالهم، لكنّ أحدهم سمح لابنه ببعض التجاوزات في النزول للماء، «لأنه الطفل من حقه يشوف مي»، بحسب والده عدنان المحاميد.

يسأل معظم المتنزهين الذين تحدثنا إليهم عن سبب منع تلك الأماكن بالكامل، مع اعتقادهم بوجود فرصة لتنظيم وفتح تلك الأماكن بدل حظرها. كما يسألون عن الجهود الرسمية في خلق البدائل عند الإصرار المنع، بينما توضح جهات رسمية أن التداخل في الصلاحيات يعيق تنظيم أماكن تنزه قريبة من تلك المسطحات.

نضال المياس يوقد النار للشواء في رحلة عائلية إلى سد الملك طلال. تصوير دانة جبريل.

«أي إشي فيه انبساط للشعب بمنعوه»، يقول عادل السعود، القادم مع عائلته من الطفيلة. في طريقها إلى الحمة في الشمال، توقفت العائلة عند سد الملك طلال، ودخلت من ثقب الشيك لرؤية السد للمرة الأولى. تقف العائلة على حدود السد لدقائق قبل أن تعود لسياراتها، بعد أن سلكت منحدرًا ترابيًا غير مجهز للمشي، يفصل بين السياج الذي أقامته من سلطة وادي الأردن وحدود السد.

على حدود السد، تنوع سلوك القادمين، بين راغب في الشواء مع عائلته، وهارب من عائلته مع أصدقائه، وهاوٍ للصيد، وعائلة شابة من زوجين وطفل، جاءت لتسترخي على كراسٍ تطل على السد، وإلى جانبها إبريق شاي. «شوفي ما أحلى هالمكان»، يقول الزوج يمان. «مش حرام يكون ممنوع؟».

عائلة عادل السعود. تصوير دانة جبريل.

«المنع مش حل» يقول علاء الخزاعلة، القادم مع أصدقائه، وهو يرى أن منع التنزه غير قابلٍ للتطبيق في ظل بقاء المواطن «محصورًا» في أماكن محددة للتنزه، معظمها يفتقر للماء. إذ يرى علاء أن الناس ستبقى تحاول التحايل على كل أشكال المنع للدخول، وهو ما يجعل على الحكومة التفكير بتنظيم المكان وفتحه بدلًا من استمرار إغلاقه، بحسبه.

إلا أن علاء وأصدقاءه يرفضون القدوم مع عائلاتهم لهذا المكان. «بحط للولاد طشت مي ع السطح ولا أجيبهم لهون»، يقول عيسى المخادمة، نظرًا لصعوبة السيطرة على الأطفال ومنعهم من النزول للماء، بحسبه.

«ليش الناس بدها تتأذى إذا الحكومة عملتلي مكان فش في خطورة؟» يسأل يمان، مطالبًا بفتح المكان وجعله آمنًا وسهلًا للوصول، في وقت يتفق به المتحدثون على خطورة السباحة والنزول للمياه في السد، وضرورة بقائه ممنوعًا، ويقترح بعضهم تشييك السد لمنع السباحة فيه.

علاء الخزاعلة وعيسى المخادمة وأصدقاؤهم. تصوير دانة جبريل.

قرب البوابة التي وضعتها سلطة وادي الأردن أعلى تلك المنطقة لمنع الناس من الاقتراب إلى جسم السد، يداوم حارس يرفض مفاوضة الناس على الدخول، لكن الخرق الذي أحدثه الناس في السياج يمكنهم من المرور. يقول الحارس إنه رغم المنع، تظل سيارات سلطة وادي الأردن وموظفوها في تجول مستمر على حدود السد في محاولة للسيطرة ومنع الناس الذين تمكنوا من تجاوز السياج من النزول للماء.

يستغرب الناطق باسم وزارة المياه، عمر سلامة، مطالبات تنظيم التنزه داخل جسم السد، وهي منشآت مائية تمنع السياحة فيها في كل دول العالم، برأيه، نظرًا لكونها مخصصة للري والشرب فقط. ويقول سلامة إن التنزه في تلك المناطق يشكّل خطرًا على الناس نظرًا لخطورة النزول للماء، كما يلوث السدود نتيجة رمي النفايات والاعتداء على المياه.

بحسب سلامة، تتكبد سلطة وادي الأردن سنويًا خسائر كبرى في استبدال الأسيجة التي خرقها الناس للدخول، أو قصّها البعض للاستفادة من حديد السياج وبيعه، إضافة إلى المبالغ التي تدفعها السلطة لإعادة تشغيل تلك المنشآت بعد تلويث المتنزهين لها. في العام الماضي، دفعت السلطة نصف مليون دينار لإعادة تأهيل قناة الملك عبد الله وحدها، وهي مبالغ أصبحت تدفعها سنويًا في ظل استمرار المخالفات. هذا إلى جانب الخسائر في الأرواح نتيجة السباحة في أماكن غير مخصصة.

يقول العمرو، الناطق باسم الدفاع المدني، إن خطورة السباحة في السدود تكمن لعدم وجود تدرج في قاع السد كما هو الحال في الشطآن، حيث أن عمق المياه يزيد فجأة في طرف السدود، مع انعدام للرؤية داخل المياه. «الغريق يفارق الحياة في أقل من خمس دقائق» يقول العمرو.

لكن رغم تحذيره من السباحة في السدود، إلا أن العمرو في الوقت ذاته يوضح أن عدد حالات الغرق في السدود هي الأقل ضمن حوادث الغرق، لأن النسبة الكبرى من المواطنين تعي خطورة المكان ونادرًا ما تنزل قاصدةً السباحة في السد. المهم، بحسبه، هو توعية الأطفال ومنعهم من الاقتراب من السد، نظرًا إلى أن بعض الحوادث تكون نتيجة نزول الأطفال للمياه، غير مدركين للخطر الذي يهددهم.

متنزهون قرب سد الملك طلال. تصوير دانة جبريل.

«المناطق الآمنة بدها مصاريف»

على بعد رحلة نصف ساعة بالسيارة من سدّ الملك طلال باتجاه منطقة الكرامة في محافظة البلقاء، توقفت العديد من السيارات بجانب سيل صغير يصب في سد وادي شعيب. على جانبي السيل، ترتفع أشجار الكينا العالية، حتى أصبحت إحدى مناطقه تعرف بالكنايات، بحسب رئيس بلدية الشونة الوسطى إبراهيم العدوان، الذي يصف تلك المناطق بالآمنة للناس نظرًا لقلة منسوب المياه فيها، لكنها تفتقد التنظيم والمرافق بحسبه.

سدّ وادي شعيب هو أحد المناطق السبعة التي حظرت وزارة السياحة زيارتها مؤخرًا. على أحد زوايا السد، جلست عائلة عدنان المحاميد المكونة من ثمانية أشخاص تحت شجرة وحيدة في المنطقة. يقوم زوج أحد بنات عدنان بالشواء، في حين يسبح كرم، الابن الأصغر للعائلة، في مياه السد في منطقة قريبة من والديه.

يقول عدنان إنه يراقب كرم ولا يسمح له بالابتعاد أكثر من خطوات معينة لأنه يدرك حجم الخطورة في السباحة داخل السد، لكنه لا يملك منعه أمام إصرار الطفل «المحشور» في المنزل لأيام طويلة ويرغب في الاستمتاع بالماء.

على مدار شهر كامل، خططت عائلة المحاميد مصاريف الرحلة التي بلغت ستين دينارًا، وهو مبلغ شكل ضغطًا على موازنة الأبوين اللذين يعملان لسد احتياجات الأسرة الأساسية، بحسبهما، إذ يعمل عدنان سائقًا، وتعمل بسمة في مصانع للخياطة. «بكون الواحد عنده ضغط نفسي من الشغل من الروتين من الحياة، فالواحد بقول هالمرة يلا بكسرها»، تقول بسمة حول مصروف الرحلة.

قطعت العائلة ساعة ونصف لتأتي من الزرقاء، لتزور سد وادي شعيب للمرة الأولى، لكنها تخرج في موسم الربيع في كل عطل نهاية الأسبوع لأماكن أخرى، تفتقد كلها للمياه.

عائلة عدنان المحاميد وبسمة خلف، وابنهما كرم يسبح في مياه سد وادي شعيب. تصوير دانة جبريل.

تقول بسمة إن الأماكن الآمنة التي تحتوي على المياه جميعها تحتاج لمصاريف لا تقدر عليها العائلة، من رسوم للدخول وغيرها من استخدامات للمرافق، وتضرب بحمامات ماعين مثالًا، بعد أن سمعت أن رسوم دخولها تبلغ 10 دنانير للفرد، ما يجعل ذلك مستحيلًا بالنسبة لعائلتها. «المناطق الشعبية العادية أخف تكاليف ومصاريف، صح الواحد بعرف إنها مناطق خطر، بس المناطق السياحية والآمنة بدها مصاريف، بدها طلبات كثيرة، بدها حسبة غير هيك».

يرفض عمر سلامة، الناطق باسم وزارة المياه، تبرير مخالفة الناس للقوانين والتعليمات التي تمنع تواجدهم في هذه الأماكن، نظرًا لأن هذه المخالفات قد تكلفهم حياتهم. في حين لا يلوم أستاذ السياحة والبيئة في الجامعة الأردنية، زياد الروابية، الناس بعد انعدام المرافق المائية البديلة. إذ يقول الروابية إن الدولة لم تهيئ مرافق أخرى أمام الناس، كمطلات قريبة من مسطحات مائية صديقة للناس البسطاء، بحسبه.

يذكر جميع المتحدثين في هذا التقرير من المتنزهين قرب سدّي الملك طلال ووادي شعيب، وآخرون التقيناهم في حمامات عفرا في الطفيلة، أنهم يتنزهون في أماكن عدة معظمها لا يحتوي على الماء، والمناطق المائية القليلة التي يعرفونها جميعها فيها عوائق تجعلهم يفضلون دائمًا البحث عن مناطق بديلة، كازدحام الموقع بالناس، أو وجود بعض «الزعران» في المنطقة، كما يقول نضال ويمان.

تجنبًا للازدحام، يلجأ الشابان عماد العبيات ويوسف الترك إلى استغلال أيام الأسبوع للتنزه مع عائلتيهما في تلك المناطق، وهي الخطة التي يتبعها الزوجان يمان وإسراء، اللذان يطلبان مغادرات من أعمالهما خلال الأسبوع لبضع الساعات صباحًا من أجل تنزه هادئ.

عماد العبيات ويوسف الترك واثنان من أصدقائهما. تصوير دانة جبريل.

في رده على سؤال عن مخالفته منع الدخول لمنطقة السد، يسأل عماد «وين تروح الناس؟ عندك بديل؟»، فيما يعلق يوسف «كلشي بهالبلد ممنوع ممنوع». في حين يعتبر الناطق باسم جمعية الأدلاء السياحيين، لؤي النوافلة، أن فقر المياه في الأردن يصعّب التنزه الداخلي أمام العائلات الباحثة عن الماء، لذا يصبح التوجه للمتنزهات والأحراش الأكثر رواجًا في سلوك المتنزهين الأردنيين.

إلا أن مبرر فقر المياه بحسب الروابية هو سبب إضافي كي تتدخل الحكومة في إدارة المسطحات المائية وتتيحها أمام الناس. «هل يعقل [في] دولة شلال طبيعي يتم احتكاره؟ هذا ملك للناس»، يقول عن حمامات ماعين التي يديرها منتجع حمامات ماعين، لقاء رسوم دخول للمنطقة العامة تبلغ 10 دنانير للأردنيين، وهي المنطقة التي تحتوي على شلال وبرك. وبحسب قسم الاستقبال في المنتجع، فإنه لا يمكن الوصول لمنطقة الشلال دون دفع رسوم الدخول للمنتجع. يحدث هذا أيضًا مع مختلف المناطق المائية القليلة في الأردن، بحسب الروابية، كشاطئ البحر الميت الذي يدخل ضمن أراضي شركة المناطق التنموية، التي تستثمر تلك الشطآن في إقامة الفنادق والمنتجعات السياحية، وكشاطئ العقبة الذي تضاءلت المساحة العامة المفتوحة فيه بعد أن أقامت منطقة العقبة الاقتصادية مشاريع استثمارية عديدة عليه. هذا التضاؤل في الأماكن المائية المتاحة للفقراء في الأردن يدفعهم، بحسب الروابية، نحو أماكن قد تهدد سلامتهم.

متنزهون ويافطات قرب مياه سد وادي شعيب. تصوير دانة جبريل.

ما البدائل المتاحة بعد الحظر؟

يصنف نظام إدارة المواقع السياحية لسنة 2014 المواقع السياحية التي تتبع لوزارة السياحة والآثار التي تديرها وتشرف عليها بشكل مباشر.

بموجب هذا النظام، يصدر في الجريدة الرسمية أسماء مواقع يتم تعريفها كمواقع سياحية. لا يعني ذلك أن الأماكن غير المذكورة في تلك القوائم هي غير صالحة للتنزه. بحسب وزير السياحة والآثار السابق، نضال قطامين، فقد جاء النظام جاء لغايات إدارة وتطوير المواقع السياحية والمحافظة عليها والارتقاء بمستوى الخدمات السياحية المقدمة فيها، وإيجاد إطار تنظيمي واضح لإبرام عقود إدارة وتشغيل هذه المواقع مع المستثمرين، لإنشاء وتشغيل مرافق خدمية، بهدف جذب المزيد من السياح وتشجيع السياحة الداخلية وخلق فرص عمل جديدة لأبناء المجتمعات المحلية في هذه المواقع.

من بين المواقع التي تشرف عليها وزارة السياحة، ثلاثة مواقع فقط تحتوي على الماء، بحسب جداول المرفقة لنظام ادارة المواقع السياحية والمنشورة في الجريدة الرسمية، وهي حمامات عفرا والبربيطة في الطفيلة، ووادي بن حمّاد قرب الكرك. وتدير شركات خاصة مرافق منطقتي البربيطة ووادي بن حمّاد. فبحسب سائد العوران الذي يعيش في الطفيلة، فإن مستثمرًا محليًا أقام منتجعًا في حمامات البربيطة يتكون من بركتين للنساء والرجال وساحات ومنطقة ألعاب للأطفال وحمامات وغيرها لقاء رسوم دخول لا تقل عن دينارين للعائلة بحسبه. «مرات في عيل بتدفعله خمسة، مرات أكثر، حسب قدرة العيلة»، يقول العوران. بالتالي، فإن حمامات عفرا هب الموقع المائي الوحيد المصنف رسميًا كموقع سياحي، والذي ما زالت وزارة السياحة تديره.

على منحدر جبلي في موقع حمامات عفرا، أقامت وزارة السياحة العديد من البسطات المظللة المهيئة للتنزه تحتها. وتوجد في الموقع بركتا سباحة، واحدة للنساء وأخرى للرجال، تصب فيهما مياه ينابيع معدنية ساخنة. وفي ساحات المكان، تشرف مديرية سياحة الطفيلة وموظفون تابعون لوزارة السياحة على إدارة الموقع، إضافة إلى وجود الدفاع المدني والشرطة السياحية.

متنزهون في حمامات عفرا. تصوير دانة جبريل.

العديد ممن تحدثنا إليهم، الذين جاء أغلبهم من الطفيلة ومعان والكرك، وجدوا في المكان مقومات تساعدهم على التنزه والسباحة في البرك المائية وتحضير وتناول وجبات الطعام في المكان، في ظل رسوم دخول وصفوها بالمعقولة، رغم أن البعض اشتكى من نظافة بعض المرافق، ونقص بعض الخدمات.

العشرات من العائلات القادمة من مناطق الجنوب تجد في منطقة عفرا متنفسًا لها. فرغم أن طبيعة المكان لا تحتوي على الأشجار أو المناظر الطبيعية التي تحبها سلام الكسراوي وأفنان الحوامدة، القادمتين من الكرك، لكنه يظل «أحسن من بلاش»، كما تقول سلام.

داخل بركة حمامات عفرا للنساء، تقول إيمان، التي جاءت من الزرقاء مع عائلتها، إنها تأتي للمكان لأغراض علاجية فقط. فهي المصابة بشلل نصفي، وتأتي لحمامات عفرا ثلاث أيام متتالية سنويًا في شهر نيسان، نظرًا إلى أن مياهها علاجية.

تقيم إيمان وعائلتها خلال هذه الأيام الثلاثة في الحافلة التي تقلهم إلى المكان، والمصطفة في كراج السيارات في الموقع. تدفع العائلة لقاء الإقامة 10 دنانير للأيام الثلاثة، ويدفع كل فرد في العائلة دينار واحد لقاء دخوله. لا توجد حاليًا خيارات للمبيت في الموقع، بعد إغلاق الشاليهات التي كانت مقامة بالقرب من برك المياه الساخنة، إثر انتهاء عطاء الشركة التي كانت تدير المكان، ولم يفتح المكان للعطاء مجددًا.

الطريق إلى حمامات عفرا من عمان استغرقت نحو ساعتين ونصف، ليصبح بعد المسافة عائقًا آخر أمام تنزه سكان محافظات الشمال والوسط في هذا المقصد المائي.

حاولت بلدية الشونة الوسطى، التي يقع ضمن حدودها سدّ وادي شعيب، وبلدية المعراض، التي يتبع لها سد الملك طلال، أن تفكرا بمشاريع تستغل تلك المناطق وتنظمها. إذ يقول عضو مجلس بلدية المعراض، عدنان الخوالدة، إن البلدية كانت لديها فكرة إقامة مطل بانورامي يشرف على سد الملك طلال، ويكون متاحًا أمام الناس، إلا أن كلفة دراسة الجدوى والبحث عن جهة تستثمر المكان تتطلب إمكانيات مادية غير متوفرة لدى البلدية.

أما رئيس بلدية الشونة الوسطى، إبراهيم العدوان، فيقول إن البلدية حاولت أن تستثمر في المنطقة القريبة من جسم سد وادي شعيب، وهي منطقة السيل الجاري قرب السد، الذي يعلوه جسر الكنايات ومناطق عليها إقبال من المتنزهين. إلا أن البلدية اصطدمت بعائق خروج المنطقة من حدود صلاحياتها، وعدم تجاوب جهات أخرى معها.

أما سلطة وادي الأردن، بحسب سلامة، فهي منفتحة على التعاون مع الجهات الرسمية الأخرى في تأهيل مواقع قريبة من المنشآت المائية لتصبح متاحة للناس. «إحنا مستعدين نزودهم بالإمكانيات الي بنقدر عليها، طبعًا مع بقاء مناطق حرم السدود والقنوات ممنوعة، لكن ممكن يصير استثمارات في الاطلالات والمناطق المشرفة على السدود». يقول سلامة.

ما بعد «صدمة» الزرقاء ماعين

في 12 نيسان، أصيب 12 شخصًا نتيجة مداهمة مياه سيل وادي الريان لهم خلال تنزههم. يقول الرائد إياد العمرو إن سبب الحادث هو إنشاء مجموعة من المتنزهين لبرك «استنباطية»، أي وضع حواجز في السيل لتجميع المياه داخلها على شكل برك يتمكنون من السباحة داخلها. إذ تسبب ضغط المياه بانهيار تلك الحواجز الحجرية، وارتفاع منسوب المياه في السيل.

يقول العمرو إن العديد من الإصابات نتجت عن حالة الهلع والخوف التي أصابت المتنزهين من اندفاع المياه، رغم أن مجرى السيل الطبيعي ليس غزيرًا.

قبل أسبوعين، وفي معرض تفسير حظر بعض المناطق أمام حركة التنزه والسياحة، قال رئيس الوزراء عمر الرزاز إن الدولة أصيبت بحالة من «الصدمة» بعد حادثة الزرقاء ماعين، التي ذهب ضحيتها 24 شخصًا. «الأساس إنه نطلع من هاي المرحلة، بس معززين بتعليمات واضحة وفاهمينها للسلامة العامة»، يقول الرزاز ردًا على سؤال خلال جلسة عقدها مع مجموعة من الشباب للحديث حول مشاريع ريادية في الأردن.

في مؤتمر صحفي عقده مؤخرًا ستة وزراء للحديث عن بعض القرارات المتخذة على إثر حادثة الزرقاء ماعين، أعلنت وزارة السياحة حظرها التنزه في المناطق السبعة، إضافة إلى إعلان تعليمات ملزمة للرحلات المدرسية، وإعداد أنظمة صارمة تجاه سياحة المغامرات والأودية.

يقول وزير الداخلية سمير مبيضين في المؤتمر إن الجهات المعنية تقوم بمراجعة التشريعات لحلّ قضية التشابك وتداخل الصلاحيات في العديد من المناطق، لكنّ ذلك الإجراء يحتاج لأشهر.

وسط كل ذلك، تحاول الكثير من العائلات الأردنية استغلال الفرصة للتنزه نزهتها في العديد من تلك المناطق خلال موسم الرحلات الذي يقترب لنهايته مع قرب شهر رمضان، يعتبر الروابية أن حاجة الناس في متنفسات مائية مجانية لا تعد أولوية للحكومة، ما يجعل المواطن يقرر الدخول لمكان ممنوع، يبذل به جهدًا لحماية عائلته من جهة، واثبات أحقيته في الحصول على تلك الفرصة في الاستمتاع قرب الماء، الذي يصبح حكرًا على المقتدرين ماديًا، بحسبه.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية