أخبار كل شتاء: هل يمكن الحد من الحوادث الناتجة عن التدفئة؟

الخميس 05 آذار 2020
تصوير بيان حبيب.

ستة أفراد من عائلة واحدة في الكرك توفوا في كانون الثاني الفائت بسبب حادثة اختناق ناتجة عن تسرّب غاز مدفأة، من بين 24 آخرين توفوا في حوادث مشابهة منذ بداية موسم الشتاء وحتى منتصف شباط، بحسب بيانات الدفاع المدني.

أحمد* قريبٌ للعائلة كان في زيارة لهم ليلة الحادثة، وذلك لأن الأب كان قد أسعف قبلها بليلة بعدما شعر بضيقٍ في التنفس يعتقد أحمد أنه ناجم عن خلل في مدفأة الغاز. يتذكر أحمد أن العائلة شعرت بعوارض اختناق خلال الزيارة، ويقول إن نجاته كانت بسبب خروجه من البيت واستنشاقه الأكسجين.

يقول الدفاع المدني إنه تعامل مع 77 حادثًا ناتجة عن التدفئة وتسرّب الغاز خلال موسم الشتاء الحالي، وتحديدًا من تشرين الثاني وحتى منتصف شباط؛ حوادث أدت إلى 250 إصابة و24 وفاة. بينما شهد موسم الشتاء الماضي، وحتى شهر نيسان 2019 حوالي 87 حادثة نتج عنها 29 وفاة و255 إصابة.

لم تحدد المديرية في إحصائياتها عدد الحوادث الناجمة عن أسطوانات الغاز أو الكاز أو غيرها. لكن بالعودة إلى أخبار منشورة في وسائل الإعلام خلال 2020 و2019، رصدت حبر 38 حادثًا ناجمًا عن مدافئ بمختلف أنواعها أو أسطوانات غاز، 27 حادثًا منها كان سببها مدافئ الغاز أو تسرب من أسطوانات غاز، بينما تسبب تسرب من مدافئ الكاز بسبعة حوادث.

الأقل كلفة ليس الأكثر أمانًا

قبل ثلاث سنوات، توفيت طالبة تبلغ من العمر 10 سنين، بعد أن اشتعلت نار مدفأة غاز في أثاث منزل عائلتها. شكّل هذا الحادث صدمة لمعلّمتها ماجدة (50 عامًا)، التي قرّرت إثر ذلك التخلي عن مدافئ الغاز والكاز في منزلها، واستبدالها بمدافئ كهرباء حفاظًا على سلامة أبنائها الأربعة الذين ما زالوا جميعًا في المدارس، كما تقول.

تحتاج عائلة ماجدة، التي تسكن شقّة تبلغ مساحتها 130 مترًا، ثلاث مدافئ كهربائية، تقول إنها غالبًا: «بنشغلها على وحدة، وأيام البريد الشديد على اثنين». وتحرص العائلة على الجلوس في غرفة واحدة لتشغيل مدفأة واحدة، خاصة في أيّام العطل. فيما عدا ذلك تقول ماجدة إنها وأولادها لا يحبون المدافئ: «بفترة المسا بشغلوها بغرفهم لما تدفى الغرفة (..) وأنا بحب القعدة تحت الحرام أحسن من التدفئة».

تعتبر جميع وسائل التدفئة المستخدمة في المنازل ذات خطورة عالية إذا لم تؤخذ احتياطات السلامة، تقول مديرية الدفاع المدني لحبر، إلّا أن أخطرها ينتج عن وسائل التدفئة المعتمدة على مادتيْ الغاز والكاز، لما ينتج عنهما من غازات أول وثاني أكسيد الكربون السامة والخانقة، وتسببها بوقوع حرائق عند وضعها قرب الأثاث والستائر أو الممرات الضيقة والسماح للأطفال باللعب قربها.

يوضّح د. عدنان عبّاس، مدير المركز الوطني للطب الشرعي، لحبر أن عوارض استنشاق أول أكسيد الكربون تتمثّل في الشعور بالصداع والدوار والغثيان، وأن هذه العوارض تزول بمجرّد استنشاق الأكسجين، ولذا يشدّد على ضرورة تهوية الغرف التي تدفّأ بالكاز أو الغاز أو الحطب.

ويشير عباس إلى أن غاز أول أكسيد الكربون لا لون له ولا رائحة ولا طعم، ولذا لا يشعر مباشرة به من يستنشقه، ومن الممكن أن يؤدي للوفاة إذا لم يتعرض للأكسجين في الوقت المناسب.

رئيس جمعية حفظ الطاقة واستدامة البيئة، د.أيوب أبو دية، يرى أن وسائل التدفئة الكهربائية الأفضل من الناحية الصحية إذ أن احتراق الكاز والسولار والغاز يسبب مخاطر إضافة للغازات الضارة التي ينتجها. وبحسب رصد حبر لبيانات الدفاع المدني منذ 2019، فإن حادثة واحدة أعلن عنها الدفاع المدني ناتجة عن حريق سببته مدفأة كهرباء في كانون الثاني 2020 في جرش، وأدت لوفاة وإصابتين.

تقول ماجدة، التي يقترب دخل أسرتها الشهري من 1200 دينار، إن الكلفة الشهرية لاستخدام الغاز للتدفئة في أسرتها تصل إلى 35 دينارًا تقريبًا. وبعد حادثة الطفلة «شجعت اللي حولي والمعلمات عالكهربا، وكانت الفاتورة مقبولة ما بتتجاوز 60 دينار بأيام العطلة والشتا». ورغم الاحتياطات التي تتخذها ماجدة للتوفير في ثمن فاتورة الكهرباء، إلا أنها تفاجأت بمضاعفة قيمة الفاتورة تقريبًا هذا الشتاء، لتصل في الشهر الواحد حوالي 100 دينار. ومع ذلك تقول إنها لن تغير وسيلة التدفئة الكهربائية لأنها الأكثر أمانًا، كما ترى.

ويرى أبو ديّة أن اختيار تدفئة اقتصادية وآمنة في الوقت نفسه ليس خيارًا سهلًا للأسر ذات الدخل المتدني. وبالنسبة لفاتورة الكهرباء فيقول: «الناس صارت ترجف لما تفكر فيها». إذ تأتي مدافئ الكهرباء في المرتبة الرابعة من حيث انتشار الاستخدام بين الأردنيين، بعد مدافئ الغاز ثم الكاز ثم الحطب والجفت والفحم، ويظهر مسح دخل ونفقات الأسرة لعام 2017/2018، الذي نفذته دائرة الإحصاءات العامة.

وبعد جدل أثير حول ارتفاع فواتير الكهرباء على مواطنين مؤخرًا، قالت وزارة الطاقة والثروة المعدنية في منشور لها إن كلفة تشغيل صوبة الغاز لمدة خمس ساعات يوميًا تبلغ في الشهر الواحد 28 دينارًا أردنيًا، بينما تتراوح كلفة تشغيل صوبة الكهرباء (بقدرة ألفي واط) لنفس المدة تكلّف مبلغًا يتراوح بين 40 و88 دينارًا في حال بلغ معدّل الاستهلاك الشهري 500 كيلوواط/الساعة، وبين 53 و108 دنانير إذا بلغ معدل الاستهلاك 600 كيلوواط/الساعة.

ويبلغ متوسط الإنفاق السنوي للأسرة الأردنية ممن تستخدم أسطوانة الغاز المنزلية نحو 140 دينارًا في السنة، وأمّا الأسرة التي تستخدم الكاز فمتوسط إنفاقها السنوي نحو 286 دينارًا، في حين يبلغ متوسط إنفاق الأسرة التي تستخدم السولار 4752 دينارًا سنويًا، بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة لسنة 2017. ولا تظهر بصورة دقيقة إن كان استهلاك الكهرباء للتدفئة أم لأغراض أخرى، إلا أن متوسط إنفاق الأسرة السنوي على الكهرباء يبلغ 376 دينارًا، وفق بيانات الدائرة.

يعيش محمد بشير (40 عامًا) في شقّة سكنية داخل عمارة من أربعة طوابق في عمّان الغربية، تبلغ مساحتها حوالي 150 مترًا مربعًا، وتستخدم شقق العمارة تمديدات تدفئة بالغاز المسال بدلًا من السولار. في البداية، يقول بشير، كان متخوّفًا من استخدام وسيلة التدفئة هذه، لكن وبعد عشر سنوات من الاستخدام وجد أنها آمنة مقارنة بأشكال التدفئة الأخرى، وهي كذلك أقل كلفة من التدفئة المعتمدة على السولار. «ممكن يكلفني بالشهر اللي فيه برد شديد 150 دينار، بينما بيت أختي بيستخدموا السولار للتدفئة المركزية بكلفهم تقريبًا 350 دينار بالشهر»، وفي الأيام الأقل بردًا يستخدم بشير صوبة الغاز أو صوبة الكهرباء في محاولة للتخفيف من قيمة فاتورة الغاز.

مدير عام شركة المناصير للزيوت والمحروقات، ياسر المناصير، يرى أن تمديدات الغاز الطبيعي إلى المنازل مثل تمديد المياه والكهرباء موفر وآمن، لكن في الأردن لا توجد بنية تحتية مؤسسة لذلك إضافة لعدم وفرة الغاز الطبيعي، مما يدعو البعض لاستخدام خزان يحتوي على مادة الغاز في العمارة السكنية وتوصيله إلى المنزل عبر تمديدات وهو أقل كلفة من السولار.

إجراءات الوقاية وجدل الأسطوانة المركبة

رغم توفر مدافئ غاز تحوي صمّام أمان أوتوماتيكي يوقف عمل المدفأة في حال انخفضت نسبة الأكسجين في الغرفة، إلّا أن أم سعيد* (45 عامًا) التي تسكن مع أربعة أبناء في شقة مكونة من غرفتين في أحد أحياء عمّان الشرقية، تفضل استخدام صوبة الكاز، فباعتقادها أن صوبة الكاز «بتدفي أكثر من صوبة الغاز، بس لازم الواحد يفتح الشبابيك، وإحنا مقاطعين صوبة الكهربا بسبب ارتفاع الفواتير».

لا يقتصر استخدام أم سعيد، المعيل الوحيد للأسرة والتي تعتاش على راتب صندوق المعونة الوطنية، لصوبة الكاز على التدفئة فقط، وتوضح «ما في عندي جرة غاز للفرن بستخدم صوبة الكاز منه للتدفئة ومنه للطبخ وبسخن مي عليها وبعمل كل شي عليها أوفر بكثير من جرة الغاز، ومن الكهربا»، وهو ما يفسر تفضيل أم سعيد لهذه الوسيلة من التدفئة مع أنها تدفع 10 دنانير أسبوعيًا لتوفير الكاز ولا تستخدمها لأكثر من ثلاث ساعات يوميًا.

تشمل إجراءات السلامة التي يدعو الدفاع المدني لاتباعها، إضافة لتوفير التهوية المناسبة للمنزل؛ عدم تعبئة المدافئ بالوقود وهي مشتعلة، وعدم ترك المدافئ مشتعلة أثناء النوم، وعدم استخدامها أثناء الاستحمام أو لتجفيف الملابس أو الطهي وتسخين المياه، ومراقبة الأطفال وعدم السماح لهم باللعب قرب المدفأة، وتفقد الخراطيم الواصلة بين الأسطوانة ومدفأة الغاز، والتأكد من عدم وجود تشققات أو انثناءات بالخرطوم وتوفير مانعة التسرب «الجلدة»، والتحقق من وصلات الكهرباء وعدم وجود أحمال زائدة أو أسلاك معرّاة.

يدير أسامة السلحوت (38 عامًا) شركة سلامة عامّة في عمّان، ويستعمل في منزله مدفأتي غاز وكهرباء. وقد دفعه تكرار الحوادث الناتجة عن تسرب الغاز إلى استيراد أجهزة تكشف تسرب الغاز. ورغم أن هذه الأجهزة لم تلق رواجًا بعد بين الأردنيين، إلّا أن السلحوت يعتقد أنها ستنتشر أكثر مع الأيّام، ويقول أنه باع عددًا من هذه الأجهزة لمطاعم، وأجهزة أخرى لمنازل. 

مؤخرًا، أثارت إمكانية السماح باستيراد الأسطوانات المركبة الشفافة إلى الأردن جدلًا بين متخوّف وآخر يجدها أكثر أمانًا وجدوى وتساهم في تخفيف الحوادث. إذ يرفض نقيب أصحاب محطات المحروقات، نهار السعيدات، هذه الأسطوانات بسبب إمكانية اشتعالها عند درجة حرارة مرتفعة، وعند نقلها يتخوف من إمكانية كسرها.

لكن دانا الجامع، الأكاديمية المختصة في هندسة المواد والمعادن، ترى أن الأسطوانات المركبة إن كانت مطابقة للمواصفات الصحيحة أكثر أمانًا من الأسطوانات المعدنية لأنها لا تنفجر عند حدوث حريق وإنما يعمل الصمام فيها على ترشيح الغاز. وتضيف الجامع أن وزن الأسطوانة المركبة أخف ولا تحتاج إلى «جلدة ومسنن لإنه بتعمل بالكبس»، أي أنه لا مخاوف من تسريبها للغاز. وإذا ارتفع تدفق الغاز من مدفأة، على سبيل المثال، فإن صمامها يوقف التشغيل مما يجعلها سببًا في تخفيف حوادث الاختناق الناجمة عن تسرب الغاز، إضافة إلى أن شفافية الأسطوانة تسمح بملاحظة نقص الغاز، لذا «ما بتقطعك فجأة».

يتفق المناصير مع الجامع ويشير إلى أن الأسطوانة المركبة مستخدمة في عدة دول وليست بلاستيكية إنما تتكون من «فيبر جلاس، وبوليمر ومواد كيماوية مقوية»، مما يجعلها غير قابلة للكسر، كما أنها سهلة التركيب إضافة لوزنها الذي لا يتجاوز 17 كيلو غرامًا وهي ممتلئة، مقابل 32 كيلو غرامًا للأسطوانة المعدنية.

اجتازت الأسطوانة المركبة فحص التفجير عند 160 بار، أي مستوى الضغط الذي تتحمله الأسطوانة، علمًا بأنه، وفق القاعدة الفنية للمواصفات الأردنية، فإن الضغط الذي تتحمله الأسطوانة يجب ألا يقل عن 80 بار، بينما تحتمل الأسطوانة المعدنية لغاية 120 بار، بحسب تصريحات سابقة لمؤسسة المواصفات والمقاييس.

المدير العام لمؤسسة المواصفات والمقاييس، عبير الزهير، أوضحت لحبر أن القاعدة الفنية الأردنية تشترط اجتياز الاسطوانات المركبة لـ23 فحصًا واشتراطًا، تبدأ من مرحلة ما قبل التصنيع مرورًا بفحوصات تتم أثناء التصنيع، وصولًا إلى المنتج بشكله النهائي. وكانت المؤسسة قد صرّحت قبلًا إنه من المبكر الحديث عن دخول هذه الأسطوانة للأردن، إذ لم تخضع حتى الآن إلّا لسبعة فحوصات.

مشكلة العزل في الأبنية السكنية

بحسب دراسة أسهم أبو دية في العمل عليها، فإن أقل من 2% من الأبنية تحقق متطلبات كودة البناء الوطني فيما يتعلّق بالعزل الحراري، وهو ما يعتبر سببًا رئيسًا في مشكلة التدفئة المنزلية. فبحسبه، نجد أن بعض المنازل رغم استخدامها لتدفئة مركزية فإن ساكنيها يضطرّون لاستخدام مدافئ من نوع آخر مثل مدافئ الغاز بسبب عدم مطابقة مساكنهم لمواصفات البناء الأردنية في العزل الحراري.

وترى المهندسة سرى الصمادي، المختصة بتدقيق المخططات الهندسية الميكانيكية في نقابة المهندسين، أن كودة البناء الوطني تشترط العزل الحراري، لكن، وبحسبها، فإن ما يحدث على أرض الواقع هو أن العزل لا ينفّذ، وذلك إمّا لكلفته على المقاول أو مالك المشروع، أو أنه لا يطبق بالطريقة الصحيحة مما يؤدي لفقدان 70% من كفاءة العزل الحراري.

وبحسب الصمادي فإن لجنةً فنية، تضم نقابة المهندسين وأمانة عمان واللجنة العلمية الملكية وممثلين عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تدرس حاليًا آليةً للرقابة على الأبنية عند التنفيذ بهدف التحقق من توفير العزل الحراري فيها.


*تم تغيير الأسماء المشار إليها بعلامة (*) حفاظًا على خصوصيّة أصحابها. 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية