خدمة النقل المدرسي: شروط الاستثمار تغلب أهداف التنظيم

الثلاثاء 11 شباط 2020
تصوير ليلى عاجيب

تسكن أم يزن* في صويلح مع ثلاثة أبناء يذهبون للمدرسة الابتدائية ويعودون منها بباص صغير مقابل 15 دينارًا شهريًا عن كل واحد منهم. وتخشى الأم ارتفاع أجرة الباص في حال ترخيص عمل الباص ومنحه تصريحًا يشترط تجديده مما سينتج عنه ارتفاع كُلف النقل على السائق. عندها لن تتمكن من دفع أجور نقل أبنائها.

«ما بتفرق معنا الباص جديد وإلا قديم. بدنا وسيلة تنقل أولادنا لمسافة صغيرة مش أكثر من نص ساعة عشان الأزمة»، تقول أم يزن. وتتابع واصفة أن الأولوية دومًا للسعر، حتى لو كان هذا على حساب الجودة: «مش رح تفرق مع ابني بهالنص ساعة يركب باص مكندش. إحنا بنروح على المولات ندور على عروض رخيصة وبنشتري سكر ما بحلّي وزيت مخلوط بأقل الأسعار بس تسليكة حال». 

وتلفت أم يزن إلى أهالي طلاب آخرين، «ما معهم يفطّروا أولادهم غير خبر وشاي، ما بتفرق معهم يقعدوا ٥ بنات في حضن بعض بالباص، المهم يوصلوا للمدرسة ويرجعوا للبيت وما يدفعوا أكثر من 10 دنانير على الواحد».

أمّا بالنسبة لمعيار الأمن، فترى أنه مرتبط بالسائق لا بالباص: «أبو عبدالله [مالك الباص وسائقه] بموت على الأولاد زي أولاده، وحريص على بنتي. المدرسة ما بتطلّع الأولاد إلا مع أهاليهم ومع أبو عبدالله لأنه ثقة عند الأهالي والمدرسة».

ينقل أبو عبدالله طلاب مدرسة صويلح الابتدائية منذ 12 عامًا، وتعمل زوجته معه على الباص مرافقة، تنزل الطلاب من الباص إلى باب المدرسة أو البيت. وبحسبه فإنه يُجري مع نهاية كل فصل دراسي صيانة كاملة لباصه، ويجدد رخصته كل سنة. أمّا بالنسبة للمخالفات: «الحمدلله تخالفت مرة واحدة طول الـ(12) سنة، لكن في سائقين تخالفوا ثلاث وأربع مرات. اللي بتخالف بتبهدل وبنحجز باصه لأسبوع وبدفع مخالفة 120 دينار». ويضيف: «إحنا الشوفيرية عايشين على هالباصات وبدنا إياها تترخص».

في أيلول 2019 اجتمع أبوعبدالله مع 15 من أصحاب الباصات التي تنقل الطلاب، وانتدبوا ثلاثة منهم للتوجه لوزارة النقل والمطالبة بترخيص باصاتهم. حينها أجابتهم الوزارة إنّ بإمكانهم تسجيل شركة باسم مجموعة منهم والتقدم بطلب فتح مكتب لتقديم خدمة النقل المدرسي، والخيار الآخر هو التسجيل مع مكاتب أخرى. كما أن عليهم تجديد باصاتهم. وبذلك يمكن منح تصاريح لباصاتهم لمزاولة خدمة النقل المدرسي. «لكن ما حدا فينا بقدر يدفع ليفتح مكتب وليجدد باصه. يللا معنا نطعمي حالنا»، يقول أبو عبدالله.

خلال التسعينيات ظهرت الباصات الصغيرة (van) التي تنقل طلبة المدارس الحكومية، والتي سميت لاحقًا بـ«خدمة النقل المدرسي العشوائية». وفي عام 2015 شكل عدد من مالكي/سائقي هذه الباصات «لجنة الباصات الخاصة لنقل طلاب المدارس الحكومية» ونفذوا احتجاجًا على المخالفات التي تصدر بحقهم من قبل إدارة السير المركزية. وقدّر حينها عضو اللجنة محمد عوسج عدد العاملين في هذا المجال بـ( 1600) سائق وسائقة. ومع بداية كل عام دراسي، حيث تُكثّف إدارة السير رقابتها على هذه الباصات، تتجدد مطالبات أصحابها بمنحهم الترخيص اللازم لتقديم خدمة نقل الطلاب. 

وفي أول محاولة لتنظيم خدمة النقل المدرسي غير المرخصة، أقرّ مجلس الوزراء في تشرين الأول 2018 نظام ترخيص مقدمي خدمات النقل المدرسي للمؤسسات التعليمية لسنة 2018، الذي حصر حق الحصول على رخصة خدمة النقل المدرسي في الشركات، فيما أتاح لمالكي الباصات من الأفراد العمل تحت مظلة الشركات المرخصة.

وفقًا للنظام، تمنح الهيئة ترخيصًأ لشركة تسمى «المكتب» يتولى إدارة وتنظيم وتشغيل وسائط النقل المدرسي. وتتضمن رخصة مكتب خدمة النقل المدرسي صلاحية تشغيل باصات يمتلكها المكتب أو تسجيل باصات يمتلكها أفراد يحصلون على تصاريح لباصاتهم من الهيئة بعد موافقة المكتب على أن يعملوا تحت إدارته وتنظيمه. وللحصول على رخصة «المكتب» يشترط أن لا يقل رأسمال الشركة المسجل عن 100 ألف دينار.

ويسمح النظام لمالكي الباصات الأفراد بتسجيل شركة تمنحها الهيئة تصريح كـ«مُقدّم خدمة» بشرط أن توقع هذه الشركة عقدًا تشغيليًا مع المكتب. ويشترط للحصول على تصريح «مقدم خدمة» أن لا يقل رأسمال الشركة المسجّل عن 10 ألاف دينار. 

وخلال عام 2019 منحت هيئة تنظيم قطاع النقل البري الموافقة لتسع شركات لتقديم خدمات النقل المدرسي للمدارس الحكومية، منها أربع شركات في عمان وأربع في الزرقاء وواحدة في إربد. وبحسب عبلة وشاح، مديرة الإعلام والاتصال في الهيئة فإنه لن يكون هناك تداخل في المناطق المخدومة.

تقدر الهيئة في دراسة احتياجات خدمات النقل لطلاب المدارس الحكومية، عددَ الطلبة الذين يرغبون في الحصول على الخدمة من وإلى المدرسة، بحوالي مليون و39 ألف طالب وطالبة يتوزعون على محافظات المملكة، وتوصي باعتماد نحو 9360 حافلة متوسطة سعة 20 راكبًا.

أول تجربة منظمة

بدأت شركة الهالات المتطورة لإدارة المشاريع، أول شركة تحصل على ترخيص خدمة النقل المدرسي، العمل في مناطق من عمان الغربية، وتضم خلدا، أم السماق، الصويفية، دابوق، الجندويل، ضاحية الأمير راشد، الدوار السابع، وادي السير، أبو السوس وعراق الأمير. وذلك بتشغيل ثمانية باصات تملكها الشركة وتخدم مئتي طالب وطالبة من 12 مدرسة، 35 منهم طلاب مدارس خاصة. ويتوقع المدير التنفيذي للشركة، فوزان الكايد البقور، أن الإقبال على الخدمة من المدارس الخاصة سيكون أكبر من الحكومية، بسبب ارتفاع أسعار اشتراكات باصات المدارس الخاصة. ويعزو اختيار عمّان الغربية لانطلاق الخدمة، إلى كثرة المدارس الحكومية والخاصة فيها، ما يتيح ترويج الخدمة وضمان سهولة التجربة، والسيطرة عليها والمتابعة لقربها من موقع الشركة.

وتتقاضى الشركة من الطالب لقاء الخدمة (15-35) دينارًا شهريًا حسب المسافة، وهو الحد الأعلى للأجر الذي حدده مجلس إدارة الهيئة وفقًا لتعليمات النقل المدرسي. في حين تتقاضى الباصات غير المرخصة (10-30) دينارًا شهريًا حسب المسافة، وفقًا لأحد السائقين.

الخبير في قطاع النقل حازم زريقات، شارك في المشاورات التي سبقت وضع نظام وتعليمات خدمة النقل المدرسي. يقول إن الفكرة كانت حينها أن يتم تنظيم عمل باصات (الكيا) التي يستخدمها مشغلون فرديون لنقل الطلاب بشكل غير قانوني، من خلال تطبيق أو تكنولوجيا ما ترفع من مستوى الأمان وتضع معايير للخدمة، من دون تعقيد للمسائل أو إعاقة النظام المستخدم. لكن الهيئة طرحت في حينها فكرة تنزيل عطاء لشركات خاصة تزوّد بالخدمة ووضع نظام وتعليمات تحدد مواصفات الشركة.

ويشير زريقات إلى نموذج تجربة شارك فيها مع منظمة دولية، مع عشرة مشغلين لباصات (كيا) تنقل طلابًا، حيث قاموا بإضافة بعض المقاعد في القسم الخلفي للباص وتم تدريب السائقين وتزويد أهالي الطلاب بتطبيق باص كريم لمتابعة مسارات الباصات. «ونجحت التجربة ببساطة».

كيف ينظر الطلاب والسائقون لهذا النظام؟

هدى، طالبة في الصف الأول ثانوي في مدرسة خلدا الثانوية للبنات، سجلت في خدمة النقل المدرسي في شهر تشرين الثاني عام 2019، أمّا قبل ذلك فكانت تستخدم تطبيقات النقل الذكية، «ميزة النقل المدرسي إنه بروح وبرجع بموعد، قبله كنت الصبح مش ممكن ألاقي هون تكسي». أمّا زميلتها عبير، والتي كانت تستخدم الباصات غير المرخصة فتشير إلى جزئية عدد الطالبات في الباص: «السائق كشخص منيح، بس كان يدحشنا عدد كبير في الباص». 

ينتهي دوام مدرسة هدى وعبير في الساعة 12:30 ظهرًا، بينما دوام طالبات في مدرسة أخرى ينقلهن باص النقل المدرسي ذاته ينتهي في الساعة الثانية، مما اضطر هدى وعبير للبقاء مدة ثلاث ساعات في الحافلة لحين جمع الطالبات كافة ونقلهن لبيوتهن، واستمر الحال على هذا لشهر تقريبًا، إلى أن سجل عدد أكبر من الطالبات في خدمة النقل المدرسي.

يعمل أبو علاء سائق باص لدى شركة نقل مدرسي، بعد أن تقاعد كمساعد مهندس، فيما لم يسبق له العمل سائقًا. ويتقاضى 300 دينارًا أجرًا شهريًا، لكن هذا المبلغ، بحسبه، غير مجدٍ اقتصاديًا، خاصة وأن الشركة لا توفر للسائقين مواصلات من بيوتهم وإلى مقرّ الشركات، ولذا يضطّر لركوب تكسي من بيته إلى عمله صباحًا، وكذلك الوضع بعد انتهاء عمله. لكنه مع ذلك يفضل هذا العمل على الجلوس في البيت دون عمل. 

تنظيم للباصات غير المرخصة أم بديل عنها؟

يوضح البقور أن شركته لن تتقاضى من الباصات المشغلة سوى 10٪ من كلفة ترخيص وتأمين الباص كعمولة لتنفيذ إجراءات تسجيل وترخيص الباص كمزود خدمة النقل المدرسي، بالإضافة إلى اشتراك شهري تتقاضاه من الباص الصغير الذي لا يتجاوز 9 ركاب بقيمة 25 دينار والكبير الذي يزيد عن 9 ركاب 50 دينار، لقاء خدمات التسجيل وتوفير الطلاب وتطبيق اسمه مسار. «ونحقق أرباحنا من خلال ضم عدد كبير من الباصات». 

ومنذ إطلاق الخدمة في أيلول 2019 قدم 45 من أصحاب الباصات غير المرخصة طلبات للانضمام للمشروع. ويرى مدير الشركة أن عدد المتقدمين قليلٌ لأن المشروع كان متوقفًا إلى أن سمحت إدارة السير بتسجيل وترخيص مقدّمي خدمات النقل المدرسي بالصفة الخصوصيّة. وذلك بعد إقرار مجلس الوزراء للنظام المعدّل لنظام تسجيل وترخيص المركبات أواخر كانون الثاني 2020.

ويضيف البقور إن أصحاب الباصات العشوائية ما زالوا غير واثقين من نجاح المشروع ولا يريدون تبديل باصاتهم بباصات تلبي شروط الترخيص. وتنص المادة (9) من تعليمات الهيئة، والمتعلقة بشروط ومواصفات وسائط النقل المدرسي، على أن لا يزيد موديل «سيارة الركوب» (5-9 ركاب) عند منحها التصريح عن خمس سنوات من تاريخ سنة الصنع وأن لا يزيد العمر التشغيلي عن 15 سنة. وينطبق ذلك على الحافلة المتوسطة (10-30 راكبًا) ولكن مع عمر تشغيلي لا يزيد عن عشرين سنة. وهذا يعني أن الهيئة تمنح التصريح لسيارات الركوب التي لا يزيد عمرها عن خمس سنوات، ويسمح التصريح بتشغيلها لمدد تتراوح بين 10 و15 سنة حسب عمر السيارة، وهي ما يتبقى من عمرها التشغيلي منذ سنة تصنيعها.

«ظلمونا، حطوا شروط على السيارة»، يقول أبو أحمد، صاحب باص غير مرخص. «معي باص موديل 2003 جديد ما شاء الله، وضعه ممتاز وكهربته ممتازة، بعملّه صيانة دورية وبروح على الميكانيكي إذا سمعت أي صوت. ليش ما ترخصلي الباص؟ بقولوا ما في كراسي وما في أمان. وإذا حطينا كراسي بخالفونا وبقولوا السيارة مرخصة لخمس ركاب». 

أم حمزة*، التي أتمّت عامها الأربعين قبل شهور، كانت من أوائل النساء اللاتي دخلن مجال نقل طلبة المدارس الحكومية. وهي أيضًا من أوائل السائقين الذين تقدموا لشركة نقل مدرسي مرخصة بطلب تصريح لباصها.

بعد تخرّجها من إحدى كليات المجتمع عملت أم حمزة في حضانة امتلكتها عائلتها وأدارتها والدتها لعشرين عامًا في منطقة بيادر وادي السير. وفي العام 2000 أُغلقت الحضانة واضطر الأطفال للانتقال لحضانات ومدارس أخرى، فتولت هي توصيلهم لمدارسهم الجديدة. «الأهالي بنعرفهم وبعرفونا واقترحوا علي أصير أوصل أولادهم. ومن هون بلش الشغل»، توضح أم حمزة. وفي عام 2005 ازدهر عمل أم حمزة وأصبحت تنقل نحو 50 طالبة، «تقريبا 60٪ منهم نفس البنات وأخواتهم، منهم اللي تخرجت ومنهم اللي تجوزت واجت خواتهم مكانهم».

والآن تؤيد أم حمزة ترخيص باصات النقل المدرسي. «هذا أكثر أمان إلي وللبنات. أنا بشتغل من 15 سنة بس على كفة الرحمن. الحمد لله ما صار معي ولا حادث ولا مشكلة، لكن الواحد ما بعرف شو بصير. الحمدلله ما تعرضت لمخالفة سير لأنهم ما بدققوا على الستات وبتعاونوا معنا بس يشوفوا ستات محمّلين بنات». 

ذهبت أم حمزة لشركة نقل مدرسي مرخصة، للحصول على تصريح نقل طلاب بباصها، موديل 2011، وأعلموها بأن عليها تجديده بحيث لا يزيد عمره عن 5 سنوات. وتعلق بأن ذلك قد ينجح مع سيارات الأجرة «أوبر أو كريم» لأنها تعمل طوال اليوم. «إحنا بنشوف ضو القمر عشان ناخد على الراكب 15 دينار في الشهر. لما تطلب مركبة جديدة يعني بدي آخد قرض وأقل شي بدي أدفع 250 دينار قسط شهري، غير ترخيص المركبة والتأمين الشامل ورسوم الشركة. ولما بخلص قرضي بكون عمر المركبة انتهى. وفي أسبوعين في الشتا و3 أشهر في الصيف عطلة ما في شغل. يعني أنا ما أشتغل أحسن لي»، تقول أم حمزة.

يقول البقور أن شركته تقدم تسهيلات لأصحاب الباصات الراغبة بالانضمام من خلال اتفاقية عقدتها الهالات مع إحدى شركات التمويل تتضمن تقديم قروض ميسرة تسدد خلال خمس أو ست سنوات وبفائدة 6٪. ويصبح بإمكان المنضمين للمشروع بيع باصاتهم القديمة لتوفير دفعة أولى لباص جديد أو مستعمل، ودفع المتبقي من ثمنه من خلال القرض.


*تم تغيير أسماء بعض سائقي الباصات، وأهالي الطلبة بناء على رغبتهم في الحفاظ على خصوصيتهم.

**ساهمت الزميلة ليلى عاجيب في إجراء بعض مقابلات هذا التقرير. 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية