سرفيس براكبين: عن خفض سعة التحميل في النقل العام

موقف سرفيس المهاجرين، وسط البلد، عمّان، 22 آذار 2021. تصوير شربل الديسي.

سرفيس براكبين: عن خفض سعة التحميل في النقل العام

الأربعاء 24 آذار 2021

في العاشر من الشهر الحالي، أقرّت الحكومة تخفيض السعة المقعدية في وسائط النقل العام إلى 50% بدلًا من 75%، لتقليل فرص انتقال العدوى بفيروس كورونا المستجد، داخل حوالي 30 ألف مركبة تعمل في قطاع النقل العام.

وفي اليوم الثاني من بدء العمل بالقرار، السبت 13 آذار، أضرَب بعض السائقين عن العمل احتجاجًا عليه، نظرًا لأثره في تخفيض دخولهم. وكان سائقو سيارات السرفيس من أكثر المتضررين بالقرار، بحسب شهادات بعض السائقين على الخطوط الداخلية والخارجية للمناطق المحيطة بعمّان.

صباح يوم الأحد، كان محمد من وادي موسى ينوي التوجه إلى الرصيفة مستقلًا الحافلات العمومية وسيارات السرفيس، إلا أن إضراب حافلات الجنوب دفعه لركوب سيارة نقل خصوصية شاهد إعلانًا لها على مجموعة نقل محلية على فيسبوك، ودفع حوالي ضعف أجرة الحافلة ليصل إلى مجمع رغدان في عمّان. ولما وجد أن سائقي سرفيس الرصيفة مضربون عن العمل أيضًا، يرفضون نقله رغم أنه عرض على بعضهم مضاعفة الأجرة، فقرر الاتصال بأحد أقربائه ليقلّه بسيارته الشخصية.

من جهة أخرى، يقول سائقو سيارات السرفيس إن العمل بعد تخفيض السعة المقعدية لم يعد مجديًا. من هؤلاء الثلاثيني خالد الزعبي، الذي اشترى سيارته على خط عمّان-الزرقاء بالأقساط قبل أربعة أعوام، ليعمل عليها بعد انتهاء دوامه في إحدى المدارس الحكومية التي يعمل فيها مدرسًا. يقول الزعبي إنه عندما سمع بالقرار أغلق باب الكراج على سيارته وأبلغ عائلته بتوقفه عن العمل. «أجارنا 75 قرش، بدك تحمّل اثنين هاي ليرة ونص، طيب هاي السيارة فعليًا بدها ليرة ونص للزرقا (..) إنت الآن بتعلن رسميًا إنك بتشتغل لصالح الكازيات بس، بدون ما توكل ولا تشرب»، يقول الزعبي.

ينسحب حال الزعبي على حال أبو أحمد* (50 عامًا)، الذي كان يعمل سائق حافلة مدرسية، لكنه أرغم على ترك العمل بعد توقف التعليم الوجاهي في المدارس العام الماضي، فتضمّن سيارة سرفيس مقابل مبلغ يومي من أبناء عمومته ليعيل عائلته. يقول أبو أحمد إن عمله من السادسة صباحًا حتى السادسة مساءً وفقًا للسعة المقعدية السابقة (75%) كان يوفّر له ثلاثة دنانير تقريبًا في اليوم، «فما بالك هسة مع القرار الجديد؟».

ويوافقه في ذلك زميله يوسف الذي كان بانتظار دوره في مجمع الشمال لتحميل الركاب إلى ضاحية الياسمين، لكن أحدًا منهم لم يظهر خلال ساعة إجراء المقابلة. يسكن يوسف في الزرقاء، ويقول إن عودته إليها آخر النهار تكلّفه جزءًا من دخله، «واللي بلاقي منّا واحد يوصله بطريقه وهو مروّح هذا سلطان زمانه يومها». مع القرار الجديد، عرض يوسف على مالك السيارة تسليمها له على أن يعود للعمل عليها حين تحسّن الأوضاع، «كل شهر بنحكي الشهر الجاي بتحسّن الوضع (..) بنتسلى بالأمل بس»، يقول يوسف.

موقف سرفيس حي نزال، وسط البلد، عمّان، بتاريخ 22 آذار 2021.

قرارات تفاقم الضائقة

مع انتهاء الحظر الشامل نهاية نيسان 2020، فرضت الحكومة شروطًا على عودة قطاع النقل العام، من بينها وضع عازل بين مقاعد المركبات، وتخفيض السعة المقعدية إلى 50%، وسمحت برفعها إلى 75% في حزيران 2020، ثم خفّضتها مجددًا قبل أيام. لكن قدرة السائقين على التكيّف مع هذه القرارات تغيرت خلال عام، ويعزو الزعبي ذلك إلى استنزاف مدخرات السائقين، ما يؤثر على قدرتهم على الاستمرار تحت هذا الضغط، «الآن إنت لا قاعد تشتغل، ولا عندك رصيد توكل وتشرب (..) لولا إنه عندي راتب يساعد ولا البنك حجز على السيارة».

ويقول سائقون إن القرار الحكومي الأخير بتخفيض السعة أنهى أي أفقٍ للعاملين في القطاع، خصوصًا أنه كان مسبوقًا بإجراءات فاقمت صعوبة أوضاعهم، ابتداءً من التعليم عن بعد الذي غيّب طلبة المدارس والجامعات؛ العمود الفقري لقطاع النقل العام كما يقولون، والارتفاعات المتتالية في أسعار الوقود، ثم تمديد ساعات الحظر الجزئي ليبدأ في السادسة مساء للمؤسسات والسابعة للأفراد، «خف الشغل للنص، إنت جاي على صيف (..) والناس إجمالًا بتبلش طلعات وطشات بعد الستة، عالبرَاد»، يقول الزعبي.

في مجمّعيّ رغدان والشمال، وأثناء انتظار قدوم الركّاب، تُلاحظُ جلسات السائقين ممن يعملون على الخط الواحد غالبًا، ويتحدثون فيها إلى بعضهم عن الالتزامات المادية المترتبة عليهم؛ لم يدفع يوسف أمس مبلغ الضمان كاملًا لمالك السيارة، وترتّب على أنس 36 دينارًا لمالك سيارته، وبعد أيام ستزيد الأقساط متأخرة الدفع على سيارة أبو سفيان* لتصبح ثلاثة، أما أبو طارق فيقول: «إنت قول مين مش مطلوب؟ (..) أنا بيتي من تسع أشهر ما دفعت إيجاره، وعليّ خمس طلبات تنفيذ قضائي».

موقف سرفيس الوحدات، مجمع الجنوب، عمّان، 22 آذار 2021.

حاول بعض السائقين إيجاد بدائل تعينهم على زيادة دخلهم؛ اتفق يوسف مع بعض الموظفين لإيصالهم يوميًا من الزرقاء إلى عمّان. وباع أبو سفيان سيارة تاكسي -كان اشتراها بالأقساط أيضًا- واستبدلها بسرفيس على خط ضاحية الياسمين، مستفيدًا من فرق السعر في تدبّر أموره المالية. أما المدرّس الزعبي فقد استُنزفت مدخراته بداية الجائحة، وفيما ينتظر الركّاب يتابع محاضرة جامعية على هاتفه، إذ قرر دراسة الماجستير للاستفادة من علاوة التطور الوظيفي، «شو بدنا نسوي يعني؟ (..) على الصيف بخلّص شامل، بلكي تتيسر الأمور»، يقول الزعبي.

في إحدى الجلسات، يتحدث السائق أبو ربحي لزملائه عن ضرورة التحرّك والاعتراض رفضًا للقرار الأخير الذي يراه «غير منطقي»، على اعتبار أن هيئة تنظيم قطاع النقل لم تراعي أن تحديد الأجرة كان بناءً على وجود أربعة ركّاب في المركبة، إضافة إلى راكب خامسٍ يمكن تحميله على الطريق بدلًا من آخر، «هذا الإشي اليوم مش موجود (..) غير إنه السرافيس عادةً بستثنوها من تعديل الأجرة بعد تقرير التضخّم السنوي»، يقول أبو ربحي، مضيفًا أن القرار لم يراعي استخدام العائلات باستمرار للسرافيس، وأن قرار التخفيض يدفع سائقين للاعتذار عن نقلهم، «أنا تخالفت على ولد أربع سنوات مخالفة 77 دينار لأنهم اعتبروه راكب زائد».

قرابة الساعة 12 ظهرًا، كان أبو طارق الذي يعمل على خط الرصيفة- رغدان قد أتمّ جولتين فقط منذ بداية عمله عند السادسة صباحًا، ما يعني أنه لن يتمكن من دفع ضمان السيارة البالغ ثمانية دنانير يوميًا (وكانت 10 دنانير قبل قرار التخفيض الأخير) إذا استمر اليوم على حاله. ورغم ذلك يرفض رفع الأجرة على الركّاب، ومثله زميله أيمن، الذي يقول: «الناس يا دوب معها توكل (..) بتقدرش تحمل الكلفة عليها»، فيما يحضر سلوك تضامنيّ مع السائقين من بعض الركّاب، فيدفعون أكثر من الأجرة المحددة، «كثير في ناس بتركب بتكون الأجرة 60 قرش مثلًا، بشوف إنه نص السيارة فاضية، بعطيك ليرة وبقولك مسامح بالباقي»، يقول أيمن.

موقف سرفيس المهاجرين، وسط البلد، عمّان، 22 آذار 2021.

القدرة على الاحتجاج، والحاجة إلى التعويض

يقول صلاح اللوزي، مدير عام هيئة تنظيم النقل البري، إن لوسائط النقل العام خصوصية تتمثل في اكتظاظ الركاب في مساحات ضيقة، وهو ما استلزم إصدار أمر الدفاع رقم 27، الذي يفرض على السائقين المخالفين غرامات تتراوح بين خمسين و100 دينار، والحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر في حال تكرار المخالفة، إضافة إلى تغريم مالك واسطة النقل بين 100 و500 دينار. وقال اللوزي إن الهيئة سجّلت ما يقارب 3000 مخالفة لوسائط النقل العام خلال الأشهر الستة الماضية.

يتحدث بعض السائقين عن وجوب المطالبة بتعويض منصفٍ في حال استمرار أحوالهم السيئة، منهم أبو هشام الذي يملك سيارة سرفيس على خط رغدان-الرصيفة، ويعمل عليها منذ 10 سنوات، بعدما ترك عمله السابق إداريًا في إحدى الشركات، وهو الآن عاجز للشهر السابع على التوالي عن دفع اشتراكه الاختياري في الضمان الاجتماعي، وكان قد رفض طلبه لدعم المتعطلين عن العمل من الضمان الاجتماعي نظرًا لامتلاكه سيارة، «بعرفوش إنه السيارة واقفة، وعليها أقساط يا دوب أطلعهن»، يقول أبو هشام.

مشكلة أخرى تواجهها بعض خطوط السرفيس الداخلية، وهي الازدحامات التي تتسبب بإطالة مدة الرحلة، فتستغرق الرحلة على خط ضاحية الياسمين-مجمع الشمال مثلًا حوالي 40 دقيقة، ما أدى إلى ما يشبه الاتفاق الضمنيّ بين السائقين وبعض الركاب على رفع الأجرة إلى دينار واحد بدلًا من 65 قرشًا، «حتى سيارة [شرطة] السير داخل المجمع بتقلّي إنت تفاهم مع الراكب (..) يعني بتتركني يا أستغلّه، يا يشكي علي» يقول أبو ربحي.

ويلاحظ عمومًا التزام السائقين بقرار تخفيض السعة المقعدية، خصوصًًا مع تشديد العقوبات على السائقين، وتغريم مالك السيارة في حال مخالفة السائق، وهو ما يتسبب بضغط إضافي على السائقين كما يرى أبو ربحي. لكن لا يتوقع سائقو السرافيس، ممن تحدثوا لـ«حبر»، تصعيد احتجاجاتهم، نظرًا لعدم قدرتهم على الإضراب والتخلي عن يوم عملٍ، ولأن القرار مصحوب بأمر دفاع يصعب الاعتراض عليه، «هذا قانون دفاع بنقدرش (..) بنستنى الهيئة تعمل إشي بس»، يقول السائق أيمن.

موقف سرفيس المهاجرين، وسط البلد، عمّان، 22 آذار 2021.

تبرز هنا مشكلة التمثيل النقابي لسائقي سيارات السرافيس البالغ عددها قرابة خمسة آلاف، بحسب أحمد أبو حيدر، نقيب أصحاب السيارات العمومية والسفريات الداخلية والخارجية ومراكز السواقة، حيث تمثّل النقابة مكاتب التاكسي وأصحاب السيارات؟ «ما في هيئات تمثل السرفيس وتتضامن معه (..) ضاجوا الناس [السائقين] على الفيسبوك، وقلنالهم اللي بده يوقف [يحتج] ما بده حد يدفشه»، يقول أبو ربحي.

لهذا، يلجأ سائقو سيارات السرفيس ومالكوها لإدراج أنفسهم في لجان سيارات التاكسي؛ لجنة فرسان العاصمة مثلًا، التي يرى منسّقها معاذ الساريسي أن الضرر الذي أصاب السرافيس أكبر مما أصاب غيرهم من سائقي النقل العام، نظرًا لأنهم يعتمدون على عدد الركاب لا على الطلب، وهو ما جعلهم في اللجنة يضيفون ممثلًا دائمًا عن السرافيس، يحضر اجتماعات اللجنة مع وزارة النقل وهيئة تنظيم قطاع النقل.

مع إعادة تشغيل النقل العام داخل المحافظات، وبسعة مقعدية تبلغ 50% أواخر نيسان 2020، أعفت الحكومة أصحاب المركبات العمومية من دفع 100 دينار من رسوم تجديد الرخصة، وقررت زيادة العمر التشغيلي للمركبات المصنعة عام 2008 عامًا إضافيا.

ومع الإضراب الأخير، ونتيجة الاكتظاظات التي تسبب بها في بعض خطوط النقل، أعلنت أمانة عمان على لسان ناطقها الإعلامي ناصر الرحامنة، أنها عززت بعض الخطوط داخل عمان بأربعين حافلة لتعويض النقل المتوقف. كما أعلن وزير النقل وجيه العزايزة أن الوزارة تبحث دعم وسائل النقل العام بإعفاءات ستشمل رسوم التراخيص والرسوم المترتبة عليها لهيئة تنظيم النقل البري، وقال إن قرارًا بتعويض السائقين سيصدر قريبًا، وأن قرار تخفيض السعة مؤقت حتى نهاية آذار الحالي ومرهون بالحالة الوبائية.

ويرى سائقون أن القرارات السابقة لا تكفي ولا ترقى لتعويض حجم الضرر الذي تعرضوا له، فإعفاء رسوم تجديد الرخصة من 100 دينار يخدم مالك السيارة لا سائقها، إذ إن المالك هو المسؤول عن صيانة السيارة وترخيصها إذا كانت مضمّنة لسائق، مشيرين إلى أن السائق خسر ما يقارب 50% من دخله، «الحسبة واضحة عنا، أربعة ركّاب بالنقلة، يعني راكب بطلع البنزين، وراكبين للضمان، وراكب للسايق (..) إنت هيك مش مخليني حتى أطلع ضماني»، يقول أبو ربحي.

يرفض السائقون تحمل الأعباء وحدهم، مطالبين الدولة بتحمل مسؤولياتها، ويقترحون تأجيل القروض أو إعفائهم من نسبة من الضرائب على المحروقات، «بشيل الحمل، أما مش كله علي (..) خلي دقة عليك ودقة عليّ، ليش أتحمل أنا الضريبة لحالي؟ (..) الدولة لو بدها حق إنت أعطيتني 50% [ركاب]، أعطِ قطاع النقل يعبي بنزين بـ50%»، يقول الزعبي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية