دعم الكهرباء: إنعاش القطاع الإنتاجي على حساب القطاع المنزلي

الخميس 01 كانون الأول 2022
دعم الكهرباء في الأردن
تصميم توفيق الضاوي

ثمانية أشهر مرّت على تطبيق التعرفة الكهربائية الجديدة في الأردن مطلع نيسان الماضي. وكانت هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن قد أعلنت أن الهدف من إعادة هيكلة التعرفة هو «تخفيض التعرفة على بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية»، وتحفيز القطاعات التجارية والصناعية والفندقية والزراعية والمستشفيات «التي تشكل فاتورة الطاقة أحد أهم التحديات لأعمالها بسبب حجم كلف الطاقة الكبير عليها».

أما القطاع المنزلي، فتضمّنت التعرفة الجديدة دعمًا مباشرًا (دينارين إلى دينارين ونصف)[1] يُخصم من قيمة الفاتورة الشهرية لبعض المشتركين فيه؛ وهم بشكل أساسي الأردنيون، وحملة الجوازات الأردنية المؤقتة، وأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين، وأبناء قطاع غزة المقيمين في الأردن. بالمقابل، طُبقت على بعض الفئات تعرفة غير مدعومة؛ وهم غير الأردنيين، ومالكو أكثر من عدّاد واحد،[2] والمنازل غير المأهولة بالسكان،[3] بالإضافة إلى مالكي أنظمة الطاقة الشمسية،[4] باستثناء المستفيدين من صندوق المعونة الوطنية والمكرمة الملكية.

يبلغ إجمالي العدّادات المنزلية في الأردن حوالي مليوني عدّاد، وقد بلغ عدد المسجلين على منصة الحصول على دعم الكهرباء حوالي 1.5 مليون، فيما يتبقى نصف مليون عدّاد؛ هم إما غير مستحقين للدعم أصلًا، أو مستحقين له لكن لم يحصلوا عليه بعد، وقد تضاعفت قيمة فواتيرهم الشهرية، ويمكن القول إنهم فعليًا من يدفع بدل قيمة التخفيض الذي حصلت عليه القطاعات الإنتاجية بحسب التعرفة الجديدة. فكيف تأثرت حياة هؤلاء بالتعرفة غير المدعومة؟ وما حجم التخفيض الذي تحقق على فواتير القطاعات الإنتاجية خلال الأشهر الماضية؟ وما هي إِشكاليات الدعم والمخاوف منه؟

أثر التعرفة على غير الحاصلين على الدعم

الثلاثيني أحمد صبحي الذي يقطن في عمان يُفترض أن يكون مستحقًا للدعم لأنه ابن أردنية متزوجة من غير أردني، لكنه كذلك لم يحصل على الدعم بسبب إلغاء دفتر العائلة الأردني بعد وفاة والدته في عام 2019، ونظرًا لأن عدّاد الكهرباء ظلّ مسجلًا باسمها حتى بعد وفاتها لم يتمكن من الحصول على الدعم، لأن نقل اشتراك العداد إلى شخص آخر يتطلب إجراءات عديدة، قد يحتاج إلى حصر إرث، ونقل ملكية المنزل إلى شخص آخر يحمل رقمًا وطنيًا وهو ما لا ينطبق على أبناء الأردنيات. أدى هذا الحال إلى قفزة في قيمة فاتورته من 50 إلى 145 دينارًا.

يعمل أحمد الذي يقطن في عمان بائعًا في محل تجاري لبيع الستائر، براتب 500 دينار، ويعيل أشقاءه الأربعة الذين يسكنون معه في منزل والدته المتوفاة، وما زالوا على مقاعد الدراسة، وقد ألقى تضاعف قيمة الفاتورة عبئًا ماليًا جديدًا عليه، حتى صارت الكهرباء تنقطع عن المنزل لتأخره في السداد، ما يضطره لطلب سلفٍ مالية من صاحب العمل ليتمكن من إعادة الكهرباء.

وعلى عكس أحمد، لا يعدّ الثلاثيني رامي أحمد من مستحقي الدعم أصلًا لأنه غير أردني، وبالتالي تنطبق عليه التعرفة غير المدعومة، وهو لاجئ سوري يعمل في مطعم شعبيّ في عمان، وقد ارتفعت فاتورته من حوالي 13 دينارًا إلى 35 دينارًا. منذ تطبيق التعرفة الجديدة، يشعر رامي بالقلق تجاه مسؤولياته المادية، خاصة وأن دخله الشهري لا يتجاوز 500 دينار، وهو بانتظار مولود جديد، قائلًا إن هذا غيّر في ترتيب أولوياته، فتوقف -مثلًا- عن شراء بعض الحاجات الأساسية، حيث أصبح يقلل من شراء اللحمة، ويشتري الدجاج خلال فترة العروض، ويقلل من شراء بعض أصناف الفواكه، من أجل التوفير لدفع تكاليف الكهرباء.

تقول القاق إن الإيرادات المتأتية من التعرفة غير المدعومة على بعض المشتركين في القطاع المنزلي، ستغطّي قيمة التخفيض الذي حصلت عليه القطاعات الإنتاجية

يُذكر أن هيئة تنظيم قطاع الطاقة، وبالاتفاق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، طبّقت لمدة ستة أشهر التعرفة الكهربائية المدعومة على 35 ألف أسرة من الأشد فقرًا من اللاجئين السوريين، علمًا بأن إجمالي عدد اللاجئين السوريين يصل إلى حوالي 675 ألف لاجئ. وتؤكد الهيئة من جهتها توقف الدعم عنهم منذ نهاية أيلول الماضي، مشيرةً إلى متابعتها مع بعض الجهات المعنية للنظر في إمكانية استمرار الدعم.

وفي العموم، تقول تحرير القاق، الناطقة باسم الهيئة، إن نتائج تطبيق التعرفة الجديدة متوافقة مع التصريحات الحكومية سابقًا، حيث إن 90% من المواطنين المشتركين في القطاع المنزلي لم ترتفع قيمة فواتيرهم، أو انخفضت بشكل محدود يتراوح بين دينار ودينار ونصف لمن كانت تقل فواتيرهم عن 50 دينارًا أو يقل استهلاكهم عن 600 كيلو واط ساعة. أما من يتجاوز استهلاكهم ذلك، ونسبتهم 7% من مشتركي القطاع المنزلي، فقد طرأ ارتفاع «طفيف» على فواتيرهم لا يتجاوز أربعة إلى خمسة دنانير، بعكس توقعاتهم السابقة التي كانت تتوقع ارتفاعًا يبلغ 10 دنانير على فواتير هذه الفئة. مضيفة أن من لا تنطبق عليهم شروط الدعم سيلمسون بالتأكيد ارتفاعًا في قيمة فواتيرهم.

وبخصوص النصف مليون عداد التي لم تسجَّل للحصول على الدعم، تقول القاق إنهم ممن لا تنطبق عليهم شروط استحقاق الدعم، أو مستحقون لم يتمكنوا من التسجيل لعدم توفر الوسائل التكنولوجية اللازمة لديهم أو عدم معرفتهم الكافية بالتعامل معها. داعيةً من يصعب عليه التسجيل من المستحقين إلى مراجعة شركة الكهرباء أو التواصل مع الخط الساخن لمساعدتهم في التسجيل.

المنزلي غير المدعوم يعوّض التخفيض على القطاع الإنتاجي

في آب الماضي، قال رئيس مجلس مفوضي هيئة تنظيم قطاع الطاقة، حسين اللبون، إن فاتورة الطاقة تشكل أحد أهم التحديات لأعمال القطاعات الاقتصادية الرئيسية بسبب حجم كلف الطاقة الكبير عليها. ويتفق معه في ذلك رئيس غرفة صناعة عمان، فتحي الجغبير، قائلًا لـ«حبر» إن كلف الطاقة الكهربائية بشكل خاص تمثل تحديًا يعيق تنافسية القطاع الصناعي ونموّه وتوسّعه، وإن الطاقة الكهربائية تعدّ مدخلًا رئيسيًا للإنتاج يشكل في بعض القطاعات 50% من إجمالي كلفها التشغيلية.

وفي تصريحات سابقة، قالت القاق إن التعرفة الكهربائية خُفّضت على القطاع الصناعي بمعدل 10.5%، وعلى القطاع الزراعي بنسبة 8%، وحوالي 6.5% على القطاع التجاري.[5] وتضيف القاق لـ«حبر» إن إجمالي التخفيض المتحقق في فواتير القطاعات الإنتاجية نتيجة تطبيق التعرفة الجديدة بلغ حتى آب الماضي 21 مليون دينار تقريبًا، واصفة ذلك بالأمر «الإيجابي».

يؤكد الجغبير أن العديد من الصناعات، خصوصًا البلاستيكية والغذائية والمحيكات، لمست فرقًا في تكاليف الكهرباء بعد التعرفة الجديدة، إذ انخفضت بنسب متفاوتة -بحسب القطاعات- وصلت إلى 13% في الصناعات البلاستيكية مثلًا. مشيرًا إلى أن بعض القطاعات لا تعتمد في عملياتها التصنيعية على الكهرباء فحسب، إنما تتضمن كذلك استخدام الديزل والوقود الثقيل والغاز المسال، فضلًا عن المواد الخام وكلف الشحن التي ازدادت مؤخرًا، ما أثر على قدراتهم التصنيعية وتنافسيّتهم في الأسواق الخارجية.

من جهتها، تقول القاق إن الإيرادات المتأتية من التعرفة غير المدعومة على بعض المشتركين في القطاع المنزلي، والذين ستتضاعف حتمًا قيمة فواتيرهم، ستغطّي قيمة التخفيض الذي حصلت عليه القطاعات الإنتاجية، والذي منح لها من أجل تخفيض التكلفة التشغيلية، وتشغيل الأيدي العاملة، والحفاظ على استمرارية العمل وتحسينه.

وبحسب تصريحات سابقة للحكومة، فإن الزيادة المتحققة من التعرفة غير المدعومة لن تدخل خزينة الدولة، أو ميزانية شركة الكهرباء الوطنية، إنما ستوّجهها الهيئة لتعويض التخفيض الذي طرأ على فواتير الطاقة للقطاعات الصناعية والتجارية والزراعية.

إشكاليات الدعم

يعتبر الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي أن ما يسمى الدعم على فاتورة الكهرباء مفرغٌ من المعنى الحقيقي لمفهوم الدعم، نظرًا لأنه لم يخفّض قيمة الفواتير لدى شريحة كبرى من المشتركين في القطاع المنزلي، بل ظلت القيم على ما كانت عليه قبل التعرفة الجديدة. وأن الإيرادات المتحققة من العدادات غير المسجلة في الدعم ستغطي قيمة التخفيض على قيمة فواتير القطاعات الصناعية والتجارية، وهي آلية تؤدّي لأن يدعم المواطن القطاعات الاقتصادية الأخرى، ما ينفي مبدأ الدعم الحكومي.

أمّا الخبير الاقتصادي حسام عايش فيرى أن تعديل التعرفة الكهربائية على الشرائح المختلفة ينسجم مع تصريحات سابقة لصندوق النقد الدولي، طلب فيها الصندوق من الحكومة إعادة تسعير الكهرباء للشرائح المختلفة، من أجل مساعدة قطاعات اقتصادية وتجارية، منتقدًا هذا المسار لكونه، كما يقول، يعتمد على جيوب المواطنين من أجل دعم قطاعات أخرى.

وكان صندوق النقد قد أعلن العام الماضي، أن الحكومة الأردنية التزمت بتعديل تعرفة الكهرباء لتحسين استهداف الدعم المقدّم للأسر، ولخفض التكلفة العالية للكهرباء على الشركات.

من جهته، يرى الكاتب الاقتصادي سلامة الدرعاوي أن عموم آليات الدعم في الأردن ما تزال مشوّهة، بما في ذلك دعم الكهرباء والخبز والأعلاف والمعالجات الطبية، وأن جزءًا كبيرًا منه يُصرف لغير مستحقيه، قائلًا إن الأصل هو توجيه الدعم للفئات ذات الدخل المحدود والمتوسط، وأن يكون الدعم مقدمًا للأشخاص لا للسلع، معتبرًا أن أشكال الدعم الحالي لا تميّز بين الفقير والغني، إنما فيها -برأيه- هدرٌ مالي في حين أن الدولة بأمسّ الحاجة لإدارة مواردها بكفاءة عالية وتوزيعها بما يحقق العدالة.

بالإضافة إلى النقد الذي يطال شكل الدعم الحالي وحجمه وآليات تطبيقه، يتخوف مواطنون من إلغاء الدعم على فواتير الكهرباء مستقبلًا، وهو ما تنفيه هيئة تنظيم قطاع الطاقة. لكن الدرعاوي يعتبر أن تخوف المواطنين مبرّر، ويعزوه إلى عدم ثقتهم بمصداقية الحكومة، نظرًا لتجارب سابقة تراجعت فيها الحكومات عن تقديم الدعم، وأقرب مثال على ذلك رفع الدعم عن الخبز عام 2018.

  • الهوامش

    [1] قيمة الدعم المباشر المخصوم من الفاتورة ديناران ونصف لمن يتراوح إجمالي استهلاكهم بين 51 و200 كيلو واط ساعة شهريًا، وديناران لمن يتراوح إجمالي استهلاكهم بين 201 و600 ميغا واط ساعة شهريًا.

    [2] يختار المشترك عدادًا واحدًا يكون مدعومًا.

    [3] التي يقل استهلاكها عن 50 كيلو واط ساعة لثلاثة أشهر متتالية.

    [4] يتم تطبيق التعرفة غير المدعومة في حال كانت كمية الطاقة المستجرة من الشبكة الكهربائية أعلى من الكمية المصدرة من النظام، أي يتم تطبيق التعرفة غير المدعومة على الفرق بين الكميتين.

    [5] خفضت التعرفة النهارية على الصناعات المتوسطة من 79 فلسًا إلى 68 فلسًا، في حين ظلت التعرفة الليلية كما هي 65 فلسًا. أما بالنسبة للمنشآت الصناعية الصغيرة، فإن الاستهلاك من 1 إلى 10 آلاف كيلو واط ساعة تنخفض تعرفته من 61 فلسًا لتصبح 60 فلسًا، كما تنخفض من 71 فلسًا لتصبح 68 فلسًا لمن يستهلك أكثر من 10 آلاف كيلو واط ساعة شهريًا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية