«عاش شقيان ومات شقيان»: عامل نظافة يقضي أثناء عمله في نفق

الخميس 26 تشرين الثاني 2020
عامل النظافة محمد الهلالي الذي توفي أثناء عمله، في صورة التقطها لنفسه قبل وفاته بساعات. تصميم ندى جفال.

في 13 تشرين الثاني الحالي، توفي محمد الهلالي (34 عامًا)، عامل النظافة والأب لثلاثة أطفال، في حادث دهس، أثناء تنظيفه شبكة تصريف مياه الأمطار، في نفق الصحافة في شارع الجامعة في عمّان. 

خرج محمد، الذي يعمل في أمانة عمان الكبرى منذ 10 سنوات، ذلك اليوم من منزله القريب من مقبرة أبو صياح شرق أوتوستراد الزرقاء إلى عمله في منطقة تلاع العلي غرب عمّان، حسبما يروي شقيقه أيمن (30 عامًا). «كان يطلع على شغله عالساعة وحدة ونص بالليل عشان يطلع مع سيارات الأمانة [الطاحنات]، عشان يوفر أجرة مواصلاته ويظل للساعة ثلاثة العصر»، يقول أيمن.

كان ذلك اليوم، الذي وافق الجمعة، أحد أربعة أيام أعلنتها الحكومة حظرًا شاملًا، بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب التاسع عشر. في حوالي الساعة السابعة والنصف، نزل إلى نفق الصحافة خمسة عمال من أمانة عمان؛ ثلاثة عمال نظافة ومراقب وسائق مركبة «بيك أب» تابعة للأمانة. وفيما كان محمد يعمل على تنظيف أحد المناهل، صدمته سيارة تعبر النفق. 

«عاش شقيان ومات شقيان»، يقول أيمن واصفًا حياة شقيقه، ويعرض صورةً لمحمد التقطها لنفسه قبل ساعة ونصف من وفاته، تاركًا وراءه زوجته وابنين (تسعة و10 أعوام) وبنت (ثلاثة أعوام). «سألت اللي كانوا معه ما حكى إشي؟ ما وصّى إشي؟ قالوا ما لحّق»، يقول أيمن.

لم تكن تلك المرة الأولى التي يقضي فيها عامل نظافة أو يصاب بحادث سير أثناء عمله في تنظيف الشوارع والأنفاق. ورغم عدم توفر إحصائيات حديثة، إلا أن أمانة عمان كانت قد قالت في تصريح صحفي سابق إنها سجلت 153 إصابة ووفاتين بين عمال النظافة لعام 2018. أما عمال النظافة في البلديات حول المملكة، فقالت مؤسسة الضمان الاجتماعي إنه سُجلت بينهم 336 إصابة عمل وثلاث وفيات. وكان ذلك جزءًا من 18 ألف إصابة عمل و280 حالة وفاة في العام ذاته، بحسب الضمان.

تفاصيل الحادث

تروي مصادر متعددة التقتها حبر، فضلت عدم ذكر أسمائها، أنه لم تتوفر لدى العمال وقت الحادث شواخص تحذيرية تنصب في الشارع. ووفقًا للمصادر، فإن فريق العمل الذي يتواجد عادة في شارع الجامعة قرب نفق الصحافة يخبئ الشواخص التحذيرية في مبنى جريدة الرأي المحاذي للنفق، لكن الحظر الشامل يومها حال دون تمكنه من دخول المبنى. ورغم عدم وجود الشواخص، تقرر العمل على تنظيف شبكة تصريف مياه الأمطار، واستعيض عن هذه الشواخص باصطفاف المركبة التابعة للأمانة داخل النفق بمحاذاة العمال، كما وضعت حاوية نفايات قربهم للدلالة على مكان العمل. حينها، دخلت النفق سيدة بسيارة غير مرخصة أو مأمنة، واصطدمت بالمركبة المصطفة، ثم انحرفت باتجاه العمال، مما تسبب بوفاة محمد وإصابة عاملين نقلا للعلاج في مستشفى الجامعة الأردنية، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الرسمية بترا

«كان يطلع على شغله عالساعة وحدة ونص بالليل عشان يطلع مع سيارات الأمانة [الطاحنات]، عشان يوفر أجرة مواصلاته ويظل للساعة ثلاثة العصر»

نائب مدير المدينة لشؤون المناطق والبيئة في أمانة عمّان الكبرى، حسام النجداوي، قال لحبر إنه توفرت بالفعل في موقع العمل في النفق شواخص تحذيرية وأقماع. وأضاف أنه تحصل سنويًا حوادث مع عمال نظافة أثناء عملهم، دون أن يذكر رقمًا محددًا، لكنه يرى أن هذا أمر متوقع نتيجة العمل في الطرقات، رغم تزويد العمال بملابس خاصة وعواكس لحمايتهم ليلًا، وشواخص تحذيرية، بحسبه. «نحذر العمال من تعريض أنفسهم للخطر ولا يقبل أي مراقب أن يدهس عامل الوطن ويعرض نفسه للخطر، لكن أحيانًا حمية العامل وشغفه في عمله تدفعه لتصرف فردي قد يعرضه للخطر».

الناطق باسم مديرية الأمن العام، عامر السرطاوي، قال لحبر إن الكروكا عدّت الحادث مشتركًا بين مركبة السيدة ومركبة الأمانة التي كانت مصطفة داخل النفق، دون ذكر مزيد من التفاصيل. فيما تحدثت حبر مع قريب للسائقة اكتفى بالقول إن الشارع خلا من الأقماع أو الشواخص التحذيرية، وبحسبه فإن السائقة لم تكن مسرعة.

بعد الحادث بأيام قليلة، توجهت إلى منزل عائلة محمد الهلالي جاهتان في يومين منفصلين، وقدمتا عطوة اعتراف مدتها شهر، الأولى من قبل السيدة، والثانية من قبل سائق مركبة الأمانة. ويضيف أيمن أن مندوبين عن الأمانة تواصلوا معه لتعزيته وأخذ معلومات عن محمد، كعدد أفراد أسرته، وما إذا كان بيته ملكًا أم مستأجرًا، وطلبوا حصرًا لإرث العائلة.

هل كانت إجراءات السلامة كافية؟

يرى مدير مركز بيت العمال والأمين العام الأسبق لوزارة العمل، حمادة أبو نجمة، أن هناك تقصيرًا وإهمالًا بحق عمال النظافة، إذ يجب قبل العمل في المناطق الخطرة والأنفاق إغلاقها إما كليًا أو جزئيًا، إضافة لتوفير شواخص تحذيرية والتشديد على حماية العمال واتخاذ سبل الوقاية اللازمة لهم، بحسبه. وهذا ما أكده كذلك أحد عمال الأمانة -الذي فضل عدم ذكر اسمه-، مطالبًا بتوفير مزيد من سبل الوقاية وعدم دفع العمال للعمل في مناطق خطرة وتوفير آليات لمساندتهم في العمل.

يقول النجداوي لحبر إن أمانة عمان عملت على تغطية علاج المصابين في مستشفى الجامعة، كما غطّت تكاليف الجنازة للعامل المتوفى، وستعوّض عائلته وفق أنظمة الأمانة الداخلية والصناديق المتوفرة لديها.

وعرض أبو نجمة عبر صفحته الرسمية على منصة فيسبوك صورًا لمخاطبات من وزارة العمل للأمانة أثناء توليه منصب الأمين العام للأعوام 2015 و2016، أبدت فيها الوزارة رغبتها في التعاون مع الأمانة من أجل سلامة العمال، وحذرت فيها من مخاطر عمل العمال في الأنفاق. وبحسب أبو نجمة، فإن الأمانة لم تتجاوب حينها.

يرد النجداوي بأن الأمانة ملتزمة بتوفير أدوات السلامة العامة للعمال، وتصدر تعاميم باستمرار لمختلف رؤساء الأقسام والمراقبين بضرورة التقيد بهذه الإجراءات وعدم تعريض العمال للخطر. وإذا اضطروا للعمل في مناطق ذات خطورة مرورية، فإن الأمانة عمّمت بضرورة توفر أدوات السلامة والحواجز والأقماع التحذيرية وإغلاق الموقع بالتعاون مع دائرة السير. ويلفت مجددًا إلى أن بعض العمال لا يتقيدون بإجراءات السلامة ولا يعيرون اهتمامًا للخطر المتوقع حدوثه، رغم الدورات التوعوية التي تقدمها الأمانة للعمال، واحتمالية اتخاذ إجراءات قانونية بحق المخالفين.

ويقول النجداوي إن الأمانة بدأت باللجوء للآليات للتخفيف من تواجد العمال في الشارع راجلين، فاستوردت ست كانسات آلية العام الماضي تعمل على الطرقات السريعة مثل طريق المطار، وشارع زهران وغيرها من الشوارع النافذة، وتتحرك بعد العاشرة ليلًا وحتى السادسة صباحًا. واستوردت مؤخرًا 12 كانسة كهربائية للعمل في الشوارع الداخلية، في وسط البلد والحي النموذجي في جبل الحسين وشارع الوكالات في الصويفية. وأضاف أن الأمانة ستستورد 30 كانسة أخرى بحلول شهر نيسان المقبل. 

لكن النجداوي يضيف أنه رغم وجود آليات متعددة لتنظيف المناهل وكانسات للشوارع، فإن بعض المناهل يحتاج العامل لتنظيفها بنفسه من المخلفات والنفايات بشكل دوري والتأكد من جاهزيتها، بحسبه. «لا يمكن إلا تشوف عامل الوطن بكنس بالشارع وأمام بيتك وبنظف المنهل في شارع رئيسي. الأيدي العاملة يجب أن تبقى».

ويبلغ عدد عمال النظافة في أمانة عمان حوالي سبعة آلاف عامل، بينهم خمسة آلاف يعملون في مجال البيئة (أي تنظيف الشوارع والمناهل)، والبقية في أعمال أخرى مثل التعشيب والحراسة. وهم يعملون وفق نظام المياومة، ويحصلون راتبًا شهريًا يبلغ حوالي 400 دينار، بالإضافة إلى تأمين صحي وضمان اجتماعي، وفق النجداوي.

عائلة محمد تحرم من معيلها الوحيد

«أخوي عمره ما عطّل بحياته. أنا اخوه تزوجت وما عطل بعرسي، وبداوم جمعة وسبت، راتبه لا يتجاوز 400 دينار، [وحتى] بأوقات الحظر بسبب كورونا مداومين»، يقول أيمن عن محمد، الذي درس المرحلة الإعدادية، وعمل بعدها في مهنة الحدادة، ثم انتقل للعمل مراسلًا في شركة خاصة للأدوية في عمّان، قبل أن يتزوج في سن الـ24، وينتقل للعمل في أمانة عمان كعامل نظافة حتى نهاية حياته.

توفي الهلالي وفي ذمته قروض مالية من عدة جهات لجأ إليها لاستكمال بناء شقة في عمارة تسكن فيها عائلة شقيقه أيمن، المتزوج ولديه أربع بنات، بالإضافة لشقة يسكن فيها والداه وشقيق آخر غير متزوج. «راتب محمد كان رايح عالقروض. 125 دينار لبنك الإسكان، و70 لتمويلكم، و75 لصندوق المرأة، هو كان كفيل زوجته، و50 دينار أقساط مطبخ ما لحق يتهنى فيه، الشهر الماضي اشتراه بالتقسيط»، يقول أيمن.

«أخوي عمره ما عطّل بحياته. أنا اخوه تزوجت وما عطل بعرسي، وبداوم جمعة وسبت، راتبه لا يتجاوز 400 دينار، [وحتى] بأوقات الحظر بسبب كورونا مداومين»

لا يعلم أيمن كيف ستؤول الأمور وما المبالغ التي قد يحصّلها تعويضًا عن وفاة شقيقه لتأمين مستقبل أبناء محمد وزوجته بعد وفاة معيل الأسرة. ويلفت إلى أنه بدأ باستشارة محامين لتوكيل أحدهم بقضية شقيقه للحصول على تعويض لعائلة محمد من أمانة عمّان الكبرى، خاصة وأن أيمن متعطل عن العمل منذ عودته من العراق في حزيران الماضي، حيث كان يعمل في مجال تركيب اللوحات الإعلانية في بغداد، وبعد انتشار وباء كورونا عاد للأردن ولم يجد عملًا يدر له دخلًا ثابتًا باستثناء بعض الأعمال المتقطعة. 

يقول النجداوي لحبر إن أمانة عمان عملت على تغطية علاج المصابين في مستشفى الجامعة، كما غطّت تكاليف الجنازة للعامل المتوفى، وستعوّض عائلته وفق أنظمة الأمانة الداخلية والصناديق المتوفرة لديها، دون أن يذكر مزيدًا من التفاصيل حول ما تنص عليه هذه الأنظمة.

ويوضح أبو نجمة أن تعويض عائلة العامل المتوفى أثناء العمل يكون وفق قوانين وأنظمة المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في حال كان من المؤمن عليهم، إضافة لما تقدمه المؤسسة التي عمل لديها من تعويض بموجب نظامها الداخلي. عدا ذلك، فإن لعائلته أن تطالب بتعويض خارج قانون العمل والضمان، إذا ثبت أن هناك مسؤولية تقصيرية من الأمانة تسببت بوفاة العامل، وذلك استنادًا للقانون المدني الذي يصف المسؤولية التقصيرية بالفعل الضار.

وتصنف مؤسسة الضمان الاجتماعي مهنة عامل النظافة ضمن المهن الخطرة، مما يعني إمكانية أن يتقاعد العامل عند سن الـ45، في حال أتمّ 18 سنة من الاشتراكات للذكر و15 سنة من الاشتراكات للأنثى، كما يوضح الناطق باسم المؤسسة، شامان المجالي. 

ويعرّف قانون الضمان الاجتماعي إصابة العمل بأنها الإصابة الناتجة عن حادث وقع للمؤمن عليه أثناء تأديته لعمله أو بسببه، بما في ذلك عند وقوع الحادث خلال ذهابه لعمله أو عودته منه. ويضيف المجالي أنه في حال تعرّض عامل لحادث أثناء العمل ووفاته، يوفر الضمان الاجتماعي لورثة العامل المؤمّن في المؤسسة 75% من راتبه الخاضع للضمان شهريًا، وذلك من تاريخ وقوع الحادث، وبغض النظر عن عدد اشتراكات المؤمن عليه. ويقسّم المبلغ على الورثة المستحقين بموجب المادة 30 من قانون الضمان. 

كما يتكفل الضمان الاجتماعي عند إصابات العمل بالعناية الطبية اللازمة للمصاب، والبدلات اليومية عن العجز المؤقت، والرواتب الشهرية وتعويضات الدفعة الواحدة المستحقة للمصاب، ونفقات الجنازة في حال وفاة المؤمن عليه نتيجة إصابة عمل، بموجب المادتين 25 و26 من قانون الضمان.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية