شطرنج الأردن

رزان وناصر: الحب على رقعة شطرنج

رزان وناصر: الحب على رقعة شطرنج

الأحد 15 كانون الثاني 2023

يوم 20 تشرين الأول الماضي، اصطحب ناصر عيد (34 عامًا) زوجته رزان الشعيبي (30 عامًا)، التي كانت في حالة ولادة، إلى المستشفى. هناك مدّدوها على السرير، وبدؤوا بمراقبة نبض الجنين، في حين جلس هو على مقعد في زاوية الغرفة. لم يكن الطلق قد اشتد عليها بعد، فالتفتت إليه، وسألته: تلعب؟ مباشرة، أخرج الاثنان هاتفيهما، وفتحا أحد مواقع الشطرنج على الإنترنت، واستمرّا في اللعب، إلى أن بدأ طلقها يشتد ويتسارع.

بالنسبة لاثنين بدآ لعب الشطرنج في الطفولة، واحترفاه كبارًا، لم يكن الشطرنج مجرد لعبة اعتادا ممارستها للتسلية، أو لقطع ساعات الانتظار في الدوائر الحكومية، أو حتى للتغلب على توتر الساعات القليلة قبل ولادة الطفل الأول. الشطرنج كان دائمًا أحد الأعمدة الأساسية التي تقوم عليها حياتهما، شخصيًا واجتماعيًا ومهنيًا. وكان أصلًا النشاط الذي التقيا فيه لأول مرة، في بطولة نظمها الاتحاد الأردني الملكي للشطرنج، قبل 14 عامًا، وكانت وقتها رزان تلميذة مدرسة في الـ16 من عمرها، وناصر طالب هندسة في سنته الجامعية الثانية.

يقول ناصر، إن الشغوفين بالشطرنج، الذين لمسوا تأثيرها في حياتهم، يعرفون أنها أكبر من تسلية. لقد أدركوا أثر الشطرنج في تطوير قدراتهم الذهنية، وشحذ مهارات التفكير، وتطوير الذاكرة، وضبط النفس والتحمّل، وحتى في تحسين مهارات التواصل، خصوصًا لمن يبدأون اللعب في الطفولة. هذا أثبتته دراسات علمية عن اللعبة، وهذا ما جعل دولًا عديدة تضمنه مناهجها الدراسية، بل وجعلته بعضها إلزاميًا في المدارس.

إنه أمر، تقول رزان، انتبه إليه الكثير من الأهالي الذين يأتون بأطفالهم إلى مراكز تعليم الشطرنج في المملكة، من بينها المركز الذي تعمل فيه. فهم لا يفعلون ذلك لجعلهم أبطالًا في اللعبة، بل لأنهم لمسوا، من خلال تجارب سابقة لغيرهم، أثر الشطرنج في تعديل جوانب معينة في شخصيات أطفالهم. «مثلًا بكون الطفل عنده فرط حركة، أو قلة انتباه، أو ما عنده ثقة بحاله». كما تعلمهم اللعبة إدارة الوقت، فهي لا تعتمد فقط على تحقيق الأفضلية في النقلات، بل على رصيد من الوقت، إذا استنزفه اللاعب سيخسر، حتى لو كان متقدمًا في المباراة. وهذه مهارة مفيدة في الامتحانات المدرسية، وفي الحياة بشكل عام.

في الأردن 304 لاعب شطرنج مسجلين في الاتحاد، منهم 154 يحملون تصنيفًا دوليًا. ورزان، التي فازت هذه السنة ببطولة المملكة للسيدات، وكانت وقتها حامل في الشهر التاسع، هي واحدة من 23 لاعبة شطرنج ضمن قائمة اللاعبات المصنفات دوليًا، اللواتي ما زلن يمارسن اللعبة، وواحدة من خمس لاعبات بين أول مئة لاعب أردني مصنف دوليًا.

كبُرت رزان في منطقة الهاشمي الشمالي في عمان، الطفلة الأصغر بين أربعة بنات وولد. توفي والدها عندما كانت في الثامنة، وأدارت والدتها، معلمة المدرسة، العائلةَ منذ ذلك الوقت. غرامها باللعبة، بدأ مع رقعة شطرنج خشبية كبيرة أهدتها لها والدتها في عيد ميلادها الثاني عشر. «علمتني كيف القطع بتمشي، فأنا انهبلت على الموضوع». لقد وعت على الدنيا وهي ترى والدتها وخالها العسكري في الجيش، يلعبان الشطرنج. وهما من قدّم اللعبة إلى أطفال العائلتين، من بينهما رؤى وبشرى الشعيبي، ابنتا ذلك الخال، اللتان شاركت معهما في بطولات لاحقة. وفقط بعد أن كبرت، عرفت أن لعبهم كان آنذاك لعب «هواة»، مليئًا بالأخطاء.

وفي غياب الشطرنج عن وسائل الإعلام التقليدية، كان الإنترنت منفذًا على عالم اللعبة. في تلك الفترة كان الإنترنت في منزل رزان يُشحن بالبطاقات، بصورة متباعدة ومتقطعة، كانت تستغلها للاطلاع على المواقع المتخصصة التي كانت قليلة آنذاك. لهذا، ورغم أن الاتحاد الملكي للشطرنج تأسس العام 1973، إلا أنها لم تعرف عن وجوده، والبطولات التي ينظمها، إلا بعد سنتين من فوزها ببطولة المدارس. فاشتركت وابنتا خالها في بطولة السيدات العام 2007.

كتب وكراسات لتدريب لعبة الشطرنج.

ذهبت رزان إلى هذه البطولة، ممتلئة بإحساسها بالثقة والتميّز، لكنها سقطت من علو، عندما احتلت مع قريبتيها المراكز الثلاث الأخيرة. لقد وجدت نفسها في مواجهة عالم من اللاعبات واللاعبين المحترفين الذين لم تكن تعرف عن وجودهم أصلًا. لكن هذه السقطة كانت بداية طريق الاحتراف، إذ تلقت بعدها دعوة للانضمام إلى نادي موظفي أمانة عمان للشطرنج، أحد 36 ناديًا للشطرنج في المملكة. وفيه عرفت لأول مرة أن الشطرنج، مثل أي رياضة أخرى، تتطلب دراسة، وتدريبًا منهجيًا على يد مدرب.

حدث الأمر نفسه مع ناصر في أول بطولة اشترك فيها على مستوى المملكة، العام 2008، وهي البطولة التي تعرّف فيها على رزان. كان ناصر طالب هندسة ميكاترونيكس في جامعة البلقاء التطبيقية، جاء إلى البطولة بعد فوزه ببطولة الكليات الجامعية. ومثل رزان لم يكن يعرف قبل مشاركته هذه أي شيء عن الاتحاد، إلى أن أخبره عنه أحد حكام بطولة الجامعة.

كان ناصر مقيمًا في الزرقاء، حيث يعمل والده في لحام الحديد، وعملت والدته في الصحافة، وكانت هي من عرّفه على اللعبة، عندما كان في الخامسة، واشترت له ولأخيه التوأم، ثائر، رقعة شطرنج «حتى تبعدنا عن الشارع». كانت والدته وخالته وجده يلعبون. فبدأ التوأم في مشاركة الكبار لعبتهم، ثم خلال أشهر قليلة من تعلمهما قواعد اللعبة، بدآ في التغلب عليهم. وهذا جعل هؤلاء الكبار يعزفون عن اللعب معهما.

خلال 15 عامًا، يقول إنه من بين كل من كانوا يلعبون في محيطه، من صغار أو كبار، فإن أخاه كان الوحيد الذي يشكل تحديًا بالنسبة إليه. «كبرت وخلصت توجيهي والشخص الوحيد اللي ممكن يغلبني هو أخوي». وفي بطولة الجامعة، فاز بجميع المباريات التي خاضها. لهذا عندما جاء إلى بطولة المملكة «كنت رايح وأنا متخيل إني رايح أجيب البطولة. كنت في نظر نفسي الشخص اللي ما بخسرش». لكنه صدم بشدة بأنه احتل مركزًا متأخرًا بين 150 لاعبًا.

في هذه البطولة رأى ناصر رزان لأول مرة. كانت مع مدربها عقب إحدى مبارياتها، وكانا يمسكان بورقة، ويتناقشان في رموز غريبة، يسمعها لأول مرة. ثم عرف بعد أن سأل رزان، أن هذه الورقة لتدوين النقلات (Score Sheet)، حيث يسجل عليها اللاعب كل نقلاته أثناء المباراة، وبعدها يعيد تمثيل المباراة، لتحليلها، مع مدربه أو بنفسه، أو من خلال الكمبيوتر.

أخبرته رزان أن تحليل اللاعب لمبارياته، ومباريات الخصوم جزء أساسي من التدريب الذي تتلقاه. فبهذه الطريقة، يتعرف اللاعب نقاط ضعفه وقوته، وكذلك الأمر للخصوم. عرف منها أن لعب الشطرنج الاحترافي لا يكون مجرد «دماغ لدماغ»، بل هناك تكتيكات، واستراتيجيات، يتعلمها اللاعبون، وتساعدهم على تحقيق الأفضلية. وعرف أيضًا أن إتقان اللعبة من أجل الاحتراف يتطلب دراسة وتدريبًا يوميًا لساعات.

ناصر عيد خلال مشاركته في بطولة  دوري أندية الدرجة الأولى للشطرنج، في 12 كانون الثاني الجاري.

بعد صدمته، انغمس ناصر في الشهور التالية في التدريب المكثف، والتعلم من مواقع وفيديوهات الشطرنج على الإنترنت. وأثمر هذا، عندما اشترك بعدها بثلاثة أشهر في بطولة الأمير محمد، وهي واحدة من البطولات العديدة التي يشارك فيها لاعبو الشطرنج سنويًا داخل المملكة، حيث حقّقَ مركزًا متقدما جعله يحصل على تصنيف دولي عالٍ نسبيًا، وهو ما كشف عن أثر التدريب في تحقيق هذه النقلة في مستواه. يقول إن السبب الذي من أجله لم يعجبه مسلسل مناورة الملكة (Queen’s Gambit)، الذي عرض على نتفلكس، وروى قصة لاعبة شطرنج، أن المسلسل أهمل الأساس الذي تقوم عليه تجربة أي لاعب شطرنج محترف، وهي الجهد المفترض أن يبذله اللاعب يوميًا. لقد طرح مسلسل مناورة الملكة البطلة بوصفها خارقة القدرات، مكرسًا بذلك الصورة النمطية وهي أن الشطرنج لعبة النابغين. وهذا ليس صحيحًا. نعم، يتطلب الشطرنج قدرات ذهنية «جيدة»، لكنه لا يتطلب «عبقرية» لتحقيق أداء ممتاز، لأن الممارسة، والتدريب المكثّفين لساعات يوميًا، يصنعان الكثير. وواحد من أعظم الأمثلة على ذلك، يقول، هو نوع من الشطرنج يسمى Blindfold Chess، وهو لعب الشطرنج ذهنيًا، أي من دون رقعة. في هذه اللعبة، يتخيل اللاعبان الرقعة، ويبدآن بتحريك القطعة شفويًا، بذكر اسم القطعة، ورمز المربع الذي يريدان تحريكه إليه. وهي لعبة يقول إنه يلعبها دائمًا مع رزان، خصوصًا عندما يكونان في الخارج. وهذه مهارة تطورها الممارسة المكثفة.

اللعبة المظلومة

بعد الصف العاشر، اضطرّت رزان للتوقف عن التدريب فترة سنتي الدراسة الثانوية، فقد حصلت على منحة لإكمال سنتي دراستها الثانوية في مدرسة خاصة، وكان شرط احتفاظها بالمنحة سنة التوجيهي، هو ألا ينزل معدلها في الأول الثانوي عن 95%. لهذا لم يكن بإمكانها تخصيص الوقت الذي كانت تخصصه للتدريب. فلم تعد إليه إلا بعد التحاقها بالجامعة، العام 2010، لدراسة الهندسة الصناعية، وهو أمر لم ترده لأنها أرادت التفرغ للعبة، لكن والدتها رفضت. وهذا أمر مفهوم، تقول، لأنه لا يمكن لأحد تحقيق أي مصدر دخل من التفرغ للعبة. الجائزة الأولى مثلًا في بطولة المملكة، والتي تتطلب من اللاعبين تفرّغا لتسعة أيام، قيمتها 150 دينارًا. صحيح أن الاتحاد يدعم كلفة المشاركة في البطولات الخارجية، لكن لا موارد لدعم إضافي.

وهذا، يقول ناصر، ينطبق على اللعبة، حتى عالميًا، إذا ما قورنت بألعاب أخرى، مثل كرة القدم مثلًا. والسبب أن الشطرنج ليس لعبة جماهيرية تتسم بالحيوية والحركة «يعني اثنين قاعدين وصافنين». في حين أن منطق الاستثمار في دعم الرياضات عالميًا، قائم على انتشار اللعبة، والربح الذي يعود على الداعمين. لكن هذا، لا يجوز أن يكون القاعدة في الشطرنج. «مش لازم يظل الشطرنج استثمار الفرد في نفسه. لازم يكون استثمار الدولة في الفرد».

هذا هو السبب، يقول ناصر، الذي جعله يدرك مبكرًا أنه لن يستطيع احتراف الشطرنج، كما يرغب، لأنه لن يستطيع أن يكرس له الوقت اللازم يوميًا. فحتى عندما كان طالبًا جامعيًا، كان مضطرًا للعمل في التدريس الخصوصي لينفق على نفسه، ويساعد عائلته، ثم بعدها ليؤسس منزله الخاص، الذي صار واضحًا بعد دخول رزان الجامعة، أنه سيكون منزلهما معًا. وحاليًا يعمل ناصر مدرس رياضيات في مدرستين خاصتين.

لقد ساعدته نتائجه خلال السنوات الماضية على الحصول على تصنيف دولي، كما اجتاز دورات، حصل بعدها على لقب مدرب دولي. وهو يصل دائمًا إلى النهائيات، حيث يكون بين العشرة الأوائل. لكن «عمري ما أخذت بطولة مملكة، ولا عمري كنت في المنتخب الوطني». ورغم ذلك، يواصل تلبية شغفه من خلال المشاركة في جميع البطولات التي تمكنه ظروفه من المشاركة فيها، وتدريب التلاميذ في نادي الشطرنج في مدرسته.

مع تسليمه بأنه لن يذهب أبعد في اللعبة، يقول ناصر إنه لم يعتقد أن على رزان أن تواجه المصير ذاته. لهذا عندما دخلت الجامعة ساعدها على أن تحقق هدفين، أن تكمل دراستها الجامعية لترضي عائلتها، وأن تستمر في التدرّب على الشطرنج، والمشاركة في البطولات. وهذا كان السبب الذي من أجله سجل لدراسة الماجستير في هندسة الميكانيك في الجامعة نفسها التي التحقت بها لدراسة البكالوريوس، وهي «العلوم والتكنولوجيا» في إربد.

كانت هذه مساعدة، تقول رزان، إنها كانت بحاجة ماسة إليها. فقد عادت إلى التدرّب، والمشاركة في البطولات، بعد انقطاع سنتين، كانت الفتيات الأخريات فيهما حققن «قفزات في المستوى». 

كانت سنوات الجامعة، تقول رزان، قاسية. فقد ظلت مقيمة مع أهلها في عمان. لهذا صممت برنامجها الدراسي ليكون يومين أو ثلاثة في الأسبوع. وهذا يعني أن محاضراتها كانت تتوالى من الصباح إلى المساء. وكانت تعود من الجامعة إلى الاتحاد للتدرّب، ثم إلى المنزل ليلًا. كانت تستغل أي فسحة من الدراسة في دراسة الشطرنج؛ مثل الوقت في المواصلات من وإلى الجامعة، والاستراحة بين المحاضرات، وأيام العطل. وكان ناصر في الجامعة، يساعدها بشرح دروسها، خصوصًا عندما كانت تتغيب عن المحاضرات، للمشاركة في بطولات.

ساعدها ناصر أيضًا في التدرّب على الشطرنج. إذ كانت إحدى نقاط ضعفها في اللعب أن طاقتها كانت تهبط، أثناء المباريات، التي تستمر في العادة لساعات طويلة. ما يدفعها لاتخاذ قرارات خاطئة، كلّفتها مباريات كانت شبه محسومة لصالحها. فاقترح مدربها عليها أن تتدرب تحت الضغط. هناك بدأ ناصر في تعليمها لعب التنس، في الوقت الذي يلعبان فيه الشطرنج ذهنيًا. 

تزوج الاثنان بعد تخرج رزان من الجامعة. وتقول إن ناصر شجعها على أن تترك الهندسة خلفها «حكالي إلحقي حلمك». وهذا ما فعلته، فلم تحاول التقدم لأي وظيفة في مجال تخصصها، لتبقى في عالم الشطرنج. لكن بقاءها فيه لم يعن أنها امتلكت ترف التفرغ للعب. ابتداءً من العام 2017، انضمت رزان لأكاديمية آسيا لتعليم الشطرنج، التي أسسها، في العام نفسه، سامي السفاريني، لاعب الشطرنج المصنف الدولي الأول في الأردن، والذي تقول رزان، إنه «أبوي الروحي»، فقد دعمها منذ دخولها مسار الاحتراف مع الاتحاد، وكان الشخص الذي انتبه إلى ضرورة تطوير الشطرنج النسائي، فكان من أسس منتخب السيدات العام 2010.

رزان وناصر يلعبان الشطرنج في منزلهما.

التدريب، تقول رزان، مرهق ومستنزف للوقت والطاقة الجسدية والذهنية، خصوصًا تدريب الأطفال، الذين تبدأ معهم من سن الرابعة. وهو يأتي على حساب الوقت الذي يمكن أن تخصصه للتدرّب.

أحد تحديات التدريب، تقول رزان، إدارة الجو التنافسي، بحيث لا تخلق اللعبة عداوات. والحساسية في الأمر أن الشطرنج، «لعبة عائلية»، أي من المألوف وجود أكثر من فرد من العائلة الواحدة. ومهمة المدرب، هنا، في أن يحافظ على التنافس ودّيًا.

في كل الأحوال، تقول رزان إنها ممتنة لأن التدريب وسيلة لكسب العيش تبقيها في عالم الشطرنج. وتريها التأثير الإيجابي الذي يحدثه في شخصيات الأطفال. وهذا ما يحفزها وناصر على تقديم اللعبة مستقبلًا لطفلهما، حتى قبل سن الأربع سنوات.

حصلت رزان هذه السنة على جائزة أفضل معلمة شطرنج على مستوى العالم، من الاتحاد الدولي للشطرنج. وهي واحدة من جوائز عدة، استحدثها الاتحاد، بمناسبة إعلان 2022 «عام المرأة في الشطرنج»، لدعم مشاركة النساء في اللعبة. المشاركة التي تقول إن الرجال يستحوذون عليها محليًا وعالميًا. وهذا تثبته نسبة أعداد اللاعبات للاعبين، في الأردن والعالم، ونتائج أداء الطرفين أيضًا. وتلفت إلى أن واحدًا من الأمور التي ساهمت في تحسين أداء اللاعبات في المملكة، هو تحول نهج تدريبهن، بتحفيزهن على خوض المزيد من المباريات مع الرجال.

تشكل النساء، عالميًا، 11% فقط من اللاعبين المصنفين، وهناك امرأة واحدة فقط ضمن قائمة أفضل اللاعبين في العالم. ولم يحدث أن فازت ببطولة العالم امرأة. يقول ناصر إنه في لعبة عمرها آلاف السنوات، وكانت تاريخيًا لعبة رجال، فإنه يحب أن يعتقد الفجوة سببها أن النساء دخلنها متأخرات، وأن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من الوقت والدعم لردم الهوة بين الطرفين.

تقول رزان إنهما عندما تزوجا بعد تخرجها من الجامعة، كان رهان الجميع من حولهما هو أنها ستنقطع عن اللعب والمشاركة. لأن هذا ما يحدث في العادة. «البنات بس يتزوجوا بختفوا». هذا بسبب المسؤوليات الملقاة تقليديًا على النساء، والتي تحدّ من حركتهن، وإمكانية المشاركة في البطولات التي يتطلب الكثير منها السفر. فهي تسافر في السنة ثلاث أو أربع مرات، وتستغرق كل رحلة أسبوعين أو أكثر. لكنها تجد من تجربتها وأخريات تزوجن من داخل الوسط، أن الزواج من لاعب يساعد كثيرًا على إكمال المسار.

رزان وناصر مع ابنهما ثائر.

والفائدة تقول حتى للرجال، لأن الشريكة عندما تكون من الوسط، فإن هذا يعني لغة مشتركة، وفهمًا لما قد يدفع الشغف لاعب الشطرنج لفعله. ناصر، مثلًا، غادرها بعد ولادتها بعشرة أيام ليشترك في بطولة. وهي تقول إن امرأة أخرى، ربما كانت ستعتبر هذا تخليّا عنها في وقت حرج من أجل لعبة. لكنها تفهمت هذا تمامًا. «أنا نفسي كنت بتمنى لو بقدر أروح ألعب بهاي البطولة».

لكن حتى مع تفهم الزوج، يظل الأطفال، عائقًا أمام النساء. لهذا طلبت من ناصر عندما تزوجا أن يتمهلا في الإنجاب. ووقتها، تقول، طمحت بسنة أو أكثر قليلًا، لتفاجأ به يبدي استعداده للتأجيل خمس سنوات. وحتى بعد أن قطع هذا العهد، تقول، ظل الجميع، من حولها يراهنون على أنه سيتراجع. «بس هو صدق الوعد»، وجاء ثائر بعد ثلاثة أشهر من احتفالهما بعيد زواجهما الخامس.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية