كيف تأثر سوق سيارات الهايبرد برفع الضرائب؟

الثلاثاء 14 حزيران 2022
تصميم محمد شحادة.

بدأ إبراهيم القرعان (40 عامًا) عملية البحث عن سيارة هجينة «هايبرد» مناسبة له في نهاية عام 2021، واستغرقته عملية البحث والمقارنة بين السيارات المختلفة خمسة شهور، ارتفعت خلالها أسعار الهايبرد نتيجة رفع الضريبة بنسبة 55% من سعر السيارة، في استكمال لقرار حكومي سابق صدر عام 2018.

اشترى إبراهيم السيارة بسعر 22 ألف دينار، بزيادة قدرها 2000 دينار عن سعرها قبل بداية العام، وهو سعر يفوق قدرته المادية، ما دفعه إلى الاستدانة، لكنه بقي مصرًا على امتلاك الهايبرد التي تزايد سعرها مؤخرًا للهرب من أسعار المحروقات المرتفعة.

وكانت الحكومة قد قررت زيادة الضريبة المفروضة على سيارات الهايبرد بشكل تدريجي منذ العام 2018، حيث بدأت الضريبة بنسبة 30%عام 2018، وصولًا إلى 55% هذا العام، وهو ما أدى إلى انخفاض التخليص على سيارات الهايبرد خلال الأشهر الخمسة الماضية بنسبة نحو 46% عن ذات الفترة في عام 2021، بحسب إحصائية صادرة عن هيئة مستثمري المناطق الحرة، فيما ارتفع الإقبال على سيارات الكهرباء في ذات الفترة.

يتزامن ارتفاع ضريبة الهايبرد مع استمرار رفع أسعار المحروقات في الأردن، حتى وصلت لأرقام قياسية في التسعيرة الجديدة لشهر حزيران الحالي، ما جعل تجار السيارات يتوقعون زيادة الإقبال على السيارات الكهربائية في الفترة الحالية، وما دفع البعض أيضًا لمطالبة الحكومة بإيجاد نقاط شحن للسيارات الكهربائية داخل المدن وخارجها. إلا أن آلية التعامل الحكومي مع سيارات الهايبرد طوال السنوات الماضية أحدثت مخاوف عند بعض الناس وأعاقت قدرتهم على التخطيط وتحديد المركبة الأنسب لامتلاكها.

كيف فرضت الضريبة؟

منذ بداية دخولها السوق عام 2009، دارت نقاشات بين الحكومة والتجّار حول فرض ضريبة على سيارات الهايبرد، وتراوحت القرارات الحكوميّة ما بين إعفائها من الضريبة، أو تخفيفها في فترات زمنية محددة.

ففي عام 2009، قررت الحكومة إعفاء الهايبرد من الرسوم الجمركية المفروضة على غيرها من السيارات، من أجل تشجيع المواطنين على اقتنائها باعتبارها موفرة للطاقة ومحافظة على البيئة، كما جاء في تصريحات العديد من المسؤولين حينها.

تراجعت الحكومة عن قرارها عام 2010، وفرضت ضريبة على سيارات الهايبرد قيمتها 55% مهما بلغت سِعة محركها، وبررت القرار حينها بأنه محاولة لمعالجة الاختلالات الناتجة عن الإعفاء الضريبي الكليّ والتشوهات التي أحدثها في سوق السيارات المحليّة، واستغلال الإعفاء الممنوح في غير الغايات المحدد له، فيما أوضح محمّد أبو حمور، وزير المالية آنذاك، في تصريحات صحفيّة، أن تعديل الضريبة الخاصّة على الهايبرد يحافظ على وجود إعفاء جزئي لسيارات الهايبرد بنسبة تزيد عن 30% من قيمة ضريبة المبيعات الخاصّة المفروضة على السيارات، بحيث تخضع لضريبة بنسبة 55% بدلًا من 81% بشكلٍ يمكّن من استمرار تشجيع امتلاك السيارات التي تحافظ على البيئة.

لكن الحكومة أعادت النظر في القرار عام 2012، واستحدثت قرارًا جديدًا يقضي بخفض الضرائب على سيارات الهايبرد التي لا تتجاوز سِعة محركها (2500 cc) من 55% إلى 25%، وإخضاع سيارات الهايبرد التي تتجاوز سِعة محركها (2500 cc) لضريبة خاصّة بنسبة 55%، ومنح إعفاءات أخرى في حال شطب سيارات البنزين واستبدال الهايبرد بها.

يرى المحلل الاقتصادي محمّد بشير أن الحكومة كانت تبحث في هذه الفترات عن آلية لزيادة إيراداتها والتعامل مع العجز في الموازنة والمديونية، فهي تفرض الضرائب، تخفضّها أو ترفعها، بناءً على حاجتها لا حاجة الناس على حد تعبيره «الحكومة باستمرار تعتبر أي تخفيض في الرسوم حتى لو كان لغايات اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية خسارة لها، وتتصرف على هذا الأساس»، يقول بشير.

في عام 2009، قررت الحكومة إعفاء الهايبرد من الرسوم الجمركية المفروضة على غيرها من السيارات، من أجل تشجيع المواطنين على اقتنائها باعتبارها موفرة للطاقة ومحافظة على البيئة.

أعلنت الحكومة منتصف عام 2013، تمديد مدّة سريان قرار تخفيض الضريبة المتخذ عام 2012، والممنوح لسيارات الهايبرد حتى نهاية عام 2014، مبينةً أن القرار يأتي في إطار الحفاظ على استقرار التشريعات والمحافظة على سياسة ترشيد استهلاك الطاقة، وبحسب جهاد أبو ناصر، ممثل قطاع المركبات في هيئة مستثمري المناطق الحرة، فإن قرار التمديد ظلَّ يتجدد حتى عام 2017، وهو العام الذي وصل فيه الإقبال على الهايبرد إلى ذروته.

يقول رئيس هيئة مستثمري المناطق الحرّة محمد البستنجي، إن ظهور وانتشار التطبيقات الذكية لخدمات النقل مثل تطبيقات «أوبر»، و«كريم» عام 2017 رفع من الإقبال على سيارات الهايبرد بشكل كبير، «من يعمل على هذه التطبيقات يهمّه أن تكون سيارته توّفر عليه من الناحية الماديّة، حتى يستفيد من عمله، فكان من أفضل الخيارات سيارة الهايبرد»، يقول البستنجي.

مع هذا التزايد في الإقبال عادت الحكومة وألغت قرار عام 2012، لتعود الضريبة المفروضة على سيارات الهايبرد التي لا تزيد سِعة محركها عن (2500 cc) إلى 55% كما كانت عليه في 2010، ثم تراجعت بعد اعتراضات التجار، وفرضت ضريبة تتصاعد تدريجيًا بحيث تبدأ بنسبة 30% عام 2018، وترتفع كل عام بنسبة 5% حتى العام 2021، ثم ترتفع 10% عام 2022 لتصل أخيرًا إلى نسبة 55%، مبررًا وزير المالية حينها، عمر ملحس، القرار بأن الإعفاء الذي كان ممنوحًا للهايبرد لم يحقق العائد المأمول للحكومة، وهو ما يراه المحلل الاقتصادي حسام عايش محاولة حكومية للاستفادة من الإقبال على الهايبرد، «عندما وجدت الحكومة أن هناك إقبالًا على سيارات الهايبرد غيّرت مسارها، واعتبرت أن هذا النوع من السيارات مصدر إضافي للدخل والإيرادات، فرفعت الضرائب عليها وما عادت مسألة الصداقة مع البيئة مهمة»، يقول عايش.

كيف تأثر السوق؟

يوضح نضال الشريدة (52 عامًا)، وهو مالك متجر سيارات في المنطقة الحرّة بالزرقاء، أن عمليات الشراء تأثر سلبًا مع ارتفاع الضريبة كل عام منذ العام 2018، ما ينعكس على التجّار وقلّة أرباحهم «قبل 5 سنين كنّا شهريًا نبيع ما بين 15 إلى 20 سيارة، هسّا صرنا نبيع أربع إلى سبع سيارات بالشهر».

اتجه الشريدة منذ بداية العام الماضي إلى المتاجرة بالسيارات الكهربائيّة بشكلٍ كامل «السيارات الكهربائيّة سوقها أفضل وأصبحت مقبولة أكثر»، أو المركبات ذات المحركات الصغيرة والتي تعمل بالوقود التقليدي، متجنبًا قدر الإمكان مغامرة التجارة بسيارات الهايبرد مع فرض الضريبة الأخيرة وقِلة الإقبال عليها. 

تظهر إحصائية المركبات الداخلة للسوق المحلي، الصادرة عن هيئة مستثمري المناطق الحرّة الأردنيّة، تراجعًا مستمرًا في أعداد سيارات الهايبرد الداخلة للمملكة منذ عام 2017، من 37 ألف مركبة في ذلك العام إلى 21 ألف مركبة عام 2021، فيما انخفض التخليص خلال النصف الأول من هذا العام بمقدار النصف تقريبًا عن ذات الفترة في العام الماضي. بالمقابل، تضاعف عدد السيارات الكهربائية الداخلة إلى السوق الأردني خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام حوالي ثلاث مرات مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

في نهاية عام 2021، طالب التجار الحكومة بتأجيل تطبيق قرار الرفع الضريبي الذي كان مقررًا عام 2018، والذي زاد من سعر المركبة بين 1500 دينار إلى ثلاثة آلاف دينار، بحسب ممثل قطاع السيارات والآليات الثقيلة ولوازمها في غرفة تجارة عمان، سلامة الجبالي، وهو ما يثير مخاوف التجار أن يؤثر في قلة الإقبال وتراجع إيرادات الخزينة المتأتية من هذا القطاع، والخوف من دخول القطاع في حالة ركود.

لكنّ الحكومة مضت في تنفيذ القرار، نظرًا لأن القرار كان متخذًا مسبقًا، كما يقول مدير التعرفة والاتفاقيات في دائرة الجمارك الأردنيّة، محمود التيتي، لحبر، الذي استغرب مطالب التجار والمستوردين نظرًا لمعرفتهم السابقة بالنظام المعدل على الضريبة الخاصة، والتي كانت مقررة عام 2010 و2018، «كل هذه القرارات كانت بناءً على الاتفاق مع التجّار وبحضورهم»، يقول التيتي.

الاعتماد على الإيرادات الضريبية

يتزايد الإقبال على السيارات الكهربائية، ويوضح أبو ناصر أن سوق تجارة السيارات في الأردن يشهد مرحليًا تغيرًا في نوعيتها ومصدرها، مع زيادة من استيراد السيارات الكهربائيّة من الصين، وتزايد الإقبال على السيارات التي سعة محركاتها صغيرة تتراوح بين (1600 cc) و(1800 cc) ما يعني قِلّة إقبال المواطنين على سيارات الهايبرد، والعزوف عنها إلى السيارات كهربائيّة أو السيارات الأكثر توفيرًا للبنزين.

يقول أبو ناصر إن السيارات ذات سعة المحرك الصغيرة هي أقل سعرًا من الهايبرد حاليًا، وهو ما يتناسب مع قدرة المواطن الشرائية ويشكل سببًا في الإقبال عليها في مقابل الهايبرد، رغم أن الهايبرد أقل استهلاكًا للوقود على المدى البعيد.

يقول رئيس جمعية السيارات الكهربائيّة أحمد أبو رداد، إن سوق السيارات الكهربائيّة شهد إقبالًا ملحوظًا بعد رفع ضريبة الهايبرد بداية العام الجاري؛ وأرجعه إلى انخفاض التكلفة التشغيليّة للسيارات الكهربائيّة مقارنةً مع الهايبرد «التوفير بدل فرق البنزين كبير حتى مع التعرفة الكهربائيّة الجديدة»، يقول أبو رداد، إلى جانب عدم حاجتها لصيانة دوريّة مُكلفة.

وبيّن أبو رداد أن البنية التحتيّة للسيارات الكهربائيّة جيدة لكنها ليست كافية، إذ يوجد في المملكة 33 نقطة شحن عامّة سريعة، تشكّل قِلتها تحديًا لأصحاب تطبيقات النقل وغيرها من السيارات التي تقطع مسافات طويلة -بحسب أبو رداد-، إلى جانب قِلة توّفر البطاريات وقطع الغيار والصيانة للسيارات الكهربائيّة في السوق الأردنيّة «وذلك مرهونٌ بالزمن، فزيادة أعداد السيارات تتطلب توفير احتياجاتها تدريجيًا».

وتخضع السيارات الكهربائيّة التي لا تتجاوز سِعة محركها (150 كيلو وات) لضريبة قيمتها 10%، بينما السيارات التي تتجاوز سِعة محركها ذلك تخضع لضريبة قيمتها 15%، توقع أبو رداد أن تزداد نسبة الضريبة على السيارات الكهربائيّة في السنوات القادمة لزيادة الإقبال عليها، «إذا المواطن هجر الهايبرد لإرتفاع جمركها فعجز ميزانية الحكومة راح يزيد، وراح يتعوض من خلال فرض ضرائب على الكهرباء».

لكنّ هذا التوجه يستوجب على الحكومة أن تفكّر بعدّة خيارات للتعامل مع هذا التحوّل في قطاع السيارات كما يقول المحلل الاقتصادي حسام عايش، الذي يتخوف من أن تفرض الحكومة مستقبلًا رسومًا جمركيّة على السيارات الكهربائيّة أيضّا لزيادة إيراداتها. يقول عايش إن التغيّر المستمر في القرارات الحكوميّة المتعلّقة بسيارات الهايبرد، والذي أصبح على حدّ تعبيره «سمةً حكوميّة»، والاستقرار على نسبة مرتفعة للضريبة، يخلق حالة من عدم الثقة بالقرارات الصادرة عنها، وبالتالي يُقلل من فاعليتها، كما تعمل على إرباك السوق وإرباك المستثمر.

من جهته، يبيّن مدير التعرفة والاتفاقيات في دائرة الجمارك الأردنيّة، محمود التيتي، لحبر، أن الاستراتيجية الحكومية كانت تسعى في بداية دخول الهايبرد إلى اتباع سياسات المحافظة على البيئة، لكنّ حاجتها إلى إيرادات من أجل الموازنة الماليّة وضبط عجزها دفعها إلى فرض الضرائب، «الحكومة كانت تحاول أن تُقدّر حاجة الناس فتلجأ إلى التخفيض في فترات، وفترات أخرى كانت تعود عن التخفيض لحاجتها [المادية]».

إلا أن هذه الطريقة الحكومية في التفكير في الاقتصاد هي طريقة «غير صديقة للاقتصاد بشكل عام أو للناس بشكل خاص»، بحسب عايش، الذي يرى أن غياب الاستراتيجيات وما يحدث مع الهايبرد يعود لمشكلة الاعتماد على الإيرادات الضريبية بشكل أساسي في تغذية الاقتصاد، وهو ما يمس كل القطاعات بحسبه.

تم إنتاج هذا التقرير ضمن زمالة «عيون» للصحافة المحلية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية