سوق العيد إربد

سوق العيد في إربد: «قرّب يا أبو العيال»

سوق العيد في إربد. تصوير مؤمن ملكاوي.

سوق العيد في إربد: «قرّب يا أبو العيال»

الثلاثاء 18 نيسان 2023

في رحلتينْ؛ واحدة في الشتاء، وأخرى في الصيف، يزور تجّار من مدينة إربد، منذ سنوات، مدينة إيو في مقاطعة جيجيانغ الصينية لشراء البضائع منخفضة التكلفة، أو ما يُطلق عليها تجّار الجملة هنا البضاعة الشعبيّة.

تشكّل الصين الوجهة الأمثل لهؤلاء التجّار لاستيراد البضائع لعدّة أسباب منها: توفر تشكيلة واسعة منها، وملاءمة أسعارها المنخفضة للقدرة الشرائيّة في المدينة، وانخفاض تكاليف الشحن بالمقارنة مع دول أخرى مثل تركيا ومصر.

من بين البضائع التي يجلبها هؤلاء التجّار سلع مخصصةٌ لموسم العيد مثل: ألعاب الأطفال البلاستيكية، والأحذية، وملابس القطعة الواحدة كالسراويل، وإكسسوارات ألبسة العيد مثل النظارات الشمسية، والأحزمة، وأربطة الشعر والأساور.

قبل العيد، بأكثر من أسبوع، يتغيّر شكل شوارع المدينة بعد أن تُفتتحَ بسطات جديدة على الأرصفة لبيع بضاعة العيد، وتتحوّل كثير من بسطات المدينة التي تتواجد على مدار السنة وتبيع سلعًا لا ترتبط بالعادة بموسم محدد إلى بسطات لبيع بضاعة العيد، ومنها بسطة محمد سعيفان المعروف بأبو بدر.

أبو بدر أمام بسطته في السوق

يعمل أبو بدر على بسطةٍ لبيع الملابس الداخليّة، تنقّل فيها منذ 28 سنة في أكثر من مكان حتّى استقر قبل سنوات على زاوية شارعٍ فرعيّ يربط شارعيْ السينما والملك طلال.

وكما جرت العادة منذ سنوات، يجتهد أبو بدر لادخار شيءٍ يسير من مبيعاته اليومية من الملابس الداخليّة من أجل شراء بضاعة موسم العيد التي ينتعش الطلب عليها هذه الأيّام، يفعل ذلك أملًا في تغطية مصاريف عائلته الإضافية في العيد، وسدّ بعض ديون تجّار الجملة. 

اشترى أبو بدر هذا الموسم بمبلغ 1700 دينارٍ بضاعته من إكسسوارات من سوق الجملة في إربد، وأصنافًا أخرى اشتراها من تُجار الجملة في سوق الندى في عمّان غير موجودة عند تجار المدينة من أجل تنويع بضاعته أكثر.

بالعادة، ينتشر أسلوب البيع هذا بين أصحاب البسطات التي تنشأ في الأسواق القديمة في بعض المدن الأردنية مثل: الجبل الشمالي في الرصيفة، وشارع السعادة وتفرعاته في الزرقاء، ووسط المدينة في إربد.

تنقسم هذه البسطات إلى بسطات جديدةٍ يعمل أصحابها في مهن أخرى مثل باعة الخضار الجوّالين، وبسطات قديمة استبدل أصحابها البضاعة القديمة ببضاعة موسم العيد، للاستفادة من حركة الشراء النشطة التي تبدأ في الأسبوع الذي يسبق أوّل أيّام العيد.

بالإضافة إلى ذلك، يتزوّد هؤلاء الباعة، في موسم العيد، بكميّات كبيرة من البضاعة يشترونها على النظام السائد في السوق، والذي يقوم على حصول الواحد منهم على أسعار منخفضة أكثر كلما زادت الكميات المشتراة.

بسطات العيد في إربد خلال نهار رمضان.

تنشأ هذه السوق في إربد في وسط المدينة القديم، فتنتشر البسطات في الشوارع المتفرعة من شارع بغداد، باتجاه شارع السينما وشارع الملك طلال، ثم تنخفض أعدادها في شارع الهاشمي حيث تعبر السيارات، لتعود بالكثافة نفسها فور عبور الشارع باتجاه سوق البالة حيث تنتهي السوق في شارع يعرف شعبيًا بشارع تجّار الجملة.

يؤم هذه السوق متسوقون من الأسر محدودة الدخل من عمال مياومة، ومن الموظفين أصحاب الدخول المتدنيّة، وتتراوح أسعار هذه البضاعة بالعادة بين عشرة قروش في الحد الأدنى، مثل إكسسوارات لبسة العيد، وخمسة دنانير في الحد الأعلى مثل أحذية الأطفال.

وبعد الإفطار تظهر بسطات أخرى أنشئت على هامش هذه السوق تبيع الأطعمة الخفيفة مثل الذرة، والكعك، والمعجنات بيتية الصنع، وبعض أصناف الحلويات مثل: غزل البنات والعنبر والهريسة. وتلجأ بعض العائلات التي لم يسعفها الوقت لإكمال تسوقها قبل أذان المغرب إلى تناول الإفطار في مطاعم السوق الشعبيّة القريبة لتستأنف التسوق بعد الإفطار مباشرةً، هكذا يكون وسط المدينة قد جمع الناس لغرضين؛ التسوق من بضاعةٍ منخفضة التكلفة، والتنزّه الذي يمتدّ حتى ساعات الفجر الأولى.

بسطات العيد في إربد بعد الإفطار

وكلما اقترب يوم العيد، تزحف البسطات من الأرصفة وأطراف الشوارع إلى الشوارع، فتتعذّر حركة السيّارات وتغلق إدارة السير الشوارع التي تنشأ فيها، وتقتصر الحركة على الباعة والمتسوقين والمتنزهين فقط، فيما تخفّف البلدية من الرقابة على الباعة ويصير المكان الذي يمتد على كيلومترين مربعين متجرًا مفتوحًا في الهواء لا يغلق إلّا مع تكبيرات فجر أول أيّام العيد.

يُغيّر أبو بدر من نظام عمله في هذه الأيّام من أجل الاستفادة من حركة هذه السوق النشطة؛ فيلازم بسطته منذ الساعة العاشرة صباحًا وحتى الثالثة فجرًا، ويتناول الإفطار مع مجموعة من أصحاب البسطات بالقرب من البضاعة أملًا في بيع كل مشترٍ محتملٍ في هذه السوق، جاهدًا في تصريف كميّات البضاعة الكبير التي تزوّد بها. وخلال هذه الفترة، «قعدتك بالدار بتخف، السحور مرات ما تلحقه معهم».

بسطة حلو العيد

قبل العيد بيوم أو يومين، وفي حال خيّبت السوق أمل هؤلاء الباعة، يدخلون في مراهنات لتصريف البضاعة لكونها عرضةً للتلف تحت أشعة الشمس مثل حلو العيد، أو عرضةً للركود لكونها بضاعة موسميّة مثل: إكسسوارات ألبسة العيد؛ لذا تشتدّ المنافسة بينهم ويستخدمون كل الطرق المتاحة للمناداة على البضاعة، يقف واحدٌ منهم على سلّم وسط الشارع ليضمن أن صوته سيصل إلى كل عابر في الشارع ويوجه نداءه إلى أبو العيال وأم العيال، بعدها إذا لم تتحسّن حركة البيع يلجأ بعض هؤلاء الباعة إلى الرهان الأخير: البيع بسعر التكلفة أو حرق الأسعار والبيع بخسارة، مثلما يفعل أبو بدر في اليوم الأخير؛ فالبضاعة في هذا الموسم عنده نقود مجمّدة لا فائدة منها، لذا لن يتأخر عن التصرف كما فعل في أحد المواسم وقد شهدت السوق ركودًا غير معهود، حينها باع 40 قطعة إكسسوار بدينار، بعدما كان سعرها كل أربع قطع بدينار، «كلّ السوق ذاكر هذاك اليوم» يقول أبو بدر.

بائع ينادي على بضاعته من فوق سلم في وسط الشارع.

فيما يصف بائع آخر المخاطرة في هذه الأيّام: «مصاريك بالشارع، إذا ما بتبيع يروحن، مين بده يشتريها بعد العيد؟».

آخر اليوم، عند الفجر، يختفي المتسوّقون، وينسحب الباعة سائرين إلى بيوتهم في أطراف المدينة، تاركين بضائعهم مغطاةً مُكلِّفين واحدًا منهم أو شخصًا آخر لحراسة مجموعة بسطات متجاورة مقابل أن يدفع صاحب كل البسطة دينارًا أو دينارين في الموسم الواحد، فيما يختار قسم آخر أن يخبئ بضاعته في مخازن أو محلات قريبة، وقسم ثالث أقل عددًا ينام عند بسطته خوفًا من سرقة محتملة لبضاعة قد يكون اشتراها بالدين.

بسطة ملابس في أحد شوارع السوق.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية