القسطرة القلبية: الجائحة تفاقم تأخر العلاج

الخميس 25 شباط 2021
تصميم ندى جفّال.

في الأيام الأولى من بدء الحظر الشامل في الأردن في آذار من العام الماضي، شعر طارق مسعود (64 عامًا)، بضيقٍ في التنفس وألمٍ في الصدر واليد والساق اليسرى، ما استدعى نقله في سيارة الدفاع المدني إلى المستشفى، بعد تشخيص المسعفين لأعراضه على أنها جلطة قلبية.

في الطريق، عرفت العائلة أن مستشفى الأمير حمزة الحكومي قد خُصص لاستقبال حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجدّ فقط، فتوجهوا إلى مستشفى الجامعة الأردنية، وهو الأقرب إلى منزل طارق في حي المدينة الرياضية، لكن الأخير رفض استقبال الحالة نظرًا لأن طارق من المؤمّنين صحيًّا ممن تزيد أعمارهم عن 60 عامًا، وعلى المؤمنين ضمن هذه الفئة، بموجب تعليمات نظام التأمين الصحي، مراجعة مستشفيات وزارة الصحة أولًا، وفي حال عدم توفر العلاج أو التشخيص أو الأسرّة يحوّلون إلى مستشفيات القطاعات الأخرى.

وعليه، توجهت سيارة الدفاع المدني باتجاه مستشفى البشير الحكومي، إذ أوصى الأطباء بضرورة إجراء قسطرة قلبية لطارق، وهو الإجراء غير المتوفر في «البشير». وحيث إنّ «حمزة» خُصّص لحالات فيروس كورونا المستجد، وهو المركز الرئيسي لإجراء عمليات القلب في وزارة الصحة، فقد بدأت عائلة طارق والأطباء في البشير البحث عن بدائل في مستشفيات القطاعات الصحية الأخرى.

كان طارق عندما أصيب بهذه الجلطة على بعد شهر واحد من موعد إجراء قسطرة قلبية مبرمجة مسبقًا له في «حمزة»، بحسب ابنه شادي (32 عامًا)، حيث أصيب بجلطة «خفيفة» في تشرين الثاني 2019، دخل على إثرها طوارئ «حمزة»، ثم أوصى طبيب القلب هناك بإجراء قسطرة لطارق، لكن جدول المواعيد في المستشفى كان ممتلئًا بحسب شادي، فحصل طارق على موعدٍ في أيار، أي بعد خمسة أشهر من توصية الطبيب، لكن الجلطة الثانية في آذار سبَقَت الموعد.

مع تخصيص مستشفى الأمير حمزة لمرضى كورونا، تفاقمت مشاكلُ المواعيد البعيدة وتعقيد إجراءات التحويل التي كان يعاني منها كثير من المرضى قبل الجائحة، إذ كان يصعب عليهم الحصول في الوقت المناسب على القسطرة القلبية؛ وهي إجراء يتم من خلال إدخال أنبوب رفيع إلى الشريان لتوصيله عبر الأوعية الدموية إلى القلب، وذلك إما لتشخيص مشكلة في القلب، أو من أجل تركيب دعامات (شبكات) علاجية وفتح بعض الشرايين المسدودة.

ويحدِّد حجمُ الانسداد في الشرايين وعدد الشرايين المنسدة مدةَ القسطرة وموعدَها، إذ تستغرق عملية القسطرة 10 دقائق إلى ساعات أحيانًا، كما يتفاوت بُعد المواعيد اللازمة لإجرائها بين دقائق إلى أشهر، بحسب عبد الفتاح أبو حويلة، رئيس جمعية أطباء القلب الأردنية.

يقول أبو حويلة إن هناك نوعين من الجلطات القلبية التي تحتاج قسطرة علاجية؛ الجلطات الحادّة والمزمنة، حيث تحتاج الحادة منها إلى إجراء القسطرة خلال 90 إلى 120 دقيقة، بينما يمكن للحالات المزمنة -بحسب شدّتها- انتظار مواعيد أبعد، فيما يحتاج بعض المرضى لإجراء قسطرة تشخيصية بعد ظهور أعراضٍ أو آلام لديهم، أي قبل حدوث الجلطة، وهي ما يمكن برمجته في مواعيد لاحقة.

وقد ينتج عن التأخير في إجراء القسطرة، بحسب أبو حويلة، أضرار صحية كبيرة تحتاج إلى علاجات دوائية مكلفة ماديًا ومعنويًا، كحصول ضعف في عضلة القلب مثلًا، إضافة إلى أن القسطرة قد تنقذ الحياة في حال إصابة المريض بجلطة قلبية حادة.

يثير ما سبق أسئلة حول مدى إمكانية إجراء القسطرة للمرضى في الأردن في الوقت المناسب، خصوصًا أن نسبة الوفيات الناتجة عن أمراض الدماغ والجهاز الدوراني؛ القلب والأوعية الدموية، بلغت عام 2016 حوالي 40%، بحسب تقرير الوفيات الصادر آنذاك عن وزارة الصحة.

كيف أثّر تخصيص «حمزة» لكورونا على المرضى؟

كان طارق في قسم العناية القلبية في مستشفى البشير، فيما كان ابنه شادي يبحث عن مستشفى يستقبل والده لإجراء القسطرة. وحيث إنّ عمره يزيد عن 60 عامًا، ولمّا كان مستشفى الأمير حمزة مخصصًا لمرضى كورونا، ما حال دون تحويله إليه، توجّب تحويله بحسب نظام التأمين الصحي إلى مستشفيات الخدمات الطبية الملكية. لذا أرسل «البشير» نموذج تحويل طارق إلى مدينة الحسين الطبية، لكن لم تتوفر فيها أسرّة حسبما يقول شادي.

جاء في نموذج التحويل المرسل إلى «المدينة الطبية» أن حالة طارق كانت مستقرة حينها، لكن الأطباء أخبروا شادي بضرورة إجراء القسطرة عاجلًا، فأخذت العائلة على عاتقها البحث عن بدائل. «من الخمسة للخمسة التلفون ما نزل عن ذاني»، يقول شادي عن 12 ساعة قضاها في مفاوضات مع مستشفيات خاصة حول أسعار القسطرة، التي تراوحت، مع تركيب الشبكات في حال الحاجة إلى ذلك، بين أربعة وخمسة آلاف دينار، وهو ما يفوق المقدرة المالية للعائلة.

قد ينتج عن التأخير في إجراء القسطرة، بحسب أبو حويلة، أضرار صحية كبيرة تحتاج إلى علاجات دوائية مكلفة ماديًا ومعنويًا، إضافة إلى أن القسطرة قد تنقذ الحياة في حال إصابة المريض بجلطة قلبية حادة.

مع نهاية اليوم، قرر الأطباء في «البشير» إعطاء طارق ما يسمى بـ«إبرة الحياة»؛ أي حقنه بمذيبات التخثر، وهو علاج مُتّبع في حال عدم توفر القسطرة، لكنه ليس بنفس فعاليتها ولا يُغني عنها، بحسب أبو حويلة.

ويقول نائل الشوبكي، اختصاصي أمراض القلب والشرايين والقسطرة العلاجية، إن فعالية إبرة الحياة تصل إلى 50%، ويجب أن تُتبع بإجراء القسطرة «في أسرع وقت» في حال لم تفتح الإبرة الشرايين المسدودة، وإلا سيعاني المريض من ضعف دائم في عضلة القلب. أما في حال فتحت الإبرة الشرايين فإن هذا يستوجب، بحسب الشوبكي، متابعة طبية مع أخصائي القلب لمعرفة مدى حاجة المريض للدعامات، وتحديد موعد للقسطرة في حال الحاجة إلى ذلك.

وبحسب دليل إرشادي صدر عن جمعية أبحاث أمراض القلب التداخلية الأمريكية (SCAI)، في آذار الماضي، فإن الجائحة فرضت محددات حول المضي في الإجراءات الطبية في أمراض القلب، في ظل التوصيات بعدم الوصول للمستشفيات إلاّ في الحالات العاجلة، لتجنب التعرض للفيروس. لكن الجمعية تقول إنه يجب إجراء القسطرة للحالات العاجلة عالية الخطورة، باعتباره العلاج «الأساسي الأول»، طالما توفرت الموارد والإمكانيات لذلك. أمّا اللجوء للأدوية المذيبة للتخثر، فيكون في الحالات منخفضة الخطورة.

يقول شادي إنه كان يعرف أن هذه الإبرة إجراء مؤقت: «حكالي [الطبيب] بالحرف: سلّك حالك فيها». وفي اليوم الثالث من دخوله «البشير»، غادر طارق المستشفى دون إجراء القسطرة، وظلّ في المنزل لأسابيع يعاني من آلام في الصدر، حتى استدانت العائلة مبلغًا من المال بعدما اتفقت مع أطباء في أحد المستشفيات الخاصة على إجراء القسطرة وتركيب الشبكات لقاء ثلاثة آلاف دينار.

بلغ عدد عمليات القسطرة التي أجراها مستشفى الأمير حمزة خلال عام 2019 حوالي 6,800 عملية، أما في عام الجائحة، فقد انخفض العدد إلى 1,900 عملية فقط، بحسب تقديرات حسين العمرات، رئيس قسم أمراض وجراحة القلب في المستشفى، وقد أجري أغلبها قبل تخصيص المستشفى لمرضى كورونا في 18 آذار، علمًا بأن المستشفى أجرى عمليات قسطرة بعد ذلك للحالات الطارئة المحولة من مستشفيات أخرى، وبمعدل خمس إلى سبع عمليات يوميًا فقط، بعدما كان يتراوح العدد قبل الجائحة بين 25 إلى 30 عملية يوميًا، بحسب العمرات.

وكانت نجوى خوري، عضو لجنة الأوبئة في وزارة الصحة، قد قالت لـ«حبر» في تقرير سابق إن السبب الذي جعل اللجنة توصي باعتماد «حمزة» كمستشفى رئيسي للتعامل مع كورونا وتخصيصه للمصابين به هو خبرة المستشفى وجهوزيته للتعامل مع الأوبئة.

يقول العمرات إن هذا الأمر حمّل العديد من المرضى أعباءً معنوية ومادية وصحية، وأن بعض المرضى -قبل تخصيص «حمزة» لكورونا- كانت تُجرى لهم عمليات القسطرة قبل إصابتهم بالجلطة، ما يجنبهم أيضًا تكلفة العلاجات الدوائية للتعامل مع المضاعفات، أما بعد إغلاق المستشفى أمامهم فإن فئة من المرضى، بحسب تقديره، لم تعرف الجهات التي تجري القسطرة، إذ كانت المستشفيات الجامعية والخاصة والخدمات الطبية تستقبل الحالات الحادة والطارئة، «وممكن يكون في ناس خسرت حياتها. (..) [القسطرة] فيها إنقاذ حياة»، يقول العمرات.

بعد ثلاثة أشهر على تخصيص «حمزة» لمرضى كورونا، افتتحت وزارة الصحة في حزيران 2020 مستشفى الحسين في السلط، والذي يحتوي على غرفتين لإجراء القسطرة، حيث تستقبل الغرفة مريضًا واحدًا كل مرة، فتوجه العمرات برفقة أطباء آخرين وممرضين من «حمزة» لتشغيل الغرف الجديدة.

أجريت في مستشفى الحسين في السلط نحو 1,100 قسطرة خلال ستة أشهر بحسب مراد الكوز، طبيب أمراض القلب والشرايين في المستشفى، وكانت معظم الحالات طارئة أو شبه طارئة، ومحوّلة من المستشفيات الأخرى. يقول الكوز إن هذا ساعد بالتعويض «جزئيًا» عن انخفاض عدد عمليات القسطرة الممكن إجراؤها في «حمزة»، لكنه لم يعوّض المواعيد المبرمجة لبعض المرضى في «حمزة» إذ إنهم، بحسبه، لم يصلوا إلى «الحسين» إما لبعد المسافة أو لعدم معرفتهم بالإجراءات اللازمة للتحويل إليه.

من جهته، ينفي طه التميمي، مساعد الأمين العام للشؤون الفنية والصحية في وزارة الصحة، ترتُّب آثار على المرضى جراء تخصيص «حمزة» لمرضى كورونا، نظرًا لأنه تم تحويل المرضى إلى قطاعات صحية أخرى، قائلًا إن القانون يمنح المستشفيات الحكومية صلاحية تحويل المرضى المؤمّنين إلى مستشفيات أخرى في حال توفر أسرّة في الجهات المستقبِلة.

ويرى مظفر الجلامدة، عضو مجلس نقابة الأطباء السابق، أن بعض المستشفيات المستقبلة للتحويلات تتأخر في الاستجابة أو تتذرع في أحيان كثيرة بعدم وجود أسرّة، بسبب أولوياتها في استقبال المرضى، ما يؤخر التحويلات ويزيد من الآثار المترتبة على تخصيص «حمزة» لكورونا.

ويقول عمر الطراونة، المستشار المعتمد في مجلس اعتماد المؤسسات الصحية،[1] إن غياب المؤشرات والأرقام حول التحويلات والعمليات المبرمجة والطارئة وكيفية التعامل معها يصعّب تحليل الأثر الناتج عن تخصيص «حمزة» لكورونا، ويعتقد أن أكثر المرضى تأثرًا من ذلك هم أصحاب الحالات الطارئة الذين تُجرى لهم القسطرة بعد تحويلهم من أقسام الطوارئ في المستشفيات.

تقدمت «حبر» بطلب إلى إدارة التأمين الصحي للحصول على معلومات حول أعداد عمليات القسطرة المحوّلة إلى كافة المستشفيات خارج وزارة الصحة، ولكن لم تتوفر لدى الإدارة بيانات كاملة. ورفض التوجيه المعنوي في القوات المسلحة الأردنية طلب «حبر» إجراء مقابلة صحافية مع الخدمات الطبية الملكية لمعرفة إجراءات القسطرة فيها، والتحويلات من مستشفيات وزارة الصحة، وأثر جائحة كورونا عليها.

«حمزة» قبل الجائحة: مواعيد بعيدة وضغط على الأطباء

عندما أصيب طارق بالجلطة القلبية الأولى قبل الجائحة، توجه إلى طوارئ مستشفى الأمير حمزة، حيث أوصيَ بعرضه على طبيب قلب. يقول ابنه شادي إن الموعد الأولي الذي أعطي لهم مع طبيب القلب في «حمزة» كان بعد أربعة أشهر من الجلطة، لكن بعد عدة محاولات واتصالات تمّ تقريب الموعد إلى أسبوعين، ثم حصلوا على موعد لإجراء القسطرة بعد خمسة أشهر من لقاء الطبيب.

يعتقد الدكتور رمزي طبّلت أن على الوزارة توفير غرفة قسطرة في كل تجمع سكاني، بحيث يمكن الوصول إليها خلال 90 دقيقة، وهي المدة اللازمة للتدخل الإجرائي في حالات الجلطات الحادة، أو توفير وسائل نقل للحالات الحادة.

وبحسب العمرات فإن وجود قوائم انتظار هو أمرٌ اعتيادي نظرًا لكثرة أعداد المرضى، مشيرًا إلى أن القوائم تكون للحالات التي تسمح أوضاعها الصحية بذلك. وبحسب توصيات أصدرتها مجموعات عمل تابعة لجمعية القلب والأوعية الدموية الكندية، عام 2006، فإن معدل الانتظار «المقبول طبيًا» لإجراء القسطرات للذبحات الصدرية المستقرة هو ستة أسابيع.

وتعتبر التوصيات قوائم الانتظار «ضرورية» للاستخدام الفعال للموارد الممولة حكوميًا، ولا يؤشر «وجودها بحد ذاته على مشكلة»، لكنها يجب أن تلتزم بعدة مبادئ كي لا تتسبب بالأذى للمرضى، منها تحديد فئات المرضى وفرزهم بناء على خطورة حالاتهم، مع مراقبة مستمرة لهم وإعادة تصنيفهم في القائمة حال تغير أعراضهم.

يقول شادي إن التعامل وفق هذه المبادئ لم يتوفر لوالده، ولم تُجرَ له فحوصات طبية لمعرفة التغيرات على حالته الصحية أثناء انتظار موعد القسطرة المحدد له، معتبرًا إصابته بجلطة ثانية قبل موعد القسطرة المبرمج مؤشرًا على أن الموعد لم يكن مناسبًا.

في المقابل، تقول نعمت البرعاوي، مديرة مديرية التخطيط في وزارة الصحة، إن الوزارة تنظر في طول مُدد انتظار المرضى باعتبارها مؤشرًا على ضرورة التوسع وزيادة أعداد الأطباء وغرف القسطرة، وهو ما تعمل الوزارة على تحسينه وإن كان «ببطء» وفقًا لإمكانياتها.

يُذكر أن أول غرفة قسطرة في مستشفيات وزارة الصحة أنشئت عام 2011 في مستشفى الأمير حمزة، وكانت الوزارة قبل ذلك تحوّل جميع المرضى ممن يحتاجون القسطرة إلى المستشفيات الجامعية والخاصة والخدمات الطبية الملكية، ويقول وزير الصحة آنذاك نايف الفايز لـ«حبر» إن هذا حمّل الوزارة تكاليف مرتفعة، فضلًا عن تعقيد إجراءات التحويل، ما دفع الحكومة لإنشاء هذه الغرفة التي توسعت وتضاعف عملها بمرور السنوات.

ومع ازدياد أعداد المرضى أنشئت غرفة قسطرة ثالثة في «حمزة» عام 2017، لكن العمرات يرى أن الكوادر الصحية لا تزال تواجه ضغطًا أمام أعداد المرضى الكبير المقبلين على المستشفى. وبحسب وزارة الصحة، فإن عدد أطباء أمراض القلب والشرايين من كوادرها العاملين في كل مستشفيات الوزارة هو تسعة أطباء فقط، يقول العمرات إن طبيبين منهما يعملان في البشير، وثالث في مستشفى التوتنجي، وآخر في مستشفى الحسين بالسلط، فيما يعمل خمسة منهم في «حمزة». وهم لا يعملون في المستشفى يوميًا إذ يشغل بعضهم مناوبات في مستشفيات حكومية أخرى، كما يستعين المستشفى بأطباء آخرين بموجب نظام شراء الخدمات.

ويضيف العمرات إن هذا الحال يشكل ضغطًا كبيرا على الأطباء، فطبيب القلب قد يقابل يوميًا من 50 إلى 70 مريضًا، ليحظى الواحد منهم ببضع دقائق، بينما يجب أن يُمنح المريض الواحد نحو نصف ساعة لتشخيص حالته وإجراء التخطيط والفحوصات له، وبحيث لا يفحص الطبيب أكثر 10 مرضى يوميًا، لكن الضغط يدفع الأطباء للتعامل مع عدة مرضى في آن واحد: «هاد بتعمله [تصوير] إيكو، وهاد بتسمع منه، وهاد واقف على الباب»، يقول العمرات.

وتعتقد إسراء الطوالبة، مديرة مديرية الاختصاص في وزارة الصحة، أن سبب نقص أطباء الاختصاص في قطاعات عدة، ومنها القلب والشرايين، هو غياب الاستراتيجيات طويلة المدى، وتغير الأولويات بحسب تغير الوزراء، فضلًا عن انخفاض المخصصات المالية لرواتب الأطباء في موازنة الوزارة، ما يدفع بعضهم لمغادرة الوزارة والعمل لصالح المستشفيات في القطاعات الأخرى.

ومع تزايد الحاجة للقسطرة نظرًا لزيادة السكان بحسب أبو حويلة، أنشأت وزارة الصحة عام 2019 غرفة قسطرة في مستشفى الكرك الحكومي، يعمل فيها طبيب واحد من وزارة الصحة لثلاثة أيام، فيما يقضي اليومين الآخرين في «حمزة»، وقد أجري في المستشفى ما يزيد على 700 قسطرة، بحسب تصريحات سابقة لمديره. أما غرفتي القسطرة في «الحسين» بالسلط فيشرف عليها طبيب من الوزارة، يعمل معه لساعات محددة، وليومين فقط، طبيب آخر بموجب نظام شراء الخدمات.

القسطرة وتعقيدات إجراءات التحويل

في السنوات السبعة الأخيرة، أجرى نور الدين نديم (49 عامًا) ثلاث عمليات قسطرة وتركيب شبكات قلبية، ويقول إنه اصطدم في كل مرة بإجراءات صعبة أخّرت حصوله على العلاج في الوقت المناسب.

كانت المرة الأولى عام 2013، حين أصيب نديم بجلطة قلبية دخل على إثرها مستشفى الزرقاء الحكومي، وقد استدعت حالته التحويل إلى مستشفى الأمير حمزة، إذ لا يوجد غرف قسطرة ولا أطباء قلب في مستشفى الزرقاء، لكن لم يتوفر له سرير في «حمزة»، فنصحه الأطباء بإجراء القسطرة سريعًا دون تحويل، «كان يحكيلي نصيحة ساوي العملية فورًا، لكن أنا ما بكتبلك [تحويل]، ما بتحمل مسؤولية»، يقول نديم، فنقلته العائلة بعد ثمانية أيام من الانتظار في «الزرقاء» إلى مستشفى الجامعة الأردنية، حيث أجرى القسطرة ورُكّبت له ثلاث شبكات، وقد كلّفته هذه العملية حوالي 760 دينارًا، أي ما نسبته 20% من قيمة العلاج، نظرًا لأنه أجرى العملية دون تحويلٍ حكومي.

في عام 2017، أصيب نديم بجلطة ثانية، وكانت حالته طارئة حسبما أبلغه الأطباء حينها، لكنه ظلّ لأربعة أيام في مستشفى الزرقاء منتظرًا العثور على سرير في «حمزة» أو غيره من مستشفيات القطاعات الأخرى، ثم أثيرت قصته إعلاميًا عبر إذاعة محلية، فحُوّل بعدها إلى الخدمات الطبية الملكية، حيث أجريت له القسطرة وركّبت له ثلاث شبكات أخرى على نفقة التأمين.

أما القسطرة الثالثة، فأجريت له في «حمزة» في تموز الماضي، بعد نقله من أحد مراكز الإصلاح والتأهيل الذي كان موقوفًا فيه على ذمة التهم الموجهة لمجلس نقابة المعلمين، الذي هو أحد أعضائه.

 

طبيب القلب [في وزارة الصحة] قد يقابل يوميًا من 50 إلى 70 مريضًا، ليحظى الواحد منهم ببضع دقائق، بينما يجب أن يُمنح المريض الواحد نحو نصف ساعة لتشخيص حالته وإجراء التخطيط والفحوصات له، بحسب العمرات.

يقول محمد العابد، مدير مستشفى الأمير حسين بن عبدالله الثاني في لواء عين الباشا بمحافظة البلقاء، إنه من المفترض أن يتولى المندوبون الإداريون في المستشفيات مهمة إيجاد الأسرة للمرضى الذين يحتاجون للتحويل، لكنهم كثيرًا ما يصطدمون بعدم توفر أسرة لدى الجهات الأخرى، وتحت إصرار الأطباء المشرفين على المرضى على ضرورة إيجاد السرير، يتدخل مدراء مستشفيات الوزارة فيظلّون على اتصال مستمر مع نظرائهم في القطاعات الأخرى من أجل تأمين التحويل، واصفًا الإجراء بـ«المتعب والمرهق».

وتجري في غرف القسطرة في الأردن حوالي 50 ألف عملية سنويًا، بحسب تقديرات عماد حدّاد، مدير المؤتمر الإقليمي للتداخلات العلاجية لأمراض القلب والأوعية الدموية. ويقول حداد لـ«حبر» إن الخدمات الطبية الملكية تجري العدد الأكبر من عمليات القسطرة، تليها مستشفيات القطاع الخاص، ثم مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية.

وتتوزع غرف القسطرة في مستشفيات وزارة الصحة على محافظات عمّان والبلقاء والكرك، وتستقبل جميع المؤمّنين صحيًا في الحكومة، بالإضافة إلى المرضى غير المؤمنين الحاصلين على إعفاءات طبية من الديوان الملكي للعلاج في مستشفيات الوزارة.

أما المستشفيات الجامعية؛ ففي مستشفى الملك المؤسس عبدالله في إربد ثلاث غرف قسطرة، تستقبل كل المدنيين المؤمنين صحيًا بحسب مدير المستشفى، محمد الغزو. فيما يستقبل مستشفى الجامعة الأردنية المؤمّنين صحيًا المحولين من مستشفيات الوزارة، باستثناء المؤمّنين صحيًا من المعونة الوطنية، والأشد فقرًا، ومن تجاوزت أعمارهم 60 عامًا. كما يستقبل المؤمنين صحيًا من غير المحولين بشرط دفع 20% من تكلفة العلاج.

وتستقبل مستشفيات الخدمات الطبية الملكية المرضى الذين يحتاجون القسطرة من المؤمّنين عسكريًا، والمحوّلين من مستشفيات الوزارة من جميع الفئات التأمينية، وغير المؤمّنين الحاصلين على إعفاءات طبية، في ثلاثة مستشفيات؛ هي المدينة الطبية في عمّان، ومستشفى الأمير هاشم بن عبدالله الثاني في العقبة، ومستشفى الأمير راشد بن الحسن في إربد.

وفي القطاع الخاص، تستقبل المستشفيات المؤمنين في الدرجات الأولى والثانية من تأمين وزارة الصحة، بالإضافة إلى المحوّلين من مستشفيات الوزارة، باستثناء المؤمنين صحيًا من المعونة الوطنية، والأشد فقرًا، ومن تجاوزت أعمارهم 60 عامًا.

يرى مظفر الجلامدة، عضو مجلس نقابة الأطباء السابق، أن على الحكومة التوسع في تقديم خدماتها وتأمين العلاج لكل فئات التأمين الصحي، بما فيهم المؤمنون صحيًا من المعونة الوطنية، والأشد فقرًا، ومن تجاوزت أعمارهم 60 عامًا، بحيث تحصل جميع الفئات التأمينية على الفرص والتحويلات نفسها لتلقي العلاج في مختلف القطاعات.

وتضع بعض الدول معايير متعلقة بإجراءات القسطرة، من ذلك عدد العمليات وعدد الغرف اللازمة لإجرائها مقارنة مع عدد السكان، لكن عمر الطراونة، المستشار في مجلس اعتماد المؤسسات الصحية، يرى أنه من الصعب مقارنة الأردن مع غيرها من الدول، نظرًا لاختلاف مساحات المدن، والبنية التحتية الصحية، ودور المراكز الصحية الأولية، فضلًا عن اختلاف وسائل التنقل.

أما رمزي طبّلت، اختصاصي القسطرة العلاجية، فيعتقد أن على الوزارة توفير غرفة قسطرة في كل تجمع سكاني (مدينة)، بحيث يصل إليها السكان خلال 90 دقيقة، وهي المدة اللازمة للتدخل الإجرائي في حالات الجلطات الحادة، أو أن يتم توفير وسائل نقل تضمن نقل الحالات الحادة خلال هذه المدة.

من جهتها، تقول نعمت البرعاوي، مديرة مديرية التخطيط في وزارة الصحة لـ«حبر» إنه لا يوجد في وزارة الصحة معايير أو مؤشرات حول توزيع غرف القسطرة نسبة إلى عدد السكان، لكن الوزارة تنظر إلى طول مدد الانتظار قبل تلقي العلاج كأحد المؤشرات على الحاجة للتوسع وزيادة أعداد غرف القسطرة، دون وجود خطط محددة حول آليات هذا التوسع.

وكانت الحكومة في عام 2019 قد أقرت مشروع «شبكة الحياة»، الذي يهدف إلى تقديم خدمة فتح الجلطات القلبية الحادة خلال ساعتين من حصولها، ونقل المرضى المؤمنين من المراكز والمستشفيات الحكومية إلى المستشفيات الخاصة أو الجامعية دون إجراءات التحويل، بحسب أبو حويلة، الذي أدار المشروع في الأشهر الستة الماضية. كما وقّعت الحكومة في عام 2020 اتفاقيات مع عدد المستشفيات الخاصة لإجراء القسطرة وتركيب الشبكات لمختلف الفئات التأمينية، مقابل أسعار محددة وعلى نفقة الحكومة، في حال كانت تستدعي حالة المريض العلاج خلال 90 إلى 120 دقيقة.

وبحسب أبو حويلة، فقد بلغ عدد المستفيدين من المشروع حوالي 100 مريض شهريًا، إلا أن شهادات متطابقة من عدة مصادر أشارت إلى توقف المشروع منذ شهر تقريبًا، ولم يتسنّ لـ«حبر» الحصول على ردّ أو توضيح من أبو حويلة حول هذه المسألة.

تكلفة «التحويل» على الحكومة

يقول حازم القرالة، عضو مجلس نقابة الأطباء المستقيل، إن الحكومة تدفع مبالغ كبيرة للقطاعات الأخرى بسبب التحويلات الطبية، بما في ذلك القسطرة، ويرى أن بالإمكان استثمار هذه المبالغ في التوسع بمستشفيات وزارة الصحة.

ويقول طه التميمي، مساعد الأمين العام للشؤون الفنية والصحية في وزارة الصحة، إن الحكومة ترغب بإجراء كل المعالجات الطبية داخل مستشفيات وزارة الصحة، لكن إلى حين الوصول إلى تلك المرحلة، فإن الحكومة تسدّ الحاجة للقسطرة، والعلاجات الأخرى، عبر تحويل المرضى إلى القطاعات الأخرى.

حاولت «حبر» الحصول على معلومات من إدارة التأمين الصحي حول نفقات وزارة الصحة على عمليات القسطرة التي حولت من مستشفياتها، دون أن تحصل على إجابة. لكن أرقام الموازنة العامة تظهر أن «التأمين الصحي» أنفق 153 مليون دينار في عام 2019 على مختلف العلاجات للمستشفيات الجامعية والخاصة والخدمات الطبية الملكية.

وتقول البرعاوي إن تحسين قدرة مستشفيات وزارة الصحة والتوسع فيها لاستقبال كل المرضى يعتمد على البنية التحتية وتوفر الكوادر الصحية، التي يتطلب توفيرها وقتًا، ولا يمكن النظر إلى الأمر فقط من ناحية النفقات المدفوعة للقطاعات الأخرى، مشيرة إلى أن افتتاح غرف القسطرة في السلط والكرك هي تحسينات قامت بها الوزارة ضمن الإمكانيات المادية المتاحة، وإن كان هذا «تغيير بطيء»، بحسب وصفها.

بالنسبة لشادي، فإن أكثر ما يذكره من تجربة والده مع الجلطة والقسطرة أنه قضى تلك الفترة في سعيٍ حثيث لإيجاد سرير وعلاج لوالده، بدل التركيز على فهم حالته الصحية، «لما بدك تيجي تعمل تأمين صحي، اعرف شو الأمراض الشائعة وغطيها»، يقول شادي.

  • الهوامش
    [1] مؤسسة مستقلة غير ربحية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية