هل يعد فحص الأجسام المضادة فعلًا دليلًا على المناعة؟

الإثنين 22 شباط 2021
عدة فحص للأجسام المضادة لفيروس كورونا تظهر نتيجة سلبية، في موقع فحص في كاليفورنيا. تصوير روبين بك، أ ف ب.

نشر هذا المقال لأول مرة بالإنجليزية في مجلة ذا أتلاتتيك، بتاريخ 10 شباط 2021.

إن فحوصات الأجسام المضادة لفيروس كورونا المستجد لها وظيفة واحدة مُجمع عليها علميًا؛ إذ صمّمت لاكتشاف استجابة مناعية متأخرة للفيروس، وهو ما يمكّنها من مساعدة المرضى على تحديد ما إذا كانوا قد أصيبوا بالعدوى من قبل؛ أي تشخيصهم بأثر رجعي. لكن هذه ليست الكيفية التي تُستخدم بها الكثير من فحوصات الأجسام المضادة.

في جميع أنحاء البلاد، توافد الناس على مواقع الفحص لتحديد ما إذا كانوا «محصنين» ضد فيروس كورونا المستجد، أو حتى للحصول على نتائج يمكن أن تمنحهم الضوء الأخضر للسفر على متن رحلة دولية. أما الآن، يقوم الناس بإجراء هذه الفحوصات للتحقق من عمل اللقاح الذي تلقوه. حتى إن بعض الخبراء يناقشون إمكانية تحديد هذه الفحوصات المرشحين الذين قد يكونون مؤهلين لتخطي الجرعة الثانية من لقاح كوفيد-19.

تقول إليتزا ثيل، خبيرة فحوصات الأجسام المضادة في مايو كلينك في روتشستر، مينيسوتا: «أعتقد أنه لا يزال هناك الكثير من الالتباس».

الإغراء واضح: وسط جائحة أصابت أكثر من 106 ملايين شخص، وخلفت أكثر من مليوني وفاة، يتوق الناس لمعرفة ما إذا كانوا قد اكتسبوا مناعة ضد فيروس كورونا المستجد، وهو احتمال يمكن أن يتيح لهم التنقل بحرية رغم التفشي المحموم للفيروس، كما لو كان جواز سفر. لكن فحوصات الأجسام المضادة لا يمكنها تقديم الإجابات الحاسمة التي نسعى إليها. الفحوصات تدوين للمذكرات، وليست تنبؤًا بالمستقبل؛ النتائج التي تقدمها تعطينا لمحةً عن مسببات الأمراض التي واجهناها في الماضي، بدل توقع الإصابات التي سنواجهها في المستقبل.

فحوصات الأجسام المضادة لا يمكنها تقديم الإجابات الحاسمة التي نسعى إليها؛ فالنتائج التي تقدمها تعطينا لمحةً عن مسببات الأمراض التي واجهناها في الماضي، بدل توقع الإصابات التي سنواجهها في المستقبل.

تبدأ الأجسام المضادة بالظهور في الدم بمستويات يمكن اكتشافها بعد حوالي أسبوع أو أسبوعين من بدء العدوى. تصنعها خلايا مناعية تسمى الخلايا البائية، ويمكنها القيام بمجموعة من وظائف مكافحة الفيروسات. بعضها تتعاون كفريق؛ إذ تتعلّق بمسببات الأمراض، وتعلّمها لتدمّرها جزيئات أو خلايا مناعية أخرى. وبعضها قتلة منفردون، يلتصقون بالفيروسات بشدة لدرجة تجعلها عاجزة عن دخول الخلايا البشرية.

مع إبادة الجهاز المناعي للفيروس، ستتراجع الخلايا البائية التي تتعرف عليه، وتنخفض مستويات الأجسام المضادة. لكن عددًا قليلًا من الخلايا البائية المتبقية ستستمر في إنتاج عدد قليل من الأجسام المضادة، لأسابيع أو شهور أو حتى سنوات بعد انقضاء التهديد الأولي، ما يترك آثار في الدم يمكن أن تلتقطها فحوصات الأجسام المضادة الحساسة بسهولة.

نظرًا لأن ظهور الأجسام المضادة يتأخر عن ظهور الفيروس، لا يستخدم خبراء التشخيص فحوصات الأجسام المضادة للتحقق من وجود عدوى نشطة بفيروس كورونا المستجد. تبحث فحوصات الأجسام المضادة عن ردود الفعل تجاه العامل المُمْرِض، وليس عن العامل الممرض نفسه؛ الأمر شبيه بمسح زبائن المقاهي للكشف عن اليقظة والتوتر، بدل اللجوء إلى مجرد فحص وجود الكافيين في مشروباتهم.

لن تكون الفحوصات إيجابية عندما يتسلل فيروس كورونا المستجد إلى الجسم لأول مرة. لكنها ستبقى إيجابية لفترة طويلة بعد مغادرته. وبالنسبة للمرضى الذين عانوا من المرض لعدة أيام أو حتى أسابيع، ولكنهم لم يتلقوا سوى نتائج سلبية في فحوصات تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) القياسي، قد يكون فحص الأجسام المضادة، نوعًا ما، الملاذ التشخيصي الأخير. في ما عدا ذلك، «لا يخطر لي سبب يجعلني أرغب في استخدام فحص الأجسام المضادة»، كما تقول إستر بابادي، مديرة مختبر الأحياء الدقيقة السريرية في مركز ميموريـال سلون كيترينج للسرطان.

ومع ذلك، يستمر توظيف هذه الفحوصات لغايات خاطئة. لجأت بعض البلدان، مثل البيرو، إلى هذه الفحوصات في محاولة أخيرة لسد فجوات التشخيص لديها، ما أدى إلى نتائج كارثية. في تشرين الثاني، بدأت الصين بمطالبة المسافرين جوًا إلى الداخل بتقديم فحوصات أجسام مضادة سلبية للسماح لهم بدخول البلاد، رغم أن هذه النتائج لا يمكن أن تستبعد العدوى، ولا تضمن أن شخصًا ما ليس مُعديًا.

نظرًا لأن ظهور الأجسام المضادة يتأخر عن ظهور الفيروس، لا يستخدم خبراء التشخيص فحوصات الأجسام المضادة للتحقق من وجود عدوى نشطة بفيروس كورونا المستجد.

دحض الخبراء مرارًا فكرة أن هذه الفحوصات يمكن أن تثبت مناعة الشخص ضد الفيروس. لكن هذه الاحتمالية المغرية جعلت تلك السمعة تعلق في الأذهان. بعد أشهر من سحب العديد من الفحوصات من السوق بسبب الدعاية الكاذبة أو الأداء الرديء، استمرت الشركات في الترويج لها بوصفها جوازات سفر يمكن أن تسمح للناس بالعودة إلى العمل أو المدرسة أو السفر. تشتبه ثيل في أن بعض الأفراد الذين يتوقون إلى معرفة حالتهم المناعية، لا يزالون يفحصون أنفسهم بشكل دوري. كما قالت إن بعض المرضى في مايو كلينك سعوا لإجراء ما يقرب من 12 اختبارًا في الأشهر الخمسة أو الستة الماضية.

وقد تحمل فحوصات الأجسام المضادة بعد تلقي اللقاح جاذبية مماثلة. في الشهر الماضي، راسلتني صديقة مهمومة بعد أن كانت نتيجة فحص الأجسام المضادة لوالدها سلبية، وهي مفاجأة، نظرًا لأنه تلقى مؤخرًا جرعته الثانية من لقاح كوفيد-19 من موديرنا. ولكن اتضح أن والدها قد أجرى نوعًا خاطئًا من الفحوصات، فقد أجرى فحصًا مصممًا للبحث عن الأجسام المضادة التي تتعرف على بروتين يسمى قفيصة النواة (nucleocapsid)، موجود في فيروس كورونا، ولكنه ليس موجودًا في لقاح موديرنا. (يعمل لقاح موديرنا عوضًا عن ذلك على إنتاج أجسام مضادة لبروتين آخر، يسمى بروتين سبايك؛ أراهن أن والد صديقتي ممتلئ بالأجسام المضادة لهذا البروتين).

قالت ثيل إنها تتعاطف مع إغراء القيام بفحص الأجسام المضادة من حين لآخر، سواء بعد إصابةٍ مشتبهٍ بها أو تلقي لقاح. عندما نشرت استطلاعًا عامًا على تويتر الشهر الماضي، قال أكثر من 80% من مجمل 118 شخصًا استجابوا للاستطلاع، إنهم مهتمون بفحص أنفسهم للكشف عن الأجسام المضادة بعد تلقيهم اللقاح. «أعتقد أن الأمر نفسي. لقد حقنت شيئًا في جسدي. وأريد أن أعرف: هل استجبت له؟»، تقول ثيل.

تشكل الأجسام المضادة عنصرًا حاسمًا في جهاز المناعة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بدرء الأمراض الفيروسية. لكن الفحوصات الإيجابية للأجسام المضادة لفيروس كورونا المستجد ليس لها تأثير على ما إذا كانت هذه الجزيئات ستقضي بالفعل على الفيروس في بيئة أكثر طبيعية، أو على المدة التي ستدوم فيها قدرتها على الحماية.

والباحثون لا يعرفون حتى الآن ما هي مستويات الأجسام المضادة اللازمة لدرء العدوى أو المرض. تقول ناهد بهاديليا، طبيبة الأمراض المعدية والمديرة الطبية لوحدة مسببات الأمراض الخاصة في مركز بوسطن الطبي: إن «من الصعب استخدام الأجسام المضادة كشيء يقول: أنا محمي من الأمراض المستقبلية». ومفهوم الحماية هذا لم يزدد إلا تعقيدًا بمرور الوقت، حيث استمر فيروس كورونا في التحوّر إلى سلالات جديدة، يبدو أن بعضها قادر على الإفلات من قدرة بعض الأجسام المضادة على القضاء عليه. 

بالنسبة للأشخاص الذين لا يزالون مصرين على فحص أنفسهم بعد تلقي اللقاح، توصي كل من ثيل وبابادي بالانتظار لمدة أسبوع أو أسبوعين تقريبًا بعد الجرعة الثانية، والبحث عن فحص يرصد نوعًا من الأجسام المضادة يسمى الغلوبولين المناعي جي (IgG)، والذي سيتعرف على بروتين سبايك الخاص بفيروس كورونا. النتيجة السلبية لا ينبغي بالضرورة أن تسبب القلق، فبعض الفحوصات أفضل من غيرها في التقاط مستويات منخفضة من الأجسام المضادة. ولن ينتج كل شخص ما يكفي من الأجسام المضادة للحصول على نتيجة فحص نموذجية، ولكن، مع ذلك، من الممكن أن يكون محمي جيدًا من الفيروس، وذلك بفضل العديد من الجزيئات والخلايا المناعية الأخرى التي تنتجها أجسامنا.

فحوصات الأجسام المضادة لها دور تلعبه في مجال الأبحاث. يستخدمها خبراء الصحة العامة بشكل روتيني في تتبع أماكن انتشار فيروس كورونا المستجد بصمت. وعند قياسها في المختبر، يمكن للأجسام المضادة المعطلة أن تساعد أيضًا في تطوير لقاحات أو علاجات مثل بلازما النقاهة (Convalescent plasma) والأجسام المضادة أحادية النسيلة. ومع استمرار ظهور سلالات جديدة من فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، ستساعد دراسات الأجسام المضادة العلماء على اكتشاف مدى فعالية الأجسام المضادة التي يتم إنتاجها استجابةً لإحدى نسخ الفيروس، ضد نسخة أخرى.

في الأسبوع الماضي، لمّحت دراستان تمهيديتان إلى استخدام آخر لفحوصات الأجسام المضادة، ضمن استراتيجية فحصها قبل تلقي اللقاح للأشخاص الذين أصيبوا سابقًا بفيروس كورونا المستجد. يجادل بعض الباحثين بعدم حاجة هؤلاء الأشخاص للجرعة الثانية من لقاحات فايزر-بيونتيك أو موديرنا، وذلك لأن دماءهم تعج أصلًا بالأجسام المضادة التي تتعرف على الفيروس. تقول ثيل: «علميًا، قد يكون الأمر منطقيًا. أنت، أساسًا، تقوي جهاز المناعة بالجرعة الأولى، بعد إصابة سابقة». ولكن مع وجود الكثير من الغموض حول عدد الأجسام المضادة اللازمة للحماية، لا تزال ثيل حذرة بشأن تأييد الفكرة. يظلّ إعطاء جرعتين للجميع، بغض النظر عن حالة الأجسام المضادة، هو الرهان الأكثر أمانًا، حيث لا يبدو أن الجرعة الثانية تشكل أي تهديد للناجين من كوفيد-19.

بعد مرور عام على انتشار الجائحة، يظل الإجماع على فحوصات الأجسام المضادة إلى حد كبير، كما كان عليه قبل شهور. تقول بهاديليا إن النتيجة الإيجابية «لا ينبغي أن تغير سلوك أي شخص». لقد تقلص المجهول حول المناعة، لكنه ما زال أكبر من أن تقامر به.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية