هل تحمي الإصابة بالإنفلونزا من الإصابة بكوفيد-19؟

السبت 26 كانون الأول 2020
حقن لقاح الإنفلونزا لعنصر من الجيش خلال تدريب للتلقيح ضد كوفيد-19 في المكسيك، خلال الشهر الحالي. تصوير كلوديو كروز. أ ف ب

نشر هذا المقال لأول مرة بالإنجليزية، في مجلة نيتشر، بتاريخ 15 كانون الأول 2020.

بحلول منتصف شهر كانون الأول، يكون النصف الشمالي للكرة الأرضية في العادة قد دخل موسم البرد والإنفلونزا الموسمية. ولكن هذا العام، حتى الآن، لا تزال معدلات الإصابة بالعديد من أنواع العدوى الموسمية الشائعة منخفضة للغاية، حتى مع تصاعد جائحة كوفيد-19 في عشرات الدول.

أصابت الجائحة الناجمة عن فيروس كورونا المستجد ما لا يقل عن 67 مليون شخص، وأسفرت عن 1.5 مليون وفاة حول العالم. وكان لمجمل الإجراءات التي هدفت لمحاربة الجائحة، من الإغلاقات المؤقتة إلى ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي، وتعزيز النظافة الشخصية والحدّ من السفر، أثرٌ كبير على أمراض الجهاز التنفسي الشائعة الأخرى أيضًا.

وفي نصف الكرة الأرضية الجنوبي، والذي انقضى شتاؤه، بالكاد ظهرت الإنفلونزا الموسمية، ويبدو أن هذا قد يحصل في الشمال أيضًا. وفي المقابل، ازدهرت بعض فيروسات البرد الشائعة، وتشير بعض الأدلة إلى أنها قد تحمي من كوفيد-19، في بعض الحالات.

رغم تاريخ البشرية الطويل مع نزلات البرد والإنفلونزا، فإن الفيروسات التي تسببها لا تزال محاطة بالعديد من الألغاز. ويأمل العلماء أن تكشف المواسم المضطربة هذا العام عن معلومات جديدة، حول انتقال وسلوك هؤلاء الضيوف السنويين غير المرغوب فيهم، مثل الكيفية التي تستجيب فيها هذه الفيروسات للتدابير الصحية، وكيفية تفاعلها مع بعضها، وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لآثار المرض على المدى الطويل. «هذه تجربة طبيعية بالنسبة للعديد من فيروسات الجهاز التنفسي»، تقول سونيا أولسن، عالمة الأوبئة في المركز الوطني لتعزيز المناعة وأمراض الجهاز التنفسي، التابع لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة (CDC)، في مدينة أتلانتا، جورجيا.

خبوّ الإنفلونزا الموسمية

في شهر أيّار الماضي، مع بلوغ الموجة الأولى من وفيات كوفيد-19 في العديد من الدول نهايتها، وعندما تم تطبيق بعض إجراءات الإغلاق الأكثر صرامة، لاحظ العاملون الصحيون توقفًا مفاجئًا ومبكرًا لموسم الإنفلونزا لعام 2019-2020 في نصف الكرة الأرضية الشمالي.

ويقول الخبراء إن ذلك ربما كان، في جزء منه، بسبب قلة عدد الأشخاص الذين يأتون إلى العيادة لإجراء الفحوصات، ولكنه يُعزى أيضًا إلى فعالية السياسات المتبعة مثل التباعد الاجتماعي. بعد أن بدأت الجائحة، انخفض عدد الاختبارات الإيجابية لفيروس الإنفلونزا بنسبة 98% في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بينما انخفض عدد العينات المقدمة للفحص بـ61% فقط. وفي النهاية، صنفت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها موسم الإنفلونزا الأخير على أنه «معتدل»، وقدّرت أن 38 مليون شخصًا أصيبوا بالإنفلونزا، و22 ألف شخص توفوا بسببها، وهذا أقل مما كان عليه الأمر في السنوات الأخيرة، ولكنه ليس بالأمر غير المسبوق.

«لم تنجح بعض دول أمريكا الجنوبية بالسيطرة على كوفيد-19، ولكن حتى هناك، معدلات عدوى الإنفلونزا منخفضة. لا أعتقد أننا يمكن أن نعزو كل شيء إلى ارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي»

وفي حين انتهى موسم الإنفلونزا في نصف الكرة الأرضية الشمالي مبكرًا، فإنه كاد ينعدم في النصف الجنوبي. كان هناك عدد قليل، يثير العجب، من حالات الإنفلونزا الموسمية هناك من شهر نيسان وحتى تموز 2020، حتى مع استمرار حالات كوفيد-19 العالمية بالارتفاع.

في أستراليا وتشيلي وجنوب إفريقيا، بلغ إجمالي حالات الإنفلونزا المرصودة 51 حالة فقط، من بين أكثر من 83 ألف فحص.[1] تقول أولسن «نحن نعلم أن الإنفلونزا الموسمية أقل قابلية للانتقال من فيروس كورونا المستجد، لذلك فمن المنطقي أن تنخفض الإصابات به مع الإجراءات المتبعة»، ولكن الانخفاض لا يزال «أكبر من المتوقع». ويُعزى غياب الإنفلونزا إلى إجراءات الاستجابة الوبائية المرتبطة بالجائحة، لكن هذا لا يروي القصة الكاملة.

يقول عالم الفيروسات ريتشارد ويبي، من مستشفى سانت جود في ممفيس بولاية تينيسي: «لم تنجح بعض دول أمريكا الجنوبية بالسيطرة على كوفيد-19، ولكن حتى هناك، فمعدلات عدوى الإنفلونزا منخفضة. لا أعتقد أنه يمكن أن نعزو كل شيء إلى ارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي». ويشتبه في أن ندرة السفر الدولي لعبت دورًا في ذلك، حيث تنتقل الإنفلونزا عادةً حول العالم من شتاء إلى آخر، بينما يكون وجودها منخفضًا في المناطق الاستوائية على مدار العام. ورغم أن الآليات الكامنة وراء هذا السلوك غير واضحة بالكامل، إلا أن حركة البشر لها يد في ذلك بلا شك.

ومن الممكن أن تكون زيادة التلقيح ضد الإنفلونزا قد ساهمت في اختفائها أيضًا. فأستراليا، على سبيل المثال، شهدت أكثر من 7.3 مليون جرعة لقاح للإنفلونزا بحلول 20 أيار 2020، مقابل 4.5 مليون في نفس الفترة من عام 2019، و3.5 مليون في عام 2018.

إن معدلات التلقيح ضد الإنفلونزا الموسمية في الولايات المتحدة في تصاعد منذ سنوات؛ إذ تم تلقيح أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة الذين تزيد أعمارهم عن ستة أشهر في موسم 2019-2020، بزيادة 2.6% عن العام السابق. لكن من غير الواضح ما إذا ما كان الأمريكيون سيميلون نحو تلقي لقاحات الإنفلونزا هذا العام، لا سيما بالنظر إلى الخلفية المضطربة للوباء وتغيير رئيس البلاد.

المجهولات الفيروسية

يراهن معظم الخبراء بحذر على موسم خفيف جدًا للإنفلونزا فى نصف الكرة الشمالي هذا العام. وسيكون ذلك خبرًا جيدًا على جبهات عديدة، خاصةً لكونه سيساعد في تخفيف العبء المحتمل على النظام الصحي، من المستشفيات إلى مراكز الفحص، الناجم عن موجات الإنفلونزا المتزامنة مع كوفيد-19. 

التلاشي المحتمل لموسم الإنفلونزا هذا العام في نصف الكرة الشمالي، قد يُصعّب التنبؤ بالسلالات الصحيحة التي يجب وضعها في لقاح الإنفلونزا لعام 2021.

ويقول ويبي إن لا أحد يعرف حقًا، على سبيل المثال، لماذا تتعرض دولة واحدة، مثل أستراليا، لمواسم شديدة من الإنفلونزا لعدة سنوات، في حين أنّ البلد المجاور، نيوزيلندا، يشهد معدلات منخفضة جدًا من إصابات الإنفلونزا. حتى موسمية الإنفلونزا غير مفهومة تمامًا، ولا كيف تنتقل حول العالم. «كما لا نملك معرفة كافية تفسر لماذا هو مرض شتوي». وتقول أولسن إن فهم الدروس التي ستقدمها بيانات هذا العام حول الإنفلونزا سيكون أمرًا مثيرًا للاهتمام، ولكن صعب التنفيذ، لأن سياسات الجائحة والالتزام بها تتباين على مستوى الدول والولايات، وحتى الأحياء.

ويمكن أن يكون لتغير مجرى مواسم الإنفلونزا عواقب على لقاحاتها. فالتلاشي المحتمل لموسم الإنفلونزا هذا العام في نصف الكرة الشمالي، قد يُصعّب التنبؤ بالسلالات الصحيحة التي يجب وضعها في لقاح الإنفلونزا لعام 2021. ويمكن أن يكون لذلك عواقب مثيرة للاهتمام على المدى الطويل، أيضًا. يتنبأ ويبي أن موسم إنفلونزا خفيفًا قد يقتل فصائل فيروس الإنفلونزا الأقل شيوعًا. «انتشرت العديد من أنواع الإنفلونزا المختلفة في السنوات الأخيرة. هل ستنجو كلها من هذا الموسم أم لا؟»، يسأل. «إن من الممكن أن هذا الموسم سيجعل الصورة الفيروسية أبسط بكثير. ومن الممكن أن يكون هذا الأثر دائمًا».

في الوقت نفسه، إن عدم وجود منافسة فيروسية في أجسام المصابين بالفيروس يمكن أن يفتح الباب أمام سلالات جديدة من إنفلونزا الخنازير في المستقبل. ويوضح ويبي: «نحصل على حفنة من هذه الوفيات كلّ عام، في موسم المعارض الزراعية. وواحدة من الأشياء التي تعرقل تلك الفيروسات كثيرًا هي الحصانة الطبيعية. لكن إذا كانت الإصابات بالإنفلونزا منخفضة لبضعة مواسم، فقد يترك ذلك فجوة لفيروسات الخنازير لكي يكون لها تأثير أكبر». ويقول روبرت وير، عالم الأوبئة السريرية في جامعة غريفيث في كوينزلاند، بأستراليا: «أنا متأكد من أن الإنفلونزا ستعود كي تنتقم في مرحلة ما في المستقبل، ولكن الأمر قد يستغرق بضع سنوات».

كبح المنحنى

ليست فيروسات الإنفلونزا الوحيدة التي تأثرت بتدابير الاستجابة لجائحة كورونا المستجد. هناك المئات من الفيروسات التي تسبّب أعراضًا تنفسية شبيهة بنزلات البرد، من فيروسات نظير الإنفلونزا البشرية (parainfluenza) إلى الفيروس الرئوي التالي لالتهاب الرئة البشري (metapneumovirus). ويبدو أنّ معظم هذه الفيروسات، أيضًا، لا تنشط إلا في فصل الشتاء في نصف الكرة الجنوبي.

وعلى وجه الخصوص، لاحظ الباحثون بعض الانخفاضات المفاجئة في الفيروس التنفسي المخلوي البشري (RSV)، وهو فيروس شائع يصيب عادةً الأطفال، ويمكن أن يسبب في بعض الأحيان حالات خطيرة مثل الالتهاب الرئوي. لا يوجد لقاح للفيروس التنفسي المخلوي البشري، ويتسببّ هذا الفيروس بحوالي 5% من وفيات الأطفال دون سنّ الخامسة في جميع أنحاء العالم. وفي غرب أستراليا، انخفض معدّل الإصابة بالفيروس التنفسي المخلوي البشري (RSV) بين الأطفال بنسبة 98% (والإنفلونزا بنسبة 99.4%)، خلال شتاء 2020، رغم أنّ المدارس كانت مفتوحة.[2]

قد يكون انحسار المخلوي التنفسي مؤقتًا فقط. على سبيل المثال، تُظهر البيانات من منطقة نيو ساوث ويلز، الأكثر اكتظاظًا بالسكان في أستراليا، ارتفاعًا في الإصابة بالمخلوي التنفسي في تشرين الأول. ويحذّر بعض الباحثين من أنّ تراكم عدد الأطفال المعرّضين للإصابة، غير المصابين بعد، قد يؤدّي إلى موجات أكبر من العدوى في المستقبل.[3]

الأنماط المتقلبة لانتشار البرد والإنفلونزا

في أعقاب إجراءات الإغلاق على مستوى الدولة في المملكة المتحدة، في شهر آذار 2020، انخفضت معدلات الحالات المسجلة لأغلب فيروسات الجهاز التنفسي الشائعة، ومن بينها الفيروس الأنفيّ. ولم ترتفع حالات الإصابة عندما خُففت إجراءات الإغلاق، ولكنها ارتفعت بسرعة عندما فُتحت المدارس من جديد في شهر أيلول.[4]

تُظهر بعض الدراسات أنه بسبب الإصابة بفيروسات كورونا الأخرى، يحمل ربع الناس أجسامًا مضادةً يمكنها كبح فيروس كورونا المستجد.

تظهر البيانات من منطقة نيو ساوث ويلز في أستراليا انخفاضًا كبيرًا في أعداد الإصابة بالإنفلونزا هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة. كما أن الإصابات بالفيروس التنفسي المخلوي البشري (RSV) انخفضت أيضًا إلى مستويات أقل من المعتاد، ولكنها عاودت الصعود بسرعة في تشرين أول. على الرغم من ذلك، كانت هناك طفرات كبيرة من الإصابة بعدوى الفيروس الأنفيّ، ولكن ذلك قد يكون بسبب زيادة عدد الفحوصات.

هناك استثناء واحد كبير للمنحنى الفيروسي النازل. تقول جانيت إنغلند، طبيبة الأطفال والباحثة في مجال الأمراض المعدية في مستشفى سياتل للأطفال، في واشنطن، إن «الفيروس الوحيد الذي لم يُكبح هو الفيروس الأنفي». إن هذا الفيروس هو المصدر الأهم لنزلات البرد، خصوصًا لدى الأطفال. وتوجد منه أكثر من 100 سلالة، عادة ما تنتشر حوالي 12 منها في أي مجتمع.

في دراسة في ساوثهامبتون، في المملكة المتحدة، ظلت حالات الإصابة بالفيروس الأنفي بين البالغين الذين أُدخلوا المستشفى في صيف عام 2020 أقل من صيف 2019، ولكنها ارتفعت بسرعة، كما هو معتاد، فور إعادة فتح المدارس في أيلول. وعلى نحو مماثل، فإن البيانات من نيو ساوث ويلز أظهرت ارتفاعًا سريعًا وواضحًا في أعداد الإصابات خلال الشتاء الجنوبي. ومع أن سبب بعض هذه الطفرات يرجع، على الأغلب، إلى زيادة عدد الفحوصات المجراة على الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض الرشح الخفيف، إلا أن الإصابات بهذه الفيروسات لم تنخفض كغيرها. 

«لا أحد يعلم السبب» وراء ثبات الفيروس الأنفي، تقول إنغلند. تتباين بنية بعض الفيروسات التي تسبب أعراضًا شبيهة بالرشح عن بعضها، الفيروس الأنفي، على وجه الخصوص، مختلف عن الإنفلونزا وفيروسات كورونا في أنه لا يحتوي على طبقة خارجية أو غشاء من مادة الليبيد، الضعيفة أمام الصابون والمعقمات.

في نيو ساوث ويلز، كانت حالات العدوى بالفيروسات غير المحاطة بغشاء شبيه، والتي تسبب أعراض شبيهة بالرشح، ثابتة نسبيًا طوال الشتاء الجنوبي، بدل أن تنخفض بشدة مثل الإنفلونزا، أو ترتفع مثل الفيروس الأنفي. وتقول إنغلند: «ما نتوقعه هو أن الفيروس الأنفي، على الأغلب، أكثر ثباتًا على الأسطح»، مما يجعل انتقاله بين الأطفال، عبر أيديهم أو الطاولات أو مقابض الأبواب، أسهل. كما يُعتقد، أيضًا، أن العدوى بالفيروسات الأنفية دون ظهور أعراض أكبر من غيرها، مما يسمح بانتشارها بحرية أكبر في المدارس، حتى عندما يلزم الأطفال المرضى بيوتهم.

الخبر السار هو أنّ نزلات البرد قد تساعد على حماية الناس ضد كوفيد-19. فقد أظهرت دراسة [5] أنّ الاشخاص الذين ظهرت عليهم أعراض البرد من البالغين خلال العام السابق من بين أكثر من 800 ألف شخص، على سبيل المثال، كانوا أقل عرضة للعدوى بكوفيد-19، رغم أنّ سبب هذا لا يزال غير معروف.

الحماية المتبادلة

أحد التفسيرات المحتملة هو أنّ العدوى السابقة بأحد فيروسات كورونا (وهو سبب آخر لنزلات البرد) يمكن أن تمنح بعض المناعة ضد كوفيد -19، ولكن، من الجدير بالذكر، أنّ الشخص يمكن أن يصاب بأحد فيروسات كورونا مرارًا وتكرارًا، وأن يصاب بفيروسات متعددة تسبب نزلات البرد في الوقت نفسه.[6] ويبدو أنّ عدوى أحد فيروسات كورونا السابقة (قبل الفيروس المستجد) تولّد خلايا تائية (T cells) وخلايا بائية (B cells) -وهي خلايا الجهاز المناعي التي تساعد على مهاجمة مسبّبات الأمراض وتذكّرها- يمكنها التعرّف على مرض هذه الخلايا الموجودة مسبقًا، ما قد يوفّر بعض الحماية المتبادلة ضدّ الفيروس المستجد.[7]

«نحن نعلم أن الإنفلونزا الموسمية أقل قابلية للانتقال من فيروس كورونا المستجد، لذلك فمن المنطقي أن تنخفض الإصابات به مع الإجراءات المتبعة»

وبحسب سكوت هنسلي، عالم المناعة في جامعة بنسلفانيا، في فيلادلفيا، تُظهر بعض الدراسات أنه بسبب الإصابة بفيروسات كورونا الأخرى، يحمل ربع الناس أجسامًا مضادةً يمكنها كبح فيروس كورونا المستجد. وتُظهر إحدى الدراسات[8] أن هذه الأجسام المضادة يمكنها تحييد العدوى بالفيروس المستجد، ما يمنع الفيروس من غزو الخلايا.

ويقول تشيواي عبدالله بان، من المركز الطبي في جامعة إيراسموس، في روتردام، إن التحييد المتبادل الفعّال لكورونا المستجد من قبل الأجسام المضادة الخاصة بفيروسات كورونا الأخرى سيكون أمرًا «بديعًا بالفعل»، لأن هذا سيفتح الباب أمام إمكانية إنتاج لقاح شامل يحمي من فيروسات كورونا كلها. ولكن دراسات أخرى[9] ومن ضمنها دراسة هنسلي[10] وجدت أن الأجسام المضادة هذه لا يمكنها تحييد فيروس كورونا المستجد، ولا الحماية من كوفيد-19. يقول بان: «إن التحييد المتبادل لم يُثبت حتى الآن»، وحتى لو تم إثباته، «أتوقع أن أثر ذلك سيكون متواضعًا للغاية».

طريقة أخرى قد تكون الإنفلونزا الموسمية تساهم عبرها في إنتاج مناعة ضد كوفيد-19، هي أن عدوى حالية من الفيروس الأنفي قد تتعارض، بشكل مباشر، مع العدوى بكوفيد-19، ربما عبر تفعيل استجابة الإنترفيرون، وهي جزء من جهاز المناعة، تمنع الفيروس من التكاثر. وأظهرت دراسة قام بها وير وزملاؤه، على سبيل المثال، أن الشخص المصاب بعدوى الفيروس الأنفي تنخفض إمكانية إصابته بفيروسات كورونا الشائعة بنسبة 70%، مقارنة بالشخص غير المصاب بعدوى الفيروس الأنفي. كما أظهر ألبيرتو باينز موندولفي، عالم الأحياء المجهرية السريرية في مدرسة طب ماونت سيناي، في نيويورك، وزملاؤه، بضعة حالات من الإصابة بالفيروس الأنفي وكورونا المستجد في نفس الوقت، في مدينة نيويورك.[11] ويقول موندولفي: «الفيروس الأنفي فيروس شرس»، إن نموه السريع يمنع الفيروسات الأخرى من الانتشار، ويمكن تصوره يغلب كورونا المستجد، ويحد من أثره.

قد يكون لهذا التدخل الفيروسي أثر قوي. وجدت إلين فوكسمان، عالمة المناعة في كلية الطب بجامعة ييل، في نيو هيفن، كونيتيكت، وزملاؤها أدلة على أن الفيروس الأنفي قد يكون ثبّط انتشار وباء إنفلونزا الخنازير في عام 2009، على سبيل المثال.[12] حيث كانت حالات العدوى بالفيروسين معًا بين البالغين الذين تم إدخالهم إلى المستشفى أقل من المتوقع. وفي مراكز دراسة الخلايا، منعت الإصابة بالفيروس الأنفي انتقال تلك السلالة من فيروس إنفلونزا الخنازير من الخلية المصابة إلى خلايا أخرى. تبحث الآن فوكسمان فيما إذا كانت الإصابة بالفيروس الأنفي تمنع كورونا المستجد كذلك، وتنتظر نشر نتائج بحثها قريبًا.

في المجمل، يعتقد باينز موندولفي أنه «سيناريو مرجح للغاية»؛ أن تساعد الفيروسات الأنفية وفيروسات كورونا الأخرى في كبح انتشار كوفيد-19. ويقول: «أعتقد أن العديد من علماء الفيروسات، مثلي، كانوا ينتظرون هذا الموسم ليعاينوا تطور الجائحة».

ولكن مع وجود العديد من الأمور المجهولة التي تكتنف هذه الفيروسات، يقول أغلب الباحثين إن على الناس توقع الأسوأ، من موسم رشح سيء يضاعف مصاعب كوفيد-19، إلى تفشي الفيروس التنفسي المخلوي البشري في المستقبل. «من الأفضل أن نكون جاهزين لأي شيء، فنحن لا نعلم ما القادم»، تقول أولسن.

  • الهوامش

    *نيكولا جونز هي صحفية علمية مقيمة في بيمبرتون، كولومبيا البريطانية.

    [1] Olsen, S. J. et al. MMWR Morb. Mortal. Wkly Rep. 69, 1305–1309 (2020).

    [2] Yeoh, D. K. et al. Clin. Infect. Dis. https://doi.org/10.1093/cid/ciaa1475 (2020).

    [3] Baker, R. E. et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA https://doi.org/10.1073/pnas.2013182117 (2020).

    [4] Poole, S., Brendish, N. J., Tanner, A. R. & Clark, T. W. Lancet Respir. Med. 8, e92–e93 (2020).

    [5] Aran, D., Beachler, D. C., Lanes, S. & Overhage, J. M. J. Infect. https://doi.org/10.1016/j.jinf.2020.10.023 (2020).

    [6] Grimwood, K., Lambert, S. B. & Ware, R. S. Pediatrics 146, e2020009316 (2020).

    [7] Grifoni, A. et al. Cell 181, 1489–1501.e15 (2020).

    [8] Ng, K. W. et al. Science https://doi.org/10.1126/science.abe1107 (2020).

    [9] Poston, D. et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2020.10.08.20209650 (2020).

    [10] Anderson, E. M. et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2020.11.06.20227215 (2020).

    [11] Nowak, M. D., Sordillo, E. M., Gitman, M. R. & Paniz Mondolfi, A. E. J. Med. Virol. 92, 1699–1700 (2020).

    [12] Wu, A., Mihaylova, V. T., Landry, M. L. & Foxman, E. F. Lancet Microbe 1, e254–e262 (2020).

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية