كورونا في مخيم الحصن: كيف تؤثر الجائحة في ظل تردٍ اقتصادي واكتظاظ سكاني؟

الخميس 24 كانون الأول 2020
مخيم الحصن جنوب إربد. تصوير روان نخلة.

يوم 20 تشرين أول الماضي بدأت أم جميل (42 عامًا)، من سكان مخيم الحُصن في إربد، بالشعور بأعراض مصاحبة للإصابة بكوفيد-19؛ إرهاقٌ عام وآلامٌ في المفاصل وصعوبةٌ في التنفس، وتقول إنّها عادةً ما تصاب بالتهاب القصبات الهوائية في مثل هذا الوقت من كل عام، إلا أن الأعراض هذه المرة كانت أشدّ وأقوى، فراجعت طبيبًا عامًَا وصف لها مضادات حيوية، وجلسات استنشاق البخار باستخدام «جهاز التبخيرة الدوائي»، وجلسات أخرى لتزويدها بالأكسجين بسبب انخفاض مستوياته لديها.

تقول أم جميل إن تكلفة كل زيارة للطبيب لم تقل عن 10-15 دينارًا، وهو ما يفوق القدرة المالية لعائلتها، ما دفعهم للبحث عن جهات تساعدهم في توفير جهاز تبخيرة لاستخدامه منزليًا. ورغم الأعراض وحدّتها إلا أنها لم تجرِ فحص فيروس كورونا، لكن أعراضًا ظهرت على زوجها (56 عامًا) دفعته لإجراء الفحص فورًا في مركز الحصن الصحي الشامل، خصوصًا أنه يعمل سائق باصٍ عمومي.

بعد ثلاثة أيام جاءت نتيجة فحصه إيجابية، فعزل نفسه منزليًا، لكن حالته الصحية ساءت بعد أيام، تقول أم جميل إن زوجها «كان تعبان وعنده مشكلة بالتنفس، رنيت على التقصي الوبائي وشرحتلهم، قالولي طالما ما بختنق ما توخدوه [على المستشفى]، وما في زيارة منزلية إلا بالحالات الضرورية»، وهو ما أثار استيائها، مضيفةً أن ازدياد حالته سوءًا اضطرهم لاستدعاء طبيب إلى المنزل، ليتبين أن مستوى الأكسجين في دمه انخفض إلى 60% ما تطلب إحضار اسطوانة أوكسجين واستخدامها في المنزل لخمسة أيام، لكن حالته لم تتحسن ما دفعهم لاستدعاء الدفاع المدني ونقله إلى المستشفى.

تقطن عائلة أم جميل في بيت (وحدة سكنية) بالمخيم مساحته 100م2، ويتكون من غرفتين وصالة وحمام ومطبخ، وبينما تعزل وزوجها نفسيهما في غرفتين منفصلتين، يلازم ابناهما الصالة بعد عودتهم إلى البيت مساءً، فيما أرسلت ابنهما الثالث والأصغر (10 سنوات) للإقامة في منزل عمّه لحين تماثلهما للشفاء.

ومن ناحية اقتصادية، فإن الزوج هو المعيل الأساسي للعائلة حيث يتقاضى راتبًا شهريا قدره 270 دينارًا، يدفع منه 70 دينارًا إيجارًا المنزل، وما بين 24-30 دينارًا فاتورة كهرباء. فيما يساهم أحد الأبناء (23 عامًا) في إعالة العائلة، إذ عمل -مؤخرًا- كموزع في شركة أغذية بأجر شهري يبلغ 250 دينارًا.

لكن التزامات العائلة المالية ازدادت خلال فترة ظهور الأعراض على أم جميل، وإصابة زوجها، بسبب تكاليف الأدوية والفيتامينات. كما ازدادت نفقاتهم مع التوجه للتعليم عن بعد، حيث سجّلت ابنها الأصغر في دروس خصوصية عند إحدى المعلمات في المخيم كي يكمل تعليمه بالفاعلية ذاتها في التعليم الوجاهي، «بعد ما دفعنا اللي علينا هالشهر، مسك ابني الراتب ما ظل منه إشي»، تقول أم جميل.

يقدّر محمد الخضور، رئيس لجنة خدمات مخيم الشهيد عزمي المفتي (الحُصن) أعداد المصابين من أهالي المخيم منذ بدء الجائحة بـ100-150 مصاب، مشيرًا إلى صعوبة معرفة الأعداد الحقيقية: «الناس ما بتحكي، ومركز صحي الحصن ما بنسّبلنا أعداد المصابين من أبناء المخيم»، ويرى أن انتشار الوباء داخل المخيم مؤخرًا يعود إلى عدم التزام السكان بالتدابير الوقائية حتى فترة متأخرة من الانتشار المجتمعي، بالإضافة إلى رفض بعض من تظهر عليهم أعراض الإصابة إجراء الفحص خصوصًا ممن يعتمد في توفير قوت يومه على العمل بنظام المياومة، فضلًا عن الاكتظاظ السكاني وصعوبة العزل المنزلي في بيوت المخيم الضيقة: «صعب جدًا إنه المصاب يستمر في الحجر في وِحدة [سكنية] 100 متر فيها غرفتين أو ثلاث، بده ينحجر بغرفة، والثانية فيها العيلة، الموضوع إله دور سيء جدًا، وإن كان وضعنا الآن مستقر لكن هذا بأثّر بشكل عكسي ع المواطنين»، يقول الخضور.

أزقة وشوارع مخيم الحصن. تصوير روان نخلة.

بيئة المخيم والقدرة على كبح الانتشار

تبلغ مساحة المخيم حوالي 758 ألف دونم، ويحتوي على (2314) وحدة سكنية، مساحة الواحدة منها لا تتجاوز 100 متر مربع، ويقدّر الخضور متوسط عدد أفراد العائلة الواحدة في المخيم بسبعة أفراد، ويبلغ عدد سكّانه بحسب قيود وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) لسنة 2017 حوالي 25 ألف نسمة، في حين يقدّر الخضور عدد السكان بنحو 35 ألفًا ما بين لاجئ ونازح فلسطيني، بالإضافة للاجئين سوريين. ويوجد في المخيم مركز صحي واحد يتبع للأونروا، وآخر للقطاع الخاص، بالإضافة إلى عدد من العيادات الخاصة.

«صعب جدًا إنه المصاب يستمر في الحجر في وِحدة [سكنية] 100 متر فيها غرفتين أو ثلاث، بده ينحجر بغرفة، والثانية فيها العيلة، الموضوع إله دور سيء جدًا، وإن كان وضعنا الآن مستقر لكن هذا بأثّر بشكل عكسي ع المواطنين»

بعد الجائحة عدّلت وكالة الأونروا، المسؤولة عن تقديم خدمات صحية للاجئين في المخيمات، بعض إجراءاتها ليكون العلاج والتشخيص والتطبيب عن بعدٍ، مع الالتزام بالإجراءات الوقائية عند دخول المراكز الصحية والمنشآت التابعة لها، دون فحص أو استقبال مرضى كوفيد-19، وتقول المتحدثة الرسمية باسم الأونروا، وديان عثمان، إن الأونروا «مش مخولة باستقبال الحالات والفحص، هي بتحول للمستشفيات الأردنية، هاد أمر من وزارة الصحة والحكومة، وإحنا ما بنفحص، بس اللي بنشك بحالته وبتكون عنده الأعراض بنحوله للمستشفى (..) بنتبع إجراءات الدولة المضيفة».

ولإجراء فحص كورونا، يتوجه سكان المخيم ممن ظهرت عليهم الأعراض إلى مركز صحي الحصن الشامل التابع لوزارة الصحة، حيث يوجد «كرفان» لأخذ عينات الفحص، ويقدم المركز خدماته لمناطق لواء بني عبيد ومنها الصريح والحصن وإيدون وكِتِم وشطنا والنْعيمة.

طلب بعض الأهالي في المخيم توفير كرفان ثابت داخل المخيم لإجراء فحص كورونا، أو توفير فريق تقصٍّ وبائي لإجراء الفحص في أيام وساعات ثابتة مع ازدياد الإصابات في المخيم، بدل اضطرارهم للذهاب إلى مركز صحي الحصن لما يشهده من ازدحام، إلا أن رياض الشياب، مدير صحة إربد، يقول إنه تم توفير 20 كرفان مع 20 فريق تقصٍّ وبائي، توزعت على جميع ألوية إربد، موضحًا: «ما بقدر أحط بكل منطقة كرفان ويكون عندي 100 كرفان (..) وما بقدر أحط الكرفان داخل المخيم المكتظ، رح يصير مصدر للوباء (..) بؤرة»، ويرى أنّ عدد المصابين في المخيم ليس كبيرًا وأن الوضع العام مستقر.

عمّال المياومة وتفاقم التردي الاقتصادي

لم يجد أمجد الزبيدي (44 عامًا) عملًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الوباء في الأردن، يعيل الزبيدي أسرة من خمسة أفراد ويعمل عامل بلاط بنظام المياومة، «بعد هيك بلش في شغل، بس بالأسبوع يومين ثلاث، وبتمر عليك أسبوعين، ثلاثة، أربعة، بدون شغل»، يقول الزبيدي الذي كان يجني قبل الجائحة حوالي 500 دينار شهريًا، إلا أن دخله حاليًا لا يتجاوز 300 دينار شهريًا في أحسن الأحوال: «الشهر الماضي ما اشتغلت غير 10 أيام، ومتوسط يوميتي 15 دينار، 150 شو بده يكفي؟»، ما يدفعه لتقليل المصاريف إلى الحد الأدنى.

يعتبر الزبيدي أن حاله أفضل من غيره نظرًا لحصوله نهاية عام 2019 على دعم من صندوق المعونة الوطنية عبر برنامج الدعم التكميلي، إلا أنّ ذلك منعه من الحصول على دعم عمّال المياومة المتضررين من الجائحة. مشيرًا إلى صعوبة أحوال الكثيرين من العاملين بنظام المياومة في المخيم، قائلًا إن بعضهم باعوا أدواتهم وعددهم اليدوية من أجل تأمين قوت عائلاتهم.

«الجائحة أثرت بشكل مباشر على كل عيلة بالمخيم، العامل إذا ما أجاه دخل يومي ما بتستمر حياته»

خالد ذياب (46 عامًا) تأثّر هو الآخر بسبب قلة فرص العمل منذ بدء الجائحة، فهو يعمل نجارًا بنظام المياومة في منجرة في المخيم، وكان يجني قبل الجائحة حوالي 50 دينارًا أسبوعيًا: «بعد كورونا الشغل خف، قليل [يكون] في شغل، يا دوب بنطلّع مصروف المنجرة»، يقول ذياب.

يعيل ذياب أسرة من سبعة أفراد، ويشكو من ازدياد الأعباء المالية نتيجة الظروف المتعلقة بالجائحة، فقد اضطر ابنه طالب الثانوية العامة لتلقي دروس خصوصية بعد اعتماد نظام التعليم عن بعد، فضلًا عن تكاليف الاشتراك بخدمة الإنترنت المنزلي الذي يحتاجه أبناؤه الخمسة من أجل دراستهم، حيث لا تكفيهم حزم الإنترنت على الهاتف المحمول، «المنيح إنه البيت ملك إلي، بس مثلًا فواتير الكهربا متراكمة عليّ، مش قادر أدفعهم» يقول ذياب.

تسببت هذه الظروف بتراكم الديون على ذياب منذ بدء الجائحة، ورغم حصوله على الدعم التكميلي بقيمة 200 دينار لكل ثلاثة أشهر، إلا أنها بالإضافة إلى ما يحصّله من عمله لا تكفي احتياجات عائلته، كما أن حصوله على الدعم أدّى إلى انقطاع كافة المساعدات التي كان يتلقاها من بعض المؤسسات الخيرية قبل الجائحة.

من جانبه، يقول الخضور إنّ نسبة مراجعي مكتب لجنة الخدمات طلبًا للمساعدة المالية ارتفعت، ويعزو ذلك لارتفاع نسب الفقر والبطالة في المخيم، ولأن الكثير من أبناء المخيم يعملون بنظام المياومة، «الجائحة أثرت بشكل مباشر على كل عيلة بالمخيم، العامل إذا ما أجاه دخل يومي ما بتستمر حياته»، مضيفًا أنّ الميزانية المخصصة لعمل اللجنة من دائرة الشؤون الفلسطينية بلغت حوالي 130 ألف دينار لعام 2020، وأنها تُنفق على الخدمات الأساسية في المخيم، «بس ما عنا إمكانية نصرف على الناس»، يقول الخضور.

كما تتلقى اللجنة مساعدات محدودة، بحسب الخضور، منها مساعدات عينية، معظمها غذائية، من الهيئة الخيرية الهاشمية، بالإضافة إلى مساعدات سنوية من الديوان الملكي على شكل قسائم (كوبونات) عددها 290 قسيمة، وتبلغ القيمة المالية للواحدة منها 100 دينار، تقدم مرتين في العام؛ الأولى في شهر رمضان والثانية في ميلاد الملك عبدالله الثاني، «إحنا بنتمنى تزيد، لإنه عدد السكان والأعباء زادت»، يقول الخضور.

وبحسب دائرة الشؤون الفلسطينية، فقد بلغت نسبة البطالة عام 2018 بين أبناء المخيم 18%، ونسبة الفقر 23%، في حين بلغ عدد العائلات التي تلقّت عام 2019 معونات من الجمعيات الخيرية 150 عائلة، في حين تلقت 420 عائلة معونات من وكالة الغوث الدولية، واستفادت 530 عائلة من صندوق المعونة الوطنية في العام نفسه، في حين يبلغ عدد العائلات في المخيم حوالي ستة آلاف عائلة.

منظر عام لمخيم الحصن. تصوير روان نخلة.

التعلم عن بعد في ظل صعوبات الاتصال بالإنترنت

مع صدور قرار تعليق الدوام في جميع مدارس المملكة منتصف آذار الماضي، واعتماد نظام التعليم عن بعد، أطلقت وكالة الأونروا في الأردن خطة لـ«ضمان استمرارية برامج الطلبة الدراسية» عبر إتاحة التعلّم من خلال منصة «درسك» التابعة لوزارة التربية والتعليم، وإعداد نسخ إلكترونية عن مواد التعلم الذاتي، وتزويد الطلبة بروابط المواد، «هاي المواد مادية [ورقية] وبرضه محطوطة بلينك، بقدر الطالب ينزلها مرة وحدة، وبتظل عنده ويروح للمنهاج والخطط التعليمية ويتابع لحد ما يوصل ويكون مع الصف»، تقول وديان عثمان، المتحدثة باسم الأونروا، مع متابعة مستمرة مع المعلمين من خلال مجموعات واتساب وفيسبوك بالإضافة إلى اعتماد الطلاب كذلك على قناة الأونروا للتعليم على اليوتيوب التي توفر شروحات للمواد الأساسية، مشيرة إلى أنّ تقليص المساعدات التي تتلقاها الوكالة حال دون إنشاء منصة تعليمية خاصة بها.

«بكون بالبيت في تلفون، وبأحسن الأحوال تلفونين، الطالب بحتاج ليرجعوا أهله من أشغالهم حتى يتواصل مع المعلم (..) واللي عندهم تلفون بس ما في إنترنت، أو الحزم انتهت، فبنقطع التواصل لحتى يرجعوا يعبّوا»

ويبلغ عدد مدارس الأونروا في الأردن 169 مدرسة، تقدم تعليمًا أساسيًا لما يزيد عن 115 ألف طالبٍ وطالبة. وتبلغ عدد مدارس الأونروا في مخيم الحصن أربع مدارس، بالإضافة إلى مدرستين حكوميتين.

فداء عبد الفتاح (31 عامًا) أمّ لابنتين في الصفوف الثالث والخامس بمدارس الأونروا، تقول إن معلمات ابنتيها يسجّلن فيديوهات لشرح الدروس ويرسلنه للطالبات ويتابعن معهن من خلال مجموعات واتساب وفيسبوك.

إلا أن ابنتيها تعتمدان بشكل كامل عليها في شرح الدروس ومتابعتها، «حاولَت الكبيرة تدرس لحالها وتمسك التلفون تستوعب ع المعلمة وتشوف الفيديو اللي باعتيته، بس كإنها سامعة فيديو عادي، ولا فاهمة (..) لازم أنا أحضره وأفهم وأشرحلها»، تقول فداء، وتعتقد أن غياب التفاعل المباشر مع المعلمات وزميلاتهن أثّر سلبًا عليهن وعلى رغبتهن في التعلم، إذ كانتا تفهمان الدروس جيدًا مع تنوع الوسائل التعليمية في المدرسة، ما يخفف من عبء الدراسة في المنزل: «هسة الطفل صار عنده ضغط نفسي، كله واجبات، كله حل وكتابة، ما في استمتاع».

من جهة أخرى، يقول أحمد* أستاذ اللغة العربية في إحدى مدارس الوكالة في المخيم، إنه يبحث عادةً عن مقاطع فيديو قصيرة، ذات صلة بموضوع الدرس، ليرسلها إلى طلابه بالإضافة إلى أوراق عمل، ثم يتابع معهم بعدها حل أسئلة الدرس من خلال مجموعة واتساب، مبيّنا سبب اعتماده هذه الطريقة وعدم اللجوء لأي منصة تعليمية بأن «الأمور الفنية المرتبطة بالمنصة مش مريحة، [و] التوسع بالشروحات والإطالة بدرس الفيديو، لإنه الطالب صعب لقدراته العقلية والبصرية بنص ساعة يخضع لفيديو عشان يوخد خلاصة، بالإضافة لمشكلة النت والحزم، ما رح يتحمل لأكثر من 10 دقائق حد أقصى»، يقول أحمد.

وبحسب تقديراته، فإن عدد الطلاب المتفاعلين بشكل مستمر مع الدروس لا يزيد عن النصف، فيما يعتمد معظم الطلاب المتفاعلين على أهاليهم في فهم دروسهم وحلّ واجباتهم، «منهم بعيدين كل البعد عن التعلم، والمتفاعلين كم واحد متفاعل بشكل حقيقي وكم واحد منهم بتجاوب بشكل يومي»، يقول أحمد.

ويشير إلى أنّ ضعف التفاعل يعود لعدة أسباب مرتبطة بالفقر والظروف المعيشية الصعبة في المخيم، فضلًا عن حاجة التعليم عن بعد لتقنيات وأنظمة أكثر فاعلية، بالإضافة إلى عدم توافر خدمة الإنترنت، وأجهزة الحاسوب والهواتف الذكية لدى الطلاب بشكل كافٍ ومستمر: «بكون بالبيت في تلفون، وبأحسن الأحوال تلفونين، الطالب بحتاج ليرجعوا أهله من أشغالهم حتى يتواصل مع المعلم (..) واللي عندهم تلفون بس ما في إنترنت، أو الحزم انتهت، فبنقطع التواصل لحتى يرجعوا يعبّوا».

تؤكد فداء ما ذهب إليه أحمد، حيث إنّ عدم قدرتها على شراء هاتفٍ محمول جديد يصعّب التعلّم عن بعد على ابنتيها، «تلفوني ما بحمّل أغلب الفيديوهات والذاكرة قليلة، والنت على التلفون ضعيف، ولازم أقسم النهار بين البنتين»، تقول فداء.

وبينما استطاعت ابنتا فداء متابعة تعليمهن رغم ضعف الإمكانيات، إلا أن أبناء خلود عيسى الثلاثة، الطلبة في مدارس الوكالة، والبالغة أعمارهم ثمانية و11 و13 عامًا، انقطعوا عن التعليم منذ بداية الفصل الدراسي الحالي، بعد صدور قرار تعليق الدراسة في المدارس والانتقال إلى التعليم عن بعد، منذ 14 من أيلول الماضي، كأحد إجراءات الوقاية من كورونا، «كإنه التلات مش بصفوفهم، قاعدين، والكتب هيها مرمية بالشنتة، لا هذا بدرس ولا هذا بدرس»، تقول خلود.

مضيفة أن العائلة تواجه مشكلة رئيسية مرتبطة بوجود جهاز هاتف ذكي واحد في المنزل، مع والد الأطفال، وليسوا قادرين على توفير جهاز آخر في المنزل، خصوصًا مع خسارة الوالد عمله في إحدى محطات الوقود في إربد، إذ أنهيت خدماته أول الجائحة في آذار الماضي، «والبطاقة [لحزم الإنترنت] ما بلحقوا يدرسوا عليها التلاتة، وما بتكفي للاشتراك بأي منصة»، تقول خلود. ورغم استعانة بعض أهالي المخيم بأساتذة للتعليم الخصوصي إلا أنّ هذا الخيار غير ممكن للعائلة بسبب الظروف المالية الصعبة.

وبحسب وديان عثمان، فإنّ نسبة طلاب مدارس الأونروا في الأردن الذين ليس لديهم أيّ وصول للإنترنت تبلغ 27%، فيما لا يتوفر لـ4.5% منهم أجهزة ذكية. حاولت خلود حل المشكلة من خلال مراجعة أبنائها لدروسهم مع أبناء عمهم لأكثر من مرة إلا أنّ الطريقة لم تكن مجدية ما أدى لتوقفهم تمامًا، وتقول إنّ أبناءها لم يُزوّدوا بمواد التعليم الذاتي كبديل مؤقت عن التعليم الوجاهي، فيما ترقب مستقبلهم بقلق خوفًا من استمرار اللجوء للتعليم عن بعد، دون توفير ما يمكّن أبناءها من إكمال تعليمهم.


* اسم مستعار بناءً على طلب صاحبه.

تم إنتاج هذا التقرير ضمن مشروع «عيون» للصحافة المحلية.

* هذه نسخة معدّلة من التقرير، نشرت بتاريخ 27 كانون الأول 2020.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية