بين الـ(IPTV) والمقاهي: كيف يشاهد الأردنيّون كأس العالم؟

الخميس 17 تشرين الثاني 2022
كأس العالم
تجمّع لمشاهدة مباريات كأس العالم في غور الصافي 2018. تصوير محمد غباري

نهاية أيّار الفائت، وفيما كان الملايين حول العالم يشاهدون نهائي دوري أبطال أوروبا بين ليفربول وريـال مدريد، انقطع، بعد عشر دقائق على بداية المباراة، البثّ لدى العديد من المشاهدين في الأردن، وتحديدًا أولئك الذين كانوا يشاهدون عبر خدمة (IPTV)، ليضطرّ العديد منهم للبحث عن حلول بديلة، مثل المشاهدة عبر البث على فايسبوك أو عبر بعض التطبيقات التي تمكنت من بثّ المباراة، أو حتى الذهاب إلى المقاهي. هذا السيناريو تكرر الشهر الفائت كذلك خلال إحدى ليالي مباريات دوري أبطال أوروبا، لكن هذه المرّة بعد شوط المباراة الأول. 

الانقطاع في الخدمة المنتشرة في الأردن أثار منذ فترة غير قصيرة مخاوف لدى محبي كرة القدم، الطامحين للتمكن من مشاهدة بطولة كأس العالم 2022 في قطر، من دون الاضطرار لدفع مبالغ مرتفعة للتمكّن من مشاهدة البطولة. وبات سؤال: كيف أشاهد كأس العالم، سؤالًا دائمًا الحضور في جروبات كرة القدم على فيسبوك أو تلك الخاصة بخدمات الساتلايت في الأردن.

ما قبل كأس العالم 2002: مشاهدة مجانية 

قبل ظهور الفضائيات المشفرة واحتكارها لبث مباريات كأس العالم، كان الأردنيون والعرب يشاهدون تلك المباريات مجانًا عبر القنوات العربية الأرضية بفضل اتفاقية وُقّعت عام 1978 ولمدة 20 عامًا، بين اتحاد إذاعات الدول العربية، والاتحاد الدولي لكرة القدم، ومنذ ذلك الحين تولى اتحاد الإذاعات بث المباريات بتعليق عربي مشترك. واستمر هذا الحال حتى نهاية مونديال عام 1998 والذي أقيم في فرنسا، بعد ذلك لم يتمكن الاتحاد من تجديد الاتفاقية بسبب المبالغ المالية الضخمة التي طلبتها الفيفا.

يتذكر ياسر، 38 عامًا، أول نهائي كأس عالم شاهده في حياته، بين الأرجنتين وألمانيا الغربية عام 1990، على شاشة التلفزيون الأردني. وحتى العام 1998، شاهد ياسر المباريات عبر التلفزيون المحلي، وشاهد تحليلات المذيعين عثمان القريني ومحمد المعيدي، أما التعليق على المباريات فكان موحدًا على كل القنوات العربية، «من ضمن المعلقين أذكر الإماراتي علي حميد، والمصري حمادة إمام والتونسي رضا العودي وغيرهم».

من (ART) إلى (beIN): سطوة التشفير

أمّا مع مونديال العام 2002 والذي استضافته كوريا الجنوبية واليابان، فتغيّرت الأحوال، إذ بات يترتب على المواطن العربي مشاهدة مباريات كأس العالم حصريًا عبر شبكة راديو وتلفزيون العرب (ART).

يستذكر ياسر مونديال عام 2002، وقد كان آنذاك على مقاعد الدراسة في مرحلة الثانوية العامة «راحت مني مباراة واحدة عشان كان في امتحان، وقد شاهد بعض المباريات عبر قناة تتبع (ART) لكنها لم تكن مشفرة، «اعتقد كان في اتفاق مع الاتحاد الدولي ببث مجموعة مباريات على المفتوح». 

وبحلول مونديال العام 2006 الذي أقيم في ألمانيا، ومع استمرار بث المباريات عبر القنوات المشفرة، اضطر ياسر لمشاهدة المباريات عبر قنوات حكومية سويسرية مكسورة الشفرة على قمر هوتبيرد الأوروبي، «صرنا نستخدم رسيفرات بتفتح التشفير»، وكان التعليق بلغات دول هذه القنوات.

وللحصول على أسماء القنوات المفتوحة التي تبث المباريات أو تلك المشفّرة وللحصول على كودات فك التشفير، كان ياسر يتابع منتديات مثل (ستار تايمز) الرياضية، وبعدها «كنت أبرمج الرسيفر بإدخال الكود بطريقة معينة بالرسيفر وتفتح القناة». 

ومع مونديال 2010 في جنوب أفريقيا، انتقلت حقوق البث إلى قنوات الجزيرة الرياضية، وبقيت المباريات مشفّرة. وقتها لم تنجح المفاوضات بين مسؤولين أردنيين وقناة الجزيرة الرياضية لأجل الحصول على حقوق بث كأس العالم التي وافقت على بيع جزء من المباريات (22 مباراة فقط من أصل 64) مقابل 8 ملايين دولار، وتقتصر على مباريات الأدوار الأولى إلى جانب ثلاث مباريات فقط من الأدوار المتقدمة.

في مونديال البرازيل عام 2014، بثت قنوات beIN، وهي ذاتها قنوات الجزيرة الرياضية ولكن بعد أن تغير اسمها، البطولةَ بشكل مشفّر كذلك. ولذا شاهد ياسر المباريات من خلال جهاز كان شائعًا في تلك الفترة يسمى «الدنقل»، ويعمل على فك القنوات المشفّرة بتركيبه بين الساتالايت وجهاز الرسيفر، وكان يكلّف حوالي 40 دينارًا. 

وخلال مونديال عام 2018 في روسيا، اعتمد ياسر على مشاهدة البطولة من خلال عدد من المواقع الإلكترونية التي كانت تنقل المباريات عن قنوات بريطانية مثل BBC وITV، «كان في أكثر من موقع بعضها بستمر وبعضها كان يقطع». 

وهذا العام، سيعتمد على رسيفر يعمل بنظام الـ(IPTV) Internet Protocol television لمشاهدة مباريات كأس العالم «حتى لو صار تشويش في بدائل. ممكن أحضر على المواقع اللي بتبث أونلاين، أو القنوات البريطانية»، لكنه، يقول، لن يشتري اشتراك beIN الذي يعتبره مرتفع الثمن ويحتكر متعة مشاهدة كرة القدم.

تبلغ تكلفة الاشتراك المنزلي في باقة كأس العالم من beIN حوالي 190 دينارًا، تتوزع على 85 دينارًا ثمنًا لجهاز الاستقبال، و105 دنانير ثمنًا لباقة كأس العالم، وينتهي الاشتراك بانتهاء المونديال. أي أن هذا المبلغ لا يوفّر للمشتركين مشاهدة باقي البطولات التي تمتلك القنوات الحق الحصري ببثّها، مثل الدوري الإنجليزي والإسباني.  وبالإمكان كذلك مشاهدة البطولة عبر تطبيق (تود)، وهو تطبيق تابع لقنوات beIN مقابل دفع حوالي 56 دينارًا.

كيف يشاهد الأردنيون كأس العالم؟

هذه التكلفة المرتفعة بالنسبة لمعظم الأردنيين، تدفع العديد منهم نحو البحث عن خيارات أخرى، منها رسيفرات الـ(IPTV)، وهي رسيفرات تتصل بالإنترنت وتدعم نظام البث التلفزيوني عبر شبكة الإنترنت بدلًا من الطريقة التقليدية المتمثلة بالساتالايت. ويتم باستخدام الانترنت توصيل الرسيفر بخوادم (سيرفرات) تبث المحتوى المقرصن (صوتًا وصورةً) للمشتركين فيها مقابل مبالغ مالية، لا تتجاوز عادة الخمسة دنانير سنويًا. 

يقول سعيد* الذي يعمل في أحد محال بيع لوازم الساتالايت أن هنالك سيرڤرات موجودة في أماكن مختلفة حول العالم؛ في الصين وألمانيا وكذلك في الأردن ومصر والعراق وغيرها من الدول العربية، ومن خلال الاشتراك بها يتم توفير خدمة مشاهدة قنوات مختلفة من حول العالم، بما فيها القنوات الرياضية المشفّرة. ويضيف سعيد إن هذه السيرفرات تعتمد على آلية إعادة البث، إذ يملك صاحب السيرڤر اشتراكات قانونية في القنوات المشفرة والمنصات الترفيهية «يعني صاحب السيرڤر بكون عنده اشتراك رسمي وبعدين بصير يعيد البث»، لذلك يضطرّ مستخدمو هذا النظام لمشاهدة البث متأخرًا، لأن تلقي الصوت والصورة وإعادة بثهما مرة أخرى عبر السيرڤرات يحتاج فترة زمنية تتراوح بين 40 ثانية ودقيقتين، وتعتمد هذه الفترة على كفاءة الأجهزة وسرعة الإنترنت المستخدم في إعادة البث. ولضمان جودة صوت وصورة أعلى يحتاج المستخدم إلى اتصال انترنت سريع ومستقر.

أمّا كيف تورّد هذه الأجهزة إلى الأردن، فيقول سعيد إنه يتم استيرادها بشكل قانوني تمامًا، ولكن بعد إدخال هذه الأجهزة إلى الأردن تتم إضافة السيرفرات عليها، وهو ما يعرّض المحالّ التي توفر هذه الخدمة لملاحقة قانونية من المكتبة الوطنية التي يقول سعيد: «إجوا على المحل وصادروا البضاعة أكثر من مرة».

وبالنسبة لانقطاع البث، والذي اشتكى منه مشاهدو البطولات المختلفة مؤخرًا، والذي يخيف الكثيرين من عدم قدرتهم على مشاهدة كأس العالم فيعزوه عمار*، والذي يعمل في تجارة الرسيڤرات منذ سنوات إلى الهجمات الإلكترونية التي تتعرض لها تلك السيرفرات، وكذلك إلى الضغط الكبير عليها. 

وتوفّر خدمة الـ(IPTV) كذلك من خلال السيرفرات مكتبات أفلام ومسلسلات ضخمة الحجم، وتتنافس فيما بينها في تقديم أكبر قدر منها وأحدثها، وهي ميزة تزيد من شعبية هذه الخدمة لدى شريحة أخرى غير مهتمة بالمباريات الرياضية.

وتبدأ أسعار الريسيفرات التي تعمل عليها هذه السيرفرات من عشرين دينارًا، فيما يصل سعر بعضها إلى مائة دينار، «على حسب مواصفات الجهاز وعدد السيرفرات المشترك فيها وجودتها، ومدة الاشتراك»، وفق سعيد، الذي يوضّح: «فش إشي مكفول. البث مش مضمون لأنهم قدروا يقطعوه عدة مرات». وعندما حدث التشويش توقفت جميع خدمات السيرفرات حتى مكتبات الأفلام والمسلسلات.

هذا التخوّف من التشويش على البث خلال كأس العالم، تقول إعلانات نشرَها عاملون في مجال السيرڤرات إنهم سيتغلبون عليه بإصدار تحديثات للأجهزة، ويضيف سعيد إن السيرڤرات المشهورة هي اللي توقفت لكن «في سيرڤرات ثانية مش معروفة ظلت شغالة».

بين الـ(IPTV) والـ(Sharing)

تلجأ شريحة أخرى من الأردنيين لرسيفرات المشاركة «Sharing»، والتي يعتبرونها مضمونة فيما يتعلق باستمرارية بثها مباريات كأس العالم، حيث أنها تُمكّن مستخدميها من مشاهدة القنوات الفضائية المشفرة بربط الرسيفرات التي تدعم الاتصال بالانترنت، بسيرڤر يقوم بفك رموز تلك القنوات المشفرة وإعادة بثها لأجهزة الرسيفر.

وعلى عكس نظام الـ(IPTV)، لا يشترط نظام المشاركة إنترنت بسرعات عالية، ذلك أن النظام الأول يعمل على إعادة بث الصوت والصورة التي تحتاج سرعة تنزيل مرتفعة، فيما يعيد نظام المشاركة بث رموز فقط. وفي كلا النظامين ينصح من قابلناهم من العاملين في المجال بالاشتراك في سيرڤرات مدفوعة لضمان بث بجودة عالية وبدون تقطيع.

رياض*، اشترى قبل ثلاث سنوات جهاز رسيفر مشاركة متطور بمبلغ 115 دينارًا ويرى أنه أفضل من الاعتماد على خدمة الـ(IPTV) وأنه مضمون أكثر. ويضيف أن الرسيفر الذي يملكه محمل عليه باقة beIN الصوتية، ويقوم الرسيفر بدمجها تلقائيًا مع الصورة المبثوثة من قناة أخرى غير beIN، «كأني مشترك رسمي. نسيت إشي اسمه (IPTV)».

محمد الكيالي الشهير بـ «محمد ستلايتجي»، والذي يعمل في مجال تركيب الستلايت يقول «أنا من أعداء إشي اسمه (IPTV)»، لأن البث فيه غير مستقر كما أنه يحتاج إلى سرعات انترنت عالية لضمان مشاهدة ممتعة، وهوما لا يملكه كثير من الناس، كما أن سيرفرات (IPTV) تتعرّض للهجوم والتشويش سيما خلال المباريات المهمة «الشيرنج أضمن».

ولكن عيب هذه الطريقة يكمن في أنها لا تستطيع فك شفرات قنوات مثل beIN نظرًا لتشفيرها المتقدم، إنما تقوم بفك شيفرات قنوات رياضية أخرى بلغات أجنبية، ويضيف الكيالي، أن سيرفرات الشيرنج القوية مثل «الفانكام و الفوريفر»، تدعم التعليق باللغة العربية، ويمكن إضافة باقة صوتيات beIN ودمجها خلال مشاهدة المباراة، لكن أحيانًا يحدث تأخير في الصوت. ولا تقتصر قنوات الشيرنج على القنوات الرياضية بل تتعداها إلى قنوات ترفيهية مشفرة أخرى.

ولمشاهدة القنوات عن طريق نظام الشيرنج، تحتاج إلى ساتالايت وقطعة دايزك وهو قطعة توضع على الصحن للتمكين من إضافة قمر آخر للساتالايت ورسيفر يدعم الاتصال بالإنترنت، بالإضافة إلى بيانات أحد سيرفرات الشيرنج، الذي يتوفر منه أنواعًا مختلفة مثل (فانكام) و(فوريفر) و(سيسكام) وغيرها. 

فيما يلجأ آخرون إلى طريقة القنوات المفتوحة، وهي قنوات تملك حقوق البث وتعرض المباريات بشكل مجاني، لكن التعليق يكون بلغات دولها، وتعتمد هذه الطريقة على إعادة توجيه الستلايت نحو أقمار صناعية معينة مثل القمر التركي، أو الإيراني، أو الأذربيجاني. وتتراوح تكلفة هذه الطريقة بين 25 و35 دينار هي أجرة الفني وثمن الساتالايت واللاقط والدايزك، وتعتمد على نوعية الأدوات المستخدمة.

وإلى جانب هذه الطرق يلجأ الناس أيضًا إلى المواقع الإلكترونية منها مواقع عربية مثل (كوورة اكسترا) و(كورة جول) و(موقع تلفزيون فجر) و(Egylive وأخرى أجنبية مثل (Cricfree)، وغيرها. فيما يفضل البعض مشاهدتها عبر تطبيقات الهواتف أشهرها تطبيقات (ياسين) للآيفون والأندرويد و(طارق تي في لايف) و(الأسطورة).

فيما يذهب آخرون إلى متابعة المونديال عبر قنوات أرضية عربية مثل التلفزيون السوري، أو قنوات الاحتلال حيث يتم التقاط إشارتها بواسطة الشبكة «الأنتين». عبدالله (30 سنة) من سكان المفرق، يقول إنه اعتاد على متابعة كافة مباريات كأس العالم ومباريات أخرى عبر التلفزيون السوري «ولا أحلى من هيك ما في تقطيع ولا تشويش». لكن هذا العام اضطرّ إلى شراء رسيفر يدعم البث الرقمي، بعد أن تحول بث التلفزيون السوري إلى البث الرقمي ما يعني ضرورة وجود شاشة أو رسيفر يدعم البث الرقمي.

رقابة على بثّ المقاهي

هنالك أكثر من شكل للاشتراك بقنوات beIN، بينهما الاشتراك المنزلي الذي ذكرناه سابقًا، وهناك شكل آخر هو الاشتراك التجاري، وهذا النوع هو الوحيد المسموح للمقاهي أن تشترك به، وتعتمد تكلفة هذا الاشتراك على عدد من العوامل منها تصنيف المقهى وعدد شاشات العرض وطبيعة الخدمات التي يقدمها، وقد تصل تكلفة هذا الاشتراك إلى أكثر من ثلاثة آلاف دينار.

صاحب أحد المقاهي في وسط عمان، يقول إنه لا يستطيع شراء الاشتراك التجاري نظرًا لسعره المرتفع، إذ يزيد عن 5000 دولار في حالة مقهاه، ولكونه لا يفرض دخولية ولا يرفع أسعار الطلبات خلال كأس العالم كي لا ينفر الناس. ويشير أيضًا أن الناس لا تأتي لمشاهدة جميع المباريات وتقتصر الحركة فقط على المباريات النهائية أو المباريات التي تشارك فيها فرق عربية «لو تأهلت مصر أو الجزائر. هاي الفرق بتجيب جمهور». ولذلك يلجأ هو وأصحاب مقاهي آخرون إلى الاشتراك المنزلي، لكن المشكلة هي أن الشركة ترسل مندوبين متخفين لها إلى المقاهي «بيجي بقعد زي أي مواطن بده يحضر المباراة»، ويكتشف نوع الاشتراك من الكودات التي تظهر على الشاشة، و«فجأه تصير الشاشة سودا. ولما نراجع بحكولنا الاشتراك شغال في مكان تجاري».


*اسم مستعار

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية