كيف يمكن أن تنتهي جائحة كورونا؟

الإثنين 23 تشرين الثاني 2020
كوفيد-19
تطهير المدرجات قبل بدء مباراة كرة قدم في المكسيك خلال جائحة كوفيد-19. تصوير يوليسيس رويز. أ ف ب

هذا المقال نُشر بالإنجليزية في موقع Undark في 11 تشرين الثاني 2020.

لا تدوم الجوائح المميتة إلى الأبد. قطعت إنفلونزا عام 1918، على سبيل المثال، الكرة الأرضية، وتسببت بعشرات الملايين من الوفيات، ورغم ذلك، بحلول عام 1920، صار الفيروس المسبب لها أقل فتكًا بشكل ملحوظ، ولا يصيب إلا بالإنفلونزا الموسمية العادية. دامت بعض الجوائح فترة أطول، مثل وباء الموت الأسود (الطاعون)، والذي انتشر في آسيا الوسطى عام 1346، ثم اجتاح أوروبا، وفي النهاية، ربما يكون قد قتل قرابة ثلث سكان أوروبا والشرق الأوسط وبعض الأجزاء من آسيا. لكن هذا الوباء انتهى أيضًا، بعد سبع سنوات من بدايته تقريبًا، ربما لأن العديد من الناس ماتوا بسببه أو طوّروا مناعةً ضده.

وبناءً على المعلومات المتاحة لدى العلماء والمؤرخين، فإن الجرثومة التي تسببت بالطاعون لم تفقد شدّتها أو فتكها. ولكن الفيروس الذي تسبب بجائحة إنفلونزا عام 1918، والذي لا يزال منتشرًا في العالم كسلالة من سلالات الإنفلونزا الموسمية، تطوّر حتى صار أقل فتكًا، ومن الممكن أن يكون هذا ما حصل لفيروس الإنفلونزا أ (H1N1) الذي تسبب بجائحة إنفلونزا الخنازير عام 2009، أيضًا. فهل سيتبع سارس-كوف-2، الفيروس المسبب لكوفيد-19، مسارًا مشابهًا؟ يقول بعض العلماء إن الفيروس قد تطور بالفعل بطريقة تسهل انتقاله. ولكن فيما يتعلق بانخفاض محتمل في حدّة الجرثوم، يقول المعظم إنه من السابق لأوانه معرفة ذلك. ومع ذلك، فإن النظر إلى الماضي قد يقدم بعض الأدلة.

هذه الفكرة القائلة بأن مسببات الأمراض المنتشرة تفقد خطورتها تدريجيًا مع مرور الوقت، هي فكرة قديمة جدًا. ومن المرجح أن يكون أصلها كتابات الطبيب ثيوبالد سميث في القرن التاسع عشر، الذي كان أول من اقترح وجود «توازن دقيق» بين الطفيليات والجسم العائل، وأنه يُفترض أن تنخفض خطورة مسبب المرض بمرور الوقت، لأن من مصلحة الجرثومة ألا تقتل الجسم العائل لها. وصار هذا التصور، بعد ذلك، هو التفسير السائد لسنوات عديدة، لكن العلماء بدأوا بتحديه ومساءلته بحلول الثمانينيات.

في مطلع الثمانينيات، اقترح عالما الأحياء الرياضية روي أندرسون وروبرت ماي، أن الجراثيم تنتقل بأفضل شكلٍ عندما يفرز الجسم العائل الكثير من مسببات المرض، أي على الأغلب عندما يكون مريضًا للغاية. وفقًا لهذا الطرح، فإنك عندما تكون مريضًا حقًا، سيفرز جسمك العديد من الفيروسات، ما يسهّل على العائل التالي التقاطها. وبالتالي، فإن شدة المرض وقابليته للانتقال مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، إلى أن تصير الجراثيم مميتة جدًا، وينتهي المطاف بقتلها العائل بوقت قصير جدًا، وبالتالي لا تستطيع الانتشار من خلاله. وهذا ما يعرف بتوازن حدة المرض وانتقاليته. 

من الممكن أن يكون العلماء قد رصدوا بالفعل تغيرًا تطوريًا في الفيروس، ولكن هذا التطور مرتبط بزيادة قابلية الفيروس على الانتقال، على ما يبدو، وليس بانخفاض حدته.

والمثال الأشهر على ذلك هو فيروس ميكسوما (myxoma)، الذي أُطلق في أستراليا عام 1950 بهدف تخليصها من الأرانب. في البداية، قتل الفيروس أكثر من 90% من الأرانب الأسترالية التي أصيبت به. ولكن مع مرور الوقت، فإن هدنة هشة قد نشأت، حيث طورت الأرانب مناعة ضد الفيروس، وانخفضت شراسة الجرثومة، واستمر كلا الأرانب والفيروس بالتواجد لفترة من الزمن بفعل هذا التوازن غير المستقر.

قدّم عالم تطور الأوبئة بول إيوالد نظرية ثانية، أسماها «نظرية الشراسة»، ويقترح فيها أن قابلية الجراثيم للانتشار، بصفة عامة، تقل كلما كانت الجراثيم أكثر شراسة. وسبب ذلك أنه إذا ما شُلت حركة ضحية المرض بسرعة، كما تفعل الإيبولا على سبيل المثال، فإن قدرته على نشر العدوى تُقيَّد بفعل ذلك. وبناء على هذا التصور، فإذا كانت الجرثومة بحاجة عائلٍ متحرّك حتى تنتشر، فإن شراستها ستنخفض بالضرورة. ومثل التصورات التقليدية الأقدم، تقر نظرية الشراسة بأن العديد من الجراثيم ستقل شراستها مع تطورها بينما تنتشر وتتأقلم مع التنوع الإنساني. ولكن نظرية إيوالد تقترح، أيضًا، أن كل الجراثيم تملك استراتيجيتها الخاصة للانتشار، وبعض هذه الاستراتيجيات تسمح للجراثيم بالحفاظ على درجة عالية من الشراسة والقابلية للانتقال معًا.

وأحد هذه الاستراتيجيات، بحسب إيوالد، هي الديمومة. يعيش فيروس فاريولا المسبب للجدري لوقتٍ طويل في البيئة الخارجية، وقد يمتلك معدّل وفيات من 10% إلى 40%. يسمي إيوالد هذا الفيروس، وغيره من الجراثيم التي تدوم طويلًا، بمسببات المرض التي «تجلس وتنتظر». بعض أنواع العدوى المميتة تنتقل من المرضى الحاملين لها عن طريق ناقلات الجراثيم، مثل: البراغيث، والقمل، والبعوض، والقراد. وبعضها ينتشر عن طريق الماء، مثل الكوليرا. ولكن بعضها الآخر، مثل الالتهابات العنقودية المكتسبة من المستشفيات، تنتشر بالانتقال إلى الأشخاص الذين يعتنون بالمرضى أو المحتضرين. وهذا ما حدث في مستشفيات النساء في القرن التاسع عشر، عندما نقل الأطباء حمى النفاس (أو حمى ما بعد الولادة) من امرأة أنجبت حديثًا إلى أخرى.

وقد تمنع كل هذه الاستراتيجيات، بحسب إيوالد، الانخفاض الحتمي لشراسة الجراثيم.

ماذا تقول نظريات التطوّر هذه عن فيروس سارس-كوف-2، وعن مساره المرجح في المستقبل؟

هل من المحتمل أن تنخفض حدّة فيروس كورونا المستجد بينما ينتقل من شخص إلى آخر حول العالم؟ يوفر مرض السارس، -الذي سببته سلالةٌ سابقةٌ من فيروسات كورونا وأدى لجائحة عطّلت العالم بين عامي 2002 و2003- مقارنة مثيرة للاهتمام. يبدو أن هذا الفيروس ينتقل في مرحلة متأخرة من فترة العدوى، ومن أشخاص كانوا شديدي المرض، وفي آخر المطاف، فإن الفيروس أصاب حوالي ثمانية آلاف، وقتل 774 شخصًا قبل أن ينتهي بفعل جهد عالمي شاقّ لعزل المرضى المصابين به. ولكن فيروس كورونا المستجد، كما يعلم الباحثون فيه، قابل للانتقال في مراحل مبكرة من العدوى. ولا يوجد علاقة ما بين قابلية انتقاله، وحدته، بالضرورة. وحتى المصابون بالفيروس دون ظهور أعراض قد ينشرون قدرًا كبيرًا من الفيروس، ولا يبدو أن التعرض للمصابين ذوي الحالات الشديدة أكثر خطرًا من المصابين بلا أعراض. 

ولذلك، من المستبعد أن يعكس تطور فيروس كورونا المستجد نموذج توازن حدة المرض وانتقاليته الخاص بأندرسون وماي. وليتنبأ إيوالد بمسار تطور الفيروس، فإنه يركز اهتمامه على ديمومته. ويشير إيوالد إلى أن جزيئات الفيروس المعدية تدوم على أسطح مختلفة من ساعات إلى أيام، ما يجعله معمّر في البيئة الخارجية بقدر فيروس الإنفلونزا. ويقترح، بناءً على ذلك، أن حدة فيروس كورونا من المرجح أن تتطور لتشابه حدة الإنفلونزا الموسمية، والتي تمتلك معدل وفاة يبلغ حوالي 0.1 بالمئة.

هذا الشكل من الانتشار الفيروسي خلسةً، الذي يحدث في كوفيد-19، قد يجعل التطور نحو شراسة منخفضة أقل احتمالًا، إذ إن العدوى عبر المصابين الذين لا تظهر عليهم أعراض، تشكّل نظام العدوى المثالي بالنسبة للفيروسات.

ولكن، ليس هناك سبيل للتأكد من المسار الذي سيتخذه فيروس كورونا المستجد. وحتى نسبة الوفيات الحالية، فإنها غير مؤكدة، لأن الاختلاف في آليات الفحص بين دولة وأخرى يجعل من المستحيل إجراء جرد كامل لحالات الإصابة حول العالم.

بالرغم من ذلك، من الممكن أن يكون العلماء قد رصدوا بالفعل تغيرًا تطوريًا في الفيروس، ولكن هذا التطور مرتبط بزيادة قابلية الفيروس على الانتقال، على ما يبدو، وليس بانخفاض حدته. نشر فريق بقيادة بيت كوربير، عالمة الأحياء الحاسوبية من مختبر لوس ألاموس الوطني، ورقة علمية في مجلة Cell في تموز الماضي، تُظهر سلالة جديدة تحمل طفرة، حُدّدت بأنها D614G، تستبدل السلالة الأصلية التي ظهرت في ووهان، في الصين. وتقترح كوربير وفريقها، بناءً على أبحاثهم، أن السلالة الجديدة مُعدية أكثر من الأصلية على ما يبدو. وبينما تشير الورقة إلى محدودية استنتاجاتها، حيث إن «قابلية العدوى بالفيروس، وقابلية انتقاله من فرد لآخر، ليسا مترادفين دائمًا»، فإن كوربير تقول إن نتائجها مُطّردة في حالة قابلية الانتقال المرتفعة للفيروس.

سرعان ما تعرض هذا الاستنتاج إلى وابل من النقد، كما حدث مع نسخة سابقة من الدراسة، نُشرت قبل مراجعة الأقران في نيسان الماضي. فقد عزى آخرون التحولات التي حددتها كوربير كدليل على هذه الطفرة إلى الصدفة أو إلى عمليات تطورية أخرى. وشدد النقاد، أيضًا، مرددين الحدود التي أقر بها البحث نفسه، على أن دراسات مجلة Cell غير قادرة على استنساخ تعقيدات الحياة الحقيقية، وبالتالي من الواجب أخذ الحذر من تأويل نتائجها. وبعد نشر هذا البحث بفترة قصيرة، قال ناثان غروباخ، عالم الأوبئة والفيروسات، لناشيونال جيوغرافيك: «إن هناك فجوة كبيرة بين قابلية العدوى بالفيروس داخل مختبر، وبين قابلية انتقاله من شخص لآخر».

ولم يستجب غروباخ، ولا زميلته أنجيلا رازموسن، عالمة الفيروسات في جامعة كولومبيا، التي أبدت شكوكها، أيضًا، حول أثر الطفرة على قدرة الفيروس على الانتقال، لطلبنا تعليقاتهما حول الموضوع.

ويتبين، مع مرور الوقت، أن هذه السلالة هي السلالة الرئيسية من الفيروس حاليًا، وهذا ما يوافق عليه العلماء، ومنهم غروباخ. وبحسب كوربير فإن «سلالة D614G هي الجائحة حاليًا. يصعُب أن تجد عينة لفيروس ووهان [الأصلي] الآن. كان الفيروس، في مطلع آذار الماضي، مختلفًا عما هو عليه الآن». وهذا التبدل شبه الكامل للفيروس الأصلي يشير إلى أن الانتخاب، تجاه انتقالية أعلى بالذات، كان المسؤول عن هذا التحول، وفقًا لكوربير.

ووفقًا لتحليل إيوالد، فإن معدلات الانتقالية العالية عادةً ما ترتبط بشراسة منخفضة للفيروس. ويتوقع أن تظهر أدلة تشير إلى تطور فيروس كورونا المستجد في هذا الاتجاه. ولكن لا يزال من الصعب فصل هذا النوع من التطور عن التحسينات التي طرأت على عمليات الفحص، والعلاج، والتباعد الاجتماعي. فعمليات الفحص، على سبيل المثال، متاحةٌ أكثر مما كانت عليه في بدايات الجائحة. وهذا يعني أن المصابين يُنقلون إلى المستشفى، ويُعالجون، خلال فترة أسرع، ما يمنحهم فرصًا أفضل للنجاة، كما يكتب كاميرون وولف، طبيب الأمراض المعدية والباحث في جامعة ديوك، والذي يعالج العديد من المصابين بكوفيد-19، في رسالة إلكترونية. ويشرح، أيضًا، أن العلاجات التجريبية قد تساعد المرضى الراقدين في المستشفيات، بينما تتوفر حماية أفضل من التعرض للفيروس للأشخاص الأكثر ضعفًا، -مثل أولئك الموجودين في دور رعاية المسنين-.

«يتحدث الجميع عن التطور الفيروسي»، الذي قد يؤدي إلى انخفاض معدل الوفيات، يكتب وولف. «ولكن، لم أطلع على أي بيانات حاسمة تدعم هذه النظرية حتى اللحظة».

«قد يصبح فيروس سارس-كوف-2 أقل فتكًا، ليس بسبب تغيرات في الفيروس، ولكن لأن أشخاصًا قليلين لن يطوروا مناعة ضده».

إن كوفيد-19 عدوى خفية، مثل الطاعون، وهذا قد يبطئ تطوره نحو معدل شراسة أقل في النهاية. تُضعف اليرسينيا الطاعونية، وهي البكتيريا المسببة للطاعون، الاستجابة المبكرة لجهاز المناعة، وبالتالي يسافر المصابون، وينشرون العدوى لأيام، قبل أن يشعروا بمرضهم. وبشكل شبيه، فإن المصابين بكورونا المستجد قادرون على عدوى الآخرين قبل ظهور أي أعراض عليهم. هذا الشكل من الانتشار الفيروسي خلسةً قد يجعل التطور نحو شراسة منخفضة أقل احتمالًا، إذ إن العدوى عبر المصابين الذين لا تظهر عليهم أعراض، تشكّل نظام العدوى المثالي بالنسبة للفيروسات.

حتى دون عملية تطورية تخفض حدة الفيروس، قد يتغير تأثيره على الناس مع مرور الوقت، وفقًا لفنسينت راكنييلو، عالم الفيروسات في جامعة كولومبيا. «قد يصبح فيروس سارس-كوف-2 أقل فتكًا، ليس بسبب تغيرات في الفيروس، ولكن لأن أشخاصًا قليلين لن يطوروا مناعة ضده». بمعنى آخر، لو تعرضت للفيروس وأنت طفل، أي في الوقت الذي لن تجعلك العدوى مريضًا بشدة على ما يبدو، وتعرضت له مجددًا، مرة بعد مرة، خلال حياتك، فلن يصيبك الفيروس بأكثر من عدوى طفيفة. ويشير راكنييلو إلى أن فيروسات كورونا الأربعة المشهورة والمنتشرة «انتقلت إلى جسم الإنسان من الحيوانات، وربما كانت الفيروسات شديدة الفتك في البداية». أما الآن، فهي تصيب 90% من الأطفال في أعمار مبكرة. وفي سن أكبر، وكل ما تعاني منه هو نزلة برد.

وبالمقارنة مع فيروسات الإنفلونزا، فإن فيروسات كورونا أكثر استقرارًا، وأقل احتمالًا أن تتطور استجابةً لمناعة موجودة مسبقًا. ونتيجة لذلك، يقترح العديد من الخبراء أن اللقاحات الآمنة والفعّالة ما زالت الخيار الأفضل للهرب من متاهة العدوى بكوفيد-19. وقد يلزم استخدام المعززات دوريًا بينما ينتشر الفيروس، ليس لأن الفيروس يتطور بسرعة، ولكن لأن المناعة البشرية قد تضعف.

من شأن نتيجة كهذه أن تنهي الجائحة القائمة. ولكن، يعتقد الخبراء أنه حتى بعد ذلك، فإن نسخة ما من الفيروس ستستمر بالانتشار، ربما كفيروس زكام، أو كوباء عارض بين الأشخاص غير الملقحين، لسنوات عديدة، إن لم يكن للأبد.

 


* ويندي أورنِت هي عالمة أنثروبولوجيا وكاتبة في مجال العلوم، مختصة في مجال الصحة والأمراض. قامت بتأليف كتابين: «الطاعون: الماضي الغامض، والمستقبل المرعب لأخطر أمراض العالم»، و«المعركة في مواجهة داء لايم في الجنوب».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية