سبعة أسئلة حول تحوّر فيروس كورونا الجديد

الثلاثاء 22 كانون الأول 2020

نشر هذا المقال في مجلّة «ذا كونفرسيشن» بالإنجليزية بتاريخ 21 كانون الأول الحالي.

ظهر تحوّر جديد في فيروس كورونا المستجد، يُعتقد أنه وراء زيادة معدّلات عدوى كوفيد-19 في أجزاء من المملكة المتحدة. ووضعت الحكومة البريطانية بعض المناطق، ومن بينها لندن، تحت قيود جديدة أكثر صرامة، تُعرف بالمستوى 4. ولن يستطيع قاطنو مناطق المستوى 4 الاجتماعَ مع أي شخص من خارج أفراد بيوتهم خلال عيد الميلاد، بينما يستطيع من هم خارجها الاجتماع مع الآخرين خلال يوم عيد الميلاد فقط.

وقال بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، وكبار مستشاريه في مجال العلوم، إن التحور الجديد في الفيروس يمكن أن يزيد معدلات عدوى كوفيد-19 بنسبة 70%، وأن يزيد متغير R، أو عدد التكاثر الأساسي، بقيمة 0.4.

فما أهمية هذا الاكتشاف الجديد؟ سألنا لوسي فان دروب، الباحثة في علم الجينوم الجرثومي في معهد الجينات في كلية لندن الجامعية (UCL)، والخبيرة في تطور مسببات الأمراض، بعض الأسئلة الأساسية عما نعرفه حول الموضوع حتى اللحظة.

ما الذي نعرفه حول هذا التحور؟

في 14 كانون الأول الحالي، أعلن مات هانكوك، وزير الصحة البريطاني، عن ظهور النوع الجديد من الفيروس في بريطانيا، والمعروف بـ VUI–202012/01 أو النسل B.1.1.7، وأكدّت ذلك، بعدها، الصحة العامة الإنجليزية والاتحاد البريطاني لدراسة تسلسل كوفيد-19. وبالرجوع إلى قواعد البيانات الخاصة بفيروس كورونا المستجد، فقد أُخذت العينة الأولى لهذا النسل في مقاطعة كِنت بتاريخ 20 أيلول.

ويحمل التحور الجديد أربع عشرة طفرة فارقة، سبعة منها في بروتين S أو «سبايك»، أو بروتين الحسكة، المسؤول عن التصاق الفيروس بالخلايا البشرية المصابة. وهذا، إلى حد ما، عدد مرتفع من التغيرات، مقارنة بالتحورات العديدة للفيروس والمنتشرة في العالم في الوقت الحاضر. 

حتى هذه اللحظة، فقد حُددت السمات الوراثية، أو الجينوم، الخاصة بهذا التحور، ونُشرت بناء على ظهوره في بريطانيا، ولكن السمات المعلنة تشمل أيضًا حالات من الدنمارك وحالتين من أستراليا، كما وردت تقارير تشير إلى وجود حالة في هولندا. وتُبذَل في هذه الدول كلها جهود جبارة لدراسة تسلسل الجينوم، ومن المرجح أن هذه الحالات المسجلة لا تعكس التوزيع الحقيقي للتحور الجديد، فمن الممكن أن يوجد في الخفاء في مكان آخر. وسنعلم المزيد حول الموضوع بعد إنتاج ومشاركة المزيد من الجينومات.

وبفضل جهود مشاركة البيانات، وتتبع جينوم الفيروس، ونتائج فحوصات كوفيد-19 في بريطانيا، يبدو لنا أن هذا التحور قد بدأ بالهيمنة على الأشكال الأخرى الموجودة أصلًا من الفيروس، وقد يكون مسؤولًا عن زيادة نسبة الحالات في بعض مناطق بريطانيا، خصوصًا في المناطق التي يتزايد فيها عدد الحالات بسرعة أصلًا.

من الصعب دومًا الفصل بين المسبّب والنتيجة في حالات كهذه. على سبيل المثال، فإن زيادة ظهور طفراتٍ ما يُمكن أن تُعزى إلى زيادة وتيرة ظهور أنسال فيروسية تحملها، فقط بسبب تواجدها في منطقة يرتفع فيها معدل العدوى، بفعل النشاط البشري أو الإجراءات المتبعة مثلًا.

ورغم أن هذا الاحتمال لا يزال ممكنًا، من الواضح أن هناك ما يكفي من الملاحظات المقلقة حول هذا التحور، بما يتطلب تشخيصًا حذرًا للغاية، وتدخلًا يكبح جماح انتشار الفيروس. 

هل هو أشد خطورة؟

أعلن كريس وتي، رئيس الخدمات الطبية البريطانية بوضوح، عدم وجود أي أدلة حتى اللحظة، على أن التحور الجديد يغير شدة المرض، سواءً من حيث نسبة الوفيات، أو خطورة الإصابة به. والعمل جارٍ للتأكد من ذلك.

كيف تحدث الطفرات الفيروسية؟

الطفرات جزء طبيعي من تطور الفيروسات. وفي حالة كورونا المستجد، قد تنشأ هذه الطفرات بفعل أخطاء عشوائية خلال عملية تضاعف الفيروس، أو بفعل البروتينات المضادة للفيروسات داخل الجسم البشري المصاب، أو بسبب الخلط الجيني، المعروف بإعادة الاندماج الفيروسي. ولكن لم تُكتشف أي دلائل على الاندماج الفيروسي في حالة كورونا المستجد حتى الآن.

من المتوقع أن أغلب الطفرات الفيروسية لا أثر لها. على سبيل المثال، عندما درس فريقنا طفرات فردية في أكثر من 5000 جينوم خلال الموجة الأولى من الجائحة، لم تُغير أي منها، بشكل ملاحظ، الفعالية الفيروسية؛ أي قدرته على النجاة وإعادة إنتاج نفسه. 

ومع ذلك، يصدف أن يحالف الحظ طفرةً ما، أو بالأحرى تركيبة من الطفرات في حالتنا هذه، فتمنح الفيروس أفضلية جديدة. وقد تزداد وتيرة انتشار الفيروسات الحاملة لهذه التركيبة من الطفرات عبر الانتقاء الطبيعي، في حال توفر البيئة الوبائية الملائمة.

من أين جاءت الطفرة؟

لا نعلم حتى الآن. لم يحدد العلماء، لهذه اللحظة، أي فيروسات وثيقة الصلة بالتحور الحالي، تدعم افتراض أن يكون التغير جاء من خارج بريطانيا. ويشير هذا النمط من الطفرات إلى مرور الفيروس بفترة طويلة من التطور التكيّفي، داخل بريطانيا على الأغلب، بناء على البيانات المتاحة حاليًا.

وقد رُصدت أنماط طفرات شبيهة بهذه خلال تطور كورونا المستجد لدى المرضى المصابين بشكل مزمن، والذين يعانون من ضعف المناعة. والفرضية الحالية، هي أن إصابة أحد المرضى بعدوى مزمنة قد لعبت دورًا في إنتاج هذا التحور. وستستمر دراسة ذلك.

كم عدد التحورات المكتشفة في كورونا المستجد؟

هناك عدة آلاف من أنسال فيروس كورونا المستجد، تختلف عن بعضها، غالبًا، بعدد صغير من الطفرات الفارقة. وما يزال التنوع في جينوم كورونا المستجد، الشائع حاليًا حول العالم، قليلًا. ولكن الاختلافات الدقيقة بين الطفرات، المحمولة في عدة أنسال، يمكنها أن تفيد في إعادة بناء أنماط انتقال العدوى.

على سبيل المثال، سعت بعض الأبحاث في بداية الجائحة لتحديد الأنسال الموجودة للتعرف على أكثر من ألف مصدر انتقال لكورونا المستجد إلى بريطانيا.

لماذا يختلف هذا التحور عن غيره؟

من المهم ذكر أن العديد من الطفرات التي شكلت التحور الجديد رُصدت في كورونا المستجد من قبل، حتى أن بعضها رُصد في بداية الجائحة.

ولكن التحور، أو النسل، الجديد الظاهر في بريطانيا يختلف باحتوائه على عدد وتركيبة غير مألوفين من الطفرات. وقد سبق أن تبين أن إحدى هذه الطفرات، وسميت N501Y، مسؤولة عن رفع قدرة الفيروس على الالتصاق بمستقبلات الخلية المصابة. وقد حُدد تسلسل هذه الطفرة لأول مرة في فيروس في البرازيل في نيسان 2020، وهي موجودة حاليًا في نسل آخر من أنسال كورونا المستجد، تزداد وتيرة تفشيه في جنوب أفريقيا. وهذا النسل، المستقل عن نسل B.1.1.7، يثير القلق أيضًا.

الحُذوفات الجينية التي تم التعرف عليها بروتين S في نسل B.1.1.7، ظهرت في عدة أنسال أخرى من الفيروس، بوتيرة متسارعة، كما رُصدت في إصابات مزمنة، أثرت فيها هذه الحذوفات على الاستضداد، أي قدرة الأجسام المضادة المناعية على التعرف على الفيروس. قد تكون هذه الحذوفات مرتبطة، أيضًا، بطفرات أخرى في منطقة الارتباط في بروتين S الخاص بفيروس كورونا، تشمل الطفرات التي سُجلت في مزارع حيوانات المنك، وطفرة أخرى سابقة، تلعب دورًا في قدرة الفيروس على تجاوز الجهاز المناعي البشري. ويحتوي نسل B.1.1.7 أيضًا على جين ORF8 مبتور، والحذوفات في هذه المنطقة كانت سابقًا مرتبطةً بانخفاض حدة المرض.

إن الأثر الوظيفي لهذه الطفرات والحذوفات، خصوصًا في تركيبة نسل B.1.1.7، لم يحدد بعد. ولكن العدد المرتفع من الطفرات، والتفشي الشديد مؤخرًا لهذا النسل بالذات، بالإضافة للأهمية البيولوجية للتحولات المتوقعة، تستدعي دراسة الأمر بتعمق.

ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للّقاح؟

لا نعلم حتى الآن. ولكن، علينا أن نطمئن إلى أن اللقاحات تحفز استجابة مناعية واسعة لبروتين S بأكمله، ولذلك، فإن من المتوقع أن لا تتأثر فاعليته بهذه الطفرات. وتجري دراسة ذلك حاليًا.

مع ذلك، فإن هناك عددًا متناميًا من الأدلة التي تشير إلى قدرة بعض الأنواع الأخرى من فيروسات كورونا الموسمية على مقاومة المناعة على فترات طويلة من الزمن. ولهذا، فإن من الممكن أن نصل إلى نقطة نحتاج فيها إلى تحديث لقاحات كوفيد-19، كما نفعل بلقاحات الإنفلونزا، للاستجابة للتحورات الجديدة الشائعة وقتها. من المبكر الجزم فيما إذا كان هذا ضروريًا الآن، ولكن دراسة تسلسل الجينوم، ومشاركة البيانات، والإبلاغ الموحد عن أي تحولات في الفيروس، سيكون ضروريًا لتحديد حاجتنا لذلك.

لوسي فان دروب هي زميلة باحثة متقدمة في علم الجينوم الجرثومي، وتعمل في معهد الجينات في كلية لندن الجامعية (UCL). تسعى أبحاثها للمساهمة في ثورة ما-بعد-جينومية في علم الأحياء والطب عبر تطبيق المنهجيات الحاسوبية على بيانات التسلسل الجينومي لتحديد العوامل الدافعة للتنوع الجيني الذي نشهده في مسببات الأمراض البشرية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية