ما الذي يجب أن تعرفه عن لقاح كورونا حتى الآن

تصوير جيل كوهن-ماغن، أ ف ب.

ما الذي يجب أن تعرفه عن لقاح كورونا حتى الآن

الخميس 24 كانون الأول 2020

في ظل غياب أي طريقة حتى الآن للتنبؤ بتأثير فيروس كورونا المستجد على الأشخاص الذين يصيبهم؛ يستمر معظم المصابين بالتعرض لأعراض طفيفة، فيما يواجه آخرون مرضًا شديدًا قد يصل إلى الوفاة، أو يؤدي إلى عواقب على المدى الطويل. وحتى لو لم يكن الشخص في خطر متزايد لحدوث مضاعفات خطيرة، فإن الإصابة قد تنقل المرض إلى آخرين يمكن أن تكون مآلات مرضهم خطيرة. وسط ذلك، بات اللقاح هو محور اهتمام العالم في الأشهر الأخيرة، بوصفه أفضل سبيل متاح للحماية من المرض، خاصةً لأولئك العاملين في الرعاية الصحية والمعرضين لخطر أكبر، مثل كبار السن أو المصابين بأمراض مزمنة، من خلال تحفيزه استجابة مناعية عن طريق خلق أجسام مضادة، دون الاضطرار إلى اختبار المرض.

هذا المقال ومقالات أخرى متاحة للاستماع عبر صفحات صوت.

هناك أنواع مختلفة من اللقاحات قيد التطوير، تهدف جميعها إلى تعليم الجهاز المناعي كيفية التعرّف على الفيروس ومكافحته. وقد بدأ بعضها بالحصول بالفعل على موافقات للاستخدام الطارئ حول العالم، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة، حول طريقة عمل هذه اللقاحات، ومأمونيتها وفعاليتها، ومن سيحصل عليها ومحاذير استخدامها.

كيف تعمل اللقاحات المختلفة وما الذي يجعلها فعالة؟

تعمل الأنواع المختلفة من اللقاحات بطرق مختلفة لتوفير الحماية من فيروس كورونا المستجد، ولكنها جميعها تترك الجسم مزودًا بمخزون من الخلايا الليمفاوية التائية، أو «خلايا الذاكرة»، بالإضافة إلى الخلايا الليمفاوية البائية، التي ستتذكر كيفية محاربة هذا الفيروس في المستقبل.

بشكل رئيس، تستند لقاحات كوفيد-19 -التي تخضع حاليًا للمراحل المختلفة من الدراسات السريرية- في عملها إلى واحدة من أربع طرق.

اللقاحات الأولى التي أكملت تجارب المرحلة الثالثة من الدراسات السريرية، هي لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، مثل لقاح فايزر بيونتك ولقاح موديرنا. وهذه تقنية جديدة تمامًا، لم يسبق أن تمت الموافقة عليها للاستخدام في أي مرض من قبل. 

توجد على سطح فيروسات كورونا بروتينات تشبه السنبلة، تسمى بروتينات S أو سبايك. يعطي هذ النوع من اللقاحات تعليمات لخلايا الجسم الملقّح حول كيفية صنع قطعة غير ضارة من بروتين سبايك، لتبدأ الخلايا بعد التلقيح في صنع قطع البروتين وعرضها على أسطحها. بذلك، يتعرف الجهاز المناعي على البروتين، لكونه لا ينتمي إليه، ويبدأ ببناء استجابة مناعية، وتكوين الأجسام المضادة له، وبناء الخلايا الليمفاوية التائية والبائية التي ستتذكر كيفية محاربة الفيروس المسبب لكوفيد-19 عند الإصابة به في المستقبل.

تجري دراسة لقاحات mRNA منذ 30 عامًا تقريبًا. وازداد الاهتمام بهذه اللقاحات لأنه يمكن تطويرها في المختبر باستخدام مواد متاحة بسهولة. وهذا يعني إمكانية توحيد العملية وتوسيع نطاقها، مما يجعل تطوير اللقاح أسرع من الطرق التقليدية لصنع اللقاحات. وجرت من قبل دراسة لقاحات mRNA ضد الأنفلونزا وفيروس زيكا والفيروس المسبب لداء الكلب والفيروس المضخم للخلايا (CMV). 

النوع الثاني من اللقاحات هو لقاحات النواقل الفيروسية، وهي عبارة عن نسخة ضعيفة من فيروس حي، مختلف عن فيروس كورونا المستجد، لكنه يحتوي على مادة وراثية من فيروس كورونا. وتعتمد لقاحات أكسفورد-أسترازينيكا، وجونسون آند جونسون، واللقاح الروسي سبوتنك 5، على هذه التقنية في عملها.

بمجرد أن يصبح الناقل الفيروسي داخل خلايا الجسم، تعطي المادة الوراثية تعليمات للخلايا لصنع بروتين فريد يوجد في فيروس كورونا المستجد وحده. بحيث تنسخ الخلايا البروتين، وهو ما يدفع الجسم إلى بناء الخلايا الذاكرة، التي ستتذكر كيفية محاربة هذا الفيروس عند الإصابة به في المستقبل.

النوع الثالث هو لقاحات الوحيدات البروتينية، وتحتوي بروتينات غير ضارة من فيروس كورونا المستجد. وبمجرد التلقيح، يدرك جهاز المناعة أن البروتينات لا تنتمي إلى الجسم، ويبدأ في صنع خلايا الذاكرة والأجسام المضادة. وإذا حدثت الإصابة بالفيروس في المستقبل، فإن خلايا الذاكرة ستتعرّف على الفيروس وتقاتله. ويعد اللقاح الذي تعمل عليه سانوفي، من الأمثلة على هذه التقنية.

والنوع الرابع والأخير هو لقاحات كوفيد-19 المعطّلة أو المضعّفة، وهي لقاحات يتم تصنيعها من فيروسات كورونا الضعيفة أو فيروسات كورونا التي تم قتلها بالمواد الكيميائية. ومن الأمثلة على ذلك لقاحات سينوفاك وسينوفارم الصينية.

هل لقاحات كورونا آمنة؟ وما هو تصريح الاستخدام في حالات الطوارئ (EUA)؟

هناك العديد من لقاحات كوفيد-19 قيد التجارب السريرية، التي ستعمل الجهات التنظيمية المختلفة حول العالم على تقييم نتائج التجارب عليها قبل الموافقة على استخدامها. 

لكن عملية الموافقة على اللقاحات هذه تستغرق شهورًا إلى سنوات، وهو ما يدفع في ظلّ وجود حاجة ملحة للقاحات كوفيد-19 إلى منح الجهات التنظيمية تراخيص استخدام الطوارئ للقاحات، بناءً على بيانات أقلّ مما هو مطلوب عادةً. لكن هذه البيانات يجب أن تظهر أن اللقاحات آمنة وفعالة. وتعطى هذه الموافقات في حال عدم وجود بدائل مناسبة ومعتمدة ومتاحة، بعد استيفاء معايير قانونية معينة.

تبدأ تجارب السلامة لأي منتج دوائي صيدلاني في المختبر، باختبارات وأبحاث على الخلايا والحيوانات، قبل الانتقال إلى الدراسات البشرية، بحسب الدكتورة أمان اسحاقات، الصيدلانية والباحثة في التكنولوجيا الحيوية الجزيئية وعلاج السرطان المناعي. «المبدأ هو أن تبدأ على نطاق صغير وتنتقل إلى المرحلة التالية من الاختبار فقط إذا لم تكن هناك مخاوف تتعلق بالسلامة في المرحلة التي تسبقها».

ويتم التأكد من السلامة والأمان وعدم السمية أولًا، قبل الانتقال الى مرحلة إثبات الفعالية. «لا فائدة من لقاح فعّال بنسبة عالية إذا كان له ملف سلامة سيء. لذلك، يعمل الباحثون قبل كل شيء على إثبات السلامة مكونات اللقاح قبل الانتقال إلى الدراسات السريرية في الإنسان»، تضيف إسحاقات. 

في المرحلة الأولى من الدراسات السريرية، يُعطى اللقاح لعدد صغير من الأصحاء -بشكل عام- لتقييم سلامته، والحصول على معلومات مبكرة حول مدى نجاح اللقاح في إحداث استجابة مناعية لديهم. وعند تبين عدم وجود مخاوف تتعلق بالسلامة في هذه المرحلة، ينتقل اللقاح لدراسات المرحلة الثانية، التي تشمل عينةً أكبر، فيتم اختبار اللقاح على مئات الأشخاص الذين لديهم حالات صحية متفاوتة ومن مجموعات سكانية مختلفة، في دراسات عشوائية منضبطة. توفر هذه الدراسات معلومات أمان إضافية حول الآثار الجانبية والمخاطر الشائعة قصيرة المدى، وتفحص العلاقة بين الجرعة المعطاة والاستجابة المناعية، وقد توفر معلومات أولية بشأن فعالية اللقاح. 

في المرحلة الثالثة من الدراسات السريرية، يعطى اللقاح لآلاف الأشخاص في دراسات عشوائية خاضعة للرقابة، تشمل مجموعات ديموغرافية واسعة، وينتج عن هذه المرحلة معلومات مهمة حول الفعالية وبيانات أمان إضافية مهمة. توفر هذه المرحلة معلومات إضافية حول الاستجابة المناعية لدى الأشخاص الذين يتلقون اللقاح مقارنة بأولئك الذين يتلقون اللقاح الوهمي.

كل هذه الإجراءات، بحسب إسحاقات، تؤكد أن اللقاحات التي تتم الموافقة عليها، «على درجة كافية من الأمان والسلامة، وأن المخاطر الناتجة عن استمرار تفشي مرض كوفيد-19، تفوق احتمال الإصابة بأعراض جانبية من اللقاح».

ما هي فعالية اللقاح وكيف يجري حسابها؟

في التجارب السريرية، يقوم الباحثون بتلقيح مجموعة من الأشخاص المشاركين وإعطاء لقاح وهمي لمجموعة ثانية، ثم الانتظار لإحصاء عدد الأشخاص الذين يمرضون في كل مجموعة، وحساب نسبة المشاركين الذين أصيبوا بالمرض في كل مجموعة.

بعد ذلك، يجري تحديد الفرق النسبي بين هاتين النسبتين؛ ويعبّر عن هذا الفرق بقيمة يطلق عليها الفعالية. إذا لم يكن هناك فرق بين المجموعة التي حصلت على اللقاح والمجموعة التي حصلت على اللقاح الوهمي، فإن الفعالية تساوي صفرًا. أما إذا لم يكن أيّ من المشاركين الذين أصيبوا بالمرض قد حصل على لقاح، فإن الفعالية تكون 100%.

عندما أعلنت فايزر على سبيل المثال أن فعالية لقاحها وصلت 95%؛ كانت أعداد المشاركين الذين أصيبوا بكوفيد-19 قليلة في كلتا المجموعتين، لكن نسبة المصابين من المشاركين في المجموعة التي حصلت على اللقاح كانت أقل بنسبة 95% من نسبة المصابين من المجموعة التي حصلت على اللقاح الوهمي. فمن أصل 44,000 متطوع شاركوا في تجارب فايزر، نصفهم تلقى اللقاح والنصف الآخر تلقى اللقاح الوهمي، أصيب 170 شخصًا بالفيروس بعدها 162 منهم كانوا ممن تلقوا اللقاح الوهمي.

لماذا تأتي معظم لقاحات كوفيد-19 على جرعتين؟

تهيئ الجرعة الأولى من اللقاح جهاز المناعة للتعرف على مكونات اللقاح والبدء بإنتاج الأجسام المضادة المرغوبة، بحسب الدكتورة إسحاقات، أما الجرعة الثانية، والتي تسمى الجرعة «المعززة» أو «الداعمة»، فتلزم لإنتاج مستويات عالية من الأجسام المضادة للفيروس.

في الدراسات التي أجريت على لقاح شركة فايزر على سبيل المثال، كانت الجرعة الأولى من اللقاح فعّالة بنسبة 52% في الوقاية من كوفيد-19، وارتفعت الفعالية إلى 95% بفعل الجرعة الثانية.

إلا أن هذا يفرض تحديات لوجستية، حول إمكانية تتبع من حصل على الجرعة الأولى، ليحصل على الثانية، والتزام المرضى بالحصول على الجرعة الثانية في موعدها. كما سيفرض تحديات أخرى في حال توافر أكثر من لقاح مستقبلًا؛ إذ لا بدّ من السيطرة على حصول أي مريض على جرعتين من اللقاح ذاته، في ظلّ عدم توفر بيانات حول سلامة وفعالية التبديل بين اللقاحات. 

ما هي الأعراض الجانبية التي نعرفها حتى الآن؟

يمكن أن يسبب لقاح كوفيد-19 آثارًا جانبية خفيفة، تحدث معظمها خلال الأيام القليلة الأولى بعد التلقيح، ولا تستمر أكثر من ثلاثة أيام، مثل الألم أو الاحمرار أو التورم في مكان الحقن، والحمى، والإعياء، والصداع، وآلام العضلات والمفاصل، والقشعريرة. ومن المحتمل أن تجري مراقبة الشخص مدة 15 دقيقةً بعد التلقيح، للتأكد من عدم حدوث ردّ فعلٍ فوريّ لديه. ولا بدّ من استشارة الطبيب في حال استمرار أي من الأعراض لأكثر من ثلاثة أيام. كما يجدر الانتباه إلى علامات ردّ الفعل التحسسي، التي تستلزم الحصول على الرعاية الطبية الفورية، مثل تورم الوجه والحلق، وصعوبة التنفس، والدوخة، وتسارع ضربات القلب.

لا يمكن أن يسبب اللقاح الإصابة بكوفيد-19، إذ لا تستخدم أي من اللقاحات المحتملة الفيروس نفسه حيًا. لكن الجسم عادةً ما يستغرق بضعة أسابيع لبناء المناعة بعد التلقيح. مما يعني أن الشخص يمكن أن يصاب ويمرض في حال تعرضه للفيروس قبل التلقيح أو بعده مباشرة. يحدث هذا لأن اللقاح لم يكن لديه الوقت الكافي لتوفير الحماية والمناعة قبل التعرض للفيروس.

كما لن تؤدي اللقاحات المختلفة التي نعرفها حتى الآن لإظهار نتائج إيجابية في اختبارات الكشف عن فيروس كورونا المستجد، أي لا يمكن أن تخرج نتيجة اختبار كوفيد-19 إيجابية بسبب اللقاح بعد أخذه. لكن هناك احتمال أن تكون نتيجة بعض اختبارات الأجسام المضادة إيجابيةً إذا طوّر الجسم استجابةً مناعيةً، وهو الهدف من اللقاح. 

من سيحصل على اللقاح؟

نظريًا، يجب على أكبر عدد ممكن من الأشخاص الحصول على اللقاح، إلا أن محدودية عدد الجرعات التي ستتوفر في المراحل الأولى، تفرض على الدول تحديد أولويات الحصول على اللقاح بين أفرادها. 

تحتل الفئات الأكثر عرضةً للخطر، مثل كبار السن والمرضى والعاملين في المهن الصحية، سلّم أولويات خطط التلقيح المختلفة حول العالم، كما تعطى الأولوية أيضًا للعاملين في المهن الأساسية والحساسة.

حتى الآن؛ فإن لقاح فايزر-بيونتك غير متاح لمن هم دون سن 16 عامًا، إذ لم يجر اختبار اللقاح عليهم ضمن الدراسات السريرية. كما لم يجر اختبار سلامة لقاحات كوفيد-19 على النساء الحوامل أو المرضعات. ومع ذلك، يمكنهن استشارة الطبيب لتقدير مخاطر وفوائد الحصول على اللقاح، تحديدًا لمن يندرجن ضمن مجموعة موصى بحصولها على اللقاح منهنّ. «برجع لموازنة الأمور، النساء الحوامل إذا صابهم كوفيد-19 ممكن يكون أشد شوي، وما عنا بيانات إنه اللقاح بضرهم، فليش تمنعه عنهم»، يقول الدكتور عماد أبو سته، أخصائي الأمراض المعدية والسارية. ويضيف «بترجع لانتشار الفيروس بالمجتمع، إذا الفيروس مسيطر عليه، ممكن تستنى شوي على الحوامل، لكن إذا الفيروس بكل مكان، وإنت خايف على النساء الحوامل والمرضعات، ممكن تعطيه». ويعتقد الدكتور فارس مسنات، أخصائي الأمراض الباطنية والجراثيم والأمراض المعدية، أن الدراسات القادمة على اللقاحات لا بدّ أن تشمل الحوامل.

وتذهب التوصيات إلى ضرورة استشارة الطبيب قبل أخذ اللقاح، في حال وجود تاريخ من ردود الفعل التحسسية، وفي حال وجود حالات صحية أخرى.

قد يكون الأشخاص المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية أو غيره من حالات ضعف المناعة، أو الذين يتناولون أدوية أو علاجات مثبطة للمناعة معرضون لخطر متزايد للإصابة بحالات شديدة من كوفيد-19، وهو ما يستدعي إعطاءهم أولوية في الحصول على اللقاح، بحسب الدكتور مسنات.

وقد شملت عينات التجارب السريرية للقاحات mRNA مصابين بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية المستقرة، رغم أن البيانات لا تزال محدودة. ولا بيانات متاحة حاليًا حول سلامة وفعالية هذه اللقاحات عند الأشخاص الذين يعانون من أمراض المناعة الذاتية. وإذا لم يكن لديهم موانع للتطعيم، فقد يتلقون اللقاح.

كما لا مشكلة في الحصول على لقاح كوفيد-19 في حال أخذ لقاحات موسمية أخرى مثل لقاحات الإنفلونزا، بحسب الدكتور مسنات، إلا أن التحذيرات الأولية تنصح بترك مسافة أسبوعين، بحسبه.

هل على الأصحاء والمتعافين من كورونا تلقي اللقاح؟

يمكن أن يسبب مرض كوفيد-19 مضاعفات طبية خطيرة تصل إلى الوفاة، ولا طريقة للتنبؤ بمآلاته، حتى عند الأشخاص الأصحاء الذين لا يعانون أمراض مرافقة، ولا يمتلكون عوامل خطر للإصابة بالحالات الشديدة من عدوى كورونا المستجد. كما يعمل الأصحاء عند إصابتهم على نقل المرض لآخرين قد يواجهون مآلات خطيرة. لذا يحمي تلقيح الأصحاء الفئات المعرضة لخطر متزايد للإصابة بحالات خطيرة من كوفيد-19 من العدوى.

أما المتعافون من كوفيد-19، فقد توفر الإصابة بالمرض بعض الحماية الطبيعية أو المناعة من الإصابة مرة أخرى بالفيروس المسبب له، لكن ليس من الواضح حتى الآن إلى متى تستمر هذه المناعة، كما قد تختلف المناعة الطبيعية من شخص لآخر، وتشير بعض الأدلة المبكرة إلى أن المناعة الطبيعية قد لا تدوم طويلًا.

نظرًا لأن العدوى ممكنة مرة أخرى ويمكن أن يتسبب كوفيد-19 بمضاعفات طبية خطيرة، فقد يوصى بحصول المتعافين من الفيروس على اللقاح. 

تنصح توجيهات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في حال الإصابة بكوفيد-19، بالانتظار حتى 90 يومًا بعد التشخيص قبل الحصول على لقاح كوفيد-19، في ظلّ محدودية اللقاح، نظرًا لأن خطر الإصابة مرةً أخرى يكون منخفضًا خلال الـ90 يومًا التالية للإصابة بالفيروس.

وتجدر الإشارة إلى أن عدوى كوفيد-19 السابقة، سواء كانت مصحوبة بأعراض أو دون أعراض، لا تعتبر موانع لتلقي لقاح كوفيد-19، كما لا يوصى بالاختبار المصلي للأجسام المضادة لسارس-كوف-2 قبل التلقيح. «الموضوع شوي معقد، لإنه الناس اللي صابهم كوفيد-19 قبل، كيف بدك تعرف إنه عندهم مناعة الآن؟ المناعة مش بس فحص الأجسام المضادة، ولكن حتى لو استخدمنا الأجسام المضادة فقط لقياس المناعة، هل سنستمر في فحصهم دوريًا لنعطي اللقاح عند نزول الأجسام المضادة؟ هل هذا منطقي من ناحية التكلفة؟ اللقاح أرخص»، يعقب الدكتور أبو سته.

إلا أن محدودية جرعات اللقاح، تفرض «إعطاء الفرصة للأشخاص الذين لم يتعرضوا للفيروس والأشخاص الذين ينتمون للفئات الأكثر عرضةً للخطر في حال إصابتهم بالفيروس. بالتالي، الأشخاص الأصحاء الذين لا يمتلكون عوامل خطر للإصابة بحالة شديدة عند تعرضهم للمرض، لن تكون لهم الأولوية في المراحل الأولى لتوزيع اللقاح»، تقول الدكتورة اسحاقات.

هل يستطيع الشخص نقل العدوى بعد تلقي اللقاح؟

يرجّح الدكتور مسنات أن احتمال نقل العدوى يظلّ قائمًا، لكن «بشكلٍ عام فإن أي لقاح يخفف نسبة الإصابة بالفيروس سوف يخفف نسبة انتقال الفيروس بشكل كبير، لأن الناس الذين يعانون الأعراض الشديدة -عمومًا-، ينقلون الفيروس بشكل أكبر»، وهذه مسألة لم تدرس بشكلٍ كافٍ بعد، بحسبه.

وحول بقاء الحاجة لارتداء الكمامة أو العزل المنزلي بعد المخالطة المؤكدة، بعد الحصول على اللقاح، يقول الدكتور أبو سته، إن «التوصيات للأن لا زالت بالالتزام بالكمامة والعزل المنزلي إلى أن تصدر دراسات أخرى». وقبل تغيير توصيات السلامة، ينتظر الخبراء معرفة المزيد حول الحماية التي يوفرها لقاح كوفيد-19، ومدة استمرار المناعة بعد التلقيح، كما ستؤثر عوامل مثل عدد الأشخاص الذين تم تلقيحهم وكيفية انتشار الفيروس في المجتمعات على هذه التوصيات.

هل يحقق اللقاح مناعة القطيع؟

تتحقق مناعة القطيع عندما يصبح في المجتمع عدد كافٍ من الأفراد الذين لديهم مناعة ضد أحد مسببات الأمراض مثل الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19؛ سارس-كوف-2، بحسب الدكتورة اسحاقات. وهذه المناعة تحدث إما نتيجة الإصابة بالفيروس والشفاء منه، أو نتيجة أخذ اللقاح. وتتوقف سلسلة الانتقال والعدوى عند وجود عدد كافٍ من الأشخاص المحصنين ضد الفيروس، وهو ما يوفر حماية غير مباشرة للأفراد غير المحصنين.

وترى الدكتورة اسحاقات أن اللجوء إلى اللقاحات هي الطريقة الأسرع والأكثر أمانًا لإنتاج مناعة عند الأفراد ضد الفيروس وتحقيق المناعة المجتمعية، لكن العديد من الأسئلة في هذا السياق لا زالت مطروحة والإجابات عليها ستحدد مدى فاعلية اللقاح وقدرته على تحقيق مناعة القطيع؛ مثل قدرة اللقاحات على وقف انتشار الفيروس، أم مجرد منع الناس من الإصابة بالمرض، وعدد الأشخاص الذين سيقبلون أخذ اللقاح في المجتمع، وفيما إذا كانت اللقاحات ستوفر نفس الحماية للجميع، والمدة الزمنية التي ستُتاح خلالها اللقاحات للأفراد حول العالم.

وفي حين لم تحسم حتى الآن النسبة المطلوبة للتلقيح بين السكان للوصول إلى مناعة القطيع، وفق مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، يقدّر خبراء أن مناعة القطيع ستتطلب وجود مناعة لدى 80% إلى 90% من السكان، إما من خلال العدوى السابقة أو من خلال التلقيح. 

هل تغير لقاحات mRNA الحمض النووي للإنسان؟

لن يغيّر تلقي لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) من الحمض النووي الخاص بالإنسان. تعمل لقاحات كوفيد-19 التي تستخدم تقنية mRNA مع دفاعات الجسم الطبيعية لتطوير المناعة ضد الأمراض بأمان. ويمكن وصف الحمض النووي الريبوزي المرسال بأنه تعليمات حول كيفية صنع بروتين، أو حتى مجرد قطعة من البروتين، وهو غير قادر على تغيير أو تعديل التركيب الجيني للشخص (DNA). ولا يدخل الحمض النووي الريبوزي المرسال من لقاح كوفيد-19 إلى نواة الخلية، حيث يتم حفظ الحمض النووي للإنسان، بالتالي فهو لا يؤثر أو يتفاعل معه بأي شكل من الأشكال. 

هل سيؤثر التحور الجديد في الفيروس على فعالية اللقاح؟*

أثار تسجيل طفرات في فيروس كورونا المستجد أدّت إلى تحوره مخاوف من أن لقاحات كوفيد-19 المختلفة قد لا تكون فعالة في توفير الحماية المناعية، عند الإصابة بأحد السلالات الجديدة التي ظهرت بدايةً في المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا، أو أن تصبح هذه اللقاحات أقل فعالية مما هو متوقع في حال انتشار السلالات الجديدة على نطاق واسع. 

ترجع هذه المخاوف إلى أن لقاحات mRNA، مثل لقاحات فايزر وموديرنا، تعمل من خلال تدريب الجهاز المناعي على التعرف على نسخة معينة من بروتين سبايك، تتناسب مع فيروس كورونا المستجد قبل تحوره. 

إلا أن الرئيس التنفيذي لشركة موديرنا صرّح أن لقاحها “من المرجح جدًا” أن يوفر الحماية من الفيروس المتحور، كما أن بإمكان الشركة تطوير نسخة جديدة من اللقاح، تحمي من أي سلالات جديدة في المستقبل، بسرعة كبيرة.

كما أثبت دراسة أجريت على لقاح فايزر فعاليته ضدّ السلالات الجديدة. وكانت أسترازينيكا توقعت أن يظلّ لقاحها فعالًا ضدّ السلالات المتحورة. 

وأعلنت الصين ثقتها أن لقاحي سيونوفارم وسينوفاك يعملان ضدّ السلالات الجديدة، بناءً على تجارب أجريت على اللقاحات.


* تنويه: تم تحديث هذا القسم في 10 كانون الثاني، إثر صدور دراسات جديدة حول فاعلية اللقاحات ضد الفيروس المتحور.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية