هل هناك جدوى للحظر الليلي وحظر الجمعة؟

الإثنين 12 نيسان 2021
شوارع خالية في منطقة الدوار الثالث في عمّان، خلال الحظر الشامل في آذار 2020. تصوير يزن ملحم.

اختفت تقريبًا الحياة الليليّة عند الأردنيين منذ آذار العام الماضي؛ إذ لم يغب الحظر الليلي إلّا فترات قليلة بشكل عام.

عدَّلت حكومة بشر الخصاونة ساعات هذا الحظر ست مرّات في أقلّ من خمسة أشهر، وكانت في كل تعديل تزيد أو تُنقص عدد ساعات الحظر الليلي على الأفراد والمنشآت ساعةً أو ساعتين، فيما كان حظر يوم الجمعة يأخذ ثلاثة أشكال؛ حظرًا شاملًا، أو حظرًا شاملًا مع السماح بالتنقل سيرًا لأداء الصلاة، أو إلغاءً للحظر.

في التعديل الأخير الذي بدأ سريانه يوم 13 آذار الماضي، زادت الحكومة ساعات الحظر الليلي ثلاث ساعات إضافيّة؛ ليقتطع بذلك من كلّ يوم 11 ساعة من حياة الأفراد، و12 ساعة من عمل المنشآت، بالإضافة إلى الحظر الشامل في يوم الجمعة.

يشكّك أعضاء من داخل لجنة الأوبئة وأطباء بتأثير هذا الحظر على الوضع الوبائيّ، في ظل غياب أيّ دراسة لجدواه محليًا، فيما يشير آخرون للساعات القليلة التي تسبق سريانه وما يحدث فيها من اختلاط يرفع من إمكانية زيادة حالات الإصابة بالفيروس، بالإضافة إلى أنه حظر يشمل جميع مناحي الحياة، في حين هناك أنواع حظر بديلة أقل وطأةً على الحياة العامة، وأخفّ تأثيرًا على عمل المنشآت. 

تعتمد الحكومة في الردّ على المشككين بجدوى الحظر بإيراد أرقامٍ من دراسة افتراضيّة، تذهب إلى أنَّ رفع الحظر الليلي وإلغاء حظر الجمعة يزيد أعداد الإصابات والوفيات، والقول إن هذه الأشكال من الحظر هي الحلّ لتقليل الاختلاط بدايةً، ثم تقليل إدخالات المستشفيات، وتخفيف الضغط عن القطاع الصحي.

شكل الحظرين

بدأت الإصابات بفيروس كورونا المستجد في المملكة بالتصاعد منذ بداية آب الماضي، لكن خلال شهر تشرين الأوّل، أخذت أعداد الإصابات ونسبة الفحوصات الإيجابيّة ترتفع بشكل ملحوظ عن الأشهر التي سبقته؛ إذ سجّلت المملكة في نهاية ذلك الشهر 61 ألف إصابة تقريبًا، وبنسبة إيجابيّةٍ من عدد الفحوصات بلغت 9.5%.

يرى عضو اللجنة الوطنية للأوبئة وأستاذ علم الفيروسات عزمي محافظة أن الحظر الليلي وحظر الجمعة لا يأتيان بنتيجة، بل وربما يرفع هذا النوع من الحظر أعداد الإصابات.

لمواجهة هذا الارتفاع في عدد الإصابات، فرضت الحكومة مجموعة إجراءات، وزادت ساعات الحظر الليلي، ليبدأ عند الساعة 11 للأفراد، والعاشرة للمنشآت، ويستمرّ حتى الساعة السادسة صباحًا لكليهما. بالإضافة إلى حظرٍ شاملٍ يوم الجمعة، مع السماح بالتنقل سيرًا لأداء صلاة الجمعة.

ومع بداية تشرين الثاني، حصل تغيير طفيف على شكل الحظر، إذ قُدم موعد الحظر الليلي ساعة، ومنع السير لصلاة الجمعة، ووصلت الموجة الوبائية ذروتها في الأسبوع الممتد بين 14 و20 تشرين الثاني، لتنخفض بعدها أعداد الإصابات على مدى ستة أسابيع، بقي الحظر خلالها على ما كان عليه.

مع بداية العام الحالي، في الثاني من كانون الثاني 2021، قلّصت الحكومة عدد ساعات الحظر الليلي ساعتين إضافيتين، وألغت حظر الجمعة. وفقًا لبلاغ رقم 19 الصادر بموجب أمر الدفاع. 

وفي الأسبوع الممتد ما بين 23 و29 كانون الثاني من هذا العام، بدأت أعداد الإصابات بالارتفاع من جديد، بعدما وصلت أدنى مستوى لها في الأسبوع الذي سبقه، وبدا أن المملكة قد دخلت في موجة ثانية. وفي شهر شباط ازداد ارتفاع أعداد الإصابات، لتعود الحكومة في 25 شباط وتزيد الحظر الليلي ساعتين، ليبدأ في العاشرة مساءً للأفراد، وفي التاسعة مساءً للمنشآت، وعادت لحظر الجمعة مع السماح بالتنقل سيرًا لأداء الصلاة.

ظلّ هذا الشكل من الحظر سائرًا حتى 13 آذار، حين زادت الحكومة ساعات الحظر الليلي، ليبدأ من السابعة مساءً للأفراد، والسادسة مساءً للمنشآت، ويمنع حضور صلاة الجمعة. 

غموض في الأدلة

هناك خلاف حول أثر الحظر الليلي في خفض عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجدّ عالميًا، وينسحب هذا الخلاف على أعضاء لجنة الأوبئة كذلك، ففي حين يرى عضو اللجنة الوطنية للأوبئة وأستاذ علم الفيروسات عزمي محافظة أن الحظر الليلي وحظر الجمعة لا يأتيان بنتيجة، بل وربما يرفع هذا النوع من الحظر أعداد الإصابات، يرى عضو اللجنة بسام حجاوي أن الوقت ما زال مبكرًا لاستنتاج أثر هذا النوع من الحظر على الوضع الوبائي، وأنه يجب النظر إلى الإجراءات الاحترازية المتخذة بمجموعها، لا إلى حظر الجمعة والحظر الليلي فقط. 

ويقول أحمد النعيمات، الناطق الإعلامي في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، إن هذه الإجراءات مجتمعةً أدت إلى خفض عدد الإصابات. ويوضّح النعيمات أن المعيار الأساسي في عملية اتخاذ القرار هو عدد إدخالات المستشفيات وزيادة الضغط عليها، وهو ما يحدد القرارات المتعلقة بزيادة عدد ساعات الحظر أو تقليلها.

فيما يقول وزير الصحة فراس هوّاري إنه إذا ما تخلّت الحكومة عن حظر الجمعة والحظر الليلي فسترتفع نسبة الإصابات 48%، وسترتفع كذلك نسبة الوفيات 18%. ويعتمد الوزير في هذه الأرقام على دراسة لم تنشر بعد، تعتمد على منحنى افتراضي موضوع وفق «المعادلات الرياضية والتوقعات». وكنا في حبر قد طلبنا من وزارة الصحة تزويدنا بنسخة عن هذه الدراسة في شباط الماضي، لم تزودنا بها حتى اليوم.

وأجاب الدكتور سعد الخرابشة، رئيس لجنة تقييم الوضع الوبائي، على عدد من الأسئلة التي وجهناها إليه، بالقول إن تقييم أثر الحظر الليلي على الإصابات يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحليل، وإنه يفضل التريث بالتصريح لحين وجود الدليل العلمي المبني على البحث.

يقول مساعد أمين عام مركز الحسين للسرطان منذر الحوارات، إن سياسة تطبيق الحظر الليلي وحظر الجمعة لم تخفّض أعداد الإصابات، وإنَّ ارتفاع أو انخفاض المنحنى الوبائي لم يتأثر بالحظر الليلي أو حتى حظر يوم الجمعة، موضّحًا أن الموجة الحالية قد أخذت كامل مراحلها من تصاعد الإصابات، ثم ثبات عدد الإصابات في مرحلة الذروة، إلى بدء مرحلة انخفاض الأعداد. 

يقول حجاوي إنَّ هذين الحظريْن يأتيان ضمن حزمة إجراءات احترازية أثرّت بشكل إيجابي على حجم المشكلة وعلى خفض عدد الحالات، إلا أنه يوضح أيضًا أنه ليس لدى لجنة الأوبئة كذلك أرقام واضحة حول أثر هذا الشكل من الحظر على الوضع الوبائي.

العمل في ظل الحظر الليلي

بعد سريان الحظر الليلي الأخير، صارت المحال والمنشآت تغلق أبوابها عند الساعة السادسة مساءً، ويُسابق الموظفون الخارجون من أعمالهم للحاق بها لتأمين احتياجات بيوتهم، لتدخل الشوارع في أزمات خانقة ومثلها مراكز التسوق.

يعمل علاء الدين موسى في منظمة في عمّان تعنى بإغاثة اللاجئين، وينتهي عمله في الرابعة والنصف مساء كل يوم. مع بداية سريان الحظر الحالي، حاول موسى استثمار الوقت الذي يمتلكه بين موعد خروجه من العمل وموعد إغلاق المحال، إلّا أن هذه المحاولات باءت بالفشل. بالإضافة إلى ضيق الوقت، كان الخوف يسيطر على موسى من انتقال العدوى له في هذه الازدحامات. «أنا بتجنّب إني أطلع أتسوق، بحاول ألاقي ساعات بديلة إني ما أضطر أطلع مع العالم كلها».

يقول النعيمات إن الدولة تفكر جديًا بإتاحة التحرّك لمن تلقوا اللقاح، فيما يقول حجاوي إن هذا الأمر ما زال مبكرًا، ليس في الأردن فقط وإنما في العالم كذلك.

ويعمل في المنظمة نفسها التي يعمل فيها موسى عدد من الموظفين الذين لا يسكنون عمّان، وهذا يعني بالنسبة لهم أنهم بالكاد يتمكنون من العودة إلى منازلهم في ظل بدء الحظر في الساعة السابعة مساءً، فضلًا عن التمكن من تأمين احتياجات منازلهم، ولذا قرّرت المنظمة أن ينتهي عمل الموظفين في الساعة الثالثة عصرًا. يقول موسى إن هذا التغيير على ساعات العمل قد «أثر على جودة الخدمة المقدمة من قبل الموظفين، زمان لمّا كان وقت أطول، الإنجاز والتنفيذ تبع المشاريع بيكون أسرع». 

يشعر موسى أنه أيّامه صارت للعمل فقط، إذ صار يومه يبدأ بالمكتب وينتهي به، وهو ما أثرّ على حالته النفسيّة، «تحسّ حالك رايح على الشغل ومروّح من الشغل. ما عندكيش وقت لإشي ثاني، أنا مقيّد»، يقول موسى.

شجّعت العديد من الدول حول العالم موظفي الشركات على العمل عن بعد أو ضمن تعليمات العمل المرن، في حال كانوا قادرين على ذلك، فيما أعادت دول أخرى تعريف المنشأة الضروريّة التي يسمح لها بالعمل.

وقررت الحكومة يوم 14 آذار تخفيض ساعات عمل الموظفين في القطاع العام، ليصبح من الساعة الثامنة والنصف صباحًا وحتى الساعة الثانية من بعد الظهر. لكن تُرِك القطاع الخاص دون تحديد لساعات العمل فيه، وأوضحت وزارة العمل في بيان لها أن هذا القرار لا يشمل القطاع الخاص، لكنها أَمِلت «أن يحذو القطاع الخاص حذو القطاع العام بخصوص هذه الإجراءات للحدّ من انتشار فيروس كورونا، من خلال التوجه إلى العمل المرن». 

في آذار من العام الماضي كانت الحكومة قد قرّرت  تفعيل العمل المرن في القطاع الخاص، والذي يشمل العمل عن بعد، والعمل ضمن ساعات مرنة، والعمل ضمن أسبوع العمل المكثف. يقول النعيمات إن السؤال الذي طُرح في البداية قبل اتخاذ قرار اقتصار العمل المرن على القطاع العام، هو ما إذا كانت كافة الشركات في القطاع الخاص تستطيع العمل عن بعد، وما إذا كانت كافة القطاعات تستطيع إدامة الخدمات للمواطنين عن بعد.

ويشير النعيمات إلى أن ممثلي القطاعات التجارية والاقتصادية اشتكوا خلال اجتماعات مع الحكومة من عدم قدرتهم على الاستمرار بخيار العمل المرن أو العمل عن بعد، والذي فُرِض في الإغلاق الشامل الأول، العام الماضي.

خلال الفترة الماضية، عمل فيصل* في شركتين لتطوير محتوى الفيديو. خلال عمله في الشركة الأولى، أُلزِم الموظفون بالعمل من مقرّ الشركة، ورغم إصابة أحد زملائه بالفيروس، أصرّت الشركة على عمل الجميع من الشركة باستثناء المصاب. وفي كانون الثاني الماضي، أصيب فيصل بالفيروس، الذي يعتقد أنه انتقل إليه من أحد زملائه في العمل. أمّا الشركة الثانية، والتي انتقل إليها فيصل، فشجّعت الموظفين على العمل من المنزل ما أمكن. وهو ما يرى فيصل أنه لا يحد من انتشار العدوى فحسب، إنما يشعره كذلك بإنجاز العمل بشكل أفضل.

يقول الحوارات إن هناك أكثر من حلٍ بديل عن «تسكير البلد»، مثل تطبيق الإجراءات الصارمة بحق المخالفين لأوامر الدفاع التي تتعلق بإقامة التجمّعات، وكذلك إلزام اتخاذ إجراءات السلامة، مثل لبس الكمامة والتباعد.

حظر من تلقوا اللقاح

ازداد أعداد من تلقوا اللقاحات يومًا بعد آخر، في آخر تحديث لها، وصلت الأرقام حتى يوم الأربعاء إلى أكثر من 400 ألف متلقٍ للجرعة الأولى، وقرابة 120 ألف متلقٍ للجرعتين. لكن رغم ذلك، ما زال الحظر الليلي وحظر الجمعة يسري على هذه الفئة مثلما يسري على من لم يتلقوا اللقاح. 

يقول النعيمات إن الدولة تفكر جديًا بإتاحة التحرّك لمن تلقوا اللقاح، فيما يقول حجاوي إن هذا الأمر ما زال مبكرًا، ليس في الأردن فقط وإنما في العالم كذلك، لأن نسبة من تلقوا اللقاح ما زالت منخفضة في كل دول العالم. لكنه يستدرك قائلًا إن العالم يسعى إلى تقليل الحدّ من حركة من تلقوا اللقاح في حال ارتفعت نسبتهم، مثل السماح لهم بدخول صالات المطاعم والمؤسسات أو حتّى فتح المدارس والجامعات.

خلال الفترة الماضية، حاولت الحكومة تقليل الاختلاط بفرض الحظر الليلي وتمديد ساعاته أكثر من مرة وبفرض حظر الجمعة، غير أن مساحاتٍ أخرى كانت تشهد اختلاطًا، مثل الأسواق في ساعات ما قبل الحظر وشركاتٍ في القطاع الخاص تعمل بكامل طاقمها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية