«دلتا» واللقاحات: هل يعيدنا التحور الأخير للفيروس إلى الوراء؟

الخميس 19 آب 2021
سحب حقنة من لقاح فايزر بيونتك. تصوير روبين بيك. أ ف ب.

تستمر جائحة كورونا حول العالم، وتستمر معها تحورات وطفرات فيروس سارس-كوف-2 في الظهور في أماكن مختلفة، ثم الانتشار منها إلى كلّ مكان. وقد تؤثر بعض هذه الطفرات على خصائص الفيروس، مثل سهولة انتشاره، وشدة المرض المصاحب للإصابة به، واستجابته للقاحات والعلاجات المستخدمة، وفعالية أدوات التشخيص في اكتشافه، وكفاية تدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية الأخرى في التعامل معه. ويظلّ احتمال أن تكون هذه التحورات والطفرات أكثر شراسةً من السلالة الأصلية من الفيروس قائمًا، وهو ما يثير القلق منها.

ومع ظهور متحور دلتا، تجددت الأسئلة حول سماته وما يختلف به عن السلالات السابقة، وظهر السؤال الأهم حول فعالية اللقاحات التي أخذها كثيرون بالفعل حول العالم، في الحماية من هذا المتحور الجديد.

ما هو متحور دلتا؟

ظهر متحور دلتا، المعروف أيضًا باسم «B.1.617.2»، لأول مرة في الهند، في كانون الأول 2020، وسرعان ما انتشر حول العالم، ليتواجد في كل مكان تقريبًا. وساهم الانتشار السريع لدلتا في تعزيز تدهور الوضع الصحي في الأماكن الأكثر عرضة للتضرر من الفيروس، وهي الأماكن التي تنخفض فيها نسب التلقيح، وتتردى فيها إمكانيات القطاع الصحي في الأساس. لهذا، يدور نقاش حول صعوبة تحديد ما إذا كان متحور دلتا أكثر إمراضًا من الأشكال السابقة للفيروس، أم أنه ببساطة ينتشر بين فئات سكانية أكثر ضعفًا حول العالم، حيث ترتفع أعداد الحالات وتنخفض معدلات التلقيح، ويؤثر الضغط المتزايد على المستشفيات وأنظمة الرعاية الصحية سلبًا على رعاية المرضى ومخرجات علاجهم.

هل متحور دلتا أسرع انتشارًا؟

ينتشر متحور دلتا بسهولة أكبر من المتحورات السابقة ومن السلالة الأصلية للفيروس. تشير البيانات إلى أن متحور دلتا معدٍ أكثر بحوالي 50% من متحور ألفا (الذي هو معدٍ بنسبة 50% أكثر من فيروس كورونا الأصلي الذي تم تحديده لأول مرة في الصين في عام 2019)، أي أن متحور دلتا أكثر قابلية للانتقال بمقدار الضعف إذا ما قورن بسلالة ووهان.

ويرتفع الحمل الفيروسي، وهو مقياس لكثافة الجزيئات الفيروسية في الجسم، عند الإصابة بمتحور دلتا ليكون أعلى بألف مرة من الحمل الفيروسي في العدوى التي تسببها المتغيرات الأخرى. ارتفاع الحمل الفيروسي عند الإصابة بدلتا يعني من جهة أن الكمية الكبيرة من الفيروس في الجهاز التنفسي ستنتشر لتصيب المزيد من الأشخاص، ويعني أيضًا أن الناس قد يبدأون في نشر الفيروس في وقت مبكر بعد إصابتهم بالعدوى.

ويقدّر أن المصاب بمتحور دلتا ينشرها إلى ثلاثة أو أربعة أشخاص آخرين، مقارنة بالسلالة الأصلية من الفيروس، التي ينشر فيها المصاب المرض إلى شخص أو اثنين آخرين، إذ تم العثور على جزيئات فيروسية أكثر بشكل ملحوظ في المسالك الهوائية للمرضى المصابين بتحور دلتا، بحسب الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة. وبحسب مجلة نيتشر، فإن الأشخاص المصابين بدلتا ينتجون فيروسات أكثر بكثير من أولئك المصابين بالسلالة الأصلية من الفيروس، ما يجعل انتشار هذا المتحور «أمرًا سهلًا للغاية».

يمكن للأشخاص الذين تم تلقيحهم بالكامل أن يصابوا بكوفيد-19 بشكل عام، ومتحور دلتا ليس استثناءً. وعندئذٍ يمكن لهؤلاء أن ينقلوا الفيروس إلى الآخرين. كما يبدو أن دلتا ينتج كميةً عاليةً من الفيروس في الملقحين وغير الملقحين على حدٍ سواء، ومع ذلك، من المتوقع أن يكون المصابون بدلتا ممن تلقوا اللقاح معديين لفترة أقصر؛ إذ تنخفض كمية الفيروس التي تنتجها عدوى اختراق[1] دلتا في الملقحين بشكل أسرع من انخفاضها في غير الملقحين. لكن، من ناحية أخرى فإن فترة الحضانة القصيرة تجعل تتبع المخالطين أكثر صعوبة.

ينتشر متحور دلتا بسهولة أكبر من المتحورات السابقة ومن السلالة الأصلية للفيروس. إذ إنه أكثر قابلية للانتقال بمقدار الضعف إذا ما قورن بسلالة ووهان.

ووصفت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) متحور دلتا بأنه أكثر قابلية للانتقال من نزلات البرد والإنفلونزا، وتلك التي تسبب متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، والسارس، والإيبولا. ووصفته بأنه معدٍ مثل جدري الماء، وهو «أحد أكثر الفيروسات المعدية المعروفة، إذ يمكن لكل فرد أن ينشر الفيروس إلى ما يصل إلى 90% من الأشخاص القريبين منه»، بحسب تقارير CDC. لكن متخصصين يشككون بدقة هذه المعلومة، إذ لحساب قابلية انتقال الفيروس يجري حساب عدد التكاثر الأساسي للفيروس (R nought) أو (R0)، من خلال حساب عدد الأشخاص الذين سينقل إليهم الشخص المريض الفيروس عندما يكون جميع السكان معرضون للإصابة به، وبالنسبة لسارس-كوف-2 فقد ارتفع (R0) بالفعل على مدار الوباء مع تطور الفيروس، ففي البداية كانت قيمته بين اثنين وثلاثة للسلالة الأصلية، وأصبح بين أربعة وخمسة في متحور ألفا، حتى وصل الآن بين ستة وسبعة لمتحور دلتا، ولكنه ما زال أقل من عدد التكاثر الأساسي لفيروس جدري الماء، الذي يتراوح بين تسعة وعشرة. ويرجّح أن هذا التضخيم لقابلية انتقال دلتا في التقارير قد حدث نتيجة حساب عدد التكاثر الأساسي لدلتا بالاستناد إلى بيانات مأخوذة من عينة صغيرة الحجم.

تحدث في متحور دلتا طفرة في الموضع 681 من البروتين الشائك لفيروس سارس-كوف-2، تسهل على الفيروس إصابة الخلايا البشرية وتدميرها، وهو ما يعني أن الأشخاص قد يكونون أكثر قدرةً على العدوى ونشر الفيروس بين الآخرين إذا أصيبوا به.

ويشكل الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح أكبر مصدر للقلق، إذ تحدث الإصابات بينهم أكثر بكثير مما تحدث عند أولئك الذين تم تلقيحهم بالكامل، وبالتالي هم أكثر قدرةً على نقل الفيروس. لكن يظل جميع المصابين قادرين على نقل العدوى إلى الآخرين.

هل تختلف أعراض كوفيد-19 عند الإصابة بمتحور دلتا؟

من ناحية، تتشابه أعراض الإصابة بمتحور دلتا مع الأعراض التي ظهرت مع سلالة الفيروس الأصلية، وتلك التي ظهرت مع متحورات أخرى، مثل السعال المستمر، والصداع، والحمى، والتهاب الحلق. ولكن بيانات بدأت تشير إلى اختلافات في الأعراض عن السلالات الأخرى من الفيروس، دون أن يعني ذلك بالضرورة أنها أكثر حدة. بحسب مسح أجري في المملكة المتحدة، حيث متحور دلتا مسؤول عن أكثر من 90% من حالات الإصابة بالفيروس، جاءت أعراض الصداع، والتهاب الحلق، وسيلان الأنف، والحمى، والسعال المستمر في مقدمة الأعراض التي أبلغ عنها المصابون ممن لم يتلقوا اللقاح، وتراجع فقدان حاسة الشم إلى المرتبة التاسعة، فيما احتل ضيق التنفس المرتبة 30 في القائمة.

أما بين الملقحين، فإن الإصابة إما أن تكون بلا أعراض، أو أن تظهر أعراض طفيفةً جدًا تشبه أعراض نزلات البرد، مثل السعال أو الحمى أو الصداع أو التهاب الحلق، بالإضافة إلى احتمال فقدان حاسة الشم، الذي يحتل المرتبة الخامسة بين الأعراض. ونادرًا ما تؤدي الإصابة إلى دخول المستشفى أو الوفاة بين الأشخاص الملقحين.

بحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها فإن دلتا قد تتسبب بحالات أكثر خطورة مقارنةً بالمتحورات الأخرى. وتربط بيانات من الهند متحور دلتا بأعراض أكثر خطورة، مثل ضعف السمع، ومشاكل الجهاز الهضمي الحادة، والجلطات الدموية التي قد تؤدي إلى موت الأنسجة والغرغرينا.

هل تتغير إجراءات السلامة في ظلّ انتشار متحور دلتا؟

ترافق الانتشار الكبير لمتحور دلتا حول العالم مع توجه دول عديدة للانفتاح واستعادة الحياة الطبيعية، وهو ما استدعى العودة خطوة إلى الوراء في بعض الدول، لتجنب تفاقم أعداد الإصابات وإدخالات المستشفيات.

تركز الإرشادات المحدثة الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها على العودة إلى ارتداء الكمامات في الأماكن العامة، تحديدًا في المناطق التي تنتقل فيها العدوى بشكل كبير أو ترتفع فيها الإصابات، بغض النظر عن تلقي اللقاح من عدمه، بالإضافة إلى ضرورة الحصول على اللقاح في أقرب وقت ممكن.

كيف يؤثر متحور دلتا على إدخالات المستشفيات والوفيات؟

تشير بعض البيانات إلى أن متحور دلتا قد يسبب مرضًا أكثر خطورة من السلالات السابقة من الفيروس عند الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح. في دراستين مختلفتين من كندا واسكتلندا، كان المرضى المصابون بمتحور دلتا أكثر عرضة لدخول المستشفى من المرضى المصابين بمتحور ألفا أو سلالات الفيروس الأصلية.

كما أفادت إحدى الدراسات المبكرة التي قيّمت مخاطر دخول المستشفى في اسكتلندا، أن احتمال دخول المستشفى لدى الأشخاص غير الملقحين المصابين بمتحور دلتا، يصل إلى الضعف مقارنة بالأشخاص غير الملقحين المصابين بمتحور ألفا. وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن غالبية حالات وفيات كوفيد-19 الآن تحدث في الأشخاص غير الملقحين.

هل يؤثر دلتا على الفئات العمرية الأصغر سنًا بالمقارنة بالتحورات السابقة؟

يبدو أن دلتا يؤثر على الفئات العمرية الأصغر سنًا أكثر من المتحورات السابقة، إذ أظهرت دراسة من المملكة المتحدة أن الأطفال والبالغين الذين تقل أعمارهم عن 50 عامًا كانوا أكثر عرضة بمقدار مرتين ونصف للإصابة بدلتا. كما أشارت دراسة من اسكتلندا إلى أن عدوى دلتا قد وجدت بشكل أساسي بين الفئات الأصغر سنًا. وحتى الآن، لم تتم الموافقة على تلقيح الأطفال في أماكن عدة حول العالم، ما يترك الفئات الأصغر سنًا أكثر عرضة للإصابة بكوفيد-19 بشكل عام.

بحسب إرشادات كليفلاند كلينيك، فإن الإبلاغ عن حالات الإصابة بين الأطفال في ازدياد، لكن الأعراض التي يعاني منها الأطفال إلى الآن في الغالب خفيفة، إذ تتراوح بين السعال والعطس وسيلان الأنف واضطراب المعدة والصداع والتعب.

ماذا تقول الدراسات عن فعالية اللقاحات المختلفة ضد متحور دلتا؟

تشير الدراسات إلى أن الحصول على اللقاح ما زال يساعد في منع الإصابة بالحالات الشديدة نتيجة عدوى دلتا، وكذلك في تجنب الوفيات، ولكن الأشخاص الذين أصيبوا بعدوى سابقة من كوفيد-19 قد لا يكونون محميين من الإصابة مرة أخرى بمتحور دلتا، أي أن المناعة لديهم ضد متحور دلتا تقل بالمقارنة بالسلالة الأصلية من الفيروس. وتقدّر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)[2] أن لقاحات كوفيد-19 تقلل خطر الإصابة بالعدوى بمقدار ثمانية أضعاف، وخطر الإصابة بالمرض (اختبار أعراضه) أو دخول المستشفى أو الوفاة بمقدار 25 ضعفًا.

يشكل الأشخاص الذين لم يتلقوا اللقاح أكبر مصدر للقلق، إذ تحدث الإصابات بينهم أكثر بكثير مما تحدث عند أولئك الذين تم تلقيحهم بالكامل، وبالتالي هم أكثر قدرةً على نقل الفيروس.

وجدت دراسة في المملكة المتحدة، بحثت في فعالية لقاحات ضد متحور دلتا باستخدام نتيجة الفحوصات السلبية (وليس باستخدام فحوص الأجسام المضادة)، انخفاضًا ملحوظًا في فعالية لقاحي فايزر بيونتك وأسترازينيكا ضد متحور دلتا بالمقارنة بفعالية اللقاحات ضد متحور ألفا، بعد جرعة واحدة من اللقاح، بينما كان الانخفاض طفيفًا في الفعالية بعد جرعتين من اللقاح، بالمقارنة بفعالية اللقاحات ضد متحور ألفا.

وبلغت فعالية جرعتين من لقاح فايزر بيونتك ضدّ دلتا 88%، بالمقارنة بـ30.7% فقط بعد جرعة واحدة (بينما كانت فعالية جرعتين من اللقاح ضد ألفا 95%). كما بلغت فعالية جرعتين من أسترازينيكا ضدّ دلتا 67%، بالمقارنة بـ30.7% فقط بعد جرعة واحدة (بينما كانت فعالية جرعتين من اللقاح ضد ألفا 74.5%).

ووجد تحليل أجرته وكالة الصحة العامة في إنجلترا أن جرعتين من لقاح فايزر بيونتك كان لهما فعالية بنسبة 80% ضد الإصابة بعدوى متحور دلتا، وبنسبة 88% ضد عدوى متحور دلتا المصحوبة بأعراض، وبنسبة 96% ضدّ إدخالات المستشفى نتيجة الإصابة بدلتا. وخرجت دراسة من أسكتلندا بنتيجة مماثلة مفادها أن لقاح فايزر بيونتك يوفر حماية «جيدة جدًا» ضد متحور دلتا، بفعالية بنسبة 79% بعد 14 يومًا من تلقي الجرعة الثانية.

أما لقاح سينوفارم، فقد اعتبرت دراسة عن جامعة سري جاياواردينبورا في سريلانكا أنه «ذو كفاءة عالية ضد متغير دلتا». ووفق الدراسة فإن 95% من متلقي جرعتي سينوفارم قد طوروا أجسامًا مضادة مشابهة لشخص سبق أن أصيب بالفيروس (المناعة الطبيعية جرّاء الإصابة).

  • الهوامش

    [1] تعرّف عدوى الاختراق على أنها اكتشاف الحمض النووي الريبوزي لفيروس سارس-كوف-2 أو مستضده، في عينة جهاز تنفسي أخذت من شخص بعد مرور 14 يومًا أو أكثر على تلقيه جميع الجرعات الموصى بها من لقاح كوفيد-19 (أي بعد تلقيحه بشكل كامل).

    [2] تنطبق تقديرات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) على اللقاحات المستخدمة في الولايات المتحدة الأمريكية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية