قصة مصوّرة | في العشر الأواخر من رمضان، كيف تكيف روّاد المساجد مع إغلاقها؟

رجل يصلي خارج مسجد الروضة المغلق، في ضاحية الرشيد في عمان. تصوير شربل ديسي.

قصة مصوّرة | في العشر الأواخر من رمضان، كيف تكيف روّاد المساجد مع إغلاقها؟

الجمعة 22 أيار 2020

في العشر الأواخر من شهر رمضان، يجتمع الناس عادةً في المساجد لقيام الليل وإحياء ليلة القدر، وتكتظ بعض المساجد بالناس، رجالًا ونساءً. لكن مع جائحة كورونا المستجد هذا العام، لم يستطع المصلون ولا العاملون في المساجد الاعتكاف داخلها، بعدما أغُلقت بقرار من الحكومة الأردنية منذ الرابع عشر من آذار الماضي، خوفًا من تفشي الوباء بين المصلين.

يعمل سلمان الحسوني إمام مسجد منذ ما يقارب 18 عامًا، وطوال هذه المدة لم يصلِّ سلمان في رمضان إلا جماعةً داخل المسجد. «إحنا متعوّدين بالمسجد بفضل الله يكون في حيوية ونشاط وأعداد [كبيرة] للمصلين»، يتحدث الحسوني أن بعض المصلين من كبار السن، في التسعينات والثمانينات ومن أعمارهم، «ما عمروا في حياتهم مرّ أنهم يصلوا رمضان إلا بالمساجد». 

منذ تأسيس مسجد نابلس الكبير في منطقة الياسمين عام 2013، يعمل الحسوني إمامًا وخطيبًا فيه. «كنا بالعشر الأواخر في ليلة 27 و28 نسكّر الشارع»، يقول واصفًا أجواء العشر الأواخر في السنوات الماضية من شهر رمضان في مسجد نابلس الكبير، ويرى أن تدفق عدد المصلين الكبير في العشر الأواخر يجعل في المسجد «روحانية أعلى».

مسجد نابلس الكبير في حي الياسمين في عمّان.

يقول الحسوني إن شعور الإمام والمؤذن بالابتعاد عن المسجد أو عدم الصلاة فيه، يختلف عن مشاعر المصلين، وذلك بسبب صعوبة التواجد في المسجد ورؤيته فارغًا، حيث يقتصر عمل الأئمة الآن في المسجد فقط على تشغيل المكبرات والأذان في بعض الأحيان.

ولكن بالرغم من إغلاق المساجد، يحاول الحسوني البقاء على تواصل مع أهل المنطقة من خلال رفع أذان صلاة العشاء وصلاة الفجر بصوته. «أنا بتعمد، بفضل الله العظيم، أأذن مرّات بصلاة العشاء والفجر ويكون في دعاء على السماعات الخارجية». يحاول الحسوني بذلك الحفاظ على علاقة أهالي المنطقة بالمسجد وتذكيرهم بدوره. «[أهل المنطقة] بقولوا إحنا بس نسمع إنك بلشت تأذن بنطلع على الشبابيك. لأنهم عارفين بعد الأذان في دعاء». ويدير الحسوني أيضًا صفحة على الفيسبوك للمسجد، يُتابعها ما يقارب 12 ألف شخص من أهل المنطقة ومختلف المناطق، وينشر من خلالها دروسًا دينية وإجابات على استفسارات الناس حول العشر الأواخر بشهر رمضان. «لا بد الإمام يبقى يقوم في دوره، مش الآن أغلقت المساجد الإمام توقف دوره، بالعكس!».  

على مستوى شخصي، حملت هذه المرحلة الاستثنائية بعض النعم للحسوني. «هذا أول رمضان إلي بفطر فطور صح مع عائلتي وبصّلي الصلوات الخمسة مع عائلتي وبقوم الليل مع عائلتي». ويضيف أن هذه «فرصة» للأئمة والمؤذنين للصلاة وقضاء الوقت مع أهاليهم. خلال الحجر، يقول الحسوني إنه اكتشف موهبة لدى ابنه وهو صوته الجميل في القراءة والتجويد.

سلمان الحسوني في مسجد نابلس الكبير، الذي فرغ من المصلين في أواخر رمضان.

يصف محمد بني عودة، مؤذن مسجد الروضة في ضاحية الرشيد، شعور عدم الصلاة داخل المسجد في العشر الأواخر بالأمر «المحزن والمبكي». ويقول إن هذه «ظروف» استثنائية لحماية الناس والحفاظ على صحتهم. 

ويتحدث بني عودة عن الإختلاف الكبير الذي طرأ على حياته في العشر الأواخر من رمضان هذا العام، حيث كان يعتاد على الصلاة وقيام الليل مع المصلين في المسجد، بينما الآن يذهب للمسجد فقط لفتح السماعات قبل الأذان. «دخلتك على الجامع وما في حدا، شيء مش بسيط […] بتفتح الأذان وتيجي تسكّر بدون ما تعمل إقامة وتشوف الناس». ويرى بني عودة أنه حتى لو صلّى داخل المسجد، يبقى الشعور مختلفًا بسبب عدم وجود المصلين، واصفًا الجامع دون مصلين بالـ«مُعتم».

مسجد الروضة في ضاحية الرشيد في عمان.

وعن الصلاة بالمنزل خلال العشر الأواخر في رمضان، يقول بني عودة إنه أصبح لديه الفرصة للصلاة مع عائلته، «فيها شوية إيجابيات يعني»، يقول. لكن الصلاة في المسجد تظل مختلفة برأيه، خاصة وأنه كان يقضي في المسجد أكثر مما يقضي في بيته من وقت. «الصلاة بالمسجد مع الناس، الناس اللي بتشوفهم يوميًا أكثر من بيتك وولادك ومرتك». 

يتواصل الكثيرون من أهل منطقة ضاحية الرشيد مع بني عودة، وتساؤلهم المتكرر هو «وينتا بتفتحوا المساجد؟». في كثير من الأحيان، كانوا يطلبون إضاءة الأضواء الخارجية للمسجد حتى لا يبقى «مظلم ومعتم»، لأنهم غير معتادين على رؤيته كذلك، حسب قول بني عودة.

مسجد الروضة في ضاحية الرشيد في عمان.

يسكن محمد عرعر (أبو مسلّم) في منطقة الروضة في ضاحية الرشيد منذ ما يقارب السبع سنوات، وكان يصلي كل الصلوات في مسجد الروضة قبل قرار إغلاق المساجد.

منذ قدومه من سوريا، اعتاد أبو مسلّم الصلاة في مسجد الروضة خلال العشر الأواخر من شهر رمضان وقضاء معظم وقته في المسجد، ولا يزال يذهب إلى ساحة المسجد بشكل يومي بالرغم من إغلاقه. «الوقت اللي ما فيه حظر بكون عند الجامع». 

عند دخول المسجد عادةً في العشر الأواخر «بتلاقي هذا يقرأ وهذا يصلي وهذا يسبح». لكن جميع الأيام أصبحت مختلفة برأي أبو مسلّم، الذي يواسي نفسه وغيره بالقول إن ارتباط الإنسان بالله هو عن طريق «الروح وليس الجسد أو المكان». ولكن مشاهدة المساجد مغلقة والغياب عنها وعدم قدوم روادها ما يزال «محزنًا» حسبه.

محمد عرعر (أبو مسلّم) يقرأ القرآن أمام باب مسجد الروضة المغلق في ضاحية الرشيد، ولافتة تنهى المصلين عن الصلاة جماعة لمنع تفشي الوباء.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية