مستثنون من حظر التجوّل: شوارع فارغة وعمل لا يتوقف 

عمر العاروري يحمل أسطوانات الغاز لتوصيلها أثناء حظر التجول. تصوير محمود الشرعان.

مستثنون من حظر التجوّل: شوارع فارغة وعمل لا يتوقف 

الخميس 26 آذار 2020

مع ساعات مساء يوم الجمعة الماضي، وفور إعلان الحكومة على لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام، أمجد العضايلة، أمر الدفاع رقم 2 القاضي بفرض حظر للتجوّل في جميع مناطق المملكة بدءًا من الساعة 7 من صباح السبت، كانت مركبات توزيع الغاز في الأردن على موعد مع زيادة غير مسبوقة في الطلب على أسطوانات الغاز.

استمر عمر العاروري، أو أبو معاذ، (53 عامًا) ببيع أسطوانات الغاز لوقت متأخر من مساء يوم الجمعة، في لواء الهاشمية بمحافظة الزرقاء، مع زيادة الطلب من قبل أهالي المنطقة.

«ليلة الحظر كانت الطلبات ما توقف، انضغطت كثير وبطلت قادر ألحق أبيع أو أروح أجيب جرار من المستودعات، التلفونات ما وقفت رّن والناس كلها بدها غاز..»، يصف العاروري تفاصيل عمله مساء الجمعة.

في ظل زيادة طلب المواطنين على شراء أسطوانات الغاز، توقف العاروري عن البيع لمدة ربع ساعة، وتوجه لنجله الأكبر معاذ، لتدبير أمر بيع وشراء الأسطوانات، ويضيف «أول مرة من 10 سنوات شغل في البيع مش عارف كيف بدي أدبر حالي. التلفون برن، والناس صارت على باب البيت. لكن مشيت الأمور بالنهاية».

استمر بيع أسطوانات الغاز لفجر السبت، ومع دخول أول أيام حظر التجوّل في المملكة، سمع العاروري عن قرار استثناء مركبات توزيع الغاز من القرار، واتصل بنقيب أصحاب المحروقات، المهندس نهار سعيدات، الذي أكد له القرار، مما دعا العاروري لتجهيز نفسه ومركبته والبدء في جوالة في تمام الساعة 10 صباحًا.

«حكيت يا الله.. وطلعت أبيع للناس، أول ما تحركت من كراج البيت ووصلت الشارع الرئيسي، حسيت في شيء غريب كأنها القيامة قامت، من خمسين سنة ما شفت المنطقة فاضية مثل هيك، الشوارع بتخوف خصوصًا بالليل»، ويضيف العاروري بأن هدفه في ذلك الوقت كان تأمين المواطنين في أسطوانات الغاز وتقديم مساعدته لهم.

شوارع الأردن خلت من المركبات والمواطنين عقب إعلان حظر التجوّل. تصوير محمود الشرعان.

الساعة الثامنة مساءً من يوم السبت، لا يزال أبو معاذ يبيع للمواطنين أسطوانات الغاز، وهاتفه يدق باستمرار، لكن ثمة اتصال يجريه هو على رأس كل ساعة للاطمئنان على عائلته وأولاده الستة وزوجته، وكان الرد يأتي من زوجته لتذكيره بإجراءات السلامة العامة، وعدم السلام على الآخرين. 

في نهاية اليوم الأول من الحظر، وصل العاروري لمنزله، خلع حذاءه بالخارج، دخل استحم وبدأ بتعقيم نفسه كوسائل وقاية له ولمن حوله، مشيرًا إلى عدم خوفه على نفسه من إصابته بفيروس كورونا المستجد بقدر خوفه على نقل العدوى إلى زوجته وأبنائه.

صباح الأحد، ثاني أيام الحظر في الأردن، تحول عمر العاروري من بائع لأسطوانات الغاز إلى سائق «ديلفيري»، حسب وصفه، إذ بدأ بتأمين احتياجات أهالي لواء الهاشمية قدر استطاعته، حيث بدأ بتوصيل الخبز من جيرانه للذين يحتاجون ذلك، وتوصيله مادة الكاز للمواطنين، ونقله الدواء للمرضى في المنطقة.

بعد تأديته أدوارًا خارج سياق عمله، بدأت طلبات غير متوقعة تصل بائع اسطوانات الغاز. «في شباب طلبوا مني أجيب دخان أو أطلعهم معي بالسيارة (..) أكثر من 20 شخص طلبوا يطلعوا مني على أساس أنهم يساعدوني، لكني رفضت».

العاروري لا ينكر تعبه الجسدي المستمر، والتي بلغت ذروتها خلال أيام الحظر الثلاثة الأولى، فالبائع المعتاد على بيع 100 أسطوانة غاز باليوم الطبيعي، تجاوز بيعه أكثر من 200 أسطوانة خلال تلك الأيام، وفق حديثه.

حظر التجوّل المستمر في الأردن، ألقى بظلاله الثقيلة على قطاع الأدوية أيضًا، مع ارتفاع عدد الإصابات بشكل يومي، حسب تصريحات وزارة الصحة. قبل سريان الحظر، دعت نقابة الصيادلة المواطنين لشراء احتياجاتهم من الأدوية، مؤكدة في بيان لها، أن أبواب الصيدليات ستبقى مفتوحة حتى وقت متأخر وساعات الفجر حتى يتمكن المواطنين من شراء احتياجاتهم من الأدوية.

صباح السبت، أعلنت النقابة على لسان نقيبها زيد الكيلاني إغلاق جميع الصيدليات في الأردن تنفيذًا لقرار الحكومة، بيد أن وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة أمجد العضايلة أعلن مساء اليوم نفسه، عن فتح صيدليات رئيسية في المحافظات وتزويد المواطنين بالأدوية التي يحتاجون لها، وفق آلية التوصيل، قبل أن تعود الحكومة وتقرر أمس الثلاثاء السماح بالبيع المباشر من الصيدليات إلى جانب عدد من المحال الأخرى.

من بين الصيدليات الرئيسية التي فُتحت كانت الصيدلية التي تعمل فيها الصيدلانية إسلام داوود (28 عامًا). جهزت داوود نفسها صباح الأحد لمباشرة عملها بالصيدلية الواقعة في منطقة الزواهرة في محافظة الزرقاء. «فكرت كثير أترك الشغل مشان أولادي، وكان صعب عليّ أخذ إجازة والأصعب ترك ابني الصغير (4 أشهر) وبنتي (4 سنوات)، لكن نقص الكوادر وحالة الطوارئ ظروف أجبرتني أداوم بالصيدلية، وأحط أولادي عند عمتهم (..) صحيح أنا هون بس قلبي وعقلي عند أولادي».

الصيدلانية إسلام باشرت عملها مع ثاني أيام الحظر في الأردن. تصويرة محمود الشرعان.

ما إن وصلت داوود الصيدلية وبدأت بممارسة مهامها الوظيفية بشكل اعتيادي، حتى بدأت المكالمات تصلها من قبل المرضى، للحصول على الأدوية، دون وجود تشخيص طبي لهم أو معاينتهم. تصاعد الضغط على زملائها، مما زاد التوتر لديها.

أثناء حديث داوود عن تجربتها، قاطعتها رنة هاتف الصيدلية لتعتذر وتلتقط سماعة الهاتف وتجيب ثم تعود للحديث: «سامحني ما بقدر ما أرد، كل مكالمة بتوصل لازم أحل مشكلة المريض ووجعه».

تعاود داوود الرد على الهواتف المتتالية، تجيب على أسئلتهم تارة وتحضر الدواء تارة أخرى، لترسله مع مركبة تنقل الدواء لبيوت المواطنين. تحاول تهدئة المتصلين الخائفين من أعراض فيروس كورونا المستجد، ثم تقدم لهم سلسلة من النصائح لزيادة المناعة لديهم من خلال الأطعمة الصحية، وبعض الأدوية ولتخفيف التواجد في الأماكن العامة والازدحام.

لم تخفِ داوود مخاوفها من نقل العدوى لأبنائها الصغار. «بتجيني أفكار أترك العمل وأتفرغ لبيتي والأهم أحمي أولادي من أي عدوى قد تصلهم من خلالي، الواحد إذا نقل العدوى لأي شخص بشعر بذنب كبير، فكيف لو كان الأشخاص هم أولاده؟».

الخوف على الأبناء، أبرز الهواجس لدى الذين يتواجدون في أعمالهم أوقات حظر التجول، فعامل النظافة جمال أبو علي (50 عامًا)، كان يطمئن على صحة أبناءه الثمانية وزوجته ووالدته في صعيد مصر، كل يوم بعد انتهاء عمله.

أبو علي، مصري الجنسية، موظفٌ في بلدية الزرقاء، ويعمل في الأردن منذ ثلاثين عامًا. بدا مرتاحًا خلال عمله في تنظيف الجبل الأبيض بالمحافظة، أثناء فترة الحظر، لكنه يتمنى عودة المواطنين لممارسة أعمالهم. «الصحيح أول ما شفت الشارع حزنت.. الجنة من غير ناس ما تنداس، فكيف هالدنيا!»، ولو كان ذلك يزيد كاهل العمل عليه.

العامل جمال أبو علي. تصوير محمود الشرعان.

يكمل أبو علي دوامه المسائي من الساعة الثانية بعد الظهر إلى الساعة السادسة، رغم خلو الطرقات من القمامة فترة الحظر، ملتزمًا بلباس القفازات والكمامة لحماية نفسه، لكنه في الوقت نفسه يرى أن «الوباء أمر ربنا ولازم نحمده عليه، الحرص واجب، لكن أنا مش خائف من المرض كله».

يتساعد أبو علي وزميله عبد السلام (40 عامًا)، وهو مصري الجنسية كذلك، في تنظيف تقاطع جبل الأبيض وجبل الأميرة رحمة بنت الحسين، ولم يتوقف عمل عمال البلديات في المحافظات ولا أمانة عمان الكبرى، أثناء حظر التجوّل في المملكة. 

الساعة الثانية فجرًا من يوم الاثنين، وعلى الأوتوستراد الواصل بين محافظة الزرقاء والعاصمة عمّان، بدا الطريق الذي اعتاد على الازدحام المروري الدائم معتمًا ومخيفًا بلا مركبات تمر فوقه، ونقاط التفتيش العسكرية تملؤه من الجانبين. المحل الوحيد الذي تبدو الحركة فيه ظاهرًا هو مخبز آلي بالقرب من منطقة جبل طارق؛ لا يبيع المواطنين، وإنما يزود الجيش بالخبز. 

يتحرك خالد الكيلاني، أبو أحمد، (47 عامًا) كآلة صنع الخبز، سريعًا وتلقائيًا دون توجيه، ويشرف على العمال السبعة في المخبز، في ظل ضغط غير مسبوق على الطلب، وفق تصريحات نقيب أصحاب المخابز والحلويات عبد الإله الحموي.

مخبز الكيلاني الذي عمل على مدار الساعة ولمدة أيام، كان أحد المخابز التي لم تتوقف قبيل إعلان حظر التجوّل، وحتى بعده. إذ استمرت بعض المخابز الآلية، بعملية إنتاج الخبز وتزويده للقوات المسلحة. «العمل مستمر، بطلع من البيت الفجر، بروّح بنام كم ساعة وبرجع على المخبز. أنا مؤتمن على الشغل والشغيلة. حاسس إني في مهمة وطنية (..) كان هدفي أنتج أكبر كمية من الخبز».

خالد الكيلاني في مخبزه. تصوير محمود الشرعان.

في طريق عودة الكيلاني لبيته القاطن في منطقة الزرقاء الجديدة، لم يخفِ رضاه لعدم وجود المواطنين في الشوارع، فهو يشعر بالرضا حيال تطبيق قرار الحظر والالتزام به. وإضافة لسعيه توعية من حوله بخطورة فيروس كورونا وأخذه على محمل الجد، لم يخفَ أبو أحمد خوفه من إصابته بالمرض معلقًا «الموضوع جدّي وحسّاس ولازم الكل يخاف».

عند الساعة الرابعة والنصف من مساء يوم السبت، علم عمر أيوب (25 عامًا) بأن قرار الحظر يشمله بعد الآن، فسوف يبدأ عمله في إحدى محطات المحروقات الواقعة في لواء الرصيفة بمحافظة الزرقاء. جاء ذلك بعد إعلان وزيرة الطاقة والثروة المعدنية هالة زواتي، عن استثناء 45 محطة محروقات في مختلف مناطق المملكة، اعتبارًا من صباح يوم الأحد، من قرار حظر التجول.

وصل أيوب إلى محطة المحروقات وبدأ بعمله بشكل مباشر، نتيجة ازدحام المحطة بالمركبات، في ظل قرار إداري بتقليل عدد العاملين في المحطة الواحدة، وتقسيمهم على فترتين (صباحية ومسائية) انطلاقًا من الساعة السادسة صباحًا لغاية السادسة مساءً، ويستمر عمل كل فترة ست ساعات، فيما يستلم هو مسؤولية المحطة كاملة رفقة اثنين من العاملين.

عمر أيوب في محطة المحروقات. تصوير محمود الشرعان.

رغم أن توقعات أيوب بأن حركة الطلب على المحروقات ستكون متوسطة بحكم قرار حظر التجوّل، إلا أنها جاءت عكس ذلك، فشهدت المحطات التي عملت خلال أول ثلاثة أيام من قرار الحظر، اكتظاظ من قبل المركبات المصرح لها بالتنقل، وفق حديثه.

الساعة السادسة من مساء الأحد، بدأ العشريني يجهز نفسه للعودة للبيت. «شغلت السيارة بدي أروح وصابني شعور مش قادر أعبر عنه، بجوز لأني متعود أشوف حركة والناس طالعة وبيوم وليلة ما في حدا بطلع من بيته».

يحاول أيوب في محطة المحروقات عدم الاختلاط الكبير، ويأخذ احتياطاته اللازمة فخوفه على والديه كبار السن، جعله يزيد من وقاية نفسه عند عودته المنزل بشكل أكبر.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية