«معاناة وخيبة أمل»: عن السفر من الضفة إلى الأردن عبر المنصة

الإثنين 12 تموز 2021
سيدة تجلس في استراحة أريحا على الجانب الفلسطيني من جسر الملك حسين. 10 آذار 2020. تصوير عباس المومني، أ ف ب.

منذ بداية العطلة المدرسية الصيفية في الضفة الغربية حزيران الماضي تستعد عبير (46 عامًا) للسفر من قلقيلية في الضفة إلى عمّان، وتتحضّر للحصول على تصريحٍ عبر المنصة الحكومية الأردنية (visitjordan) التي فعّلتها الحكومة تشرين أول الماضي لتنظيم الدخول إلى الأردن وإجراء فحوصات كورونا على المعابر البرية.

تحمل عبير الجنسية الأردنية وهي متزوجة وتقيم في الضفة الغربية، وكانت تنتظر الإجازة المدرسية لتزور والديها في عمّان برفقة زوجها وأولادها وبناتها الأربعة، وذلك بعد أن منعتهم الظروف المادية من زيارتهم خلال السنوات الأربعة الماضية. كما كانت تنوي إتمام عقديْ قِران ابنتيها المؤجلين من عامٍ ونصف حيث عُقدت خطبتهنّ على شابين في الأردن عبر الإنترنت خلال جائحة كورونا.

ولكي تتمكن العائلة من دخول الأردن، كان عليهم تأمين تكاليف السفر التي ارتفعت خلال الجائحة نظرًا لاشتراط إجراء فحصيْ كورونا؛ أحدهما داخل الضفة بتكلفة 20 دينارًا، والآخر لجميع المسافرين على المعابر الأردنية بتكلفة 28 دينارًا.

إضافة إلى ذلك، كان عليهم التسجيل على منصة السفر الحكومية، والتي يتم فتحها يوم الثلاثاء من كل أسبوع لسبعة آلافٍ من الراغبين بالقدوم إلى الأردن من الضفة، أي بمعدل ألف مسافرٍ يوميًا بحسب السقف الذي حدده الأردن، وما إن يكتمل العدد حتى تُغلق المنصة تلقائيًا، وهو ما يستغرق دقائق فقط في ظل الإقبال الكبير على السفر إلى الأردن صيفًا.

ونظرًا لضيق الوقت المتاح للتسجيل، فقد وزعت عبير نسخًا من الأوراق المطلوبة لتسجيل عائلتها على ثلاثة من أقربائها في عمّان، ممن لديهم معرفة بالتكنولوجيا واتصال جيّد بالإنترنت، للتعامل مع المنصة ومتطلباتها. لكنهم لم ينجحوا يوم الثلاثاء الماضي إلا بتسجيل ابنتيْن فقط، فأصبحت العائلة ملزمة بانتظار الثلاثاء المقبل لتسجيل بقية أفراد العائلة، أو إلغاء السفر تمامًا.

ينسحب حال عبير على كثيرٍ من الراغبين بالسفر من الضفة إلى الأردن، سواء من الفلسطينيين أو الأردنيين الذين يحملون الهوية الفلسطينية وكانوا في زيارة للضفة، لكن التسجيل على المنصة يعيق مخططاتهم في السفر ويحمّلهم أعباء مالية ونفسية، بحسب ما قاله عدد منهم لـ«حبر».

وأوضح قسم الجودة في إدارة أمن الجسور لـ«حبر» أن المعدّل الحالي للقادمين عبر جسر الملك حسين يصل إلى نحو 1800 مسافرٍ يوميًا، ألف منهم يسجلون على المنصة، فيما يعبر البقية الأردن من أجل السفر إلى الخارج حيث يتم نقلهم مباشرةً إلى المطار دون الحاجة للتسجيل على المنصة، وهو ما ينطبق كذلك على الحالات الإنسانية والطارئة إذ يتم تنسيق دخولها مع الجهات الرسمية بدون المنصة. ويُشار إلى أن معدل القادمين من الضفة إلى الأردن قبل الجائحة بلغ حوالي ستة آلاف مسافر يوميًّا، بحسب إدارة أمن الجسور، وكان العدد يتجاوز 15 ألف مسافرٍ يوميًّا خلال موسم الحج وفصول الصيف.

كيف تدار المنصة؟

أخذت وفاء (44 عامًا) إجازة من عملها يوم الثلاثاء الماضي، وهي واحدة من أقرباء عبير الثلاثة الذين طلبت مساعدتهم للتسجيل على المنصة. حرصت وفاء على إبقاء ابنتها ذات الأعوام الثلاثة نائمة منعًا لأي فوضى قد تؤخر التسجيل، كما جددت اشتراك الإنترنت وتأكدت من رصيد بطاقة الدفع الإلكتروني، ثم جلست منذ التاسعة صباحًا بانتظار فتح التسجيل على المنصة. عند الـ12 ظهرًا، أتيح التسجيل للقادمين من جسر الملك حسين لما لا يزيد عن 17 دقيقة تقريبًا، لم تتمكن وفاء خلالها من إتمام تسجيل أي من الطلبات.

يتطلّب التسجيل تعبئة معلومات الراغب بالسفر إلى الأردن، يليها إدخال رمزٍ يصل إلى رقم هاتف أردني من أجل استكمال تعبئة الخانات، ثم الدفع الإلكتروني لفحص كورونا لصالح الحكومة الأردنية (28 دينارًا). بعدها يحصل المسافر على رمزٍ آخر (QR code) لإظهاره على الجسر عند السفر، ولا يمكن دخول الأردن دون هذا الرمز بحسب اشتراطات المنصة.

تقول وفاء إنها لم تتمكن من التسجيل بسبب تأخر وصول الرمز المطلوب على رقم الهاتف، ما تسبب بإغلاق المنصة قبل إتمام التسجيل، «كانت معاناة وخيبة أمل (..) صرت ألوم بحالي على إِشي مش ذنبي» تقول وفاء، واصفةً محاولتها التسجيل على المنصة بـ«الصعبة».

عندما أعلنت الحكومة عن تفعيل المنصة، قال مازن الفراية، مدير عمليات خلية أزمة كورونا حينها، ووزير الداخلية الآن، إن المختبرات التي تجري الفحوصات على المعابر الحدودية وفق البروتوكولات الصحية لها طاقة استيعابية محددة يتم ضبطها من خلال المنصة.

منذ تفعيل المنصة حتى مطلع العام الحالي ظلت أعداد القادمين إلى الأردن عبر جسر الملك حسين محدودة بنحو 150 مسافرًا، ولم يكن العمل على المنصة منتظمًا. ثم انتقلت في آذار الماضي إدارة منصات السفر البري من المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات إلى وزارتي الداخلية والنقل، بحسب أحمد النعيمات مدير وحدة الاستجابة الإعلامية في المركز.

المعدّل الحالي للقادمين عبر جسر الملك حسين يصل إلى نحو 1800 مسافرٍ يوميًا، ألف منهم يسجلون على المنصة، فيما كان قبل الجائحة حوالي ستة آلاف مسافر يوميًّا، وأكثر من 15 ألف مسافرٍ يوميًّا خلال موسم الحج وفصول الصيف.

لكن مصدرًا -فضّل عدم ذكر اسمه- في وزارة الداخلية أشار إلى أن جهات عدة تشارك في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمنصة. وأرسلت «حبر» أسئلتها حول آلية عمل المنصة، وسبب استمرار العمل بها رغم رفع معظم الإجراءات المتعلقة بكورونا، والموعد المتوقع لإلغائها، لكن لم تتلق «حبر» أي إجابات.

من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية في حزيران الماضي عن تواصلها مع الأردن من أجل إلغاء المنصة نظرًا لصعوبة التسجيل عليها وتسببها بارتفاع تكاليف السفر. وقال حينها المستشار السياسي لوزير الخارجية الفلسطيني، أحمد الديك، إن الأردن وعد بإلغاء المنصة. 

ويقول ساطع عبد الهادي، مدير الشؤون القنصلية والإدارية في السفارة الفلسطينية بعمّان، لـ«حبر» إن الهدف من استمرار العمل في المنصة هو تنظيم «عدد القادمين بما يضمن السلامة العامة للمواطنين والعاملين على المعبر»، مضيفًا أنه يجري التنسيق مع الأردن في الحالات الطارئة للمسافرين، كوفاة أحد الأقرباء من الدرجة الأولى، أو تلك التي «يثبت ضرورة قدومها للأردن من أجل معاملات لا تحتمل التأخير». وبحسب ما يتوفر لديه حتى الآن من معلومات فإنه «لا يوجد إلغاء للمنصة البرية بشكل عام».

 يرى النائب محمد الظهراوي، رئيس لجنة فلسطين النيابية، أن المنصة حمّلت المسافرين أعباء كبيرة، خصوصًا أن لهم علاقات اجتماعية ومتطلبات معيشية تستدعي التنقل سريعًا بين الضفة والأردن، قائلًا لـ«حبر» إنه طالب وزارتي الداخلية والخارجية بإلغاء المنصة.

من بين الذين أعاقت المنصة مخططاتهم علاء العجاوي (43 عامًا) الموظف في بلدية إربد الكبرى، إذ سافر قبل حوالي 10 أيام إلى الضفة الغربية برفقة ابنته التي ستكمل الأسبوع المقبل عامها الـ18 من أجل استصدار هوية فلسطينية لها، وقد كانت معرضة لفقدان فرصتها في استصدار الهوية لو أنها أتمت الـ18 دون إنجاز المعاملة.

حصل علاء على إجازة من عمله لمدة أسبوع، وفي نيته العودة إلى الأردن خلال يومين فور الحصول على الهوية الفلسطينية لابنته التي من المخطط أن يكون يوم زفافها في الـ14 من الشهر الحالي، وليلتحق بعمله عند انتهاء الإجازة، لكن التسجيل على المنصة استغرق وقتًا أكثر مما توقع.

فشل علاء مرتين في التسجيل على المنصة، وأصبح متغيبا عن عمله بعدما انتهت إجازته الاثنين الماضي، وصار من المحتمل أن يتأخروا عن موعد زفاف ابنته، «هيها جنبي بتعيط وبتقولي رح يروح عليي العرس يابا»، يقول علاء.

استعان علاء في المرتين بقريبة له تعمل في أحد مكاتب السياحة والسفر في الضفة الغربية، والتي أصبحت تقدم خدمة التسجيل على المنصة مقابل مبالغ مالية تختلف من مكتب لآخر. يقول علاء إن ما أعاق تسجيله هو تأخر وصول الرّمز إلى رقم الهاتف الأردني.

تواصل أقرباء علاء مع وزارة الداخلية في عمّان للاستفسار عن إمكانية اعتبار حالة علاء طارئة وإنسانية نظرًا لاقتراب موعد زفاف ابنته، لكنهم لم يصلوا إلى نتيجة مفيدة بحسب علاء. لكن، تلقت العائلة يوم الخميس الماضي نصيحة بالتوجه إلى دائرة المخابرات في إربد طلبًا لمساعدتهم في الأمر، وبعد تقديم إثباتات على موعد الزفاف، سهّل موظفون في الدائرة تسجيل علاء كحالة إنسانية، ليعود إلى الأردن صباح السبت الماضي.

قبل الجائحة، بلغ عدد الأردنيين الذين دخلوا الأردن عام 2018 عبر جسر الملك حسين حوالي 300 ألف مسافر من أصل 887 ألف مسافرٍ دخلوا عبر الجسر، بحسب أرقام وزارة السياحة والآثار. لكن العدد انخفض عام الجائحة إلى 200 ألف مسافرٍ منهم حوالي 80 ألف أردني.

بدائل مكلفة

كان على عدي حريبات (31 عامًا) أن يسافر خلال عام 2020 من رام الله إلى ألمانيا قبل أن تنتهي أواخر العام الحالي فيزا الزيارة التي حصل عليها، من أجل إتمام أوراق زواجه التي بدأ العمل عليها عام 2019 لكن الإغلاقات بسبب الجائحة منعته من السفر العام الماضي، وأصبح قلِقًا من اقتراب تاريخ انتهاء صلاحية الفيزا، ما دفعه في الأسابيع الماضية لاستعجال السفر.

لا يحتاج المرور من الأردن عبر المطار للتسجيل على المنصة، حيث تنقل باصات مخصصة من الجسر إلى المطار، دون السماح لهم بالدخول أو التجول في الأردن، وهو ما يتطلب -بحسب عدي- حجز موعد طيران يتناسب مع موعد الوصول إلى المطار، وهو أمر مرهون بسرعة الإجراءات على المعابر الحدودية، وفي ظل منع التجول الليلي في عمّان فإن أي تأخير في موعد وصول المسافر إلى المطار سيفوّت عليه الطائرة، ويضطره للمبيت في فندق المطار الذي لا يقل سعر الليلة فيه للفرد الواحد عن 85 دينارًا، وهو سعر «مكلف» كما يقول عدي، ما دفعه للتسجيل على المنصة حتى يتاح له التجول في عمّان، ويضمن بالتالي وصوله إلى المطار على الموعد المحدد.

نجحت المحاولة الثالثة للتسجيل على المنصة بعدما استعان عدي بمكتب سفريات وخدمات سياحية مقابل 10 دنانير (50 شيكل)، «يوخذ 50 شيكل بس يخلصني، بدي أريّح راسي، ما أظل أستنى كل ثلاثاء» يقول عدي.

يقول مؤيد اللداوي، الشريك في أحد مكاتب الخدمات السياحية، إن الإقبال على المكاتب بدأ في آذار الماضي، نظرًا للصعوبات التي يواجهها الأفراد للتسجيل وحدهم على المنصة، حيث يتطلب التسجيل تعبئة العديد من الخانات في عدة صفحات، وتغيير أحجام الصور المرفقة، والدفع إلكترونيًّا لقاء فحص كورونا وهو ما ليس متوفرًا لكثير من المسافرين بحسب اللداوي.

يسجل المكتب المسافرين على المنصة من خلال العمل مع عدد من الشباب والشابات وتدريبهم على التسجيل، ثم توزيع معاملات المسافرين عليهم لإدخالها يوم الثلاثاء بأقصى سرعة ممكنة قبل إغلاق المنصة. ويقول اللداوي إن المكتب كان يدخل معظم المعاملات لديه، لكن الأسابيع القليلة الماضية شهدت ازديادًا في الإقبال على التسجيل بسبب فصل الصيف والإجازات والأعياد، ما جعل الوقت المتاح للتسجيل على المنصة قصيرًا يتراوح بين 10-15 دقيقة بحسبه.

بالمقابل، ليست الاستعانة بمكاتب السياحة خيارًا متاحًا لجميع المسافرين، خصوصًا لو كان عدد أفراد العائلة المسافرة كبيرًا كما تقول عبير، مضيفةً أنها استدانت تكاليف إجراء فحوصات كورونا على أن تسدده بالأقساط خلال العام المقبل، ما يجعلها لا تحتمل أية تكاليف إضافية قد تطرأ في السفر.

من أجل الحالات المشابهة والصعوبات التي يواجهها كثيرون في السفر عبر المنصة، أُنشِئَت مجموعات عديدة على منصات التواصل الاجتماعي يتبادل أعضاؤها التجارب والنصائح. فيما أُطلقت حملاتٌ على فيسبوك للمطالبة بتسريع إلغاء المنصة قبل استئناف الدوام المدرسي في الضفة يوم 15 آب المقبل، حتى يتمكن المسافرون من القيام بزياراتهم وإتمام معاملاتهم خلال العطلة التي كان ينتظرها الكثيرون بعد عامٍ من الإغلاقات بسبب الجائحة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية